الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطّاهرين، وبعد:
تعليق الاجتماع لصلاة الجمعة والجماعة في المساجد، إجراء وقائي ينسجم مع مقاصد الشريعة الإسلامية في الحفاظ على حياة الناس وأرواحهم، حيث يقلل هذا الإجراء من انتشار الوباء بين الناس، ويخفّض عدد المصابين، مما يحصر الداء، ويُعجّل من عودة الحياة إلى مسارها الطبيعي. وعليه فإنّ الالتزام بالتعليمات الصادرة عن ولاة الأمر في هذا الشأن واجبٌ شرعيّ وقانوني؛ لأنّ فيها مصلحة العباد والبلاد.
إنّ مخالفة التعليمات والانسياق وراء العواطف من خلال التجمع لأجل أداء صلاة الجماعة أو الجمعة في الحي مخالفة شرعية؛ لأنّ فيها عصيانًا لولي الأمر الذي طلبنا الله بطاعته في غير معصية، وفاعله آثم شرعًا لأنّه بفعله هذا ينشر الوباء بين الناس، مما يسبب وفاة بعضهم، والله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] ويسبب الضرر للبعض، وهو محرمٌ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) رواه مالك.
وإذا كانت صلاةُ الجمعة فرضَ عينٍ تسقط بالعذر الشرعي من مرض أو سفر أو مطر، فمن باب أولى سقوط النافلة في المسجد، ونحن مقبلون على شهر رمضان المبارك الذي ندعو الله تعالى أن يجعله شهر خير وبركة على الناس أجمعين نؤكد أنّ الالتزام بالصلاة في البيوت أمر مطلوب شرعًا، سواء كانت فريضة كالصوات الخمس أو نافلة كصلاة التراويح، التي تصحّ في المنازل فرادى أو جماعة بين أهل البيت الواحد، فمن لم يستطع صلاتها جماعة فتجوز فرادى، قال شيخ الإسلام الإمام النووي: (وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أصحابنا المتقدمين (والثاني) الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ) [المجموع شرح المهذب 4 / 31]. ويمكن الجمع بين هذه الأقوال بأن يقال: إن مدار الصلاة على الخشوع فمن كان يحصل الخشوع في الجماعة فهي له أفضل ومن كان يحصل الخشوع في الانفراد فهو له أفضل. أما وأن الجماعة اليوم في المساجد متوقفة حرصاً على سلامة الناس التي هي عند الله تعالى عظيمة فالالتزام بصلاة التراويح في البيت هو الواجب شرعاً ولمن التزم بها طاعة لله ولولي الأمر وحفاظًا على صحة الإنسان فله أجر الجماعة وهو في بيته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا، وَلَا وَادِيًا إِلَّا وَهُمْ مَعَنَا؛ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) متفق عليه.
أمّا صلة الرّحم في رمضان وقبله وبعده، فيكتفى فيها بالاتصال الهاتفي والرسائل القصيرة، حرصًا على التباعد الاجتماعيّ الذي يضمن بإذن الله محاصرة الوباء، وليست محصورة أو مقصورة على الولائم أو الزيارات المتبادلة، وخاصّة ونحن في شهر العبادة والطّاعة، فعلينا أن نحرص في هذا الشّهر في ظلّ هذا الوباء على إعمار الوقت بذكر الله تعالى وطاعته، والدّعاء والابتهال، وقراءة القرآن الكريم، والتصدق على الفقراء والمساكين، ويُمكن لأحدنا أن يقدِّم لأرحامه وغيرهم من المحتاجين والفقراء شيئًا من المال لينال أجرة إفطار الصائم. وتقبّل الله تعالى منّا ومنكم طاعاتنا.