الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تنال أعلى الدرجات، والصلاة والسلام على نبيه المبعوث بالرحمات، وعلى آله وصحبه أولي العزمات، أما بعد:
فالحج شعيرة عظيمة من شعائر ديننا العظيم، فرضه الله على عباده المسلمين مرة في العمر؛ لقوله تبارك وتعالى:(ولله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) آل عمران/97، ولقوله صلى الله عليه وسلم -عندما سئل عن الإسلام-:(أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) رواه مسلم.
فمن أنكر فريضة الحج فقد كفر، ومن أقر بها وتركها تهاوناً فهو عاصٍ لله وعلى خطر، قال رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إِلَى بَيْتِ اللهِ وَلَمْ يَحُجَّ؛ فَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) [رواه الترمذي]، وذلكَ أَنَّ الله تعالى يَقولُ في كتابهِ:(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) الحج/97، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "استكثروا من الطواف بهذا البيت، قبل أن يحال بينكم وبينه" رواه البيهقي.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج ركنٌ من أركان الإسلام ورغَّب فيه، وأنه يهدم ما قبله من سيئ العمل، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك. فبسط، فقبضت يدي، فقال: (مالك يا عمرو؟) قلت: أشترط، قال:(تشترط ماذا؟) قلت: أن يغفر لي، قال:(أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم.
فالحاج الذي لم يرفث ولم يفسق يخرج طاهراً نقياً من الذنوب صغيرها وكبيرها، قال صلى الله عليه وسلم:(مَنْ حَجَّ لله فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) رواه البخاري، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الْجَنَّةِ) رواه أحمد.
وللحاجّ دعوة مستجابة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الْغَازِي فِي سَبِيلِ الله وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ: وَفْدُ الله؛ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ) رواه ابن ماجه.
والحاج في حفظ الله تعالى ورعايته، قال صلى الله عليه وسلم:(ثَلَاثَةٌ فِي ضَمَانِ الله عَزَّ وَجَلَّ، رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ خَرَجَ حَاجًّا) رواه الحميدي في "مسنده".
ومما جاء في فضل الحج وأنه منفاة للذنوب: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -لمن سأله عن الحج-:(أَمَّا خُرُوجُكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ: فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ وَطْأَةٍ تَطَأُهَا رَاحِلَتُكَ يَكْتُبُ اللهُ لَكَ بِهَا حَسَنَةً، وَيَمْحُو عَنْكَ بِهَا سَيِّئَةً. وَأَمَّا وُقُوفُكَ بِعَرَفَةَ: فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ: هَؤُلَاءِ عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَيَخَافُونَ عَذَابِي، وَلَمْ يَرَوْنِي، فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي. فَلَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ رَمْلِ عَالِجٍ -أَوْ مِثْلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَوْ مِثْلُ قَطْرِ السَّمَاءِ- ذُنُوبًا غَسَلَهَا اللهُ عَنْكَ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ: فَإِنَّهُ مَذْخُورٌ لَكَ، وَأَمَّا حَلْقُكَ رَأْسَكَ: فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَسْقُطُ حَسَنَةٌ، فَإِذَا طُفْتَ بِالْبَيْتِ: خَرَجْتَ مِنْ ذُنُوبِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) رواه ابن حبان والطبراني في "المعجم الكبير" واللفظ له.
إن الحج مؤتمر إسلامي سنوي يجتمع فيه المسلمون من شتى بقاع الدنيا، متضرعين إلى الله بالمغفرة والرحمة وحسن الخاتمة، وفيه تدمع العيون وتخشع القلوب وتتوجه الى الله أن ينصر الإسلام ويفرج الكروب.
نسأل الله أن يكتب لنا حجاً مبروراً وذنبا مغفوراً، وأن يجعلنا من المقبولين. والحمد لله رب العامين.