بمناسبة العيد
سماحة المفتي العام عبد الكريم الخصاونة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
يسرني أن أتقدم بالتهنئة والتبريك للمسلمين جميعاً بعيد الفطر السعيد، كما يسعدني أن أهنئكم بعوائد الله التي حصلتم عليها في شهر رمضان الكريم، فقد بشركم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، وكذلك من قام ليلة القدر، فهنيئاً لكم.
وإن فرحة المسلم الحقيقية طاعته لله، وتأديته للعبادات، وهذا خير مما يجمع الناس من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفاتنة والنعيم الزائل، فإن الدنيا بما فيها لا تساوي جناح بعوضة كما ورد في الحديث الشريف، قال الله عز وجل: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يونس/ 58، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فضل الله القرآن ورحمته الإسلام"، فالحمد لله والفضل له على منّه وإحسانه وإرشاده لنا إلى معالم الدين، قال تعالى: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة/ 185.
ولهذا قال جمهور الفقهاء بمشروعية التهنئة بالعيد؛ لأنها مشاركة بالتبريك والدعاء من المسلم لأخيه المسلم فيما يسره ويرضيه، ولما في ذلك من التوادّ والتراحم والتعاطف بين المسلمين، وقد جاء في القرآن الكريم تهنئة المؤمنين على ما ينالون من نعيم وذلك قوله تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الطور/ 19.
فمن زار أخاه ليهنأه بالعيد أو عاده إن كان مريضاً، صلت عليه الملائكة ودعت له بالخير والبركة، قال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ) سنن الترمذي (3/292)، والخريف: هو الثمر الذي يخترق: أي يحنى ويقطف.
ومن علامات قبول الصيام أن يصير الصائم لين الجانب طيب الكلام، وأن يخفض جناحه ولا ينطق إلا بالقول الحسن، قال الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة/ 83 ومن اتصف باللطف وسعة الصدر ولم يحمل غشاً للناس فهو الصائم الحق، لأن الصائم طهر قلبه من وساوس الضغينة، وزكى نفسه من ثوران الأحقاد، فعن عبد الله بن عمر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: (كل مخموم القلب، صدوق اللسان)، قالوا: صدوق اللسان، نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد). سنن ابن ماجه 2 / 1409.
ولهذا لما عرَّف الرسول صلى الله عليه وسلم المسلم قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فالصائم حفظ نفسه من آثار اللسان الكثيرة منها: اللعن والطعن والشتم والفتنة والغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء والقذف والتكفير ...الخ.
وقال صلى اله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (كفّ عليك هذا) وأشار إلى لسانه.
ومن باب أولى أن نسعى لحقن الدماء التي أسرف فيها الإرهابيون، حيث سفكوا دماءً بريئة، دماء الأطفال والنساء والولدان الذين يستغيثون ويستجيرون....، لكن المجرمين الإرهابيين خلت قلوبهم من الرحمة، واستطابوا الحرق والتعذيب للناس فبئس ما يعملون.
وعصابة داعش الإرهابية أحلت الدماء الزكية باسم الدين والدين منهم براء، وحسبهم قول الله عز وجل: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/ 93، وحسبهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) سنن الترمذي4 / 16.
أسأل الله تعالى أن يتقبل منا الصيام والقيام وأن يعيده علينا وعلى المسلمين جميعاً باليمن والبركات، وأن يحفظ الأمة الإسلامية، أن يجعل بلدنا هذا آمنا مستقراً وجميع بلاد المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.