الحمد الله الذي كرّم الإنسان، وجعله خليفة في الأرض ليعمرها، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون) البقرة/30.
الحمد الله الذي أرسل الرسل، وأنزل معهم الكتب ليقوم الناس بالقسط, فما كان الله تعالى ليذر الناس يعيشون كما تعيش البهائم يأكل منهم القوي الضعيف، يسلبه حقه بالعيش على هذه الأرض.
من أجل ذلك حدّ الله تعالى حدوداً وبيّن حقوقاً لئلا يتعدى أحدٌ على أحدٍ, ولئلا تتصادم مصالح الناس مع بعضهم على كثرتهم.
لكنّ بعضاً من الناس - وهذا موجودٌ في كل العصور والأمكنة - يسلكون طريقاً غير الطريق التي أرادها الله تعالى, ويسيرون درباً غير التي رسمها ربّ العزة جل وعلا، فتأخذهم الأهواء، ويستحوذ عليهم الشيطان فيستعلي القوي على الضعيف بقوته، والغني على الفقير بغناه، والحاكم على المحكوم بسلطانه، وتنتشر الجرائم بشتى أنواعها وتسفك الدماء.
فمن أجل ذلك حفظت الشريعة الإسلامية بأحكامها المُحكمة النفس البشرية، وجعلت ذلك ضرورة من ضروراتها، قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة/32.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) [رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) [رواه مسلم].
وانطلاقاً من هذه النصوص الشرعية؛ فقد حرم الإسلام الاعتداء على النفس البشرية بالقتل، واعتبر ذلك من أعظم الذنوب وأفدحها وأكثرها خطراً على الأفراد والمجتمعات؛ نظراً لما تثيره هذه الجريمة من رعبٍ وفزع وإشغال للرأي العام.
لذلك لم يتصوّر الإسلام أن يُقدم المسلم على قتل أخيه إلا بطريق الخطأ، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) النساء/92.
يقول العلامة الآلوسي في تفسيره: "لأنّ الإيمان زاجر عن ذلك" تفسير الآلوسي (4/178)، ويقول الإمام القرطبي: "والمعنى ما ينبغي لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" تفسير القرطبي (5/272)، أما مَن صدر منه القتل بطريق العمد فقد توعده الله تعالى بأشدّ العذاب حيث قال تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء/93، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (كلّ ذنبٍ عسى الله أن يغفره إلا مَن مات مشركاً، أو قتل مؤمناً متعمداً) [رواه أبو داود].
ولعظم هذه الجريمة، فقد حمّل الله تعالى ابن آدم الأول الذي قتل أخاه وزراً من وزر كل مَن قتل إنساناً ظلماً إلى آخر هذه الحياة الدنيا، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنه كان أوّل مَن سنَّ القتل) [مسند الإمام أحمد، حديث رقم:3450].
لذا فما نراه ونلحظه من انتشار ظاهرة القتل العمد التي تطالعنا بها وسائل الإعلام كل صباح غريب على مجتمعنا الأردني الآمن, فلقد أصبح الواحد منّا ما أن يُطالع هذه الوسائل يومياً إلا ويقرأ أو يسمع أو يشاهد خبراً عن حدوث جريمة قتل راح ضحيتها بريءٌ، بل تعدى الأمر إلى وقوع هذه الجريمة البشعة داخل إطار الأسرة الواحدة التي ينبغي أن تكون ملجأ آمناً لكل أفرادها، لا أن يلقى الإنسان مصرعه على يد أقرب الناس إليه.
فعندما تلقى المرأة مصرعها على يد ابنها الذي طالما حلمت به وكم فرحت بحمله، وكم اشتاقت لرؤيته، وكم سعدت بقدومه، وكم سهرت على رعايته وتربيته، تأمل أن تراه كبيراً ليكون لها عوناً في هذه الحياة القاسية, وما تدري هذه الأم المسكينة أنها إنما تربي مَن سيقتلها، مَن سيرد لها الجميل طعناً وغدراً وقتلاً بأبشع صورة.
والجدير بالذكر أن المتتبع لوقوع هذه الجرائم في مجتمعنا يجد أن الأبرياء من ضحايا هذه الجرائم قد أزهقت أرواحهم لأسباب واهية وبغير وجه حق، إما من أجل مال، أو لأجل ثأر، أو لأجل الاعتداء على عرض وما إلى ذلك.
لذلك يجب على كل المسؤولين وجميع الجهات الحكومية وغير الحكومية أن تقف صفاً واحداً تجاه هذه الظاهرة الخطيرة، والحدّ من انتشارها وردع مَن يقوم بها، وإنزال حكم الله تعالى به حتى يكون عبرةً لغيره.
وفي شريعتنا الإسلامية من العقوبات ما يردع الجاني وغيره عن اقتراف جريمة القتل أو غيرها من الجرائم أو حتى التفكير فيها، فقد قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة/179.
وهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد عاقب اليهودي الذي رضّ رأس الصبية بالحجر بنفس الطريقة، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: (أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَتْ قَدْ رُضَّ رَأْسُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا؟ أَفُلاَنٌ؟ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ) [رواه أبو داود].
فالقصاص ينبغي أن يكون العقاب لمن يقترف هذه الجريمة النكراء حتى يعود لمجتمعنا النقيّ الطاهر أمنه وأمانه، ويسعد كل إنسانٍ بما حباه الله تعالى به في هذا البلد الطيب من نعمة الأمن.
ومن الجهات التي ينبغي أن تقف في وجه انتشار هذه الظاهرة العلماء وأصحاب الفكر والرأي، فيجب تكثيف الإعلام الديني الذي يُبيّن مدى إثم ومدى عقوبة قاتل النفس البشرية.
وأختم بالقول: إنّ انتشار هذه الظاهرة الخطيرة إنما هو دليل ضعف إيمان من قام بها، بل غياب الإيمان بالكلية عنه لحظة ارتكابه لهذه الجريمة، فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المسلم إذا وقع منه الذنب وقع لحظة ضعف إيمانه وغيابه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) [رواه البخاري]
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.