دراسات وبحوث

أضيف بتاريخ : 27-07-2015
هذا البحث يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


حرق الإنسان بالنار بدعوى القِصاص(*)

دراسة فقهية مقارنة

فضيلة المفتي محمد الهواملة

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم عليه، كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون. وبعد؛

فلا يخفى على كل ذي لب حصيف ما جاءت به الشريعة الإسلامية من رحمة وتواد، وتآلف وانقياد، فقد عَظَّمت حرمة الإنسان مهما اختلفت ديانته، وأوصت به خيرا ومنعت من خيانته، قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) سورة الإسراء، آية 70، و روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا".

وقد راعى الإسلام جانب الإحسان إلى الخلق أجمعين، وحرم الاعتداء عليهم، وقد ذهب بعيدا في هذا، حتى كفل الحياة للبهائم والنباتات، فلا ضرر ولا ضرار، فيا لرحمة الإسلام!

ولأجل تحقيق الأمن والطمأنينة؛ رتب الإسلام عقوبات رادعة، لمن سولت له نفسه الاعتداء على الخلق، إلا أن الإسلام كان رحيما بمن جنى، فجعل العقوبة مكفرة لذنوبهم، حتى شهد التاريخ المسلم حالات تطلب العقوبة وتصر عليها؛ تكفيرا للخطايا ورفعة للدرجات !

ومن العقوبات التي جاء بها الإسلام"القصاص"وهي عقوبة مقدرة مرتبة على الاعتداء على النفس البشرية أو ما دون النفس(الأعضاء)، وجعل الإسلام لهذه الجناية أركانا وشروطا ومقومات، فإذا ما تحققت وتكاملت، رَغَّب في العفو عن الجاني، وندب لذلك أيما ندب، فإن عفا ولي القتيل، نال حظا وافرا وقسطا خيرا، وهنيئا له هذا الاختيار.

ومن مسائل القصاص التي يروق بحثها ويستعذب نسجها، قضية حرق الإنسان بالنار بدعوى القصاص

ومدى مشروعيته، وهذا ما تروم الدراسة بحثه، فأسأل التيسير والقبول، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

أسباب اختيار الموضوع

1- الوقوف على آراء الفقهاء في هذه المسألة.

2- بيان الرأي الراجح في هذه المسألة، ونشره بين المسلمين.

3- مشاهد واقعية حصلت بهذه الطريقة من الاستيفاء، كان لها الأثر السلبي في النفوس.

4- معالجة الموضوع بصورة تتسم مع وسطية الإسلام.

منهجية البحث

ترتكز منهجية البحث على النقاط الآتية:  

1- المنهج الاستقرائي والمنهج المقارن:  ويتمثل في تتبع أراء الفقهاء في المسألة، مع إيراد الأدلة الشرعية.

2- المنهج التحليلي:  من خلال النظر في جزئيات المسألة، وتحليل النصوص الشرعية، وأقوال الفقهاء وصولا للحكم الشرعي.

خطة البحث

اقتضت طبيعة هذه الدراسة أن تكون أربعة مطالب، وفق الترتيب الآتي:

المطلب الأول:  تعريف القصاص لغة واصطلاحا.

المطلب الثاني:  مشروعية القصاص.

المطلب الثالث:  كيفية استيفاء القصاص.

وفي نهاية البحث ذكرت النتائج التي توصلت إليها.

المطلب الأول

تعريف القصاص لغة واصطلاحا

الفرع الأول:  معنى القصاص لغة:

القصاص:  بالكسر فعال من قص أثره إذا تتبعه.

قال ابن فارس:  (قص) القاف والصاد أصل صحيح يدل على تتبع الشيء. من ذلك قولهم:  اقتصصت الأثر، إذا تتبعته. ومن ذلك اشتقاق القصاص في الجراح، وذلك أنه يفعل به مثل فعله بالأول، فكأنه اقتص أثره([1]).

الفرع الثاني:  معنى القصاص اصطلاحا:

لا يخرج المعنى الاصطلاحي للقصاص عن المعنى اللغوي، ومن خلال تتبع تعريفات الفقهاء للقصاص تبين أن المقصود به هو:  أن يعاقب الجاني بمثل فعله، فيقتل كما قتل، ويجرح كما جرح([2]).

والفقهاء يطلقون على القصاص لفظ"القود"ولعله إنما سمي بذلك؛ لأن المقتص منه في الغالب يقاد بشيء يربط فيه أو بيده إلى القتل، فسمي القتل قودا لذلك([3]).

المطلب الثاني

مشروعية القصاص

ثبتت مشروعية القصاص في الكتاب والسنة والإجماع.

أولا من الكتاب:

1- قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى) البقرة / 178.

2- وقال تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) الإسراء/ آية 33.

3- وقال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ). سورة المائدة / 45.

ثانيا:  من السنة النبوية:

1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:  أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلا من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما يودى وإما يقاد"([4]).

2- عن أنس رضي الله تعالى عنه أن الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال:  يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:  كتاب الله القصاص قال:  فعفا القوم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره"([5]).

وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب القصاص؛ لما فيه من تخليص المجتمع من شأفة الجريمة وتطييبا لقلوب أولياء المجني عليه، وحفاظاً على المجتمع من التفكك والاقتتال؛ تحقيقا لمعنى الحياة الذي أراده الله سبحانه وتعالى([6]).

المطلب الثالث

كيفية استيفاء القصاص

اتفق الفقهاء على مشروعية العفو عن القاتل ([7]) وأنه أفضل من استيفاء القصاص، وقد استندوا إلى طائفة من النصوص الشرعية منها:

1- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله"([8]).

2- عن أنس بن مالك قال:  ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه شيء من قصاص إلا أمر فيه بالعفو"([9]).

3- عن وائل بن حجر، قال:  كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة، قال:  فدعا ولي المقتول، فقال:  أتعفو؟  قال:  لا، قال:  أفتأخذ الدية؟ قال:  لا، قال:  أفتقتل؟ قال:  نعم، قال:  اذهب به، فلما ولى قال:  أتعفو؟  قال:  لا، قال:  أفتأخذ الدية؟ قال:  لا، قال: "أفتقتل؟"، قال:  نعم، قال: "اذهب به، فلما كان في الرابعة قال:  أما إنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه، قال:  فعفا عنه، قال:  فأنا رأيته يجر النسعة"([10]).

فإذا أبى أولياء القتيل إلا القصاص، فقد ذهب الفقهاء إلى وجوب إقامة القصاص بلا خلاف([11]) واتفقوا على مشروعية استيفاء القصاص بالسيف، سواء كانت الجناية بالسيف أم بغيره؛ لأنه أرفق بالجاني([12]) وقد اختلفوا في استيفاء القصاص حرقا بالنار([13]) إلى قولين، وفيما يأتي بيانهما مع الأدلة والترجيح:  

القول الأول:  جواز استيفاء القصاص بالحرق بالنار:

ذهب المالكية ([14])والشافعية ([15]) والحنابلة في رواية ([16]) إلى جواز استيفاء القصاص بمثل الآلة التي وقعت بها الجناية، فإذا رماه من شاهق رمي منه، وإذا أحرقه فأنه يحرق، وإذا أغرقه فإنه يغرق، إلا إذا كانت الآلة أو الطريقة محرمة فلا يقتل إلا بالسيف، كقتل بسحر أو لواط([17])وبه قال أبو ثور وإسحاق وابن المنذر([18]).

توجيه رأي المالكية:

جاء في شرح مختصر خليل: "من قتل شخصا بالتغريق أو بالخنق أو بالحجر فإنه يفعل به مثل ذلك أي يقتل بما قتل به وكذلك من قتل شخصا بالعصا فإنه يقتل بالعصا أي يضرب بها إلى أن يموت"([19]).

وفي حاشية الصاوي: "(وقتل) القاتل (بما قتل) به (ولو نارا) على المشهور"([20]).

والمالكية إذ يقررون هذا إلا أنهم ينظرون إلى جانب الرأفة في الجاني عند استيفاء القصاص، فيطلبون من أولياء الميت الرفق بالجاني عند إقامة القصاص، وأما نصهم على التماثل في طريقة استيفاء القصاص إنما هو لبيان الجواز، وللاستدلال على المخالف، لكنهم لا يجعلون المماثلة شرطا للاستيفاء.

جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: "(قوله:  وقتل بما قتل به إلخ) فهم منه أن الجراح ليست كذلك؛ إذ يطلب فيها القصاص من الجاني بأرفق مما جنى به، فإذا أوضحه بحجر، أو عصا اقتص منه بالموسى (قوله:  ولو نارا)، لكن لا يشترط المماثلة في الصفة ورد بلو على من قال لا يقتص بالنار ممن قتل بها"([21]).

ويشترط المالكية للاستيفاء بالحرق أن تكون الجناية ثبتت ببينة أو اعتراف الجاني ، فإذا لم يثبت بالبينة ولم يقر بذلك، اقتص منه بالسيف ([22]).

ولعل صورة هذه المسألة:  أن يُقتل شخص ما حرقا، وعند القبض على الجاني ادعى أنه قتله بإطلاق النار عليه أو بسكين، ثم ادعى أنه أحرقه بعد ذلك، فإن هذا لا يكون مسوغا لاستيفاء القصاص بالحرق، بل يستوفى منه بالسيف، إذ لم يثبت هذا ببينة ولا اعتراف.

توجيه رأي الشافعية:

قال الماوردي: "قال الشافعي رحمه الله:  وإن طرحه في نار حتى يموت طرح في النار حتى يموت استيفاء القصاص"([23])

وفي المهذب في فقه الشافعية: "فإن أحرقه أو أغرقه أو رماه بحجر أو رماه من شاهق أو ضربه بخشب أو حبسه ومنعه من الطعام والشراب فمات فللولي أن يقتص بذلك"([24]).

إن نص الشافعية هذا ينبغي أن يُقرأ مع نص آخر، وهو ما يبين صفة النار التي هي تمت بها الجناية، فإذا كان المجني عليه يستطيع الفرار من النار التي رمي بها، أو كانت يسيرة لا تأتي على حياته إلا بطول المكث، فلا قصاص أصلا ولا دية، فهو (المجني عليه) هو من تعمد قتل نفسه، وليس على الجاني إلا التعزير.

قال الإمام النووي: "ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقا كمنبسط فمكث فيه مضطجعا حتى هلك فهدر، أو مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة، فإن لم يحسنها أو كان مكتوفا أو زمنا فعمد، وإن منع عارض كريح وموج فشبه عمد، وإن أمكنته فتركها فلا دية في الأظهر، أو في نار يمكن الخلاص منها فمكث فيها ففي الدية القولان، ولا قصاص في الصورتين، وفي النار وجه. ([25])

وإليك ما جاء في شرح هذا النص:

(ولو ألقاه في ماء لا يعد مغرقا) بسكون الغين (كمبسط فمكث فيه مضطجعا) أو مستلقيا (حتى هلك فهدر) لأنه المهلك نفسه (أو) ماء (مغرق لا يخلص منه إلا بسباحة) بكسر السين أي عوم (فإن لم يحسنها أو كان) مع إحسانها (مكتوفا أو زمنا) فهلك (فعمد وإن منع منها عارض كريح وموج) فهلك (فشبه عمد) ففيه الدية (وإن أمكنته فتركها).

فهلك (فلا دية في الأظهر) لأنه المهلك نفسه بإعراضه عما ينجيه، والثاني يقول قد يمنعه منها دهشة وعارض باطن، (أو في نار يمكن الخلاص منها فمكث فيها) حتى هلك، (ففي الدية القولان) أظهرهما عدم وجوبها، (ولا قصاص في الصورتين) أي الماء والنار (وفي النار وجه) بوجوبه بناء على وجوب الدية بخلاف الماء والفرق أن النار تؤثر بأول المس جراحة يخاف منها بخلاف الماء، وقيل بوجوب القصاص فيه أيضا، واحترز بقوله يمكن الخلاص منها عما لا يمكن لعظمها أو كونها في وهدة أو كونه مكتوفا أو زمنا فمات بها فعليه القصاص ([26]).

 ويقول الشربيني: "(ولا قصاص في الصورتين) وهما الإلقاء في الماء والإلقاء في النار لأنه الذي قتل نفسه (وفي) الإلقاء في (النار وجه) بوجوب القصاص بخلاف الماء، والفرق أن النار تحرق بأول ملاقاتها وتؤثر قروحات قاتلة، بخلاف الماء على أن في الماء وجها أيضا في الروضة، فلا مفهوم لتقييد المتن، وعلى عدم القصاص يجب على الملقي أرش ما أثرت النار فيه من حين الإلقاء إلى الخروج على النص، سواء أكان أرش عضو أم حكومة، فإن لم يعرف قدر لذلك لم يجب إلا التعزير كما في البحر عن الأصحاب، واحترز بقوله:  يمكنه الخلاص عما إذا لم يمكنه لعظمها أو لكونها في وهدة أو كونه مكتوفا أو زمنا أو صغيرا أو ضعيفا فعليه القصاص"([27]).

وقد راعى الشافعية الجانب الإنساني عند استيفاء القصاص، فرأوا أن الولي يُخير عند الاستيفاء بين أن يستوفيه بالسيف أو بالنار، فإن أبى إلا الحرق فله ذلك، لكن لا يتركه بالنار حتى يشوى، قال الماوردي: "يكون الولي بالخيار بين أن يعدل عن حرقه بالنار إلى قتله بالسيف، فله ذاك:  لأنه أوجى وأسل، فيضرب عنقه، ولا يعدل عنه، فإن عدل عن العنق إلى غيره من جسده أساء وعزر، وقد استوفى قصاصه، وإن أراد أن يقتص منه بإحراقه بالنار كان له، وروعي ما فعله الجاني من إحراقه"([28]).

وقال: "ويخرج من النار إذا مات قبل أن يشوى جلده، ليمكن غسله وتكفينه، ولا تماثل بالمحرق إن أكلته النار لما علينا من استيفاء جسده في حقوق الله تعالى"([29]).

توجيه رأي الحنابلة:

جاء في المغني:  "وإن حرقه، فقال بعض أصحابنا:  لا يحرق"([30]) وقال أيضا: "وقال القاضي:  الصحيح أن فيه روايتين، كالتغريق؛ إحداهما، يحرق"([31]).

وافق الحنابلة الشافعية في صفات النار التي يباح القصاص بسببها، فقال ابن قدامة:  "أن يلقيه في نار أو ماء يغرقه ولا يمكنه التخلص منه، إما لكثرة الماء والنار وإما لعجزه عن التخلص، لمرض أو ضعف أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه الخروج، أو كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها، ونحو هذا، أو ألقاه في بئر ذات نفس، فمات به، عالما بذلك، فهذا كله عمد؛ لأنه يقتل غالبا.

وإن ألقاه في ماء يسير يقدر على الخروج منه، فلبث فيه اختيارا حتى مات، فلا قود فيه ولا دية؛ لأن هذا الفعل لم يقتله، وإنما حصل موته بلبثه فيه، وهو فعل نفسه، فلم يضمنه غيره.

وإن تركه في نار يمكنه التخلص منها لقلتها، أو كونه في طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة؛ فلم يخرج حتى مات، فلا قود؛ لأن هذا لا يقتل غالبا، وهل يضمنه ؟ فيه وجهان:  أحدهما، لا يضمنه؛ لأنه مهلك لنفسه بإقامته، فلم يضمنه، كما لو ألقاه في ماء يسير، لكن يضمن ما أصابت النار منه"([32]).

أدلة هذا القول:

وقد استدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة، وهي كما يأتي:

أولا:  من القرآن الكريم:  عموم قول الله تعالى:  ([33])

1- قول الله تعالى:  (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ) البقرة/ 194.

2- وقوله تعالى:  (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ) النحل/ 126.

3- وقوله تعالى:  (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) الشورى/ 40.

وجه الدلالة:

دلت الآيات بمجموعها على مشروعية المماثلة في استيفاء القصاص، فللولي الحق في القتل بمثل ما قتل به الجاني، ولأن القصاص موضوع على المماثلة والمماثلة تكون ممكنة بهذه الأسباب؛ فجاز أن يستوفي بها القصاص ([34]).

ويرد على هذا العموم من عدة وجوه:

1- إن هذا العموم مخصوص بحديث النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا قود إلا بالسيف"([35]) وعليه فلا يجوز استيفاء القصاص بالنار.

قال الشوكاني: "ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضا، حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه، فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم:  يا رسول الله دعني أضرب عنقه، حتى قيل:  إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة"([36]).

2- إن المساواة في الجزاء تكون في غير القصاص، أما في القصاص فيطلب فيها من الجاني بأرفق مما جنى به([37]) ولأن استيفاؤه بالحرق إما يكون فيه زيادة على ما فعل الجاني وهذا ظلم، أو يكون فيه نقص، وفي النقصان يحسن بالمتعدى عليه و الشرع إنما يأمر بالعدل وذلك بالمثل([38]).

ثانيا:  من السنة النبوية:

1- عن عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده في حديث ذكره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  من حرق حرقناه، ومن نبش قطعناه ([39]).

وجه الدلالة:

الحديث واضح الدلالة على جواز استيفاء القصاص بحرق الجاني في النار.

ويرد على هذا: بأن الحديث ضعيف، وفي إسناده من يجهل به، فلا يستدل به ([40]) وعلى فرض صحته فجميع الأدلة التي تبيح الحرق بالنار منسوخة([41])

2- عن أنس بن مالك:  أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، فسألوها من صنع هذا بك ؟ فلان فلان؟ حتى ذكروا يهوديا، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فأقر فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بالحجارة"([42]).

وجه الدلالة:

الحديث واضح الدلالة على أن القاتل يُقتل بما قتل به، ومن ذلك القصاص بالنار، فمن قتل آخر بحرقه فإنه يقتص منه بمثل فعله([43]).

ويمكن أن يرد على هذا الاستدلال من عدة وجوه:

الأول:  قياس جواز استيفاء القصاص بالنار على جواز استيفائه بالحجارة قياس مع الفارق؛ فلا يلزم من استيفائه بالحجارة أن يستوفى بالنار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بالنار إلا رب النار"([44]) وهو عام في القصاص وغيره.

الثاني:  يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله، إذ كان إنما قتل على مال قد بين ذلك في بعض الحديث([45])، فيكون الرسول الله صلى الله عليه و سلم جعل دم ذلك اليهودي قد وجب لله عزوجل كما يجب دم قاطع الطريق([46]) أو يكون قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله بتلك الطريقة من باب السياسة ([47]).

3- عن أنس قال:  قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في الصفة، فاجتووا المدينة فقالوا يا رسول الله أبغنا رسلا. فقال: "ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله  صلى الله عليه وسلم"، فأتوها فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صحوا وسمنوا، وقتلوا الراعي واستاقوا الذود، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الصريخ، فبعث الطلب في آثارهم، فما ترجل النهار حتى أتي بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم، ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا. قال أبو قلابة سرقوا وقتلوا وحاربوا الله ورسوله([48]).

وجه الدلالة:

تكحيل أعينهم بمسامير محماة دليل على جواز التعذيب بالنار ([49]).

ويرد على هذا الاستدلال:  بأنه لا حجة فيما ذكر للجواز، لأن قصة العرنيين منسوخة ([50]) ومما يدل على أن التحريق بالنار منسوخ ما يأتي:

1- عن أبي هريرة قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال:  إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج:  إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"([51]).

2- عن عكرمة قال:  أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال:  لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله"ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"([52])زاد الترمذي:  فبلغ ذلك عليا فقال:  صدق ابن عباس([53]).

قال زين الدين العراقي: "فهذه الأحاديث دالة أن ما كان هم به من التحريق منسوخ بهذه الأحاديث"([54])

وقال الشوكاني مستدلا بهذه الأحاديث: "أمر الله بقتل المشركين ولم يعين لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا أن لا نفعل إلا كذا دون كذا فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي أو طعن أو تغريق أو هدم أو دفع من شاهق أو نحو ذلك ولم يرد المنع إلا من التحريق"([55]).

وقال أيضا: "فإن النبي صلى الله عليه و سلم قال بعد الأمر بإحراق رجلين مشركين قد بالغا في الأذى لرسول الله صلى الله عليه و سلم واستحقا القتل، ثم علل ذلك بهذه العلة التي تفيد:  أنه لا يجوز التحريق بالنار لأحد من عباد الله، سواء كان مشركا أو غير مشرك وإن بلغ في العصيان والتمرد على الله أي مبلغ، فما وقع من بعض الصحابة محمول على أنه لم يبلغه الدليل"([56]).

قال صاحب عون المعبود: "لا حجة فيه للجواز، فإن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي غيره"([57]).

ثالثاً:  استدلوا بوقائع عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على الحرق بالنار.

قال الحافظ في الفتح: "واختلف السلف في التحريق:  فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان ذلك بسبب كفر أو في حال مقاتلة أو كان قصاصا، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما..وقال المهلب([58]):  ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة، وقد سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد المحمي، وقد حرق أبو بكر البغاة بالنار بحضرة الصحابة، وحرق خالد بن الوليد بالنار ناسا من أهل الردة، وأكثر علماء المدينة يجيزون تحريق الحصون والمراكب على أهلها"([59]).

ويمكن أن يرد على هذا بما يأتي:

أولا:  أن قول الصحابة الذي له مخالف من الصحابة ليس حجة على غيره([60])فكما أنه ينقل عن بعض الصحابة فعله، أيضا ينقل عن بعض الصحابة تحريمه، وعليه فيسقط الاستدلال بها في هذه المسألة لوجود المخالف([61]).

ثانيا:  ما ورد من حرق الصحابة رضي الله عنهم لبعض الأفراد، فهذا محمول على أنه كان بعد قتلهم، ومما يدل على هذا:  

قال ابن عبد البر: "قد روينا من وجوه أن عليا إنما أحرقهم بعد قتلهم، قال:  ذكر العقيلي قال:  حدثنا محمد بن إسماعيل قال:  حدثنا شبابة وذكره أبو زيد عمر بن شبة قال:  حدثني محمد بن حاتم قال:  حدثنا شبابة بن سوار قال:  حدثنا خارجة بن مصعب عن سلام بن أبي القاسم عن عثمان بن أبي عثمان الأنصاري قال:  جاء ناس من الشيعة إلى علي فقالوا:  يا أمير المؤمنين، أنت هو، قال:  من أنا ؟ قالوا:  أنت هو، قال:  ويلكم من أنا ؟ قالوا:  أنت ربنا، قال:  ويلكم ارجعوا فتوبوا، فأبوا فضرب أعناقهم، ثم قال:  يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فحفر لهم في الأرض أخدودا فأحرقهم بالنار ثم قال...

لما رأيت الأمر أمرا منكرا... أججت ناري ودعوت قنبرا ([62])

ومن ذلك ما رواه ابن رجب عن علي رضي الله عنه: أنه أشار على أبي بكر أن يقتله-لمن عمل عمل قوم لوط-  ثم يحرقه بالنار، واستحسن ذلك إسحاق بن راهويه لئلا يكون تعذيبا بالنار([63]).

ثالثا:  فعل الصحابة هذا يحمل على أنهم فعلوه تغليظا للعقوبة عليهم، وقبل أن يبلغهم النهي عن التحريق بالنار([64]) ومما يدل على ذلك:  ما رواه عكرمة([65]):  أن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"([66])ولم أكن لأحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعذبوا بعذاب الله". فبلغ ذلك عليا فقال صدق ابن عباس. قال أبو عيسى هذا حديث صحيح حسن. والعمل على هذا عند أهل العلم ([67]).

فعلي رضي الله عنه لما علم بالتحريم رجع عنه، ومما يدل على رجوعه عن الحرق للأحياء ما فعله بابن ملجم، قال أبو يحيى:  لما ضرب ابن ملجم عليا الضربة، قال:  افعلوا به كما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل برجل أراد قتله، فقال: "اقتلوه ثم حرقوه"([68]).

رابعا:  يحتمل أن يكون التحريق وقع لأجزاء من أجسادهم تأديبا لهم، وتكون الوفاة قد حصلت لأمر آخر أو لشدة الألم، ويوضح هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالعرنيين.

خامسا:  ويرد على المهلب، بأنه رأي فقيه لا حجة فيه على غيره، وقد ثبتت السنة النبوية بخلافه.

سادسا:  قال ابن المنير وغيره:  لا حجة فيما ذكر للجواز، لأن قصة العرنيين كانت قصاصا أو منسوخة كما تقدم، وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقا للظفر بالعدو، ومنهم من قيده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهر النهي فيه التحريم، وهو نسخ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه، وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه"([69]).

سابعا:  قال ابن حجر معلقا على قول البخاري: "باب لا يعذب بعذاب الله"قال:  هكذا بت الحكم في هذه المسألة لوضوح دليلها عنده، ومحله إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب"([70])

وقال: "ولعل جواز التحريق للكافرين في حال الحرب إنما يكون بغير قصد إليه والعزم على فعله، وما يدل على هذا نهي أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك، وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في خلال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف، وهو نحو ما أجاب به في النهي عن قتل النساء والصبيان، وبهذا قال أكثر أهل العلم، ونحو ذلك القتل بالتغريق. وقال غيره:  إنما نهى أبو بكر جيوشه عن ذلك لأنه علم أن تلك البلاد ستفتح فأراد إبقاءها على المسلمين. والله أعلم ([71])

رابعاً:  القياس:

1- لأن القصاص موضوع للمماثلة وهي معتبرة في النفس فكان أولى أن تعتبر في آلة القتل ([72]).

2- ولأن القتل مستحق لله تعالى تارة وللآدميين تارة، فلما تنوع في حق الله تعالى نوعين بالحديد تارة، وبالمثقل في رجم الزاني المحصن، وجب أن يتنوع في حقوق الآدميين نوعين بمثقل وغير مثقل ([73]).

ويرد على هذا:  بأنه قياس في مقابلة النص الصريح، وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا قود إلا بالسيف"فلا يصار لغيره إلا بدليل.

القول الثاني:  وجوب استيفاء القصاص بالسيف([74]) وعدم جوازه بالحرق:

وقد ذهب إلى هذا الرأي الحنفية ([75]) وهو المذهب عند الحنابلة ([76]) وهو مروي عن إبراهيم النخعي وعامر الشعبي والحسن البصري وسفيان الثوري([77]) وهو مروي عن عدد من الصحابة منهم:  عمر وابن عباس رضي الله عنهم([78]).

 قال الكاساني: وأما بيان ما يستوفى به القصاص، وكيفية الاستيفاء فالقصاص لا يستوفى إلا بالسيف عندنا"([79]).

وفي كتاب الإنصاف: "ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف في إحدى الروايتين، وهو المذهب"([80]).

أدلة هذا القول:  

أولا:  من السنة النبوية:

1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا قود إلا بالسيف"([81]).

وجه الدلالة:

القود هو القصاص، وهو نكرة في موضع النفي، والنكرة في موضع النفي تعم، فيدخل فيها جميع أفراد القود، وعليه فلا يجوز الاستيفاء إلا بالسيف، وقيل النفي والاستثناء وهو طريق من طرق القصر وتحقيق القصر فيه أنه لما قيل:  لا قود، توجه النفي إلى ذات القود، فانتفى القود المنكر الشامل لكل واحد من أفراد القود؛ ولما قيل:  إلا بالسيف. جاء القصر وفيه إثبات ذلك القود المنفي بالسيف، وإنما قلنا:  توجه النفي إلى ذات القود؛ لأن القود معنى من المعاني وليس له قيام إلا بالذات، والذات لا يتوجه إليه النفي؛ ولهذا نقول:  المنفي في قولنا: "إنما زيد قائم"هو اتصاف زيد بالقيام لا ذات زيد؛ لأن أنفس الذوات أي الأجسام يمتنع نفيها كما بين ذلك في الطبيعيات ([82]).

قال السرخسي: "وهذا تنصيص على نفي وجوب القود، واستيفاء القود بغير السيف، والمراد بالسيف:  السلاح،هكذا فهمت الصحابة رضي الله عنهم من هذا اللفظ حتى قال علي رضي الله عنه:  العمد السلاح، وقال أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه:  لا قود إلا بالسلاح، وإنما كني بالسيف عن السلاح؛ لأن المعد للقتال على الخصوص بين الأسلحة هو السيف([83]) ولأن القود بالسيف أرجى في الاستيفاء وفي عدم الحيف ([84]).

2- عن حمزة الأسلمي عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّره على سرية، قال:  فخرجت فيها، وقال:  إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار، فوليت فناداني فرجعت إليه فقال:  إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار"([85]).

وجه الدلالة:

قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحرقوه"نهي، والنهي للتحريم([86])، فيكون إحراق الإنسان محرماً، وهو عام فيدخل في معناه القصاص بالحرق بالنار([87]).

ويرد على هذا:  بأن القصاص مماثلة ليس بعذاب، وإنما هو استيفاء حق([88]) فلا يكون داخلا في عموم النهي.

ويمكن أن يجاب عن هذا:  كون القصاص ليس عذابا هذه دعوى بغير دليل، فما يجده الإنسان من الألم بسبب النار يستوي في القصاص وغيره، وعلى فرض التسليم، فإن الحرق بالنار هو عذاب الله تعالى، فلا ينبغي مماثلته مطلقا، وقد تقدم الحديث"لا قود إلا بالسيف"فيقضي على هذا الاستدلال.

ثانيا:  من المعقول.

1- إن استحقاق القتل يمنع من استيفائه بغير السيف كالمرتد وكالقاتل بالسيف ([89]) ولأن هذا لا يقتل به المرتد، فلا يستوفى به القصاص، كما لو قتله بتجريع الخمر، أو بالسحر([90])

ويمكن أن يرد على هذا:  بأن القتل يحصل بكل مزهق للروح ومنه النار، وكذلك لا يلزم من عدم حرق المرتد ألا يحرق بالنار قصاصا.

2- ولأن تفويت النفوس المباحة لا يجوز إلا بالمحدد كالذبائح، مع أن نفوس الآدميين أغلظ حرمة من نفوس البهائم ([91]).

3- إن استيفاء القصاص بغير السيف لا تؤمن معه الزيادة على ما فعله الجاني، فلا يجب القصاص بمثل آلته([92]) ولأن استيفاء القصاص حرقا بالنار لا تؤمن معه الزيادة على ما فعله الجاني، فلا يستوفى به، كما لو قطع الطرف بآلة كالة، أو مسمومة، أو بالسيف، فإنه لا يستوفى بمثله([93]).

الترجيح:

من خلال النظر في أدلة القولين؛ يتبين أن الراجح في المسألة هو عدم جواز الحرق بالنار مطلقا، سواء كان حدا أم قصاصا أم تعزيرا، وذلك لقوة أدلة تحريم التعذيب بالنار، وضعف أدلة القائلين به، ومما يؤيد حرمة العقاب بالنار ما يأتي:

أولا:  لا يوجد في القرآن الكريم ولا السنة النبوية ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق بالنار، وغاية ما هنالك أنه:  أمر بسمل، وفي رواية:  سمر أعين العرنيين، ثم تركهم حتى ماتوا، ولا يستطيع أحد الجزم بأن موتهم كان بسبب سمر أعينهم، والذي يتضح من حالهم أنهم ماتوا عطشا.

قال ابن حجر رحمه الله:  (وسمرت أعينهم) تشديد الميم، وفي رواية أبي رجاء: "وسمر"بتخفيف الميم، ولم تختلف روايات البخاري في أنه بالراء، ووقع لمسلم من رواية عبد العزيز: "وسمل" بالتخفيف واللام:  قال الخطابي:  السمل:  فقء العين بأي شيء كان، قال أبو ذؤيب الهذلي:  

والعين بعدهم كأن حداقها    سملت بشوك فهي عور تدمع.

وقال:  قلت:  قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه: "ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها"، فهذا يوضح ما تقدم ولا يخالف ذلك رواية السمل؛ لأنه فقء العين بأي شيء كان كما مضى"([94])

ويكون هذا بأن يؤتى بحديدة محماة وتقرب من العين حتى يذهب نظرها، وعلى هذا يتفق مع رواية من قاله:  سمر بالراء اذ قد تكون هذه الحديدة مسمارا([95])انتهى.

قلت: سبحان الله ! فأين حرق الإنسان بمعناه المتداول هذه الأيام من هذا التوجيه الكريم.

وعن موتهم قال ابن حجر:  (وألقوا في الحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة، وإنما ألقوا فيها؛ لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا.

قوله: (يستسقون فلا يسقون) زاد وهيب والأوزاعي: "حتى ماتوا"وفي رواية أبي رجاء"ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا"وفي رواية شعبة عن قتادة"يعضون الحجارة"وفي الطب من رواية ثابت قال أنس: "فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت"ولأبي عوانة من هذا الوجه"يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة"([96]).

ثانيا:  بعد هذه الحادثة لم يسمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا ولم يقطع لسانا ولم يزد على قطع اليد والرجل، ولم يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا بعد ذلك إلا نهاهم عن المثلة([97]) فدل هذا على النسخ، فإذا كان هذا الصنيع بالنار منسوخاً، فكيف بالحرق المباشر بالنار؟!

ثالثا:  ما ورد في قصة العرنيين هو"التعذيب بالنار"وأما إزهاق الروح بالنار عن طريق حرقه مباشرة يسمى"القتل بالنار"ولا شك أن التعذيب بالنار هو بريد القتل بها، ولا يمكن الجزم بالوفاة بها عند التعذيب بها دائما، وهذا يختلف باختلاف النار المستعملة في التعذيب، فيكون القتل بالنار مرحلة متأخرة عن التعذيب بها، ولما ورد النهي عن التعذيب بالنار، تبين أن هذا نهي عن الأدنى، فمن باب أولى أن يكون نهي عن الأعلى، فإذا كان التعذيب منهيا عنه، فيكون الحرق أمر مقطوعا بحرمته بدلالة الأولى.

رابعا:  العقوبة التي يمكن أن تقع على الإنسان يكون سببها إما قصاصا أو غيره، فإذا كان قصاصا؛ فقد قضى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا قود إلا بالسيف"على غيره من طرق الاستيفاء؛ لأنه نهي وحصر، وأما في غير القصاص فقد قضى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يعذب بالنار إلا رب النار"على التعذيب بالنار مطلقا، وتبين أن العقاب بالنار أمر منسوخ.

خامسا:  ما ورد عن الصحابة (أبو بكر وعلي وخالد) رضي الله عنهم، من أمر التحريق لفئة من الناس، فهو محمول على أنه كان بعد قتلهم، وقد يكون قبل العلم بالنهي، وقد يكون له توجيه آخر، وإضافة إلى ما تم ذكره في مناقشة الأدلة، أورد ما يأتي:

1- أحيانا يأتي الحرق بمعنى القتل بغير النار، فقد روى عياض بن حمار المجاشعى في حديثه الطويل: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم فى خطبته: "ألا إن ربى أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا، حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال:  إنما بعثتك لأبتليك وأبتلى بك، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشا.."([98]) والشاهد من هذا قول صلى الله عليه وسلم: "وإن الله أمرني أن أحرق قريشا"، وعبر بالحرق هنا كناية عن القتل([99]).

2- ذكر ابن عساكر في تاريخه:  أن ابن الأهتم مر على عمر بن عبد العزيز فقال له:  أطربك ؟ قال:  لا، قال:  أفأعظك؟ قال نعم.. حتى قال:  ثم ولي أبو بكر من بعده فارتد عليه العرب أو من ارتد منها، فحرصوا أن يقيموا الصلاة ولا يؤتوا الزكاة، فأبى أبو بكر أن يقبل منهم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قابلا منهم لو كان حيا، فلم يزل يحرق أوصالهم ويسقي الأرض من دمائهم حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، وقررهم على الأمر الذي نفروا منه ([100]) انتهى.

والأوصال هي الأعضاء([101]) فلعل الحرق كان لأطرافهم ليجدوا مرارة العذاب ليرجعوا، ولم يكن المراد قتلهم بالنار.

3- ما ذكره ابن عبد البر عن يحيى بن سعيد، أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام.. حتى قال:  إنك ستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له. وستجد قوما فحصوا عن أوساط رءوسهم من الشعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف، وإني موصيك بعشر:  لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا، إلا لمأكلة  ولا تحرقن نحلا، ولا تفرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن([102]) فهذا أبو بكر يوصي بعدم الحرق، ولو كان يراه عقابا مستحقا جائزا لذكره.

4- قال ابن حجر: "وأخرج الطبراني من وجه آخر([103])عن معاذ وأبي موسى أن النبي صلى الله عليه و سلم أمرهما أن يعلما الناس، فزار معاذ أبا موسى فإذا عنده رجل موثق بالحديد، فقال:  يا أخي أو بعثت تعذب الناس ؟ إنما بعثنا نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم، فقال:  أنه أسلم ثم كفر،فقال:  والذي بعث محمدا بالحق، لا ابرح حتى أحرقه بالنار، قوله: لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله بالرفع خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب، قوله:  ثلاث مرات،أي كرر هذا الكلام ثلاث مرات، وبين أبو داود في روايته([104]) أنهما كررا القول، أبو موسى يقول:  اجلس، ومعاذ يقول:  لا أجلس، فعلى هذا فقوله ثلاث مرات، من كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ، ووقع في رواية أيوب بعد قوله قضاء الله ورسوله:  أن من رجع عن دينه أو قال:  بدل دينه فأقتلوه، قوله:  فأمر به فقتل في رواية أيوب، فقال:  والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه، فضرب عنقه، وفي رواية الطبراني التي أشرت إليها، فأتى بحطب فألهب فيه النار، فكتفه وطرحه فيها، ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار، ويؤخذ منه أن معاذا وأبا موسى كانا يريان جواز التعذيب بالنار، وإحراق الميت بالنار مبالغة في إهانته وترهيبا عن الاقتداء به"([105]).

تبين من كلام ابن حجر، أنه لا يمكن التسليم بنص من النصوص الواردة عن حرق الصحابة رضي الله عنهم لفئة من الناس أنه كان كفاحا مباشرة، وإنما روايات تحتمل التأويل، لكن الذي يترجح منها:  هو أن الحرق كان لعدم العلم بالنهي أو بالنسخ، وعند العلم به رجع عنه كما تقدم، أو كان الحرق لأجزاء من الجسد؛ ليجد مرارة العذاب فيرجع عن فعلته، أو يكون تحريقا بمعنى مبالغة في القتل، أو يكون الحرق حصل بعد قتله.

سادسا:  إن في حرق الإنسان تفويتا لحقه الشرعي في تغسيله قبل الكفن والدفن.

سابعا:  عن شداد بن أوس قال:  ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته"([106]).

وإليك توجيه العلماء لهذا الحديث:

1- قال الإمام النووي: "(وليحد) هو بضم الياء يقال:  أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى، وليرح ذبيحته، بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك، ويستحب ألا يحد السكين بحضرة الذبيحة، وألا يذبح واحدة بحضرة أخرى، ولا يجرها إلى مذبحها. وقوله صلى الله عليه وسلم:  (فأحسنوا القتلة) عام في كل قتيل من الذبائح، والقتل قصاصا، وفي حد ونحو ذلك. وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام. والله أعلم"([107]).

2- جاء في عون المعبود: "(وليرح ذبيحته) بضم الياء من أراح إذا حصلت راحة، وإراحتها تحصل بسقيها وإمرار السكين عليها بقوة ليسرع موتها فتستريح من ألمه"([108]).

3- جاء في تحفة الأحوذي: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة". وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به. ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب العنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم:  يا رسول الله دعني أضرب عنقه، حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة"([109]).

4- جاء في شرح البخاري لابن بطال: "وكره أبو هريرة أن تحد الشفرة والشاة تنظر إليها، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا أضجع شاة، فوضع رجله على عنقها، وهو يحد شفرته فقال له صلى الله عليه وسلم: "ويلك، أردت أن تميتها موتات؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها"([110]).

5- وفي المرقاة: "فأحسنوا القتلة بكسر القاف الحالة التي عليها القاتل في قتله كالجلسة والركبة والمراد بها المستحقة قصاصا أو حدا والإحسان فيها اختيار أسهل الطرق وأقلها إيلاما"([111]).

فهذا الحديث وما يليه من توجيهات للعلماء، جميعها تدل على الإحسان، وليس من الإحسان حرق الإنسان، لما له من تبعات نفسيه على الجاني، وعلى المجتمع.

ثامنا:  عن ابن عمر رضي الله عنهما:  أنه دخل على يحيى بن سعيد، وغلام من بنى يحيى رابط دجاجة يرميها، فمشى إليها ابن عمر حتى حلها، ثم أقبل بها وبالغلام معه فقال:  ازجروا غلامكم عن أن يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل([112]).

قال الشافعي: "اتخاذ ما فيه الروح غرضا وإحراق أهل الشرك بالنار لا يحل فعل ذلك بهم بعد أن يؤسروا، ويحل أن يقاتلوا فيرموا بالنبل والحجارة ويشهب النار وكل ما فيه دفع لهم عن حرب المسلمين ومعونة لأهل الإسلام عليهم وقد أباح الله رمي الصيد بالنبل ما كان ممتنعا، فإذا أخذ فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ عرضا يرمى، وأمر أن يذبح أحسن الذبح، والآدمي في ذلك أكثر من الصيد، وبسط الكلام فيه"([113]).

تاسعا:  قياس منع استيفاء القصاص بالحرق على منع استيفاؤه بالطرق غير المشروعة، وقد تكلم الفقهاء عن طرق لا يجوز استيفاء القصاص بها([114])، ووجه القياس هذا:  أنها طرق محرمة في ذاتها فلا يجوز القصاص بها، وكذلك الحرق بالنار، فقد ورد النهي عنه في أحاديث كثيرة  تقدم بعضها([115])، فيكون محرما لذاته، فيقاس على عدم جواز الاستيفاء بالطرق المحرمة.

مسألة:  من يستوفي القصاص:

ذهب جماهير أهل العلم إلى أن القصاص لا يستوفى إلا بإذن الإمام (الحاكم) أو نائبه، وعدم جواز استقلال ولي القتيل باستيفاء القصاص بنفسه، وعلى هذا فلا يجوز لأي جهة كانت أن تقوم بتطبيق العقوبات أو باستيفاء القصاص إلا بإذن الحاكم؛ فإذا فعلت فإنها تعاقب تعزيرا لافتياتها على الحاكم.

قال المراداوي: "(ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان) أو نائبه هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والحاوي والرعاية الصغرى والوجيز والمنور ومنتخب الأدمي وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم"([116])

وقال النووي: "ليس لمستحق القصاص استيفاؤه إلا بإذن الإمام أو نائبه([117])

جاء في أسنى المطالب: "من اقتص في نفس أو طرف بغير إذن الإمام، عزر لافتياته عليه وتعديه إذ أمر الدماء خطر يحتاج إلى نظر واجتهاد فلا يستوفيها إلا بإذنه"([118])

وجاء في المهذب: "ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان لأنه يفتقر إلى الاجتهاد ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي فإن استوفاه من غير حضرة السلطان عزره على ذلك"([119]).

وقال الصاوي: " (ولا قود):  أي ليس للولي قود (إلا بإذن الحاكم) من إمام أو نائبه  (وإلا) بأن اقتص الولي بغير إذن الحاكم (أدب) لافتياته على الإمام"([120]).

قال النووي: "لينصب الإمام من يقيم الحدود ويستوفي القصاص بإذن المستحقين له، ويرزقه من خمس خمس الفيء والغنيمة المرصد للمصالح،  فإن لم يكن عنده من سهم المصالح شيء أو كان واحتاج إليه لأهم منه فأجرة الاقتصاص على المقتص منه؛ لأنها مؤنة حق لزمه أداؤه، وقيل على المقتص، والصحيح المنصوص الأول وبه قطع الجمهور "([121]).

الخاتمة

بعد هذا العرض لمسألة حرق الإنسان بالنار بدعوى القصاص، تبين ما يأتي:

1- لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق بالنار، وإنما سمل أعين قوم وتركهم، فماتوا بسبب آخر غير النار.

2- سمل أعين العرنيين بالنار منسوخ.

3- لا يوجد دليل صحيح صريح يبيح الحرق بالنار، وإنما عموميات تحتمل التأويل.

4- التعذيب بالنار محرم لورود النهي الصريح عنه، وهو عام في القصاص وغيره.

5- الفقهاء الذين أباحوا الحرق بالنار وضعوا شروطا للاستيفاء بها، فلا يعتبر الموت بمطلق النار مسوغا للحرق عندهم.

6- النصوص الواردة عن حرق الصحابة رضي الله عنهم لفئة من الناس جميعها تحتمل التأويل، لكن الذي يترجح منها:  هو أن الحرق كان لعدم العلم بالنهي أو بالنسخ، وعند العلم به رجع عنه كما تقدم، أو كان الحرق لأجزاء من الجسد؛ ليجد مرارة العذاب فيرجع عن فعلته، أو يكون تحريقا بمعنى مبالغة في القتل، أو يكون الحرق حصل بعد القتل.

7- لا يعبر مطلق القتل مسوغا لإقامة القصاص، بل لابد من تحقق الشروط المعبرة للاستيفاء.

 

(*)بحث علمي محكم منشور في مجلة البحث العلمي الإسلامي، كلية الشريعة والدراسات الاسلامية، جامعة أريس الدولية، السنة الحادية عشرة، العدد الرابع والعشرون 14/شعبان /1436هـ، الموافق 1/6/2015 دائرة الإفتاء العام /مكتب إفتاء محافظة الطفيلة  1436هـ - 2015م.

 

الهوامش

([1])  مقاييس اللغة، ج5 ص11

([2])  كتاب التعريفات، ص176؛ التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، ج1 ص663

([3])  المغني، ج8 ص299

([4])  صحيح البخاري، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين، رقم الحديث 6880

([5])  صحيح البخاري، باب الصلح في الدية، رقم الحديث 2703

([6])  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ج7 ص237

([7]) نيل الأوطار،ج7 ص12؛ المغني لابن قدامة، ج8 ص352

([8])  صحيح ابن خزيمة، باب ذكر نماء المال بالصدقة منه، رقم الحديث 2437

([9])  سنن أبي داود، باب الإمام يأمر بالعفو فى الدم، رقم الحديث 4497؛ معرفة السنن والآثار، باب العفو عن القصاص بلا مال، رقم الحديث 15900

([10])  سنن أب داود، باب الأمام يأمر بالعفو في الدم، رقم الحديث4499، ج6 ص546، والحديث صحيح.

([11])  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير،ج 4 ص 265 - 266؛ المغني لابن قدامة،ج 8 ص 268

([12])  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير،ج 4 ص 265 - 266 المغني لابن قدامة،ج 8 ص 304؛ شرح مختصر خليل، ج8 ص30

([13])  الخلاف بين الفقهاء يجري في الحرق وغيره، فما يقال عن الحرق يقال عن غيره.

([14])  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير،ج4 ص 265 - 266

([15])  الحاوي الكبير، ج12 ص109

([16])  المغني لابن قدامة،ج8 ص304

([17])  المغني لابن قدامة،ج8 ص304

([18])  عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج24 ص39

([19])  شرح مختصر خليل، ج8 ص30

([20])  حاشية الصاوي على الشرح الصغير، ج4 ص 369

([21])  حاشية الدسوقي، ج4 ص 265

([22])  حاشية الدسوقي، ج4 ص 265

([23])  الحاوي الكبير، ج12 ص 139

([24])  المهذب للشيرازي، ج2 ص 186

([25])  المنهاج للنووي، ص 122

([26])  حاشيتا قليوبي وعميرة،ج4 ص 101

([27])  مغني المحتاج، ج4 ص 8

([28])  الحاوي الكبير،12 ص 141

([29])  الحاوي الكبير،12 ص 141

([30])  المغني، ج8 ص 304

([31])  المغني، ج8 ص 304

([32])  المغني لابن قدامة، ج8 ص263

([33])  المغني، ج8 ص 301، الحاوي،ج14 ص 175

([34])  حاشية الصاوي على الشرح الصغير، ج4 ص 369؛ أسنى المطالب، ج4 ص 40

([35]) يرى بعض المحدثين أن هذا الحديث ضعيفا، وعند التحقيق يتبين أن الحديث له طرقا كثيرة يتقوى بها، وأقل ما يقال عنه أنه حسن، قال العيني: "فإن قلت:  قال البيهقي:  هذا الحديث لم يثبت له إسناد، وجابر مطعون فيه. قلت:  وإن طعن فيه فقد قال وكيع:  مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرا ثقة. وقال شعبة:  صدوق في الحديث. وأخرج له ابن حبان في صحيحه وقد روي مثله عن أبي بكرة، رواه ابن ماجه بإسناده الجيد عن أبي هريرة، ورواه البيهقي من حديث الزهري عن أبي سلمة عنه نحوه، وعن عبد الله بن مسعود. وأخرجه البيهقي أيضا من حديث إبراهيم عن علقمة عنه، ولفظه:  لا قود إلا بالسلاح، وعن علي، رضي الله تعالى عنه، رواه معلى بن هلال عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عنه، ولفظه:  لا قود إلا بحديدة، وعن أبي سعيد الخدري أخرجه الدارقطني من حديث أبي عازب عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال:  القود بالسيف والخطأ على العاقلة. وهؤلاء ستتة أنفس من الصحابة رووا عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:  أن القود لا يكون إلا بالسيف، ويشد بعضه بعضا. وأقل أحواله أن يكون حسنا، فصح الاحتجاج به.انظر:  عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج24 ص39

([36])  نيل الاوطار، ج7 ص27

([37])  شرح مختصر خليل، ج8 ص 29

([38])  المبسوط، ج26 ص 63

([39])  السنن الصغرى ، باب قطع العبد الآبق والنباش، ج7 ص 42

([40])  قال الهيتمي: "حديث"من حرق حرقناه ومن غرق أغرقناه"رواه البيهقي في المعرفة من حديث عمران بن نوفل بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده، وقال في الإسناد بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته"انظر:  تلخيص الحبير، ج 4 ص 19؛ وقال الشيخ الالباني: "من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه"ضعيف. انظر:  إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل.ج 7 ص 294

([41])  طرح التثريب في شرح التقريب، ج2 ص314

([42])  صحيح البخاري،  باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به، رقم الحديث 2413، ج3 ص 121

([43])  شرح معاني الآثار، ج3 ص180

([44])  سوف يأتي تخريجه لاحقا عند الحديث عن أدلة الرأي الآخر.

([45])  جاء في بعض طرق الحديث: "عن أنس بن مالك - رضى الله عنه - أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قتل يهوديا بجارية قتلها على أوضاح لها"صحيح البخاري، باب قتل الرجل بالمرأة. والاوضاح هي حلي الفضة، انظر:  فتح الباري، ج12 ص 199

([46])  شرح معاني الآثار، ج3 ص180

([47])  المبسوط، ج26 ص 122

([48])  صحيح البخاري، باب لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا، رقم الحديث 6804 ، ج8 ص 163

([49])  فتح الباري، ج 1 ص 340

([50])  عمدة القاري، ج14 ص 220

([51])  صحيح البخاري،  باب التوديع، رقم الحديث 2954، ج4 ص 49

([52])صحيح البخاري، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، رقم الحديث 6922، ج9 ص15

([53])  سنن الترمذي، باب ما جاء في المرتد، رقم الحديث 1458، ج4 ص 59

([54])  طرح التثريب، ج2 ص 314

([55])  السيل الجرار، ج1 ص 953

([56])  السيل الجرار، ج 953

([57])  عون المعبود، ج7 ص 239

([58])  هو المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبد الله الأسدي الأندلسي، المريي، مصنف(شرح صحيح البخاري).

وكان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء، أخذ عن أبي محمد الأصيلي، وفي الرحلة عن أبي الحسن القابسي، وأبي الحسن علي بن بندار القزويني، وأبي ذر الحافظ، روى عنه:  أبو عمر بن الحذاء، ووصفه بقوة الفهم وبراعة الذهن، وحدث عنه أيضا:  أبو عبد الله بن عابد، وحاتم بن محمد. ولي قضاء المرية، توفي في شوال سنة (435هـ). سير أعلام النبلاء، ج17 ص580

([59])  فتح الباري، ج6 ص 150

([60])  الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج3، ص385؛البيضاوي،شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، ص591؛ الخطيب البغدادي، كتاب الفقيه والمتفقه، ج1، ص174؛الدبوسي، تقويم الأدلة في أصول الفقه ، ص256؛ الاسمندي، بذل النظر في الأصول ، ص573.

([61])  فتح الباري، ج6 ص 150

([62])  التمهيد لان عبد البر، ج5 ص318

([63])  جامع العلوم والحكم، ج1 ص390

([64])  الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي، ج1 ص 92

([65])  الحديث الذي تقدم

([66])صحيح البخاري، باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، رقم الحديث 6922، ج9 ص15

([67])  سنن الترمذي، باب ما جاء فى المرتد، رقم الحديث 1458، ج4 ص 59

([68])  قال السيوطي: "رواه أحمد، وابن جرير وصححه، والحاكم، وابن عساكر"انظر:  كنز العمال، ج13 ص 188

([69])  فتح الباري، ج6 ص150

([70])  فتح الباري، ج6 ص149

([71])  فتح الباري، ج6 ص155

([72])  الحاوي الكبير، ج12 ص 140

([73])  الحاوي الكبير، ج12 ص 140

([74])  المراد بالسيف السلاح هكذا فهمت الصحابة - رضي الله عنهم - من هذا اللفظ حتى قال علي - رضي الله عنه - العمد السلاح، وقال أصحاب ابن مسعود - رضي الله عنه - لا قود إلا بالسلاح، وإنما كني بالسيف عن السلاح؛لأن المعد للقتال على الخصوص بين الأسلحة هو السيف، انظر:  المبسوط، ج26 ص 122

([75])  بدائع الصنائع، ج7 ص245

([76])  الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ج9 ص 490

([77])  عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج24 ص39

([78])  فتح الباري، ج6 ص150

([79])  بدائع الصنائع، ج7 ص245

([80])  الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ج9 ص 490

([81])  تقدم تخريجه.

([82])  عمدة القاري، ج12 ص 254

([83]) المبسوط، ج26 ص 122

([84])  الروض المربع شرح زاد المستقنع، ص 639

([85])  سنن أبي داوود، باب فى كراهية حرق العدو بالنار، رقم الحديث 2673، ج4 ص 307 

([86])  المحصول، ج2 ص 281

([87])  المغني، ج9 ص 287

([88])  الحاوي، ج12 ص 140

([89])  الحاوي الكبير، ج12 ص 139

([90])  المغني، ج8 ص 304

([91])  الحاوي الكبير، ج12 ص 139

([92])  المغني، ج8 ص 304

([93])  المغني، ج8 ص 304

([94])  فتح الباري، ج1 ص 340

([95])  تخريج الدلالات السمعية، 633؛ فتح الباري، ج1 ص 340

([96])  فتح الباري، ج10 ص 142

([97])  سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج6 ص 117

([98])  صحيح مسلم، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار، رقم الحديث 2865، ج4 ص 2197

([99])  كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج4 ص 244

([100])  تاريخ دمشق، ج24 ص 147

([101])  لسان العرب، باب:  وصل، ج11 ص726

([102])  الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، ج14 ص69

([103])  رواية الطبراني:  عن أبي موسى، قال:  أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل العمل، فقال: "يا أبا موسى أو يا عبد الله"، فقلت:  والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته، فقال لي: "لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس"، فبعثه على اليمن، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال: "انزل"، فإذا رجل موثق، فقال: "ما هذا؟"، قال:  هذا كان يهوديا فأسلم، ثم راجع دينه دين السوء، فقال: "لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله"ثلاث مرات، فأمر به فقتل.انظر:  المعجم الكبير للطبراني، ج20ص42

([104])  رواية ابي داود:  قال أبو موسى أقبلت إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- ومعى رجلان من الأشعريين أحدهما عن يمينى والآخر عن يسارى فكلاهما سأل العمل والنبى -صلى الله عليه وسلم- ساكت فقال « ما تقول يا أبا موسى ». أو « يا عبد الله بن قيس ». قلت والذى بعثك بالحق ما أطلعانى على ما فى أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل. قال وكأنى أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت قال « لن نستعمل - أو لا نستعمل - على عملنا من أراده ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ». فبعثه على اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل قال فلما قدم عليه معاذ قال انزل. وألقى له وسادة فإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال هذا كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء. قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله. قال اجلس نعم. قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله. ثلاث مرات فأمر به فقتل ثم تذاكرا قيام الليل فقال أحدهما معاذ بن جبل أما أنا فأنام وأقوم - أو أقوم وأنام - وأرجو فى نومتى ما أرجو فى قومتى.سنن أبي داود، باب الحكم فيمن ارتد، رقم الحديث 4354، ج6 ص 410

([105])  فتح الباري، ج12 ص 274

([106])  صحيح مسلم، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة، رقم الحديث 1955، ج3 ص 1548

([107])  شرح النووي على مسلم، ج13 ص 107

([108])  عون المعبود،ج8 ص8

([109])  تحفة الأحوذي، ج4 ص 543

([110])  شرح ابن بطال،ج5 ص 428؛ والحديث رواه الحاكم، انظر:  المستدرك على الصحيحين للحاكم،ج4 ص 257، وقال:  هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه »

([111])  مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج6 ص 2649

([112])  صحيح البخاري، باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة، رقم الحديث 5514، ج7 ص94

([113])  معرفة السنن والآثار، ج13 ص 206

([114])  قال ابن قدامة: "وإن قتله بما لا يحل لعينه، مثل إن لاط به فقتله، أو جرعه خمرا أو سحره، لم يقتل بمثله اتفاقا، ويعدل إلى القتل بالسيف"المغني، ج8 ص 304

([115])  من الأحاديث التي نهت عن التعذيب بالنار ما ياتي:

محمد بن حمزة الأسلمى عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره على سرية قال فخرجت فيها وقال « إن وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار ». فوليت فنادانى فرجعت إليه فقال « إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار » سنن أبى داود - (ج 8 / ص 154) باب فى كراهية حرق العدو بالنار

عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال « من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها ». ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال « من حرق هذه ». قلنا نحن. قال « إنه لا ينبغى أن يعذب بالنار إلا رب النار ». سنن أبى داود، باب في قتل الذر، رقم الحديث 5268، ج7 ص540

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:  بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعث فقال:  «إن وجدتم فلانا وفلانا» لرجلين من قريش سماهما «فأحرقوهما بالنار"ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أردنا الخروج:  «إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما... فاقتلوهما». صحيح البخاري، باب التوديع، رقم الحديث 2954، ج4 ص49

عن عثمان بن حيان قال:  كنت آتي أم الرداء فأكتب عندها فأخذت قملة أو برغوثا فألقيته في النار قالت:  أي بني لا تفعل فإني سمعت أبا الدرداء يقول:  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  لا يعذب بعذاب الله". مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. باب النهي عن التعذيب بالنار، رقم الحديث 10508، ج6 ص 250

([116])  الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ج9، ص 487

([117])  روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج 3،  ص 352

([118])  أسنى المطالب ، ج4، ص 37

([119])  المهذب، ج 3، ص 189

([120])  حاشية الصاوي على الشرح الصغير، ج4، ص 336

([121])  روضة الطالبين وعمدة المفتين، ج 3، ص 353

رقم البحث [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب

اقرأ للكاتب



اقرأ أيضا

المقالات

   حفظ النفس الإنسانية من مقاصد الشريعة الإسلامية

   بيان في تحريم الانتحار

   بيان في استنكار مقتل رجلي أمن

   العنف المجتمعي

قرارات مجلس الافتاء

   قرار رقم: (8) ميراث القاتل

   قرار رقم: (129) (7/2009) إعادة النظر في تقدير الدية الشرعية

الفتاوى

   تقصير السائق من عدمه يحدده تقرير السير

   بيع الأغذية الفاسدة وما يترتب على ذلك

   تكذيب ما يُروى عن بعض الصحابة من حرق المرتدين

   من الصور المحرمة في إتلاف الدجاج المريض

   حكم استخدام الحيوانات للتدريب على السلاح


التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا