هل نحن بحاجة إلى فهم جديد للإسلام؟
الإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه للناس كافة، خاتماً للشرائع السماوية، متمماً به مكارم الأخلاق، مراعياً به فطرة الإنسان وكرامته على هذه الأرض، وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، فهمه الأعرابي الذي جاء من البادية قبل الحضري، قال تعالى (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف /108، وفي خضم الأحداث الجسام التي تعيشيها أمتنا، في هذا الزمن وما رافقها من تصرفات باسم الدين وتنسب إليه، ظهرت دعوات تنادي في جوهرها بإعادة رسم خارطة جديدة للدين الإسلامي تنعكس على فهم جديد للإسلام، وقد توفرت لهذه الدعوات بيئة صالحة مما يعانيه المسلمون قبل غيرهم من هذه التصرفات، فهل نحن حقاً بحاجة إلى فهم جديد للدين الإسلامي من خلال رسم خارطة جديدة وإعادة هيكلة نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية؟
إن الدعوة إلى هذا المفهوم تحمل في طياتها من التطرف ما هو أشد وأدهى من التطرف الذي نعيشه اليوم، وسيكون له آثار كارثية تتيح مزيداً من الغلو والتطرف والعنف من خلال توفير مسوغات شتى للمتطرفين ولكل من لديه قابلية للتطرف، حيث ستظهر هذه الدعوة على أنها حرب ضد الإسلام، وفرصة للانقضاض عليه، وربما هي كذلك سواء حسنت النية أم ساءت.
لا ننكر أننا بحاجة إلى مراجعات جادة مما يتعلق بفهمنا للدين، وإذا أردنا أن نحدد طبيعة هذه المراجعات وشكلها، فالأولى أن يقال أننا اليوم بحاجة إلى أن نفهم ديننا الإسلامي بنصوصه فهماً صحيحاً سليماً، وأن نعمل على تنقيته مما علق به من الشوائب وغبار الموروثات والأفكار التي أصبحت من المسلمات في نظر بعض المتدينين فضلاً عن العامة، فأصابت العقل الإسلامي بعلل أثرت على منهج التفكير والفهم، فكانت هذه التصرفات والمآلات نتيجة حتمية لهذه العلل.
إن الفهم الصحيح للإسلام يجب أن ينبني على أسس سليمة، أولها: التمسك بالقرآن الكريم ونصوصه، والثانية: التمسك بالصحيح والثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث: هو الفهم الصحيح السليم لهذه النصوص من القرآن والسنة الصحيحة في ضوء القواعد الكلية والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، بعيداً عن التحريف والتشويه وليّ أعناق النصوص لتأييد فكر أو انتصار لمذهب أو تبرير عمل وإيجاد مسوغات له، وهذا الفهم يجب أن يرتكز على أصول وقواعد الاجتهاد، وما يصلح من اجتهاد العلماء السابقين، مما يرتبط بالأصل ويراعي حاجات ومتطلبات العصر، ويتفق مع المقاصد العامة والقواعد الكلية للشريعة الإسلامية، وطرح الكثير من الأقوال والاجتهادات وتنقية كتب الفقه الإسلامي عموماً منها، ولا أقصد بالتنقية هنا حذفها من الكتب وإنما أن يدرك القارئ أنها جاءت لزمن معين أو ظرف معين لا يصلح لعصرنا، أو أنها جاءت في إطار اجتهاد انحرف عن منهج الفهم السليم والإدراك القويم بطبيعة الدين وصلته بالحياة، وليس في هذا ما يضيرنا أو يمس الفقه الإسلامي أو ينتقص من قدره لا سمح الله، فكلٌّ يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر، أي النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الإمام الشافعي، فلا يجوز أن تستباح الدماء وتنتهك الأعراض والأموال بأقوال لبعض أهل العلم تخالف نصوص الكتاب والسنة والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، وتعطيها قداسة تفوق قداسة القرآن والسنة، بحيث يستدل بها بدلاً من الاستدلال بنصوص القرآن والسنة الصحيحة ومنهج الاجتهاد القائم على الفهم السليم.
يجب أن ندرك أنه منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا مرّ في تاريخنا الكثير من العلماء والمجتهدين والمفكرين حيث اجتهدوا لواقعهم ومجتمعهم وزمانهم، وليس من المعقول أن تأتي كل فرقة أو طائفة في زمن من الأزمنة عبر تاريخنا لتأخذ برأي عالم وتفرضه على غيرها على أنه الدين القويم الذي لا يقبل اجتهاداً ولا تأويلاً والذي يجب فرضه بالسيف رحمة للعالمين، وواقعنا اليوم في عالمنا الإسلامي يشهد نموذجاً حياً لهذه الحالة.
نعم نحن اليوم بحاجة إلى فهم صحيح للإسلام وليس فهماً جديداً، ومن شأن الفهم الصحيح أن يمهد لأمتنا طريقاً للتغلب على عللها وأدوائها، وأن يمهد لها طريقاً لنهضتها وعزتها.