الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، أما بعد:
فتوضيحًا لما نشره موقع (سرايا) الإخباري تحت عنوان: "دائرة الإفتاء تتأخر بإصدار فتوى حول أغذية يتناولها الأردنيون يُعتقد أنها محرمة"، يتساءل فيه الكاتب عن مبررات تأخر الجواب في هذه المسألة!
وحول هذا الموضوع فإن دائرة الإفتاء العام توضح أن تأخر الجواب ليس (مماطلة) كما نُشر في العنوان أول مرة؛ بل اتباعًا للمنهج النبوي السامي في التأني والتثبت قبل إصدار الفتوى؛ فهي مسؤولية بين يدي الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأَنَاةُ مِنَ اللهِ، وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ) رواه الترمذي.
وهذا المنهج النبوي هو السبب المباشر لضبط الفتوى من الانحراف نحو التشدد أو التساهل، وصيانتها عن الزلل والخطر، وقبل ذلك سلامة المفتي بين يدي الله يوم القيامة، خاصة في المسائل الشائكة الدقيقة، كمسألة (المواد المستعملة في الصناعات الغذائية).
فهي مسألة ترتبط بمئات المنتجات المتنوعة، وتدخل في حياة جميع المسلمين، وتُشرف عليها آلاف الشركات والمصانع، ولكلٍّ منها طريقته في التصنيع والتركيب. والفقيه العالم هو الذي يُفرِّق ويتأمل إن كانت تحققت (الاستحالة) المغيرة لتركيبة المادة أم يكفي (الاستهلاك والانغمار) كما قال به بعض الفقهاء، وصدرت بها قرارات مجامع فقهية مختصة.
فالمسألة تحتاج إلى قدر كبير من الاجتهاد، ومراعاة تقدم الصناعات والعلوم اليوم؛ الأمر الذي اقتضى من دائرة الإفتاء اللجوء إلى المؤسسات الرسمية المختصة كمؤسسة الغذاء والدواء؛ للسؤال عن قضايا مشابهة في إطار هذا البحث.
وعلى كل حال، فإن من يظن أن الفتوى كلمةٌ سياسيةٌ تُرتجل، أو حديثٌ إعلاميٌّ يُجمل ويُختصر؛ فقد ظن ما لا يليق بشريعة الإسلام التي جاءت لتحقق مصالح العباد، وتدرأ عنهم المفاسد. ورحم الله علماء الإسلام الذين ورثنا عنهم اتقاء النار بقول: "لا أعلم". فلم يدفعهم الحياء أو الاستكبار أن يردوا العلم إلى أهله، أو يتأخروا في إطلاق الفتوى، يقول عليه الصلاة والسلام: (من التمس رضا الناس بسخط الله؛ سخط الله عليه وأسخط عليه الناس) رواه ابن حبان.
ونحن نربأ بوسائل الإعلام أن لا تكون عونًا للمؤسسات العلمية أن تؤدي عملها بتأنٍّ وإتقان، وخاصة المؤسسات الشرعية التي تقوم على شأن الفتوى والعلم الشرعي.