من مظاهر محبة الله للإنسان
الناظر في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة يرى كمًّا كبيرًا من الحب فيها، مما يجعل الإسلام دين المحبة، وفي هذا ردّ على خوارج العصر الذين فهموا أن الدين بغض وكراهية وقتل ودمار. إن حقيقة الإسلام تسير في خط مغاير لهذا الفهم المغلوط ولا تلتقي معه أبدا، وهذا المقال محاولة لبيان أن الإسلام دين المحبة.
قد أرشدنا القرآن الكريم في آيات عدة إلى مظاهر محبة الله تعالى للإنسان، منها آية تكريم الآدميين بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء/70.
ومن مظاهر هذا التكريم الذي يشمل جميع البشر، أن الإنسان مسلط على غيره من المخلوقات من نبات وطيور وحيوان وجماد، فسائر الكون مسخر له. كما خص الإنسان بحسن الصورة وجمال المنظر والمظهر، وبالذكاء، والقدرة على الاختراع والإبداع.
لذلك خلق الله تعالى ما في الأرض من أجل هذا الإنسان كي ينتفع بها، وبما فيها من مخلوقات ومكوَّنات، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة/29. وليس المقصود فقط الانتفاع الدنيوي بل والأخروي أيضا؛ لأن هذه الخلائق تحمل الدلالة على وجود الله تعالى ووحدانيته، فانتفاع الإنسان من هذه المخلوقات يشمل الدنيا والآخرة.
وفصل لنا المولى عز وجل بعض هذه النعم التي أراد أن ينتفع بها الإنسان بقوله: (إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة/164.
فإيجاد السماوات والأرض وما فيهما هو من أجل مصلحة الإنسان، ثم يفصل الله تعالى النعم الموجودة في السماوات والأرض في معرض امتنانه على عباده، فاختلاف الليل والنهار من النعم الكبرى، فالليل سكن، والنهار معاش، والسفن التي تجري في البحر يتنقل بها الإنسان ويتنعم من خلالها بخيرات البحر، والغيث النازل من السماء إلى الأرض، يشرب منه الناس، وينبت الله به الزرع، ويحيي به الضرع، ووجود الدواب المختلفة الأنواع التي تحقق مختلف الغايات، فبعضها للحمل، وبعضها للتنقل السريع، وبعضها للأكل، والسحاب الذي ينزل الله المطر من خلاله، ويشكل ظلالاً يتفيأ بها الناس، كل هذه النعم وجدت للإنسان كي يحيا سعيداً على هذه الأرض، وهي دليل على محبة الله تعالى للإنسان، ودليل أيضا على وجود الخالق ووحدانيته وقدرته سبحانه.
والناظر في الآيات التي تتحدث عن خلق آدم عليه السلام، سيجد مظاهر محبة لله للإنسان جلية واضحة، حيث يقول ربنا سبحانه: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) البقرة/30، فخص آدم بالخلافة في الأرض دون سائر المخلوقات، فكانت هذه الخلافة من نصيب بني آدم دون غيرهم. ثم خص ربنا آدم أبا البشر بالعلم الكثير الذي عجزت الملائكة عن بلوغه، قال سبحانه: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) البقرة/ 31-32، ثم توارث بنو آدم هذا العلم الشريف عن أبيهم. ثم أمر ربنا ملائكته بالسجود لآدم تكريماً له ولذريته التي في صلبه، فسجد الملائكة لآدم طاعة لله، قال سبحانه: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) البقرة/34. فتخصيص آدم بالخلافة والعلم وبسجود الملائكة له، لخَير دليل على محبة الله تعالى للإنسان.