سماحة المفتي العام: الدكتور نوح علي سلمان
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن ملايين المسلمين يُصَلُّون كل يوم خمس مرات على الأقل، ويقول كل واحد منهم في صلاته: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد". ومعنى هذا أن الصلاة على سيدنا محمد وعلى آله تتكرر كل يوم مئات الملايين، ومحمد صلى الله عليه وسلم أشهر من أن يُعرَّف، لكن ما معنى الصلاة عليه؟! ومن هم آله الذين نصلي عليهم معه في صلاتنا؟!
إن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم معناها طلب الرحمة ومزيد اللطف له من الله تعالى، وكذلك الصلاة على أي إنسان، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) الأحزاب/43.
فالصلاة من الله الرحمة، والصلاة على أي إنسان طلب لتلك الرحمة، ولذا نصلي على الميت؛ أي:نطلب له الرحمة، أما صلاتنا لله فهي عبادة، ولا تكون العبادة إلا لله، قال الله تعالى:(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف/110.
والله تعالى غني عن عبادتنا، ونبيه صلى الله عليه وسلم غني عن دعائنا، لكننا نعبر بعبادتنا لله عن الإيمان به واحدًا أحدًا، نحبه ونرجو رحمته ونخشى عذابه، ونعبِّرُ بصلاتنا على رسوله صلى الله عليه وسلم عن محبته والإيمان بنبوته والانتساب إلى أمته. وإنما كان صلى الله عليه وسلم غنياً عن صلاتنا؛ لأن الله تعالى وملائكته يُصلُّون عليه، وفسح الله لنا المجال لنشارك في الصلاة عليه تشريفاً لنا، قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب/56.
وقد استجاب المسلمون لهذه الدعوة، وشرفوا بقبول هذا التكريم، فما ينطق أحدهم باسم محمد صلى الله عليه وسلم إلا وينطق بالصلاة والسلام عليه، فهي عبادة لله طلبها منا معشر المسلمين:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب/56؛ ولذا حرص الصحابة رضوان الله عليهم على أن يتعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تعلموا منه سائر العبادات.
روى البخاري ومسلم عن أبي محمد كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلم عليك -أي السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته- فكيف نصلي عليك؟ قال:(قولوا:اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
ورويت هذه الصلاة عن عدد من الصحابة الكرام بألفاظ متقاربة كلها تجمع بين الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على آل النبي عليه الصلاة والسلام.
وهذا ينقلنا إلى الإجابة على السؤال الثاني: من هم آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين نصلي عليهم ملايين المرات كل يوم؟! هل من المعقول أن نصلي عليهم هذا العدد ونحن لا نعرفهم؟
في الواقع أن ذِكْر آل محمد صلى الله عليه وسلم إلى جانب ذكره عليه السلام يجعل الأذهان تنشغل بالتفكر بعظمته ومحبته وشمائله والعلاقات المتعددة معه في الدنيا والآخرة، وهذا باب واسع جداً، فلا نفكر في غيره، مثلما تنشغل الأنظار بالقمر ليلة البدر، فلا تدقق كثيراً في النجوم من حوله، فقد غمرها نوره، مع أنها مصابيح الهدى عند غياب القمر، وهؤلاء الذي يُذكَرون كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا بد أن لهم شأناً عظيماً، فيجب أن نعرفهم لنعرف على من نصلي ولمن ندعو.
في اللغة العربية: آل الرجل: أهله وعياله وأتباعه، فآل النبي صلى الله عليه وسلم هم أهله وعياله وذريته وأقاربه، وهذا ما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ:
(أَمَّا بَعْدُ! أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ! فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ)، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ:(وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي).
فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ:وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ).
وهذا الحديث أصل في بيان آل البيت، وقد استدل الفقهاء بما روى الإمام البخاري على أن آل البيت هم بنو هاشم بن عبد مناف، وبنو المطلب بن عبد مناف، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ). وكان ذلك بياناً لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكورين في قول الله تعالى:(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنفال/41.
وقوله تعالى:(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر/7.
وسيأتي بيان الأحكام الشرعية المقصودة بالآيتين إن شاء الله تعالى.
إذن آل البيت هم بنو هاشم وبنو المطلب:
أما بنو هاشم ففيهم مشاهير كثيرون، على رأسهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعده: حمزة، والعباس، وجعفر الطيار، والإمام علي، وابناه الحسن والحسينِ، والعشرات من الأعلام، مثل:علي زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وزيد بن علي، وهؤلاء من أبناء الحسين بن علي بن أبي طالب.
ومنهم: الحسن المثنى، ومحمد ذو النفس الزكية، وأخوه إبراهيم، وهؤلاء من أبناء الحسن بن علي. ومن مشاهير آل البيت خلفاء بني العباس.
هذا فرع الهاشميين.
أما المُطَّلبيون فأشهرهم الإمام الشافعي محمد بن إدريس الذي ينتهي نسبه إلى المطلب بن عبد مناف.