الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد أقبل شهر رمضان، شهر الخيرات والبركات، وموسم الطاعات والنفحات، وأقبل المسلمون على دينهم إقبالاً يشعر بأنه ما يزال - ولله الحمد - حيًّا في نفوسهم، يتمسكون بأهدابه، ويحرصون على العمل بفرائضه وآدابه.
وهذا ما يسُرُّ أولياء الله، ويغيظ أعداءه، إذ يرى الولي أنصاراً له على القيام بشأن الدين، وإن شغلتهم في بعض الأحيان المشاغل، وهذا ما يشد أزر الصالح، فتزول عنه وحشة الغربة، ويمضي في طريق الخير، ومن قبلُ قال سيدنا موسى عليه السلام:( وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا . إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ) طه/29-35
وهكذا تشتد الهمة كلما رأى المؤمن أعواناً له على الخير.
أما الذين يمكرون بهذه الأمة ليصرفوها عن دينها، فإن الكآبة تعلوهم في مثل هذه المواسم، إذ يرون أن كل ما أفسدوه من أمر الدين لم يتجاوز القشور، أما القلوب فما زالت عامرة بالإيمان، وآية ذلك هذه الهبة الاختيارية للامتناع عن الطعام والشراب ساعات طويلة، حتى في هذا الفصل الحار من العام، راغبين برحمة الله، طامعين في مغفرته، المساجد تمتلئ بالصغار والكبار، من كل طبقات المجتمع، والتنافس في الخير على أشده ببذل المال لأداء الزكاة، والتقرب إلى الله، والبيوت تنيرها قراءة القرآن، وإحياء الليل بذكر الله، والاستعداد ليومٍ جديد من الصيام، وليوم آتٍ لا ريب فيه، يوم تبعثر القلوب، ويحصّل ما في الصدور.
وإذا كانت بعض وسائل الإعلام تحاول صرف النظر عن الطاعات، فإن البعض الآخر يقذف في القلوب الإيمان، ويجدد الثقة بوعد الله، فهي تنقل شعائر صلاة التراويح وغيرها من المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، والمسجد الأقصى، وغيرها من المساجد، إنه منظر رائع يبعث الأمل والثقة بهذه الأمة، وبقدرة الإسلام على تحريكها.
كبَّر الإمام، فكبَّر المصلُّون، وقرأ فأنصتوا، وركع فركعوا، وسجد فسجدوا سجدة رجلٍ واحدٍ في صلاتهم، وفي مشاعرهم، وآمالهم أيضاً، وهو ما زال - وسيبقى إن شاء الله - قادراً على تحريكهم في اتجاه الخير، ذلك وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) التوبة/33.
أما مظاهر الحيرة والارتباك فهي زائلة لا محالة، وكم وقع فيها المسلمون ثم زالت عندما جاء نصر الله والفتح.
هذا الإقبال على الإسلام في رمضان، يجعل القيادات الدينية أمام مسؤوليات في هذا الشهر، وعليها أن تحسن القيادة، وتبتعد في القول والعمل والفتوى عن كل ما يفرق الصفوف، يجب أن نهتم بما يجمع الكلمة، ويوحِّدُ الصف، في حقل العبادة على الأقل، إن آلاف الأسئلة تطرح في رمضان، والكثير منها موسمي، يتكرر كلما جاء الشهر المبارك، شهر الصيام، وقد جمعت دائرة الإفتاء العام ما طرح عليها من أسئلة رمضانية في العامين السابقين، ولخَّصتها، وأعدت لها إجابات منقحة مختصرة، وها هي تقدمها إلى الأخوة العلماء الذين يسألهم الناس، ليكون جواباً موحداً في هذه المسائل، وتُهديها لجمهور المسلمين، علَّها تنير لهم طريق العبادة في موسم الخير والعبادة، ولا بد أن ترد أسئلة جديدة، ونحن نرحب بها، ونعد أن نضمها إلى هذه المجموعة في عام قادم إن شاء الله، فإن أحوال الناس تتجدد، ليبقى الخير متجدداً، ويبقى الثواب من الله متجدداً للعلماء، وهم يبحثون عن الإجابات الصحيحة لأسئلة السائلين.
جعل الله هذا الشهر شهر خير وبركة على هذه الأمة، إنه سميع مجيب، والحمد لله ربِّ العالمين.