رمضان شهر الصبر
المفتي أنس الكساسبة
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوم شهر الصبر، وثلاثة أيام من كل شهر، صوم الدهر كله) أخرجه أحمد بسند صحيح.
وصف النبي صلى الله عليه وسلم رمضان بشهر الصبر؛ لأنه شامل لأنواع الصبر:
الصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فالصوم فيه صبر على طاعة الله من صلاة وذكر وقراءة قرآن وغيرها من أجناس الطاعات، وصبر عما حرم الله من الشهوات، وصبر على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن، فيثاب عليه الصائم.
فإذا كان الصيام معدن الصبر ومصنعه وأصله ومنبعه، يمكننا حينئذ فهم ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا الذي أجزي به؛ إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) فقد أُبهم أجرُ الصيام في الحديث، وما ذلك إلا لأن الصيام يمثل حقيقة عبادة الصبر، وقد قال تعالى في جزاء الصابرين: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10.
فيكون الصوم مستثنى من الأعمال المضاعفة بقدر معلوم، فالأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر.
قال ابن رجب رحمه الله: "ومن أفضل أنواع الصبر: الصيام، فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة؛ لأنه صبر على طاعة الله - عز وجل -، وصبر عن معاصي الله؛ لأن العبد يترك شهواته لله - عز وجل - ونفسه قد تنازعه إليها". [جامع العلوم والحكم 2 / 649].
ولعل مما يستنبط من حكم بالغة في عبادة الصيام، أن هذا الدين العظيم جاء ليغرس في الإنسان قوة الإرادة وصدق العزيمة، والثبات في الشدائد والصبر عليها، فالذي يصبر على ما لابد له منه من الطعام والشراب، الذي هو سبب يحفظه من الموت والهلاك، ويصبر على ذلك نهار شهر في كل عام، فإنه قادر على أن يجمح الشهوات والرغبات التي له منها بد، ومن باب أولى عن الكماليات التي هي زائدة عن حاجاته.
فرمضان سبب لعلو الهمة وشرف النفس، فكم من قائم يتلو آيات الله عز وجل؟ وكم من متصدق يحثو المال من بين يديه؟ وكم من ذاكر لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله عز وجل؟ وكم من ساعٍ على الأرامل واليتامى؟
فلنقبل على هذا الشهر الفضيل بنية صادقة وعزيمة قوية نغتنم ما فيه من نفحات ربانية، فإذا كان رمضان كالغيث فإنه بحاجة إلى أرض طيبة تستقبل هذا الغيث، فإذا اجتمع الغيث مع الأرض الطيبة نبت الزرع الطيب بإذن الله، يسر الله لنا حسن الصيام، وجعلنا ممن يؤدون هذه الفريضة على الوجه الذي يرضيه عنا. والحمد لله رب العالمين.