منطلق التغيير الرمضاني
المفتي الدكتورعبدالحكيم توفيق
الحمد لله رب العالمين الذي يُغيّر ولا يتغيّر، وُيبدِّل ولا يتبدّل، وصلاة ربي وسلامه على من جاء بمنهج التغيير نحو الأفضل، سيدي ومولاي رسول الله محمد، وآله الأخيار وصحبه الأطهار؛ وبعد:
فإنه مما لا ريب فيه أن قاعدة التغيير في حياة الفرد، ومن ثَمّ المجتمع قاعدة مقررة في دين الله، وأصيلة في التربية الإسلامية السامية؛ وذلك من خلال القدرة الممنوحة للأفراد على تغيير ما في أنفسهم؛ فيكون ذلك سبباً لأن يغيّر الله حالهم فإذا غيّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغيّر المجتمع نحو الأفضل.
فالتغيير إنما يبدأ وينبع من الداخل. أي داخل النفس. وذلك بتغيير الأنماط العقائدية، والمعيارية، والقيمية، والفكرية للإنسان؛ فإذا ما تغيّر ذلك إلى ما يرضي الرب، فإنه ينعكس على السلوك الخارجي للفرد، والمجتمع على السواء، فيحصل التحوّل من حالة إلى حالة من واقع نعيشه إلى حال آخر ننشده.
إنّ العامل الأهم والفاعل الأكبر في تغيير ما في النفس هو الإيمان حينما يستقر في القلب؛ إذ يهيئ النفس لتقبُّل المبادئ. مهما يكن وراءها من تكاليف وواجبات وتضحيات ومشقّات، فتتغير الأهداف والوسائل، والوجهة والسلوك، والذوق والمقاييس وتختلف عمّا كانت عليه.
كيف يسهم رمضان في إحداث التغيير المطلوب.
لا أحد يمكن أن ينكر ما لرمضان من أثر فعّال في عملية التغيير المنشودة، وذلك من خلال النقاط الآتية:
أولاً: عامل التقوى: والذي لصوم رمضان دور بارز في إحداثه وتعزيزه، وقد نصّت الآية الكريمة على أن فرض صيام رمضان إنما شرع لأجل تحقيق التقوى، وذلك قوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/183.
ثانياً: الحوافز الدافعة للتغيير في رمضان: إن في رمضان من الأجواء الإيمانية ما يساعد على النهوض، ويشجع على التغيير الإيجابي في حياة الصائم، والأحاديث النبوية المبيّنة لفضل الصيام والصائمين، وما أعدّ الله لهم من جوائز، وذلك من قبيل غفران ما تقدّم من ذنوب، ودعوات لا ترد، واختصاص بالدخول من باب الريّان، وما هيأه الله ويسَره من أسباب الخيرات، وفعل الطاعات، حيث النفوس فيه مقبلة، والقلوب إليه والهة، فمردة الجانّ فيه مصفدة، وأبواب الجنان مفتوحة، وأبواب النيران مغلّقة، وليلة القدر حاضرة، والعتق من النار وارد، ألا يعْدّ ذلك كافياً للمسارعة في الخيرات، والتنافس في القربات، وهجر الموبقات، وترك الشهوات.
ثالثاً: الإرادة والصبر في رمضان: إنّ للإرادة أهمية خاصة في التغيير، وإنّ رمضان مدرسة تربوية يتربى فيها المسلم تربية عملية على قوة الإرادة، والتحمّل، واكتساب ملكة الصبر، والتعوّد على احتمال المشاقّ والجلد على الشدائد؛ فيكتسب العزيمة في الوقوف عند حدود ربه، وتنفيذ أوامره، وضبط جوارحه عما لا ينبغي من خلال دورة مكثفة طيلة شهر كامل؛ فيتخرج منها ناجحاً ظافراً من جهاده لنفسه، موفراً مواهبه الإنسانية وطاقاته لجهاد أعدائه، ويستطيع بعدها ترك التعاطي بالحرام، وهجر مألوفاته المحرمة أو المكروهة شرعاً.
رابعاً: التعود على الاعمال الصالحة والتخلّق بالأخلاق الحسنة: إن رمضان محطة تزود بأعمال صالحة كالصلوات المفروضة فيحافظ عليها كثير ممن كانوا مفرطين فيها فلا يصلونها، أو يؤخرونها عن وقتها، أو يتخلفون عن أدائها في المسجد وإذا بهم في رمضان قد وفقهم الله للصلاة مع الجماعة، وإلف المساجد وعمارتها بالذكر، والتلاوة، والتسبيح، وصلاة التراويح، هذا من ناحية العبادة، وأما من جهة الأخلاق فإن رمضان فرصة للتخلي عن رذائل الأخلاق من أنانية وشح.
خامساً: التوبة والإنابة في رمضان: في رمضان يسارع العديد من المذنبين إلى الإنابة إلى ربهم، مبادرين إلى الاستقامة، معلنين التوبة إلى بارئهم.
وخلاصة الأمر، أن الصائم القائم إيمانا واحتساباً، سيجد نفسه قد تجددَت حياته، وبذلك يتحقق التغير الإيجابي المطلوب، ويبقى الأهم وهو أن يحافظ عليه، ويثبت ويسعى للازدياد منه في قابل أيامه.