مناقشة دليل المانعين للزيادة على إحدى عشرة ركعة في التراويح
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد
فقد كثر الكلام حول عدد ركعات التراويح في رمضان وصار الكثيرون يتهمون بعضهم بأن الزيادة على إحدى عشرة ركعة مع الوتر مخالف للسنة، في حين أن عدد ركعات التراويح عند الأئمة الأربعة في المعتمد عشرون ركعة، وقال المالكية هي ست وثلاثون ركعة عدا الوتر (انظر: المبسوط للسرخسي، 2/ 145، والزرقاني، شرح الزرقاني على موطأ مالك، 1/ 420، والمجموع للنووي، 4/ 31، والمغني لابن قدامة، 1/ 457).
وخالف في ذلك بعض علماء الحنفية كابن الهمام حيث قال: إن السنة في التراويح إحدى عشرة ركعة (فتح القدير لابن الهمام، 1/ 468)، وعمدة المذهب القائل بأنها إحدى عشرة ركعة ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها عندما سألها أبو سلمة بن عبد الرحمن، كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا" (رواه البخاري 3/ 45 برقم 2013، كتاب: أبواب التهجد، باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب).
وقد أجاب العلماء عن هذا الحديث بما يلي:
1. السيدة عائشة رضي الله عنها روت لنا ما شاهدته من حال الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد جاء في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/ 171) أنّ السيدة عائشة كانت تريد صلاته المعتادة الغالبة وإن كان ربما يزيد في بعض الأوقات على ذلك.
2. ذكر بعض العلماء هذا الحديث عند حديثهم عن صلاة التهجد، فقد ذكره الإمام البخاري في كتاب: أبواب التهجد، باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب.
3. هنالك حديث يمكن لنا الاستئناس به على ضعفه وهو من مرويات ابن أبي شيبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ" (مصنف ابن ابي شيبة 2/ 164، برقم 7692، كتاب صلاة التطوع. وضعفه الزرقاني، في شرح الزرقاني على موطأ مالك، 1/ 431، وعلته أبو شيبة إبراهيم بن عثمان وهو ضعيف، انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، 3/ 66).
4. المعروف عند الجميع أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس عشرين ركعة بعد أن كانوا يصلون أوزاعا متفرقين، وقال: نعمة البدعة هذه، وكان يقصد الاجتماع على إمام واحد لا مجرد صلاة عشرين ركعة.
ويحتمل أنه قصد العدد كذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد عددا للقيام، فقد روى السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة، وكانوا يقرأون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام. (مالك، الموطأ، 2/ 159، برقم:380 باب ما جاء في قيام رمضان، كتاب السهو)، وإسناده صحيح كما قال النووي في المجموع (4/ 32).
5. اتفق كثير من العلماء على العمل بقول الصحابي الواحد على تفصيل بينهم. (انظر: ابن اللحام، المختصر في أصول الفقه، 1/ 161، والآمدي، الإحكام، 4/ 149، وخلاف، علم اصول الفقه، 95).
فما بالك بالإجماع الذي حصل في زمن الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه حيث جمعهم على إمام واحد يصلي بهم عشرين ركعة، وقد تلقت هذا الأمر الأمة بالقبول، ومعلوم أن الصحابي فضلا عن مجموع الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا من أشد الناس تمسكا بالسنة، ولولا أنهم متأكدون من جواز ما فعل في زمن الفاروق لكانوا أشد الناس معارضة له، قال صلى الله تعالى عليه وسلم: (..فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ..) (رواه ابن ماجة، 1/ 15، برقم:42 كتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين).
قال الشيخ خلاف حول هذه المسألة: "لا خلاف في أن قول الصحابي فيما لا يدرك بالرأي والعقل يكون حجة على المسلمين؛ لأنه لابد أن يكون قاله عن سماع من الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، .... ولا خلاف أيضا في أن قول الصحابي الذي لم يعرف له مخالف من الصحابة يكون حجة على المسلمين؛ لأن اتفاقهم على حكم واقعة مع قرب عهدهم بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، وعلمهم بأسرار التشريع، واختلافهم في وقائع كثيرة غيرها، دليل على استنادهم إلى دليل قاطع" (خلاف، علم أصول الفقه، 95).
6. سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال له: (صلاة الليل مثنى مثنى)، فعن نافع، عن عبد الله بن عمر، قال: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، ما ترى في صلاة الليل، قال: (مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدة، فأوترت له ما صلى) (رواه البخاري، 1/ 102، برقم 472، كتاب الصلاة، باب الحلق والجلوس في المسجد).
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث بمنطوقه بنطوقه على أن صلاة الليل ركعتين ركعتين مثنى مثنى، وليس لها عدد محدد لا تجوز مخالفته.
7. عن عمرو بن عبسة السلمي، أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: (جوف الليل الآخر، فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلي الصبح....) (سنن أبي داود، 2/ 25، برقم:1277، كتاب الصلاة، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة).
وجه الدلالة:
دل هذا الحديث بمنطوقه على عدم تحديد صلاة الليل بعدد محدد، بل هي تكون على حسب همة الشخص ونشاطه.
8. عورض حديث عائشة رضي الله عنها بروايات أخرى تقول إنه كان يصلي من الليل ثلاثة عشر، روى البخاري وغيره 2/ 51، برقم :1138 عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة"، يعني بالليل، والظاهر أنه لا تعارض بين هذه الروايات التي تثبت الزيادة عن إحدى عشرة ركعة؛ لأن كل واحد من الصحابة يروي من ما شاهده بنفسه.
9. قال العلماء عن الاستدلال بهذا الحديث بأن هذا من فعله صلى الله عليه وسلَّم، والمختار أن الفعل لا يدل على الوجوب (انظر: الإحكام للآمدي، 1/ 134).
والحمد لله رب العالمين.