بيان حول خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي
في الوقت الذي يتعرض فيه الإسلام لحملة ظالمة تستهدف تشويهه وإلصاق تهمة التطرف والإرهاب به بحجة الممارسات التي يقوم بها بعض المنتسبين إليه وهو منها بريء، جاء خطاب جلالة الملك عبد الثاني ابن الحسين حفظه الله أمام البرلمان الأوروبي معبراً عن حقيقة الدين الحنيف ورسالته السمحة، وما يتضمنه من قيم ومعان سامية ومقاصد نبيلة، وإننا في دائرة الإفتاء العام إذ نثمن ما ورد في خطاب جلالته وإيصال رسالة الإسلام إلى العالم وإبرازها بصورتها الحقيقية، لنؤكد على ما يلي:
أولاً: إن الإسلام دين عالمي، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم أرسل للناس كافة، يقول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) سبأ/28، وواجب المسلمين إيصال هذه الدعوة العالمية إلى الشعوب والحضارات المختلفة، وعرضها عليهم بصورتها الحقيقية الناصعة، مع مراعاة أن الاختلاف بين الناس أمر واقعي وطبيعي، لذلك نبه عليه الله تعالى بقوله: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هود/118-119، أي خلقهم ليرحمهم، أو للاختلاف خلقهم. وما على المسلم إلا أن يحترم إرادة الله في خلقه، ومن أجل هذا فإن خطاب التكريم الرباني للإنسان لم يقتصر على أتباع دين دون آخر بل عمّ جميع البشر، فقال الله سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) الإسراء/70، فالإسلام ينظر إلى الإنسان نظرة تكريم واحترام لإنسانيته بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه، وقد جعل الله تعالى الاختلاف بين الناس ليتعارفوا فيما بينهم ويستعينوا بخبرات بعضهم؛ ليحققوا غاية عمارة الأرض والاستخلاف فيها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13.
ثانياً: دعا الإسلام إلى الحوار مع أصحاب الديانات والاجتماع على كلمة سواء ليتحقق الوئام بينهم، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/64.
ثالثاً: إن للجانب الأخلاقي مكانة سامية في حياة المسلم في السلم والحرب، وهو لا يتنازل عن مبادئه وثوابته المنبعثة من إيمانه بالله تعالى وبرسالة نبينا محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربنا تبارك وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء/107. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم المجاهدين من الصحابة بقوله: (انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) رواه أبو داود.
رابعاً: نؤكد على حق أهل فلسطين في أرضهم وترابهم الوطني ودولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعلى حق المسلمين في المسجد الأقصى. والواجب الشرعي على المسلمين جميعاً، شعوباً وقيادات وحكومات وأصحاب فكر ورأي أن يدافعوا عن المسجد الأقصى مما يحيط به من أخطار وما يتعرض له من انتهاكات.
وإننا نؤكد أن الوصاية على المسجد الأقصى هي حق للمسلمين ممثلين بالقيادة الهاشمية التي استمدت وصايتها على المقدسات بحكم إرثها التاريخي، واتفاقية الوصاية الموقعة مع السلطة الفلسطينية، ولا يجوز التفريط بهذه الولاية على المقدسات أو التنازل عنها.
سائلين الله تعالى أن يحفظ بلدنا آمناً مطمئناً وأن يجنبه الفتن، ما ظهر منها وما بطن. والحمد لله رب العالمين
دائرة الإفتاء العام