بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المفتي العام:الشيخ عبد الكريم الخصاونة
التبغ ـ بتاء مفتوحة ـ لفظ أجنبي دخل العربية دون تغيير، وقد أقره مجمع اللغة العربية، وهو نبات من الفصيلة الباذنجانية، يستعمل تدخيناً وسعوطاً ومضغاً، ومنه نوع يزرع للزينة، وهو من أصل أمريكي، ولم يعرفه العرب القدماء.
ومن أسمائه: الدّخان، والتُتُن، والتنباك، لكنَّ الغالب إطلاق الأخير(التنباك)على نوع خاصٍ من التبغ كثيف يدخن بالنرجيلة لا باللفائف.
وقال الفقهاء:إنه حدث في أواخر القرن العاشر الهجري، وأوائل القرن الحادي عشر.
وقبل بيان رأي الدين في الدخان، لا بد أولاً أن نسال علماء الطب والتحليل عن الدخان، فهم الذي يُسألون في هذا الموضوع، لأنهم أهل العلم والخبرة، قال الله تعالى:(فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)الفرقان/59، وقال:(وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) فاطر/14، فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقال.
وعلماء الطب والتحليل قد قالوا كلمتهم في بيان آثار التدخين الضارة على البدن بوجه عام، وعلى الرئتين والجهاز التنفسي بشكل خاص، وما يؤدي إليه من الإصابة بسرطان الرئة مما جعل العالم كله في السنوات الأخيرة ينادي بوجوب التحذير من التدخين.
لم يعد أحد يناقش أضرار التدخين، فقد ثبت باليقين ذلك الضرر دون أدنى شك، فالسيجارة أصبحت إحدى آفات هذا العصر، وفاقت في ضررها المسكرات والمخدرات، ولم يعد ضررها قاصراً على الفرد المدخن، بل تعداه إلى المجتمع والاقتصاد، فالشخص المدخن يضر بنفسه من الناحية الاقتصادية وذلك بصرف أمواله في غير موضعها، كما أن المدخن يكلف من الخدمات الصحية المبالغ الطائلة، فقد ثبت أن آخر خمس سنوات من عمر المدخن تكلف من الخدمات الصحية عشرات الأضعاف التي تتكلفها الشخص غير المدخن.
ونتيجة للأضرار الصحية في عدد المدخنين فإن أعداد المدخنين في العالم المتقدم تتناقص بينما في العالم النامي في ازدياد.
ففي تقرير منظمة الصحة العالمية: إن التدخين وانتشاره في الدول النامية مسؤول عن وفاة (5) ملايين إنسان سنوياً نتيجة للأمراض الناتجة عنه.
إن الناظر في الشريعة الإسلامية يجدها ـ لشمولها ـ تعالج جميع القضايا، وتلبي جميع الحاجات، وليس هناك مسألة إلا ولها حكم.
فإذا نظرنا إلى التدخين وجدناه يتعارض مع الصحة بشهادة الأطباء، وهي ضرورية لحفظ النفس.
وكذلك يتعارض مع ضرورة حفظ المال، والإنسان مستخلف في مال الله، ومأمور أن يضع هذا المال فيما يعود عليه بالنفع فالتدخين ليس بغذاء ولا دواء، ولا يجني المدخن من سيجارته إلا أبخرتها أو رمادها، ويدخل المدخن السموم إلى جوفه فالتدخين لا يسمن ولا يغني من جوع وليس هو دواء، وإنما هو داء بإجماع الأطباء.
والإسلام حافظ على النفس والصحة، ونهى عن كل ما يضر بهما، فالصحة هبة من الله تعالى لنا، وهي أمانة لدينا أمرنا بالمحافظة عليها، قال تعالى:(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)البقرة/195.
وإذا كان الإضرار من التدخين ثابتاً فهذا يجعل المسلم يتوقف ليفكر فيما سيقدم عليه وفي النتائج والآثار الدينية والصحية التي تعود عليه، ومن القواعد الدينية والفقهية:(لا ضرر ولا ضرار).
وثبت علمياً أنه يترتب على شربه الضرر في البدن والعقل والمال، فهو يفسد القلب، ويضعف القوى، ويغير اللون بالصفرة، ويتولد من تكاثف دخانه في الجوف الأمراض والعلل، كالسعال المؤدي لمرض السل، وتكراره يسود ما يتعلق به، وتتولد منه الحرارة، فتكون داء مزمناً مهلكاً فيشمل قوله تعالى:(وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) النساء/29، وهو يساعد على سد مجاري العروق، ويؤدي مستعمله إلى موت الفجأة.
قال الشيخ عليش:"أجمع أطباء الإنكليز على أن الدخان مضر، فقد شرّحوا رجلاً مات باحتراق كبده، وهو ملازمه (للدخان) فوجدوه سارياً في عروقه وعصبه، ومسوّداً في عظامه، وقلبه مثل إسفنجة يابسة".
فإذا كان هذا عند المدخن لكان باعثاً للعقل على اجتنابه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) متفق عليه، وكلام الأطباء على ضرره كثير.
ومن ناحية أخرى:رائحة الدخان منتنة مؤذية، وكل رائحة مؤذية فهي ممنوعة، والدخان أشد من البصل والثوم في الرائحة، وقد ورد منع مَن تناولهما مِن دخول المسجد، وفرق بين الرائحة المنتنة والرائحة الكريهة، البصل والثوم ريحهما مكروه وليس منتناً، والدخان ريحه منتن.
والتدخين فيه ضرر مالي؛ فقد منح الله تعالى المال للبشر وعرّفهم مسؤوليتهم نحو كسبه وإنفاقه، فلا يحل لمسلم أن ينفقه فيما ليس مشروعاً، لأن الله تعالى سائله عن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: ... وعن ماله من أين اكتسبه، وفيمَ أنفقه) رواه الترمذي.
كما أن الإنسان مسؤول عمن تلزمه نفقتهم، وعمن يعول، وعليه ألا يضر بحاجاتهم الضرورية، وهو حين يؤثر الإنفاق على شهوته، ويقصر فيما يلزمهم فهو آثم بذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) رواه النسائي، والله سائل كل راعٍ عما استرعى، حفظ أم ضيّع.
والمدخن يضيع ماله فيما لا يعود عليه بالنفقة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال.
كما نهى الإسلام عن الإسراف الذي هو مجاوزة الحد، فقال تعالى:(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)الأعراف/31، والإسراف ما فوق الاعتدال.
ولا شك أن المدخنين، غالباً ما يحرمون أولادهم من ضرورياتهم في السكن أو المطعم أو الملبس أو غير ذلك بما يقتطعونه من دخولهم ثمناً لملذاتهم، وصرفوا مالاً في غير حقه، ومن جهة أخرى أضاعوا من يعولون حيث حرموهم بعض ضرورياتهم، هذا إذا غضضنا النظر عن الضرر الصحي الثابت طبياً وهو لا يفرق بين الفقراء والأغنياء.