إن من مقاصد الشريعة الإسلامية التي بعث لأجلها سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، والتي لا يستقيم قوام المجتمعات والحضارات إلا بها انتشار الرحمة والمحبة بين الناس، ومحاربة أشكال الاعتداء والتخريب التي ليست من الإسلام في شيء، بل هي تشويه لصورة الإسلام الناصعة المشرقة، وتحريف لمقاصده، وربط لصورة العنف والتخريب بمبادئه الرحيمة، بينما الإسلام بريء من كل ذلك.
ومن تأمل في الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية يجد نصوصاً زاخرة تدل على تكريم الإنسان وتحريم ظلمه والاعتداء عليه والمحافظة على دينه ونفسه وعرضه وماله، قال تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) الإسراء/70.
كما حرم الإسلام ترويع المسلم وإخافته ونشر الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد، فقال عليه الصلاة والسلام: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم:(مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم:(سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) رواه البخاري.
وواجب النصيحة يقتضي علينا وعلى جميع المسلمين أن نسعى نحو توعية المسلمين في كل مكان، وتبيين مخاطر العنف وأضراره، وأنه يولد الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع، ويزرع الإثم والعدوان، ويعطل جهود تحقيق الأمن والسلامة للإنسانية، قال الله تعالى:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2.
ونحن نؤكد على أن العنف الذي يحدث على صعيد الأسرة أو الجامعة أو المجتمع هو أمر دخيل على مجتمعنا الأردني الإسلامي، وعلى ثقافتنا وقيمنا العربية الإسلامية النابعة بالأصالة والرفق والرحمة، ولن يكون له ثمرة إلا الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة وإفسادها، ومن ثم الإضرار بالمواطنين ومصالحهم، وهذا فساد في الأرض كبير، والله تعالى لا يحب الفساد، قال تعالى:(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)القصص/77، وإذا كان الله تعالى قد حرم الاعتداء على مال الغير، واعتبره من الإثم والكبائر، ورتب عليه عقوبات في الدنيا والآخرة، فإنه حرم كذلك الاعتداء على الممتلكات والأموال العامة التي هي ملك للجميع، وجعل الاعتداء عليها ظلما للمجتمع وللنفس أيضا، والله لا يحب الظالمين.
والقاعدة الفقهية تقول: "لا ضرر ولا ضرار"، فأي فائدة يجنيها من يقتل أو يضرب أو يسيء؟! وأي فائدة يجنيها من يخرب أو يدمر أو يعطل العمل أو الدراسة سوى الشر والفساد؟! فكلما زاد العنف زادت الخسائر البشرية والمادية، وفي هذا إهلاك للحرث والنسل، واعتداء آثم على حق المجتمع، سيسأل عنه فاعله وكل من ساهم فيه أمام الله تعالى يوم القيامة.
ولا ريب أن حوادث العنف تعمل على زيادة النعرات القبلية التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) رواه البخاري.
ونعلم جميعا أن العنف ينشر الفتنة، ويزيد من الشائعات، وبهذا يعم الخوف والرعب والفزع بين الناس، ويزول الأمن والهدوء والاستقرار، وتنطفئ شعلة العلم والنور التي تبثها جامعاتنا ومؤسساتنا وأسرنا، وبذلك نفقد دورنا الريادي الذي مدحنا الله تعالى به حين قال:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران/110.
فهذه دعوة لمجتمعنا الخير المبارك أن يحتكم إلى العقل في أموره كلها، وأن يلتزم هدي الإسلام العظيم في الرفق والرحمة والتسامح، وهي دعوة أيضاً لجميع الباحثين والدارسين والخطباء، أن يعملوا على علاج هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا لنشر ثقافة الرحمة والتسامح، والقضاء على كافة أشكال العنف وشتى صوره.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، والحمد لله رب العالمين.