سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة
الحمد لله رب العالمين، حمداً تتوالى آلاؤه، وتترادف نعماؤه، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
في ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم علينا أن نتخذ منه ومن سيرته الشريفة قدوة وأسوة؛ لأن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والاهتداء بهديه، هو الأمان لمن أراد الأمان، والسلام لمن رغب في السلام، والحياة الطيبة للذين ينشدونها.
ومن حسن القدوة أن نفهم صفاته وخصائصه صلى الله عليه وسلم، ثم نتحلى بها.
وكلنا يعلم أنه لا يمكن لأحد أيّاً كان أن يُقدِّر قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يحصي خصائصه وصفاته؛ فهي كثيرة وعظيمة، ولكنني سأذكر بعضاً من خصائصه الطيبة كما ذُكرت في القرآن الكريم:
أولاً:أن نبوته صلى الله عليه وسلم متقدمة على سائر الأنبياء:
قال الله عز وجل:(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) آل عمران/81.
أخرج ابن أبي حاتم عن السديّ في معنى الآية الكريمة، قال:"لم يُبعث نبي قط من لدن نوح عليه السلام إلاّ أخذ الله ميثاقه عليه، لتؤمنن به ولتنصرنه إن خرج وهو حي، وإلا أخذ على قومه عهداً أن يؤمنوا به وينصروه إن خرج وهم أحياء".
فكان إذن من شرط صحة نبوة الأنبياء أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وينصروه إن خرج وهم أحياء.
وقد روى ابن جرير الطبري عن ابن العالية: قال إبراهيم عليه السلام - وهو يرفع القواعد من البيت -:(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ) البقرة/129. قيل له: قد استُجيب لك في آخر الزمان. وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(أنا دعوة أبي إبراهيم) رواه أحمد والحاكم والبيهقي.
ثانياً:اختصاصه بإعجاز كتاب الله الذي أُنزل عليه وتعهد الله بحفظه عن التبديل والتحريف وأنه جامع لكل شيء:
أما إعجازه فقد تحدى الله تعالى الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا، فقال تعالى:(قُل لئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) الإسراء/88.
بل تحداهم أن يأتوا بمثل أقصر سورة من القرآن الكريم، فقال الله تعالى:(وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِن مِثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/23.
وكذلك حفظ الله تعالى القرآن الكريم من التحريف والتبديل، فقال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر/9.
وقال تعالى:(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت/41-42.
أما كونه جامعاً فقال الله تعالى:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) النحل/89.
قال ابن مسعود رضي الله عنه:"قد بين لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء".
ثالثاً:أقسم الله بحياته صلى الله عليه وسلم:
قال الله تعالى:(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الحجر/72.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما خلق الله تعالى وما ذرأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما حلف الله تعالى بحياة أحد قط إلا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره"؛ أي: محمد صلى الله عليه وسلم.
رابعاً:إرساله صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة:
قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً للنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) سبأ/28، وقال تعالى:(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الفرقان/1.
وروى البخاري ومسلم عن جابر في حديث ومنه:(... وكان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، وبُعثت إلى الناس عامة). وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما:(وكان النبي يُبعث إلى خاصة قومه، وبُعثت أنا إلى الجن والإنس) رواه البيهقي في "السنن الكبرى". وهذا محل إجماع عند العلماء ولا خلاف فيه.
ولكن هل بُعث صلى الله عليه وسلم إلى الملائكة؟ ذهب السبكي وكثير من العلماء إلى ذلك، فإرساله إليهم إرسال تشريف لا إرسال تكليف.
خامساً:أُمَّة الرسول صلى الله عليه وسلم خير الأمم:
قال الله تعالى:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس) آل عمران/110. عن معاذ بن حميدة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناس) -:(إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله تعالى) رواه الترمذي. وما خيريتها هذه إلا بسبب أنه صلى الله عليه وسلم أشرف الخلق وأكرم الرسل كما ذكره ابن كثير.
والحمد لله رب العالمين