حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم في الفقه الإسلامي
دراسة فقهية مقارنة(*)
د. محمد السكر / كلية الشريعة - الجامعة الأردنية
د. عماد الزيادات / كلية الشريعة - الجامعة الأردنية
ملخص
تطرق هذا البحث إلى مسألة فقهية تتعلق بكتاب الله عز وجل وهي حكم أخذ الأجرة على تعليمه، وقد عالجنا هذا الموضوع من خلال تمهيد بينا فيه أهمية تعلم وتعليم القرآن الكريم، ثم قمنا بتحرير محل النزاع وبينا أسباب الخلاف بين الفقهاء من خلال استقصاء آراء الفقهاء وأدلتهم من مظانها، ثم ناقشنا هذه الآراء ونقدنا أدلتها للوصول إلى النتيجة الكلية وتقويمها، وقد انتهينا إلى أن الفقهاء متفقون على جواز أخذ الراتب على تعليم القرآن من الدولة أو بيت المال، ولكنهم اختلفوا في أخذ الأجرة على تعليمه بين مانع ومجوز، وقد تم الجمع بين أدلة الفريقين بطريقة توفيقية مفادها أنه في البلاد الإسلامية التي يوجد من يعلم القرآن الكريم مقابل راتب أو من يكون متبرعاً يكون الأصل منع أخذ الأجرة على تعليمه، وأما في البلاد الإسلامية التي لا يوجد فيها من يعلم إلا بأجرة أو في البلاد الإسلامية التي لا تعرف اللغة العربية أو في البلاد غير الإسلامية فإنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم استثناءً للحاجة أو للضرورة اعتباراً لتغير الزمان والمكان.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلقد حثت نصوص الشريعة الإسلامية على طلب العلم النافع للدنيا والآخرة، ولا يختلف اثنان على أن تعلم العلم الشرعي عموماً، وتعلم وتعليم القرآن خصوصاً من أهم هذه العلوم وأشرفها؛ لأن القرآن الكريم هو كلام الله وهو المعجزة الخالدة الذي تعهـده الله بالحفظ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكلام الخالق جل وعلا الذي أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لا بد أن يُنطق كما أُنزل نائين به عن التعتعة واللحن، من خلال تعليمه وفق الأصول المرعية عند علماء القراءات، ولا شك أن تحصيل هذا العلم ابتداءً بحاجة إلى جهد كبير حتى يكون المعلم مؤهلاً لتعليم كتاب الله بصورة صحيحة، ولما كان تعليم القرآن الكريم فرضاًَ كفائياً، وأصبحت حاجة الإنسان للمال أكثر إلحاحاً من ذي قبل، فعندها قد يبدو السؤال وجيهاً عن حكم أخذ أجرة على تعليم القرآن الكريم، الأمر الذي دفعنا لاختياره موضوع البحث والدراسة.
الدارسات السابقة:
أولاً: "الاستئجار على فعل القربات الشرعية" للدكتور علي عبد الله حسن أبو يحيى، دار النفائس، عمان، ودار البيارق، بيروت، ط(1)، 1997م، أصلاً عن رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية. كان موضوع البحث عبارة عن جزئية في هذه الدراسة، حيث قام الباحث بذكر أقوال الفقهاء في أخذ الأجرة على القرآن الكريم والعلوم الشرعية الأخرى، وعرض أقوالهم وأدلتهم وقام بمناقشتها، وتوصل الباحث إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم والعلوم الشرعية الأخرى إذا كان المعلم محتاجاً وإلا فلا يجوز.
ثانياً: "الإجارة على تعليم القرآن الكريم وعلوم الشريعة" للدكتور عبد الفتاح محمود إدريس، بحث منشور في مجلة الجندي المسلم، دراسات شرعيـة، 1/1/ 2006. لم تخرج هذه الدراسة عن الدراسة السالفة الذكر حيث قام الباحث بعرض الأقوال الفقهية وأدلتها ومناقشتها، ثم الخلوص إلى الترجيح، حيث توصل الباحث إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم وغيره من علوم الشريعة مطلقاً.
ثالثاً: "فيض الرحمن في الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن" للدكتور أحمد سالم ملحم، دار النفائس، عمان، ط(1)، 2001م. كان موضوع البحث في هذه الدراسة جزئية صغيرة جداً حيث قام الباحث بعرض الأقوال الفقهية لكل مذهب على حدة، ثم بين أدلة المانعين والمجيزين، ثم الرأي الراجح، حيث توصل فيه إلى القول بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم مطلقاً.
وإن أهم ما تتميّز به هذه الدراسة عن الدراسات السابقة ما يلي:
1. كان موضوع هذا البحث مختصاً بتعليم القرآن الكريم دون غيره من العلوم الشرعية الأخرى.
2. محاولة استقصاء جميع أدلة الفقهاء والردود عليها، ومناقشة هذه الردود.
3. إن أهم ما يميز هذه الدراسة عن الدراسات السابقة الاختلاف في الترجيح كما سيظهر في نهاية البحث.
مشكلة الدراسة:
إذا ثبتت أهمية تعلم وتعليم القرآن الكريم وإنه واجب شرعي كما أسلفت فهو بحاجة لمعلمين متفرغين حذّاق مهرة وهؤلاء بحاجة إلى المال مقابل التعليم؛ لسد حاجاتهم ومتطلباتهم اللازمة لهم ولأسرهم للعيش في هذه الحياة وهنا يبرز السؤال عن حكم أخذ الأجرة كعوض مقابل تعليم القرآن الكريم فهل يجوز للمعلم أن يأخذ أجرة على تعليم كتاب الله؟ وهل أخذ الأجرة على تعليمه يتعارض مع كونه واجبا؟ وهل المعلم الذي أخذ أجرة دنيوية على التعليم لا يستحق الأجر الأخروي؟ وإذا اتفق الفقهاء على جواز أخذ راتب من الدولة الإسلامية مقابل تعليم القرآن، فماذا يكون حكم أخذ الأجرة من قِبل المعلمين من المتعلمين في البلاد الإسلامية التي لا يوجد من يعلم فيها إلا بأجرة أو من المتعلمين في البلاد الإسلامية التي لا تعرف اللغة العربية أو من المتعلمين في البلاد غير الإسلامية؟
إن هذه الدراسة تجيب عن هذه الإشكاليات -إن شاء الله تعالى- من خلال تقسيمها إلى: تمهيد ومبحثين وخاتمة، كما يلي:
التمهيد: أهمية تعلم وتعليم القرآن الكريم.
المبحث الأول: تحرير محل النزاع وسبب الخلاف وآراء الفقهاء وأدلتهم، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تحرير محل النزاع وسبب الخلاف، وفيه فرعان:
الفرع الأول: تحرير محل النزاع.
الفرع الثاني: سبب الخلاف.
المطلب الثاني: آراء الفقهاء وأدلتهم، وفيه فرعان:
الفرع الأول: آراء الفقهاء.
الفرع الثاني: أدلة الفقهاء، وفيه:
أولاً: أدلة الفقهاء القائلين بعدم الجواز.
ثانياً: أدلة الفقهاء القائلين بالجواز.
المبحث الثاني: المناقشة والرأي المختار، وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مناقشة أدلة الفقهاء القائلين بعدم الجواز.
المطلب الثاني: مناقشة أدلة الفقهاء القائلين بالجواز.
المطلب الثالث: الرأي المختار.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج.
التمهيد
أهمية تعلم وتعليم القرآن الكريم
لقد أمر الإسلام بطلب العلم؛ لأنه فضيلة وقربة، وإن أفضل ما يتعلمه المكلف من العلوم: العلم الشرعي، وبخاصة تعلم القرآن الكريم وتعليمه، وإليك أدلة ذلك([1]):
أ. (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر: ٢٩-٣٠].
ب. ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)([2])، وفي رواية عن عثمان رضي الله عنه أيضاً بلفظ: (إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)([3]).
ج. ما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يَتَتَعْتَعُ([4]) فيه وهو عليه شاق له أجران)([5]).
د. ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُتْرُجَّة([6]) ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)([7]).
ه. ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)([8]).
و. ما روي عن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه...)([9]).
ز. ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال: ليتني أُتيت مثل ما أُتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق فقال رجل: ليتني أُتيت مثل ما أُتي فلان فعملت مثل ما يعمل)([10]).
لقد بينت هذه الأدلة خيرية وبركة هذا القرآن العظيم لمن تعلم هذا الكتاب الكريم وعلمه، سواء أكان ذلك في الدنيا وزيادة الفضل والخير والطيب والرفعة، أم في الآخرة كزيادة الأجر، والشفاعة لحامله وأنه مع السفرة الكرام البررة.
ورغم أن العلماء قد حثوا على أهمية تعلم القرآن الكريم وتعليمه، إلا أنهم اختلفوا في حكم أخذ الأجرة على تعليمه بين مانع ومجوز، وإليك تفصيل ذلك من خلال المباحث والمطالب الآتية:
المبحث الأول
تحرير محل النزاع وسبب الخلاف وآراء الفقهاء وأدلتهم
المطلب الأول: تحرير محل النزاع وسبب الخلاف:
الفرع الأول: تحرير محل النزاع:
لا خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الرزق (الراتب) من الدولة أو بيت المال لما يعود نفعه على مصالح المسلمين كتعليم القرآن أو غيره من الطاعات: كتدريس علم نافع من حديث وفقه ونحوهما وعمل القضاة والمحتسبين والأمراء ومن ينفذون الحدود والعلماء والمفتين والأئمة والمؤذنين وأرزاق المقاتلة وذراريهم وسد الثغور وبنائي المساجد والقناطر والجسور...([11]).
ولعل سبب جواز إعطاء الرزق (الراتب) لهؤلاء هو أنهم قد حبسوا أنفسهم لمصالح المسلمين لفصل خصوماتهم، وبيان محاكمتهم وتعليمهم أحكام شريعتهم وبيان ما يأتونه ويفعلونه وما يتركونه في أقوالهم وأفعالهم وما يتعلق به من مصالح دينهم ودنياهم، وذلك من أهم مصالحهم ومنافعهم وأعِّمها([12]).
ولكن الخلاف في حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم وليس في أخذ الراتب على تعليمه من الدولة أو أخذ الرزق عليه من بيت المال.
فإن قيل: إن الراتب كالأجرة فينبغي أن يجري فيه الخلاف الوارد في أخذ الأجرة([13]).
فيعترض على ذلك من وجوه:
الأول: بأن الراتب على الطاعات ليس أجرة من كل وجه بل هو كالأجرة، فالقضاء -ونحوه من الطاعات- لا يجوز أخذ الأجرة عليه أصلاً وإنما يأخذ القاضي راتباً من الدولة، كونه قد فرغ نفسه لمصلحة المسلمين([14]).
الثاني: أن ما يؤخذ من رزق ليس بعوض بل القصد به الإعانة على الطاعة([15]).
الثالث: لقد ورد في كتاب الفروق وشروحه فروقا عدة بين قاعدة الأرزاق وبين قاعدة الإجارات، منها([16]):
أ. إن باب الأرزاق أدخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة، وباب الإجارة أبعد عن باب الإحسان والمسامحة وأدخل في باب المعاوضة والمكايسة والمغابنة.
ب. إن الإجارة عقد والوفاء بالعقود واجب، والأرزاق معروف تصرف حسب أهمية المصلحة فقد يترك الصرف للمصلحة المهمة إذا طرأت مصلحة أهم منها.
ج. الأجرة في الإجارات تورث ويستحقها الوارث ويطالب بها، والأرزاق لا يستحقها الوارث ولا يطالب بها؛لأنها معروف غير لازم لجهة معينة.
د. الإجارة من حيث إنها معاوضة لا معروف يشترط فيها الأجل ومقدار المنفعة ونوعها ويستحق الوارث الأجرة فيها، ويتعين نفعها للأخذ بعينها من غير زيادة ولا نقص وهذا خلاف الرزق.
ويجاب عن هذه الاعتراضات([17]):
إن أخذ الراتب على الطاعة يخرجه عن كونه قربة وقد يقدح في الإخلاص.
ويعترض على هذا الجواب([18]):
إن أخذ الراتب على الطاعة لا يخرجه عن كونه قربة ولا يقدح في الإخلاص؛ لأنه لو قدح لما استحقت الغنائم وسلب القاتل، فمن عمل بالمصالح العامة للمسلمين لله تعالى أُثيب على عمله الذي أخلصه لله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)[الزلزلة: 7].
الفرع الثاني: سبب الخلاف:
بين ابن رشد في كتابه بداية المجتهد: سبب الخلاف في حكم الاستئجار على تعليم القرآن الكريم حيث قال: (... فقد اختلفوا فيه أيضاً، فكرهه قوم وأجازه آخرون، والذين أباحوه قاسوه على سائر الأفعال -كالرقية بالفاتحة-... وأما الذين كرهوا الجعل على تعليم القرآن فقالوا: هو من باب الجعل على تعليم الصلاة...)([19]) حيث إن تعليم القرآن كتعليم الصلاة كونه واجب متعين على من يعلم ينبغي أن لا يأخذ عوضاً عنه.
وأعتقد كذلك إن من أسباب الخلاف أيضاً الروايات من السنة التي يبدو في ظاهرها التعارض من حيث عمومها في المنع والأخرى الخاصة بجواز الأخذ على الرقى.
المطلب الثاني: آراء الفقهاء وأدلتهم:
الفرع الأول: آراء الفقهاء:
اختلف الفقهاء في حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم بين مجوز ومانع على رأيين، كما يلي:
الرأي الأول: ذهب المتقدمون من الحنفية([20])، والحنابلة في الرواية المعتمدة عندهم([21])، والزيدية([22]) والإباضية([23])، إلى عدم الجواز، وذهب الإمامية إلى الكراهة إذا اشترطت الأجرة([24]).
الرأي الثاني: ذهب المتأخرون من الحنفية([25]) والمالكية([26]) والشافعية([27]) والحنابلة في الرواية الأخرى([28])، والظاهرية([29])إلى الجواز، وهو ما ذهب إليه الإمامية([30]) في حال عدم اشتراط الأجرة.
الفرع الثاني: أدلة الفقهاء:
أولاً: أدلة الفقهاء القائلين بعدم جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم:
وقد استدل هذا الفريق بأدلة من القرآن الكريم والسنة والآثار والمعقول وذلك كما يلي:
أ) أدلتهم من القرآن الكريم:
1. قوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) [النجم: 39].
وجه الدلالة: تدل الآية على أن الأجر الأخروي يترتب على سعي الإنسان في الدنيا وعمله، وإن تعليم القرآن الكريم قربة متى حصلت من المعلم فإنها تقع عنه ويأخذ عليها أجراً أخروياً فلا يجوز أن يأخذ عليها أجرة دنيوية أيضاً([31]).
2. قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ) [46: القلم].
وجه الدلالة: تدل الآية على أن دفع الأجرة للمعلمين من قبل المتعلمين سبب لتنفير الناس من التعليم؛ لأن ثقل الأجرة يمنعهم من الرغبة فيه بل قد يؤدي إلى الرغبة عنه، بسبب دفع العوض([32]).
3. قوله تعالى: (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)[104:يوسف].
وجه الدلالة: إن الخطاب في هذه الآية موجه للنبي عليه الصلاة والسلام أن لا يأخذ أجراً على ما يبلغه فكذلك المعلم الذي هو مبلغ بأمر النبي عليه السلام لقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب)([33])، وقوله أيضاً: (بلغوا عني ولو آية)([34])، فكان كل معلم مبلغاً، فإذا لم يجز للنبي عليه الصلاة والسلام أخذ الأجرة على ما يبلغ بنفسه فكذا لمن يبلغ بأمره؛ لأن ذلك تبليغ منه ضمناً ومعنىً، خاصة وأن تعليم القرآن عمل صالح وهو من فروض الكفاية فينبغي أن يكون بغير أجرة([35]).
وفي هذا السياق يقول ابن تيمية([36]): (بما أن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم بغير أجرة كما قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء: ١٠٩]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم وكذلك قال خاتم الرسل عليه السلام -كما أخبر القرآن-: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)[86: ص]، وقال أيضاً: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)[57: الفرقان].
4. قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)[فصلت: ٤٦].
وجه الدلالة: تدل الآية على أن العمل الصالح عبادة لله وقربه له ولا شك أن تعليم القرآن الكريم من الأعمال الصالحة التي لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله كالاستئجار عليها، بل إن ما يفعله المعلم الأجير يعتبر قربه لله تعالى، وبالتالي يحرم أخذ الأجرة عليه([37]).
ب) أدلتهم من السنة النبوية:
1. ما روي أن أبيَّ بن كعب رضي الله عنه قال: علَّمت رجلاً القرآن فأهدى إليّ قوساً فذكرت ذلك للرسول عليه الصلاة والسلام فقال عليه الصلاة والسلام: (إن أخذتها أخذت قوساً من نار) فرددتها([38]).
وجه الدلالة: يدل الحديث على حرمة أخذ أجرة مقابل تعليم القرآن الكريم وذلك لنهي النبي عليه السلام الصريح لأبيّ من أخذ القوس ممن علمه القرآن؛ لأن أخذ ذلك سيكون عوضاً وأجرة بدل التعليم وهذا منهي عنه، كون النبي عليه الصلاة والسلام هدد وتوعد وعيداً شديداً بالنار لمن يقبل الأجرة والعوض على تعليم القرآن ولو على سبيل الهدية والهبة([39]).
2. ما روي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: (علمت ناساً من أهل الصُفَّة([40]) القرآن والكتاب فأهدى إلي رجل منهم قوساً فقلت: ليس بمال وأرمي عليها في سبيل الله عز وجل؟ لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله تعالى قال: (إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها)([41])، وفي رواية أخرى بلفظ: (فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله؟ فقال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها)([42]).
وجه الدلالة: يدل الحديث الشريف بظاهره على أنّ أخذ الأجرة والعوض على تعليم القرآن الكريم غير مباح([43])، ويدل أيضا على النهي الشديد والتوعد والتهديد لمن علم القرآن وأخذ قوساً مقابل ذلك، ولو كان هذا المعلم سيرمي بهذه القوس في سبيل الله، بل وإن لم يشترطها وأعطيت له على سبيل الهدية، فإن ذلك العذر لا يشفع له -بنص الحديث- من أن يطوق طوقاً من نار يوم القيامة، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حرمة أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم من باب أولى.
3. ما روي عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه عن النبي علية الصلاة والسلام قوله: (اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه([44]) ولا تجفوا عنه([45]) ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به)([46]) ([47]).
وجه الدلالة: ينهى الحديث عن جعل القرآن سبباًَ للعيش والإكثار من الدنيا به([48])، بل ينبغي أن يكون تعليم القرآن حسبة لوجه الله تعالى([49]).
4. ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال: (اقرؤوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح([50]) يتعجلونه ولا يتأجلونه)([51]) ([52]).
5. ما روي عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قوله: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن نقترئ فقال: (الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله)([53]).
6. ما روي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس)([54]).
وجه الدلالة من الأحاديث السابقة: أن النبي علية الصلاة والسلام يحذر فيها كل التحذير من اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها، وإن الأحاديث أيضاً تذم أقواماً - ستجيء- يتعجلون الأجرة بالقرآن من مال أو سمعة في الدنيا بسرعة القدح -السهم- وليس الأجر في الآخرة([55]).
ج) أدلتهم من الآثار:
1. ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون أرش المعلم ويرونه شديداً ([56]).
2. ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون أن يأخذوا على الغلمان في الكتاب أجراً ([57]).
وجه الدلالة: إن الأثرين يدلان على أن الصحابة والتابعين كانوا يكرهون كراهة شديدة أخذ المعلمين من المتعلمين الأجرة على التعليم وبخاصة تعليم القرآن الكريم.
د) أدلتهم من المعقول:
1. إن الذي يعلم القرآن يشترط فيه أهلية تقبل القربة منه وهو الإسلام، فإذا علم المعلم القرآن استحقاقاً للعوض والأجرة لم يبق عبادة لله؛ بل يكون كالصناعات التي تعمل بالأجرة والتي لا يشترط أن يكون فاعلها مسلماً من أهل القرب، بل يمكن أن يفعلها المسلم والكافر كأعمال البناء والخياطة والنسيج... ونحو ذلك فإذا كان العمل إذاً يختص بالمسلم كتعليم القرآن بين الناس -مثلاً- فالإجارة تحرم عليه ولا تصح ولا يقع لفاعله إلا قربه([58]).
2. إن الاستئجار على تعليم القرآن الكريم استئجار على عمل مفروض كالصلاة والصوم وهذه الأعمال لا يجوز الاستئجار عليها قطعاً؛ لأنها طاعات يختص بها المسلم في ملة الإسلام([59]).
3. إن التعليم غير مقدور الاستيفاء في حق المعلم لتعلقه بالمتعلم، كون التعليم لا يؤتي ثماره وغاياته بجهد المعلم فقط، بل يتوقف أيضاً على المتعلم وذكائه وفطنته وفهمه، وحينئذ فإن المعلم والمتعلم شريكان في التعليم فلا تصح الإجارة من أحدهما لتوقف النتيجة على كل منهما، إضافة إلى أن المعلم سيكون ملتزماً بما لا يقدر على تسليمه فلا يصح كون التسليم شرط في الإجارة وتفسد بعدمه([60]).
4. إن الواجبات إنما تفعل لوجوبها، والمحرمات إنما تترك لتحريمها، فمن أخذ أجراً على تبليغ شيء من ذلك فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل؛ لأن الإخلاص شرط في تبليغ فعل الواجبات وترك المحرمات وأخذ الأجرة عليه يفقده الشرط؛ كون التبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به([61]).
ثانياً: أدلة الفقهاء القائلين بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم:
وقد استدل هذا الفريق بأدلة من السنة والآثار والقياس والمعقول، وذلك كما يلي:
أ) أدلتهم من السنة النبوية:
1. ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ([62]) أو سليم([63])، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة فقالوا يارسول الله: أخذ على كتاب الله أجراً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)([64]).
وجه الدلالة: أن الحديث يدل صراحة على جواز أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى([65])؛ لأن نص الحديث وإن كان في الرقية إلا أن العبرة بعموم اللفظ ولفظ الحديث عام يفيد جواز أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى([66]).
2. ما روي عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن جاءت إمرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: إني وهبتك من نفسي، فقامت طويلاً، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال: (هل عندك من شيء تصدقها؟) قال: ما عندي إلا إزاري فقال: (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئاً) فقال: ما أجد شيئاً فقال:(التمس ولو خاتماً من حديد) فلم يجد فقال: (أمعك من القرآن شيء؟) قال: نعم. سورة كذا وسورة كذا، بسور سماها فقال: (زوجناكها بما معك من القرآن)([67])، وفي رواية أخرى لمسلم بلفظ: (انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن)([68])، وفي لفظ آخر لأحمد: (قد أنكحتكها على ما معك من القرآن)([69]).
3. ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال لرجل ليس معه مهرٌ... (ما تحفظ من القرآن؟) قال الرجل: سورة البقرة والتي تليها فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك)([70]).
وجه الدلالة: أن الحديثين يدلان بمختلف روايتيهما ولفظيهما على أن النبي عليه الصلاة والسلام قد زوج الرجل المعسر بالمهر بما معه من القرآن ليعلمه المرأة، فإذا جاز تعليم القرآن عوضاً في باب النكاح وقام مقام المهر، جاز أخذ الأجرة عليه في باب الإجارة([71]).
4. ما روي عن خارجه بن الصلت عن عمه رضي الله عنهما أنه قال: أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على حي من أحياء العرب فقالوا: إنا أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير فهل عندكم من دواء أو رقيه([72])؟ فإن عندنا معتوهاً في القيود، قال: فقلنا: نعم. قال: فجاؤوا بمعتوه في القيود، قال: فقرأت عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمتها أجمع بزاقي ثم اتفل([73])، قال: فكأنما نشط من عقال([74]) قال: فأعطوني جعلاً([75])، فقلت: لا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام: (كل فلعمري([76]) من أكل برقية باطل([77]) لقد أكلت برقية حق)([78]).
5. ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي علية الصلاة والسلام أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقة ويتفل فبرأ فأتوا بالشاء فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه (فضحك) وقال: (وما أدراك أنها رقية؟ خذوها واضربوا لي بسهم)([79]).
6. ما روي عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام في سفرة سافروها حتى إذا نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم([80])، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء([81])، لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عندهم بعض شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: نعم. والله إني لأرقي ولكن والله استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع([82]) من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبه([83])، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: إقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي عليه الصلاة والسلام فنذكر له الذي كان وننتظر الذي يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له. فقال: (وما يدريكم أنها رقية)([84])، ثم قال: (قد أصبتم([85]) اقتسموا واضربوا لي معكم سهما)ً([86]) وضحك النبي صلى الله عليه وسلم([87]). وروى مسلم عن أبي سعيد نحوه([88]).
وجه الدلالة من أحاديث الرقى السابقة: إن النبي عليه الصلاة والسلام أجاز صنيع الصحابة الذين اشترطوا العوض في معالجتهم بالقرآن الكريم، وهذا يستلزم منه جواز أخذ العوض عن تعليم القرآن؛ لأن الراقيَّ يستلزم من فعله الرقية، تعليمها للمسترقي بداهة.
ب) أدلتهم من الآثار:
1. ما روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه أعطى قوما قرؤوا القرآن([89]).
2. ما روي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه أعطى قوماً قرؤوا القرآن في رمضان([90]).
3. ما روي عن الوضين بن عطاء أنه قال: (كان بالمدينة ثلاثة معلمين يعلمون الصبيان، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرزق كل واحد منهم خمسة عشر كل شهر)([91]).
4. ما روي عن الحكم بن عتيبة قوله: (ما علمت أحداً كره أجر المعلم)([92]).
5. ما روي عن عبد الجبار بن عمر أنه قال: "كل من سألت من أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأساً"([93]).
6. ما روي عن عطاء وأبي قلابة إباحة أجر المعلم على تعليم القرآن([94]).
7. ما روي عن الإمام مالك أنه قال: (لم يبلغني أن أحداً كره تعليم القرآن بأجرة)([95]).
وجه الدلالة من الآثار: تدل هذه الآثار بمجموعها على أن الصحابة والتابعين لا يرون بتعليم القرآن بالأجرة بأساً ولم يروَ عنهم كراهة أخذ الأجرة على التعليم، بل إنهم أعطوا الأجرة على قراءة القرآن الكريم وتعليمه. وفعلهم هذا لا يكون إلا عن توقيف؛ لأنه لا مدخل للرأي فيه([96]).
ج) أدلتهم من القياس:
1. قياس أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم على أخذ الأجرة على الإمامة والآذان والقضاء، وهذه أفعال مباحة، والجامع بينها أنها قرب كفائية مختصة بمسلم لا يتوقف صحة الاستئجار عليها على النية([97]).
يقول ابن تيمية: (... ومن جوز ذلك قال: إنه نفع يصل إلى المستأجر فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر المنافع)([98])؛ لأن تعليم القرآن متعد نفعه للغير لا قاصر على النفس كالصوم والصلاة([99]).
2. قياس أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم على أخذ الأجرة على بناء المساجد والقناطر؛ لأن كليهما فيه منفعة عامة للمسلمين فالتعليم في معنى البناء وبما أن أخذ الرزق على التعليم وبناء المساجد والقناطر من بيت المال جائز فينبغي كذلك جواز أخذ الأجرة عليها([100]).
د) أدلتهم من المعقول:
1. إن القول بعدم جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم مع حاجة الناس إليه، يؤدي إلى تضييع حفظ القرآن بسبب التواني في الأمور الدينية، وكسل الناس في الاحتساب -أي التعليم دون أجرة دنيوية واحتساب جهد المعلم عند الله سبحانه وتعالى واشتغال الحفاظ بمعاشهم وعدم التفرغ للتعليم بسبب سعيهم وراء حاجاتهم، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجرة لذهب القرآن، خصوصاً مع قلة الحفاظ وعدم صرف أعطيات لهؤلاء -القلة- من بيت المال، ناهيك عن أن مروءة المتعلمين في مجازاة الإحسان بالإحسان قد زالت فلا يُعطى المعلمون إلا بالاشتراط([101]).
2. إن القرآن كله حق لا شك فيه فجاز أخذ الأجرة على تعليمه خلافاً لما عداه مما هو ثابت بالاجتهاد فإن فيه الحق والباطل([102]).
3. إن تلاوة القرآن من العبادات التي تقبل النيابة فجاز الاستئجار عليها؛ لأن القاعدة في ذلك: أن كل ما تدخله النيابة من العبادة جاز الاستئجار عليه وما لا فلا([103]).
4. إن تعليم القرآن الكريم يحصل فيه المتعلم على منفعة التعليم من المعلم دون نية كونه قربة من الفروض الكفائية التي لا تتوقف صحتها على النية، فالأجير غير مقصود بفعله حتى يجب عليه فعل التعليم دون أجرة؛ لأنه ليس فرضاً عينياً فلا يختص كل أحد بوجوب تعليمه - وإن كان نشر القرآن مطلوباً ولكن من مجموع الأمة لا من كل فرد فيها([104]).
5. إن التعليم بأجرة أفضل من أن يستدين المعلم ليتجر؛ لأنه قد لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات الناس([105]).
6. إن المعلم إذا كان فقيراً وعلّم بغير أجرة فإنه يعجز عن الكسب لعياله والكسب لهم واجب عليه متعين فلا يجوز له ترك الواجب -المتعين- الكسب -لغير متعين- التعليم بدون أجرة، وحينئذ فلا بأس من أن يكتسب بالتعليم وينوي عمله لله ويأخذ الأجرة ليستعين بها على العبادة؛ لأن الكسب على العيال واجب أيضاً ويساعد الكسب بالتعليم في تأدية الواجبات الأخرى([106]).
المبحث الثاني
المناقشة والرأي المختار
المطلب الأول: مناقشة أدلة الفقهاء القائلين بعدم جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم:
أولاً: مناقشة أدلتهم من القرآن الكريم:
1. استدلالهم بقوله تعالى: (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)[39: النجم] إن تعليم القرآن من قبل المعلم قربة يستحق عليها أجراً أخروياً فلا يجوز أن يأخذ عليها أجرة دنيوية أيضاً.
يعترض عليه من وجوه:
الأول: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما بأن هذه الآية منسوخة([107])، بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)[21: الطور].
الثاني: أنه على فرض عدم نسخها عند غير ابن عباس رضي الله عنهما فإن "الإنسان" المقصود بالآية هو الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره([108]).
ويجاب عن هذا الوجه: بأنه رد بعيـد وفيه تكلف؛ لأن لفظ "الإنسان" الوارد في الآية لفظ عام فيشمل المسلم وغيره.
الثالث: أن القول بأن اجتماع الأجرين -الدنيوي والأخروي- على الفعل لا يجوز تحكم من غير دليل، بل أنه منقوض بقوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [105: التوبة]، ولا شك أن العامل يستحق الأجرة في الدنيا والأجر في الآخرة، إذا ما أتقن عمله ولم يغش فيه.
2. استدلالهم بقوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ)[40: الطور]. وأن ثقل دفع الأجرة على تعليم القرآن الكريم سبب لتنفير الناس من تعلمه.
يعترض عليه من وجهين:
الأول: بأن هذا الدليل يذكر لنا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يسأل المشركين على هدايتهم لله سبحانه وتعالى أجراً ومع ذلك فهم كذبوه جهلاً وكفراً وعناداً، فليس هذا الدليل خاص بأخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم([109]).
الثاني: إن هذا الاستدلال بالآية يدل على عكس ما ذهبوا إليه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأخذ أجراً من المشركين لقاء دعوته ومع ذلك لم يدخلوا في الإسلام، فليس إذن أخذ الأجرة سبب تنفير الناس من الدين أو عدمها يؤدي إلى إقبالهم عليه.
3. استدلالهم بقوله تعالى: (وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)[104: يوسف] وأن الخطاب موجه للنبي عليه الصلاة والسلام أن لا يأخذ أجرة عما يبلغ فينبغي كذلك المعلم لأنه مأمور بالتبليغ من قبل النبي عليه السلام فلا يستحق الأجرة.
يعترض الباحث عليه من عدة وجوه:
الأول: إن تعميم النهي الوارد من أخذ الأجرة الذي في حق النبي عليه الصلاة والسلام إلى غيره من المكلفين لا يجوز؛ لأن هناك فرقاً بين تبليغ النبي عليه الصلاة والسلام لما هو موحى به من الله عن طريق الوحي، وبين تبليغ الناس عن النبي عليه الصلاة والسلام.
الثاني: إن هناك فرقاً بين أخذ الأجرة على الفروض العينية والكفائية، فإذا منع أخذ الأجرة على الفروض العينية فإنه يباح أخذ الأجرة على الفروض الكفائية -كتعليم القرآن- إلا إذا تعينت.
الثالث: إن هذه الآية لم تنه عن أخذ الأجرة، وإنما جاءت لتقرير حالة وهي إنك يا محمد -عليك الصلاة والسلام- رغم أنك لم تسألهم عما تبلغ من نصح ودعاء إلى الخير والرشد من أجرة وإنك تفعله ابتغاء وجه الله، إلا أنهم لم يسارعوا إلى الإيمان والإسلام، كما ذكر ابن كثير([110]).
الرابع: إن هناك فرقاً بين التبليغ وتعليم القرآن الكريم، كون التبليغ غالباً يكون لغير المسلم والتعليم غالباً يكون للمسلم، فجاء النهي عن أخذ الأجرة على التبليغ ويستثنى من ذلك التعليم ويحمل حديث (بلغوا عني ولو آية)([111]) بأنه تبليغ لغير المسلم، لا تعليم القرآن للمسلم الذي لا يمنع من أخذ الأجرة على تعليمه.
ويجاب عن هذا الوجه: بأن دعوى الفرق بين التبليغ والتعليم بحاجة إلى دليل.
4. استدلالهم بقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) [46: فصلت] وأن ما يفعله المعلم الأجير يعتبر من الأعمال الصالحة وقربة لله وبالتالي يحرم أخذ الأجرة عليه.
ويعترض عليه: أنه لا شك أن تعليم القرآن من الأعمال الصالحة ولكن لا يستلزم ذلك القول بعدم أخذ الأجرة عليه، ألا ترى أن التعليم والآذان والإمامة من الأعمال الصالحة ولكن يباح أخذ الرزق أو الأجرة عليها([112])؟
ثانياً: مناقشة أدلتهم من السنة النبوية:
1. استدلالهم بما روي عن أبي بن كعب من أنه علم رجلاً القرآن فأهدى إليه قوساً، وقد نهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن قبول القوس.
ويعترض عليه: بأن حديث القوس قضية عين، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن أبي فعل ذلك خالصاً لله فكره النبي عليه الصلاة والسلام لأبي أخذ العوض عن التعليم من غير الله تعالى، ويحتمل غير ذلك أيضاً([113]).
2. استدلالهم بما روي عن عبادة بن الصامت من أنه علم أناساً من أهل الصفة القرآن وأهدوا له قوساً ونهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن قبولها.
يعترض عليه من وجوه([114]):
الأول: يدعي ابن حزم أن الحديث منقطع وفي إسناده مقالٌ فأحد طرقه عن الأسود بن ثعلبة وهو مجهول لا يدري قاله علي بن المدني وغيره، والأخرى من طريق بقية وهو ضعيف، والثالثة من طريق إسماعيل بن عياش وهو ضعيف.
ويجاب عن هذا الوجه: بأن الحديث روي من طرق أخرى عند أصحاب السنن وحكم عليه بالصحة([115]).
الثاني: أن النهي منصب على من كان قد تبرع بتعليم القرآن ثم بعد ذلك أهدي إليه على سبيل العوض قوساً، فهذا لم يجز له بنص الحديث أن يأخذ عوضاً، وهذا الذي حصل مع "عبادة"، أما من يعقد مع الآخر إجارة قبل التعليم فهذا جائز، لاختلاف الصورتين حقيقة ومعنى.
الثالث: إن الروايـة على فرض صحتهـا فإنها قضية عين، فيحتمل أن النبي عليه الصلاة والسلام عَلِمَ أن "أُبي" فعل ذلك خالصاً لله فكره له أخذ العوض عنه وذلك خلافاً لمن يعلم القرآن بأجرة ابتداء.
ويجاب عن هذا الوجه: بأنه لا يجوز الحكم على الواقعة بأنها قضية عين بمجرد الاحتمال هكذا دون دليل واضح.
3. استدلالهم بما روي عن عبد الرحمن بن شبل من أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام ينهى عن اتخاذ القرآن سبباً للعيش والإكثار من الدنيا به.
يعترض عليه من وجهين:
الأول: من حيث السند معلول؛ لأن فيه أبو راشد الجراني وهو مجهول([116]).
ويجاب عن هذا الوجه: بأنه روي من طرق أخرى جعلته صحيحا([117]).
الثاني: من حيث المتن إن هذا الحديث أخص من محل النزاع؛ لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم منـه المنع من قبول ما يدفعـه المتعلم بطيب نفس منه([118]).
4. وأما استدلالهم بما روي عن جابر بن عبد الله وسهل بن سعد وعمران بن حصين، بأن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها، ويذم أقواماً يتعجلون الأجرة في الدنيا بتعليم القرآن وليس الأجر في الآخرة.
يعترض عليه من وجوه:
الأول: إنه ليس في الروايات المذكورة من نهي إلا عن تحريم السؤال بالقرآن وهذا يختلف عن اتخاذ الأجرة على تعليمه، ففرق بين التسول والأجرة([119]).
الثاني: لو فرضنا جدلاً وجود النهي فإنه يحمل على الكراهة وليس على الحرمة، يقول الشوكاني: (ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديثي أُبي وعبادة على أن التعليم كان قد تعين عليهما وحمل مما سواهما من الأمـر([120]) والنهي([121]) على الندب والكراهة)([122]).
الثالث: إن هذه الأحاديث واردة في باب أخذ الأجرة على قراءة القرآن لا على تعليمه.
5. يعترض على أحاديث المانعين في الجملة: (بأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة... وبأنها مما لا تقوم بها الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح)([123]). وأنه لم يصح منها شيء، بل قد جاءت الأدلة الصحيحة بعدم المنع([124]).
ويجاب عن ذلك بأنه: لا يخفى أن ملاحظة، مجموع ما تقضي به -أحاديث المنع- يفيد ظن عدم الجواز وينتهض للاستدلال به على المطلوب وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال فبعضها يقوى بعضها، ويجعلها صحيحة كما سبق بيانه عند تخريجها([125]).
ويعترض على هذا الجواب من وجهين:
الأول: نسخ أحاديث المنع بحديث ابن عباس بأن خير ما أخذ عليه الأجر كتاب الله([126]).
ويعترض على هذا الوجه: إن النسخ دعوى يلزمها دليل ولم يوجد.
الثاني: يقول ابن حزم: "لو صحت أدلتهم لكانت كلها قد خالفها أبو حنيفة وأصحابه؛ لأنها كلها إنما جاءت فيما أعطي بغير أجرة ولا مشارطة، وهم يجيزون هذا الوجه فموهوا بايراد أحاديث ليس فيها شيء مما منعوا -وهم مخالفون لما فيها-"([127]).
ثالثاً: مناقشة أدلتهم من الآثار:
وأما استدلالهم بالأثرين القاضيين بمنع أخذ أجرة على التعليم عموماً، فيكون من باب أولى منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم.
يعترض الباحث على هذا الاستدلال: بأن هذه الآثار مختلف في حجيتها عند الأصوليين، وإن صحت فهي منقوضة بآثار أخرى تفيد الجواز.
رابعاً: مناقشة أدلتهم من المعقول:
1. استدلالهم بأن أخذ العوض على التعليم يخرجه عن كونه قربه بل أنه يصبح كباقي الأعمال التي يجوز الاستئجار عليها.
يعترض عليه: بأنه لا شك أن التعليم من القرب وأن المعلم يشترط فيه الإسلام، ولكن أخذ الأجرة عليه لا يخرجه عن ذلك بدليل: جواز أخذ الرزق والعوض على التعليم والقضاء والإمامة، والأذان... وقطعاً أخذ العوض عليها لا يخرجها عن كونها قربة([128]).
ويجيب الباحث عنه: بأن أخذ الرزق على هذه القرب محل اتفاق وأنه خارج محل النزاع، كون النزاع في جواز أخذ الأجرة على التعليم وليس الراتب.
ويعترض على هذا الجواب: أن جوهر الاستدلال في أن أخذ العوض على التعليم يخرجه عن كونه قربة سواء أكان هذا العوض، راتباً أم أجرة أم هبة. وتبين أن أخذ العوض لا يخرج الفعل عن كونه قربة فبطل الاستدلال، علماً بأن هنالك أوجه اتفاق بين الرزق والأجرة منها أن كليهما لا يستحق إلا مقابل فعل أو قول. فبهذا الاعتبار يكون الراتب كالأجرة([129]).
2. استدلالهم بأن الاستئجار على تعليم القرآن الكريم يحرم، لأنه استئجار على عمل مفروض كالصلاة والصوم.
يعترض عليه: نسلم بأن تعليم القرآن مفروض كالصوم والصلاة، ولكن لا نسلم أنه فرض عيني بل إنه من الفروض الكفائية المتعدي نفعها للغير خلافاً للصوم والصلاة كونهما من الفروض العينية القاصرة على النفس، والإجارة على الفروض العينية لا تجوز([130]).
3. استدلالهم بأن التعليم يتوقف على فطنة وذكاء المتعلم ومهما كان المعلم بارعاً فلا يستطيع أن يسلم ثمرة التعليم للمتعلم بمعزل عن المتعلم ومشاركته، وإذا لم يقدر على التسليم فلا يصح لأن التسليم شرط في الإجارة وتفسد بعدمه.
ويعترض الباحث عليه من وجهين:
الأول: لا يمنع أن يتوقف غاية التعليم على مساهمة المتعلم بالإضافة لجهد المعلم، قياساً على استئجار الطبيب لمعالجة المريض والتي تتوقف نتيجة المعالجة على مساهمة المريض وتعاونه مع الطبيب.
الثاني: إن تفاوت الإفهام عند المتعلمين لا يفسد الإجارة، قياساً على تفاوت الأداء عند المعلمين المستأجرين.
4. وأما استدلالهم بأن من أخذ الأجرة على التعليم فهو فاقد لشرط الإخلاص كون التعليم من الفروض الواجب على كل فرد تبليغها.
يعترض عليه من وجهين:
الأول: إن التعليم ليس من الفروض العينية الواجب على كل فرد تبليغها بل هي من الفروض الكفائية التي إذا قام بها البعض سقط الإثم عن الآخرين([131]).
الثاني: إن الأجرة المأخوذة على تعليم القرآن الكريم رزق للإعانة على الطاعة وهذا لا يخرج التعليم عن كونه قربة ولا يقدح أيضاً في إخلاص المعلم وإلا لما استحقت الغنائم وسلب القاتل([132]).
المطلب الثاني: مناقشة أدلة الفقهاء القائلين بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم:
أولاً: مناقشة أدلتهم من السنة النبوية:
1. استدلالهم بما روي عن ابن عباس من أن النبي عليه الصلاة والسلام نص صراحة على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم.
يعترض عليه من وجوه:
الأول: إن النبي عليه الصلاة والسلام يعني بالأجر هنا الجعل في الرقية وليس أخذ الأجرة على التعليم؛ لأنه ذكر ذلك عليه الصلاة والسلام في سياق خبر الرقية([133]).
الثاني: أنه قد يكون المراد بالأجر هنا الثواب([134]).
ويجاب عن هذا الوجه: أن سياق القصة يأبى ذلك([135]).
الثالث: أن هذا الحديث منسوخ بالأحاديث المخالفة([136]).
ويجاب عن هذا الوجه: أن هذا احتمال بلا دليل والنسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال([137]).
الرابع: إن هذا الحديث وارد في باب أخذ الأجرة على الرقية لا على تعليم القرآن.
2. استدلالهم بما رواه سهل بن سعد وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه زوج رجلاً معسراً بالمهر بما معه من القرآن حيث جعل القرآن عوضاً في باب النكاح وقام مقام المهر، فيجوز أخذ الأجرة عليه في باب الإجارة.
يعترض عليه من وجوه:
الأول: إن جعل التعليم صداقاً فيه اختلاف وليس في الروايات تصريح بأن التعليم صداق وإنما قال عليه الصلاة والسلام: (زوجتكها بما معك من القرآن) فيحتمل أنه زوجه إياها بغير صداق إكراماً له لحفظه ذلك المقدار تعظيما للقرآن -ولم يجعل التعليم صداقاً- كما زوج أبا طلحة ([138]) أم سليم على إسلامه([139]).
ويجاب عن ذلك([140]) بأنه مردود برواية مسلم: (انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن) وفي رواية أبي داود (قم فعلمها عشرين آية وهي أمرأتك).
الثاني: نقل عن أحمد جواز عقد النكاح بلا صداق؛ لأن المهر ليس بعوض محض وإنما وجب نحلة وصلة ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته و صح العقد مع فساد المهر، بخلاف الأجرة في غيره([141]).
الثالث: يحتمل أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت عن المهر، لأنه معلوم أنه لا بد منه، كون الفروج لا تستباح إلا بالأموال لقوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ) [24: النساء]، ولذكره تعالى في النكاح الطول وهو المال حيث قال: (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ)[25: النساء]، والقرآن ليس بمال([142]).
الرابع: أنه في لفظ (... بما معك...) يحتمل أن تكون (الباء) جاءت مكان (اللام) أي: لما معك من القرآن ؛ لأن ذلك سبب للاجتماع بينهما([143]).
ويجيب الباحث عليه: بأن النص جاء بالباء وإخراجه إلى اللام بحاجة إلى دليل، ولا يرقى الاحتمال ليكون دليلا مرجحا.
الخامس: لعل المرأة وهبت مهرها للزوج اعتباراً لما معه من القرآن([144]).
ويجاب عن هذا الوجه: بأنه احتمال بعيد لا دليل عليه.
السادس: إن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيره([145])، ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي النعمان الأزدي من أن النبي عليه الصلاة والسلام زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال: (لا يكون لأحد بعدك مهراً)([146]). و ورد في الأثر عن مكحول قوله: (ليس ذلك لأحد بعد رسول الله)([147]).
ويجاب عن هذا الوجه: بأن ما رواه أبو النعمان الأزدي رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام مرسل، وفيه من لا يعرف([148]).
السابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم لها مهراً ولم يعطها صداقاً وأوصى لها بذلك عند موته ([149]) ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل: (أترضى أن أزوجك فلانة؟) قال: نعم. وقال للمرأة: (أترضين أن أزوجك فلاناً). قالت: نعم. فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يعطها شيئاً وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانه ولم أفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهماً فباعته بمائة ألف([150]).
الثامن: أنها قضية فعل لا ظاهر لها([151]).
ويجاب عن هذا الوجه: بأنه رد بعيد وفيه تكلف؛ لأن هذه القضية لو كان لا ظاهر لها كما يدعون لما فهم الفقهاء منها جواز أن يكون القرآن مهراً.
4. استدلالهم بما روي عن خارجة بن الصلت من أنه رقى رجلاً فأعطاه جعلاً فسأل النبي عليه السلام فأباح له أكله لأنه بِرُقْيَةِ حق.
يعترض عليه: إن الجعل هنا كان على الرقية بالقرآن، وليس بسبب تعليم القرآن الكريم الذي هو محل النزاع.
5. وأما استدلالهم بما روي عن أبي سعيد من أنه رقى رجلاً ملدوغاً واشترط عوضاً فأعطي قطيعاً من غنم فصحح النبي عليه الصلاة والسلام هذا الصنيع فدل ذلك على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
يعترض عليه من وجوه:
الأول: إن العوض المأخوذ هو جعل على الرقية، والرقية نوع مداواة، وهذا العوض المذكور لم يكن على تعليم القرآن الكريم أجرة، وإنما كان على الرقية وهذه يباح أخذ الأجرة عليها لأنها علاج ومداواة، والعلاج ليس واجباً على كل الناس تعلمه وتعليمه خلافاً لتعليم القرآن فهو واجب على الناس تعليمه وإن أخذ الأجرة على تعليمه يكون كأخذ الجعل على تعليم الصلاة؛ لأنها تتوقف على القرآن ولهذا فلا يصح أخذ الأجرة ([152]).
ويجاب عنه بما يلي:
أ. إن أخذ الأجرة على العلاج بالقرآن ليست محل اتفاق الفقهاء فلا يجوز القياس عليها.
ب. إن تعليم القرآن ليس واجباً عينياً وإنما واجب كفائي، كما سبق بيانه.
الثاني: إن الرقية ليست بقربة محضة فجاز أخذ الأجرة عليها، ولا نسلم أن جواز أخذ الأجرة على الرقى يدل على جواز التعليم بالأجرة؛ لأن الجعالة أوسع من الإجارة ولهذا فهي تجوز مع جهالة العمل والمدة([153]).
الثالث: إن سبب أخذ أموال القوم ليست بمقابل الرقية ولكن لأنهم كانوا كفاراً، ومال الكافر الحربي مباح الأخذ كونه غنيمة([154]).
ويجاب عن هذا الاعتراض بما يلي:
أ. إن ما أخذوه منهم لم يكن عن طريق الغصب، وإنما لقاء الرقية؛ إذ لا يجوز أخذ مال الكافر غصبا([155]).
ب. إن سياق القصة يدل على أنهم كانوا في سفرة سافروها، وليسوا في حرب حتى يكون ما أخذوه غنيمة من الحربي([156]).
ج. إن إباحة أخذ مال الكافر في دار الحرب مسألة خلافية وليست على إطلاقها([157]).
الرابع: إن حق التضييف واجب على هؤلاء القوم للمسلمين، ولكنهم لم يفعلوا بداية، ثم أعطوا المسلمين بعد ذلك بدل الضيافة قطيعاً من الغنم([158]).
ويجاب عن هذا الاعتراض بما يلي:
أ. إن هذه الدعوى ليست بصحيحة، بل قد ورد في الحديث (حتى تجعلوا لنا جعلا)، أما قولهم: (لم تقرونا) فيدل: على أنهم لو أقروهم لرقوهم بلا مقابل معاملة للإحسان بالإحسان.
ب. إن هؤلاء القوم الكفار غير مخاطبين بتعاليم الإسلام و منها حق الضيافة للضيف([159]).
الخامس: إن الحديث براويتيه منقوض بحديثي "القوس" الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابيين (أُبي وعبادة) عن أخذ القوس إذا كان ذلك أجرة على تعليمهما القرآن([160]).
ويجاب عنـه: بأن حديثي القوس قضيتا عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك لله خالصاً فكره أخذ العوض عنه من غير الله تعالى ويحتمل غير ذلك أيضاً([161]).
ثانياً: مناقشة أدلتهم من الآثار:
استدلالهم بما روي عن الصحابة والتابعين من أنهم أعطوا الأجرة على تعليم القرآن ولا يرون كراهة ذلك.
يعترض على هذه الآثار الستة من وجوه:
الأول: إن الأثرين: (الأول والثاني) وردا في غير محل النزاع كونهما في باب: قراءة القرآن، لا في باب تعليم القرآن فلا يدلان على المطلوب.
الثاني: إن الآثار: (الثالث والرابع والخامس) لم تنص على أخذ الأجرة على تعليم القرآن خاصة، وإنما جاءت تبيح العطاء والرزق على التعليم مطلقاً وهذا لا خلاف فيه وإنما الخلاف في تعليم القرآن تحديداً.
الثالث: إن الأثر (السادس) المروي عن عطاء وأبي قلابة ونقلهما إباحة أجر المعلم على تعليم القرآن فإنه على فرض صحته قول مختلف في حجيته عند الأصوليين.
الرابع: إن هذه الآثار معارضة بما نقله صحابة آخرين رووا عن النبي عليه الصلاة والسلام منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم مطلقاً، فليس الأخذ برأي بعضهم بأولى من البعض الآخر.
الخامس: ما ذكره ابن حزم من أن عمر رضي الله عنه كره ما صنع عمار. وقال لسعد: (أو يعطى على كتاب الله ثمناً)([162])؟!
السادس: إن الأثر الوارد عن الإمام مالك منقوض بما روي من أحاديث صحيحة استدل بها الفريق الأول تفيد منع أخذ الأجرة مطلقاً، إضافة لما روي عن عمر من كراهة أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
ثالثاً: مناقشة أدلتهم من القياس:
1. استدلالهم بقياس أخذ الأجرة على تعليم القرآن على أخذ الأجرة على الإمامة والآذان والقضاء... بجامع أنها قرب كفائية مختصة بمسلم لا يتوقف صحة الاستئجار عليها على النية.
يعترض عليه: أن الأصل المقيس عليه ليس محل اتفاق بين الفقهاء، حيث انقسم الفقهاء في أخذ الأجرة على هذه الأعمال بين مانع ومجوز، بخلاف أخذ الراتب والرزق على هذه الأعمال الذي هو محل الاتفاق.
2. استدلالهم بقياس أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم على أخذ الأجرة على بناء المساجد والقناطر؛ لأن في الكل معنى البناء ويتعدى نفعه إلى عامة المسلمين.
يعترض عليه: إن هذا قياس مع الفارق حيث إن قياس عمل تعليم القرآن على أعمال البناء لا يصح؛ لأن أعمال البناء للمساجد والقناطر لا يشترط في العامل الإسلام؛ لأنها ليست من القرب بخلاف تعليم القرآن.
رابعاً: مناقشة أدلتهم من المعقول:
1. استدلالهم بأن القول بعدم أخذ الأجرة يؤدي إلى ضياع القرآن بسبب انشغال الحفاظ بمعاشهم.
يعترض عليه: بأنه إذا منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن فإن الفقهاء متفقون على جواز أخذ الراتب من بيت مال الدولة على تعليمه، فلن يضيع القرآن على القول بعدم صحة أخذ الأجرة على تعليمة، ناهيك من أن الله سبحانه وتعالى قد تعهد بحفظ كتابه حيث قال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: ٩].
2. استدلالهم بأن القرآن كله حق فجاز أخذ الأجرة عليه خلافاً لباقي العلوم.
يعتـرض عليه: لا يختلف أحد على أن القرآن الكريم كله حق ولكن هذا لا يستلزم منه جواز أخذ الأجرة على تعليمه، إضافة إلى أن باقي العلوم المقيس عليها غير مسلم عدم جواز أخذ الأجرة عليها.
3. استدلالهم بأن تلاوة القرآن تقبل النيابة فجاز الاستئجار عليها.
يعترض عليه: إن الدليل في تلاوة القرآن ومحل النزاع في تعليمه إضافة إلى أن أخذ الأجرة على تلاوة القرآن محل خلاف بين الفقهاء.
4. وأما استدلالهم بأن تعليم القرآن ليس من الفروض العينية التي لا يجوز الاستئجار عليها بل من الكفائية التي يجوز فيها الاستئجار.
يعترض عليه: بأننا نسلم بذلك ولكن الفروض الكفائية يتم تنفيذها من خلال موظفين يأخذون راتباً ورزقاً من بيت المال وليس عن طريق الاستئجار.
5. وأما استدلالهم بأن التعليم بأجرة أفضل للمعلم من أن يستدين للتجارة ثم لا يقدر على وفاء الدين.
يعترض عليه: إن القضية هي في حل الفعل وعدمه لا في تعينه مصدراً للرزق أم لا، فليس صحيحاً أن يقال: أن كل فعل مصدر للرزق حلال، وكل فعل لا يعد مصدراً للرزق حرام، بل المعيار الشرعي هو الحل والحرمة، فالربا مثلاً قد يكون مصدراً للرزق ولكنه لن يكون حلالا، وأن ميادين الرزق وأساليبه كثيرة وليست محصورة بمهنة معينة.
6. استدلالهم بأن المعلم إذا كان فقيراً وعلم بدون أجرة فقد يعجز عن الكسب لعياله ولا يجوز له ترك الكسب وهو الواجب المتعين؛ لتعليم القرآن وهو الواجب الكفائي.
يعترض عليه: بأنه ليس المطلوب ترك الواجب العيني -الكسب للعيال- مقابل الواجب الكفائي -تعليم القرآن- بل العكس حيث إن المطلوب عند التعارض هو ترك الواجب الكفائي- لقيام الغير به- مقابل الواجب العيني، ومع ذلك نجد أنه من المتفق عليه عند الفقهاء القدامى([163]) أن الموظفين الذين تعينهم الدولة لتطبيق الفروض الكفائية يتقاضون عليها راتبا، وتعليم القرآن الكريم من هذه الفروض الكفائية التي يتقاضى المعلم عليها راتبا وكما أن الأجرة من طرق الكسب فالراتب كذلك.
المطلب الثالث: الرأي المختار:
من خلال عرض أدلة مانعي أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم ومجوزيها، يتبين ما يلي:
1. عند النظر في الأدلة من القرآن الكريم والتي استدل بها المانعون تبين بأن منها ما هو عام وخارج عن محل النزاع. وما كان داخلاً فيه فقد تم تأويله أو إدعاء نسخه أو كونه خاصـاً بالنبي عليه الصلاة والسلام، كما سبق توضيحه. وأما المجوزون فلم يستدلوا بالقرآن الكريم.
2. عند النظر في الأدلة من السنة والتي استدل بها الفريقان، نجد أن المانعين كانت أدلتهم من حيث الصحة جميعها صحيح، رغم محاولة المجوزين تضعيفها وقولهم بأنها وقائع أعيان ومحتملـة التأويل. وأن النهي الوارد فيها قد يحمل على الكراهة وليس على الحرمة، وقد أدعى المجوزون نسخها كذلك، والحقيقة أنه لو فرضنا أن في طرق هذه الروايات مقال، إلا أن بعضها يقوي بعضها وعندها تنهـض حجة على الاستدلال فهي نص في الموضوع محل النزاع؛ لأنها تنهى عن أخذ البدل على تعليم القرآن الكريم مطلقاً. سواء أكان هذا البدل: أجرة أم هبة أم هدية بمشارطة، أم بغير مشارطة، وأما دعوى النسخ فينقصها الدليل الناسخ ولم يوجد.
وأما المجوزون فإن أدلتهم لم تصح جميعها حيث إن بعض الروايات ضُعِّفَتْ، وما صح منها نوقش بأنه خارج محل النزاع، إضافة إلى أن العمدة في استدلالهم هو جعل القرآن عوضاً في عقد النكاح، ونوقش هذا بأنه لا يفيد في محل النزاع، لأن الحديث يثبت صحة أن يكون القرآن بدلاً ومهراً، ومحل النزاع في إمكانية أن يكون البدل على تعليم القرآن، فافترقا. ناهيك من أن القرآن المقصود في هذه النصوص اعتبر بـدلاً قراءة وتلاوة من الزوج وليس كونه معلماً للقرآن. ولا يفوتنا أن نشير أيضاً إلى ادعاء المانعين نسخ بعـض هذه المرويات ولكنهم لم يذكروا الدليل الناسخ فهي إذا مجرد دعوى.
3. عند النظر في الأدلة من الآثار والتي استدل بها الفريقان تبين أنها متعارضة إما مع أحاديث صحيحة وإما مع أقوال صحابة آخرين كما سبق بيانه في المناقشة؛ لذا فإنه يسقط الاستدلال بها؛ لأنه ليس الأخذ بها لفريق بأولى من اعتبارها للفريق الآخر.
4. عند النظر في الأدلة من القياس والتي استدل بها المجوزون فقط، من حيث إلحاق أخذ الأجرة على تعليم القرآن بأخذ الأجرة على الإمامة وغيرها من الطاعات، وتبين بأن الأصل المقيس عليه ليس بمحل اتفاق عند الفقهاء الأمر الذي أدى إلى هدم ركن القياس فبطلت ثمرته بداهة.
وقد قاسوا أيضاً أخذ الأجرة على تعليم القرآن على ما يأخذه عمال البناء للمساجد والقناطر بجامع أنها أعمال متعدية النفع، فنوقش ذلك بأنه قياس ليس مع الفارق فقط بل أنه لا يصح أساساً؛ لاشتراط الإسلام في معلم القرآن خلافاً لعامل البناء.
5. عند النظر في الأدلة من المعقول والتي استدل بها الفريقان، وكل منهما تكلف في الاستدلال بها ولكنها لم تسلم من المناقشة من قبل الفريق الآخر، وتطرق إليها الاحتمال الذي أفسد بها الاستدلال لكليهما.
وبعد عرض هذه النقاط فإن الرأي المختار الذي نميل إليه هو الجمع بين هذه الأدلة بطريقة توفيقية تقديراً لهذه الأدلة واستثماراً لها وعدم إهدارها وكون إعمال الدليلين أولى من إهمالهما أو إهمال أحدهما، مستفيدين من اتفاق الفقهاء على جواز أخذ الراتب على تعليم القرآن الكريم من الدولة، ويكون التوفيق بينها بأن نقول: إن الأحاديث القاضية بمنع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم هي الأصل؛ لأنها نص في الموضوع لا تحتمل التأويل، وأن الأحاديث الواردة في الجواز مستثناة من الأصل للرقى أو تأويل الأجر على التعليم فيها بالثواب.
وترجيح أن الأصل منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم لا يؤدي مآلاً كما قد يظهر لأول وهلة إلى عدم الإقبال على القرآن الكريم وعدم الاهتمام به... إلخ؛ لأنه في هذا العصر خاصة قد يكون المتعلم للقرآن في مدرسته طالباً، ويكون المعلم للقرآن مدرساً يأخذ رزقاً وراتباً من الدولة وهذا جائز وهو محل اتفاق الفقهاء، وكذلك إذا كان المتعلم في جامعته طالباً أيضاً، لأن معلمه أستاذاً في جامعة وما يأخذه على التعليم من بدل فهو راتبٌ ورزق.
وأما إذا كان المتعلم للقرآن غير طالب فلا يضيره ترجيحنا بعدم أخذ الأجرة على تعليم القرآن؛ لأنه يستطيع أن يتعلم في جمعيات تحفيظ القرآن التابعة لوزارات الأوقاف، والمعلمون فيها يتقاضون أجوراً هي رواتب من الدولة، أو في جمعيات أهلية يكون المعلمون فيها متبرعون حسبة لله تعالى.
وأما إذا كان المتعلم للقرآن الكريم في بلاد إسلامية لا يوجد من يعلم فيها إلا بأجرة أو في بلاد إسلامية لا تعرف اللغة العربية أو في بلاد غير إسلامية ولا يوجد إلا قلائل من المعلمين؛ فإن المنطق الفقهي لا يمنع في هذه الحالة من أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم استثناء للحاجة أو للضرورة كما ترشد إلى ذلك نصوص الشريعة وقواعدها العامة ومقاصدها خاصة مع تغير الزمان والمكان وقد لا يوجد من يعلم إلا بأجرة. والله تعالى أعلم.
الخاتمة
بعد الانتهاء من الدراسة موضوع البحث، تم التوصل إلى النتائج التالية:
1. إنه لا خلاف بين الفقهاء على جواز أخذ راتب (رزق) من الدولة مقابل تعليم القرآن الكريم، وإنما وقع الخلاف في أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، والفرق بين الأمرين: أن الراتب لا يكون من المتعلم مقابل استيفاء المنفعة وإنما يكون من طرف ثالث وهو الدولة أو بيت المال فهو في حكم الجعالة، أما الأجرة التي منع الفقهاء أخذها على تعليم القرآن الكريم إنما هي من ذات المتعلم على ما يستوفيه من منفعة من المعلم.
2. إن الأصل منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم؛ لأن الأحاديث والأدلة المجوزة خاصة في الرقية فقط وتعميمها على التعليم لا يجوز.
3. إن المتعلم في البلاد الإسلامية للقرآن الكريم، إما أن يكون طالباً في مدرسة أو جامعة، وإما أنه غير طالب، وعندها يتعلم في جمعيات تحفيظ القرآن الكريم الحكومية، أو الأهلية، والمعلمون في هذه الجمعيات إما متبرعون وإما أنهم يتقاضون راتباً وهذا متسق مع اتفاق الفقهاء، فلا داعي إذن للقول بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم.
4. للمتعلم في البلاد الإسلامية التي لا يوجد فيها من يعلم إلا بأجرة، أو في البلاد الإسلامية التي لا تعرف اللغة العربية، أو في البلاد غير الإسلامية، فإنه يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، ويكون هذا استثناء للحاجة أو للضرورة اعتبارا لتغير الزمان والمكان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد الخامس، العدد (2/ب)، 1430ه/ 2009م.
الهوامش:
([1]) هذه بعض الأدلة التي تحث على تعلم القرآن الكريم وتعليمه وهي نزر يسير اقتصرت عليه في هذا الموضع؛ لأن الإحاطة بكافة الأدلة واستقصائها يطيل بنا المقام وهذا لا يناسب التمهيد، إضافة إلى أنه يخرج البحث عن مقصوده الأصلي وهو: بيان حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم، إلا أننا نحيل القارئ إلى من جمع هذه الأدلة وكثير غيرها، الإمام النووي في كتابه: التبيان في آداب حمله القرآن، 1417ه/1996م، تحقيق: عبد السلام البسيوني، من ص 19-22.
([2]) أخرجه البخاري، محمد بن إسماعيل، (ت 256ه)، صحيح البخاري، دار الفيحاء، دمشق، ودار السلام: الرياض، ط2، 1419ه/1999م، ص901، برقم 5027. ك: فضائل القرآن، بـ: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وانظر: العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بيت الأفكار الدولية، توزيع دار ابن حزم، ج2، ص2220، برقم 5027، ك: فضائل القرآن، ب: خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
([3]) أخرجه البخاري، انظر: المصدر السابق، ص901، برقم: 5028.
([4]) الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران: أجر بالقراءة وأجر بِتَتَعْتُعِه في تلاوته ومشقته، وقال بعض العلماء: وليس معناه أن الذي يَتَتَعْتَعُ عليه له من الأجر أكثر من الماهر به بل الماهر أفضل وأكثر أجراً؛ لأنه مع السفرة وله أجور كثيرة ولم تذكر هذه المنزلة لغيره فكيف يلحق به من لم يعتن بكتاب الله وحفظه وإتقانه وكثرة تلاوته وروايته كاعتنائه حتى مهر فيه. انظر: النووي، يحيى بن شرف، المنهاج في شرح صحيح مسلم، بيت الأفكار الدولية، ص536.
([5]) أخرجه مسلم، ابن الحجاج القشيري النيسابوري، (ت 261ه)، الصحيح، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1421ه/2001م، ص288، برقم: 244، ك: صلاة المسافرين وقصرها ب: فضل الماهر في القرآن والذي يتعتع فيه. وانظر: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم، ص536، برقم 244، ك: صلاة المسافرين وقصرها، ب: فضل الماهر في القرآن.
([6]) نوع من الفاكهة من شجرة طيبة تشبه شجرة الريحان، انظر: الدينوري، أحمد بن داود، كتاب النبات، تحقيق: برنهارد لفين، دار فرانز، 1394ه/1974م، ج3، ص218.
([7]) أخرجه مسلم، الصحيح، ص288، برقم: 243، ك: صلاة المسافرين. ب: فضيلة حافظ القرآن. وانظر: النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم، ص536، برقم 243، ك: صلاة المسافرين، ب: فضيلة حافظ القرآن.
([8]) أخرجه مسلم، انظر: المصدر السابق، ص293، برقم: 269، ك: صلاة المسافرين: ب. فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وانظر: النووي، المنهاج، ص542، برقم: 269، ك: صلاة المسافرين، ب: فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه.
([9]) أخرجه مسلم، انظر: المصدر السابق، ص290، برقم 252، ك: صلاة المسافرين. ب. فضل قراءة القرآن. وانظر: النووي، المنهاج، ص538، برقم:252، ك: صلاة المسافرين، ب: فضل قراءة القرآن.
([10]) أخرجه البخاري، الصحيح، ص900-901، برقم 5029. وانظر: العسقلاني، فتح الباري، ج2، ص2219، برقم 5026، ك: فضائل القرآن. ب: اغتباط صاحب القرآن.
([11]) انظر: الموصلي، عبد الله بن محمود (ت 683ه)، الاختيار لتعليل المختار، تحقيق: عبد اللطيف محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1425ه/ 2005م، ج4، ص150. الآبي، صالح عبد السميع، جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل، ضبطه: محمد الخالدي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1418ه/1997م، ج2، ص249. النووي، يحيى بن شرف، روضة الطالبين ومطبوع معه المنهاج السوي للسيوطي، تحقيق: عادل وعلي، دار عالم الكتب، ط خاصة، 1423ه/2003م، ج8، ص122. البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، تحقيق: محمد الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1418ه/1997م، ج4، ص13. ابن قدامة، عبدالله بن أحمد بن محمد (ت 620ه)، المغني على مختصر الخرقي، ضبطه: عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1424ه/2004م، ج5، ص332. الموسوعة الفقهية، وزارة الأوقاف، الكويت، ط2، 1986م، ج13، ص14-15، وج8، ص252. العنقري، عبدالله بن عبد العزيز، حاشية الروض المربع مطبوعة مع الروض المربع، مطبعة السنة المحمدية، طبع على نفقة الأمير: منصور آل سعود، ج2، ص314.
([12]) انظر: الموصلي، الاختيار، ج4، ص150. الآبي، جواهر الإكليل، ج2، ص249. النووي، روضة الطالبين، ج8، ص122. البهوتي، كشاف القناع، ج4، ص13. ابن قدامة، المغني، ج5، ص331. والرحيباني، مصطفى السيوطي، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، منشورات المكتب الإسلامي، دمشق، ج3، ص641.
([13]) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ج13، ص15 وج8، ص252.
([14]) انظر: المصدر السابق، ج13، ص15 وج8، ص252. والرحيباني، مطالب أولي النهى، ج3، ص641-642.
([15]) انظر: المصدر السابق، ج13، ص15 وج8، ص252. والرحيباني، مطالب أولي النهى، ج3، ص641-642.
([16]) انظر: القرافي، أبي العباس، أحمد بن إدريس، (ت 684ه)، الفروق، ضبطه: خليل منصور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418ه/1998م، ج3، ص5 وما بعدها. ابن الشاط، قاسم بن عبد الله، إدرار الشروق على أنواء الفروق، ج3، ص5 وما بعدها (مطبوع مع الفروق). المكي المالكي، محمد علي بن حسين، تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية، ج3، ص5 وما بعدها (مطبوع مع الفروق).
([17]) انظر: الرحيباني، مطالب أولي النهى، ج3، ص641-642.
([18]) انظر: المصدر السابق، ج3، ص641-642.
([19]) انظر: ابن رشد، محمد بن أحمد (ت 595ه)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مؤسسة التاريخ العربي ودار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1416ه/1996م، ج2، ص217-218.
([20]) انظر: ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، تحقيق: عادل وعلي، دار عالم الكتب، الرياض، 1423ه/2003م، ج9، ص75-76. المرغيناني، علي بن أبي بكر (ت 593ه)، الهداية في شرح بداية المبتدي، تصحيح: الشيخ طلال، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1245ه/2004م، ج3، ص238. العيني، محمود بن أحمد بن موسى (ت 855ه)، البناية شرح الهداية، تحقيق: أيمن شعبان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1420ه/ 2000م، ج10، ص278. الموصلي، الاختيار، ج2، ص62. الكاساني، علاء الدين بن مسعود (ت 587ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تحقيق: محمد درويش، مؤسسة التاريخ العربي، ودار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1421ه/ 2000م، ج4، ص44. الزيلعي، عثمان بن علي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، ج5، ص124.
([21]) انظر: البهوتي، منصور بن يونس، شرح منتهى الإرادات، دار الفكر، ج2، ص366. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص637. البهوتي، منصور بن يونس، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، دار الجيل، بيروت، ج2، ص331. ابن قدامه، المغني، ج5، ص331. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن قاسم النجدي، ط2، 1398ه، ج30، ص206-207. العنقري، حاشية الروض المربع، ج2، ص313.
([22]) المرتضى، أحمد بن يحيى، (ت 840ه)، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، صنعاء: دار الحكمة اليمانية، 1409ه/1988م، ج4، ص48. (تصوير عن طبعة 1366ه/1947م).
([23]) اطفيش، محمد بن يوسف، شرح كتاب النيل وشفاء العليل، جدة: مكتبة الإرشاد، ط3، 1405ه/1985م، ج10، ص47.
([24]) الحلي، نجم الدين، جعفر بن الحسن (ت 676ه)، المختصر النافع في فقه الإمامية، دار الكتاب العربي، مصر، د. ت، ص117. الحلي، يحيى بن سعيد (ت 690ه)، الجامع للشرائع، بيروت، دار الأضواء، ط2، 1406ه/1986م، ص295.
([25]) استحساناً للحاجة والضرورة وهو ما عليه الفتوى عندهم، انظر: الموصلي، الاختيار، ج2، ص62. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص124. المرغيناني، الهداية، ج3، ص238. العيني، البناية، ج10، ص281-282. ابن عابدين، رد المحتار، ج2، ص534 وج9، ص76.
([26]) انظر: الآبي، جواهر الإكليل، ج2، ص281. الكشناوي، أبو بكر بن حسن، أسهل المدارك شرح إرشاد السالك، ضبطه: محمد شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1416ه/1995م، ج2، ص133. الدسوقي، محمد عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للشيخ أحمد الدردير مع تقريرات عليش، دار الفكر، ج4، ص16-17. ابن رشد، بداية المجتهد، ج2، ص217.
([27]) انظر: الشربيني، محمد بن محمد الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، تحقيق: علي وعادل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1415ه/1994م، ج3، ص461-462. الرملي، محمد بن أبي العباس، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ج5، ص289. الأنصاري، زكريا بن محمد ابن أحمد، فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ومعه الرسائل الذهبية للسيد مصطفى الذهبي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1418ه/1998م، ج1، ص424. قليوبي وعميرة، حاشيتا شهاب الدين القليوبي والشيخ عميرة على منهاج الطالبين للنووي، دار إحياء الكتب العربية، عيسى الحلبي وشركاه، ج3، ص76. وقد اختلف الشافعية فيما يحصل به العلم بمحل العقد في الاستئجار على تعليم القرآن على النحو الذي ذكره النووي إذ يقول: "... يجوز بشرط أن يعين السورة والآيات التي يعلمها، فإن أخل بأحدهما لم يصح على الأصح، وقيل لا يشترط تعيين واحد منهما بل يكفي ذكر عشر آيات مثلاً، قيل تشترط السورة دون الآيات، وقيل: يكفي التقدير بالمدة كقوله لتعلمني شهراً، وقيل: لا. والاكتفاء أصح وأقوى". روضة الطالبين، ج4، ص264. وانظر كذلك: البكري، عثمان بن محمد، حاشية إعانة الطالبين ومعه فتح المعين للمليباري، ضبطه وصححه: محمد هاشم، دار الكتب العلمية، بيـروت، لبنـان، ط1، 1415ه/1995م، ج3، ص193-194. قليوبي وعميرة، الحاشية، ج3، ص73. المطيعي، محمد نجيب، تكملة المجموع شرح المهذب، دار عالم الكتب، الرياض، 1423ه/ 2003م، ج15، ص197. المليباري، زين الدين عبد العزيز، فتح المعين بشرح قرة العين بمهمات الدين مطبوع مع حاشية إعانة الطالبين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1415ه/1995م، ج3، ص193-194.
([28]) يجوز للضرورة والحاجة، انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص366. ابن قدامة، المغني، ج5، ص331. البهوتي، الروض المربـع، ج2، ص331. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص638. ابن تيمية، مجموع الفتـاوى، ج30، ص204-207. وفي رواية عن الإمام أحمد -كرهها طائفة من أهل العلم- إن المعلم لا يطلب ولا يشارط فإن أعطي شيئاً أخذه وإلا يكره ذلك؛ لأنه إذا أعطي شيئاً وكان بغير شرط فهو هبه مجردة، وهذا جائز ولو لم يعلمه شئياً لما رواه خالد ابن عدي الجهني عن النبي عليه السلام قوله: "من بلغه معروف عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه" انظر: الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص641. ابن قدامة، المغني، ج5، ص332. والحديث أخرجه: أحمد بن محمد بن حنبل، المسند، تحقيق: حمزة الزين، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1416ه/1995م، ج14، ص10، برقم 17860، وصححه الحاكم، محمد بن عبدالله، في المستدرك على الصحيحين، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، 2/62، وهنالك عدة آثار ذكرها ابن أبي شيبة وابن حزم تؤيد ذلك ولكنها متعارضة مع أحاديث المنع الصحيحة ومع آثار أخرى تفيد عكس مضمونها، انظر تلك الآثار في: ابن أبي شيبة، عبدالله بن محمد (ت 235ه)، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: محمد شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1426ه/2005م، ج4، ص345. ابن حزم، علي ابن أحمد بن سعيد (ت 456ه)، المحلى، تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1422ه/2001م، ج9، ص14-15، ووجه كراهة علماء الحنابلة لهذه الرواية واعتراضهم عليها ما يلي:
الوجه الأول: أن هذه الرواية وما قامت عليه من أدلة منقوضة بحديثي القوس-الصحيح- تلك القوس التي أعطيها أُبي وعبادة من غير شرط ونهاهما النبي عليه السلام عن أخذهما وسيأتي ذكر الحديثين عند عرض الأدلة من السنة للفريق الأول.
الوجه الثاني: إن التعليم قربة فلم يجز أخذ الأجرة عليه سواء أكان ذلك بشرط أم بغيره كالصلاة والصيام.
الوجه الثالث: ما روي عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجل ليس له صناعة سوى بيع التعاويذ وهل له أن يبيعها أو يسأل الناس؟ فقال: بيع التعاويذ أحب إلي من أن يسأل الناس ولكن التعليم أحب إلي من بيع التعاويذ، والمقصود بإجازة التعليم هنا المترتب عليه أجرة قطعاً كما يفهم من سياق النص وإذا تبين هذا، فلا صحة لما نسب للإمام أحمد من إجازته للتعليم بأجرة، من غير طلب ولا مشارطة، انظر هذه الوجوه الثلاثة عند: الرحيباني، مطالب أولى النهى، 3/640، 641.
([29]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص13.
([30]) الحلي، المختصر النافع في فقه الإمامية، ص117. الحلي، الجامع للشرائع، ص295.
([31]) انظر: الموصلي، الاختيار، ج2، ص62. المرغيناني، الهداية، ج3، ص238.
([32]) انظر: الكاساني، البدائع، ج4، ص44-45.
([33]) أخرجه مسلم، الصحيح، ص663، برقم 1679، ك: القسامة والمحاربين، ب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض. وانظر: المنهاج في شرح صحيح مسلم، ص486، برقم 1679، ك: القسامة والمحاربين، ب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض.
([34]) أخرجه البخاري، الصحيح، ص582، برقم 3461، ك: أحاديث الأنبياء، ب: ما ذكر عن بني إسرائيل. وانظر: فتح الباري، ج2، ص1592، برقم 3461، ك: أحاديث الأنبياء، ب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
([35]) انظر: الكاساني، البدائع، ج4، ص44-45. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج30، ص205.
([36]) انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج30، ص204. وتجدر الإشارة إلى أنه يجوز عند ابن تيمية أخذ الأجرة على تعليم القرآن إذا كان المعلم محتاجاً. لقوله تعالى: (وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ)[6: النساء]، انظر: المصدر السابق، ج30، ص206، 207.
([37]) انظر: الموصلي، الاختيار، ج2، ص62. المرغيناني، الهداية، ج3، ص238. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص124. العيني، البناية، ج10، ص278. البهوتي، الروض المربع، ج2، ص331. ابن قدامة، المغني، ج5، ص332. البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص366. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص637. ابن تيمية، الفتاوى، ج30، ص206.
([38]) أخرجه ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني (ت 275ه)، سنن ابن ماجه، تحقيق: يوسف الحاج، مكتبة ابن حجر، دمشق، ط1، 1424ه/2004م، ص486، برقم 2185، ك: التجارات، ب: الأجر على تعليم القرآن. وانظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، إشراف: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، دمشق، بيروت، ط2، 1405ه/1985م، ج5، ص316. وقد يكون الرجل هو الطفيل بن عمرو الدوسي لما رواه هو عن نفسه حيث قال: أقراني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوساً فغدا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد تقلده فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "تقلدها من جهنم..." أخرجه الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الأوسط، تحقيق: دار الحرمين، القاهرة، ط1، 1415ه/1995م، ج1، ص139، برقم 439.
([39]) الماوردي، علي بن محمد بن حبيب، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي، تحقيق: علي معوض، وعادل عبد الموجود، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1414ه/1994م، ج9، ص403.
([40]) سقيفة مظللة كان يأوي إليها المساكين في المسجد النبوي، انظر: العسقلاني، مقدمة الفتح، ج1، ص96.
([41]) أخرجه أبو داود، سليمان بن الأشعث (ت 275ه)، سنن أبي داود، تحقيق: يوسف الحاج، مكتبة ابن حجر، دمشق، ط1، 1424ه/2004م، ص697، برقم 3416، ك: الإجارة، ب: كسب المعلم، وانظر: صحيح سنن أبي داود، مكتب التربية العربي، توزيع المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1409ه/1989م، ج2، ص655.
([42]) انظر: المصدر السابق برقم 3417.
([43]) انظر: السهارنفوري، خليل أحمد، (ت 1346ه)، بذل المجهود في حل أبي داود، تحقيق: الكاندهلوي، دار الريان، ط1، 1408ه/1988م، ج15، ص82.
([44]) لا تتجاوزوا حده من حيث لفظه أو معناه، أو المراد لا تبذلوا جهودكم في قراءته وتتركوا غيره من العبادات. انظر: الساعاتي، أحمد عبد الرحمن، الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ج15، ص125.
([45]) التقصير في تلاوته أو الابتعاد عنه، انظر: المصدر السابق، وابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1423ه/2003م، ج2، ص158.
([46]) لا تجعلوه سبباً لمعايشكم والإكثار من الدنيا به، انظر: الساعاتي: الفتح الرباني، ج15، ص125.
([47]) أخرجه أحمد، المسند، ج12، ص270، برقم 15610، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط4، ج1، ص465، برقم 260.
([48]) انظر: الساعاتي، الفتح الرباني، ج15، ص125.
([49]) ملحم، فيض الرحمن، ص390.
([50]) السهم الذي كانوا يستقسمون به، أو الذي يرمى به عن القوس، انظر: ابن الأثير الجزري، المبارك بن محمد، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: خليل شيحا، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 1422ه/2001م، ج2، ص420.
([51]) يتعجلون الأجرة في الدنيا من مال أو سمعه وليس الأجر في الآجلة، انظر: النووي، التبيان، ص54.
([52]) أخرجه أبو داود، السنن، ص185، برقم 830، ك، الصلاة، ب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة، وانظر: السلسلة الصحيحة، ج1، ص464، برقم 259.
([53]) أخرجه أبو داود، السنـن، ص185، برقم 831، ك: الصلاة، ب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة وانظر: صحيح سنن أبي داود، ج1، ص157، برقم 741.
([54]) أخرجه الترمذي، محمد بن عيسى (ت 279ه)، جامع الترمذي، تحقيق: يوسف الحاج، مكتبة ابن حجر، دمشق، ط1، 1424ه/2004م، ص804، برقم 2917، ك: فضائل القرآن، وانظر: السلسلة الصحيحة، ج1، ص461، برقم 257.
([55]) انظر: النووي، التبيان، ص54، ونقل الرحيباني عن عبد الله بن شقيق قوله: أن ما يأخذه المعلمون من تعليم القرآن يعتبر سحتاً، مطالب أولى النهي، ج3، ص638. وانظر كذلك: ابن قدامه، المغني، ج5، ص331.
([56]) انظر: ابن أبي شيبه، المصنف، ج4، ص347، ك: البيوع والأقضية، ب: من كره أجر المعلم برقم 20837.
([57]) انظر: المصدر السابق، ج4، ص347، برقم 20839.
([58]) انظر: الموصلي: الاختيار، ج2، ص62. المرغيناني، الهداية، ج3، ص238. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص124. العيني، البناية، ج10، ص278. ابن تيمية، الفتاوى، ج30، ص206. البهوتي، شرح منتهى الأرادات، ج2، ص366. الرحيباني، مطالب أولى النهي، ج3، ص637، 638. العنقري، حاشية الروض المربع، ج2، ص313.
([59]) فإذا لم تختص الطاعة بملة الإسلام فإنه يجوز الاستئجار عليها، كما لو استأجر مسلم ذمياً على تعليمه التوراة، انظر: الكاساني، البدائع، ج4، ص44. المرغيناني، الهداية، ج3، ص238. العيني، البناية، ج10، ص278. ابن عابدين، رد المحتار، ج9، ص76. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص641. العنقري، حاشية الروض المربع، ج2، ص314.
([60]) انظر: الموصلي، الاختيار، ج2، ص62. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص124. المرغيناني، الهداية، ج3، ص238. الكاساني، البدائع، ج4، ص44. العيني، البناية، ج10، ص281.
([61]) انظر الشوكاني، محمد بن علي (ت 1250ه)، نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، تحقيق: رائد بن صبري، بيت الأفكار الدولية، ط1، 2004م، ص1072.
([62]) اللسع واللدغ المذكورين في الحديث نوع ذو حُمَّة وقد يكون هذا اللدغ من حية أو عقرب، أو غيرهما وأكثر ما يستعمل في العقرب، انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1073.
([63]) وهو اللديغ أيضاً، انظر: المصدر السابق، ص1073.
([64]) أخرجه البخاري، الصحيح، ص1013، برقم 5737، ك: الطب، ب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم. وانظر: العسقلاني، الفتح، ج3، ص2547، برقم 5737، ك: الطب، ب: الشرط في الرقية بقطيع من الغنم.
([65]) انظر: الرملي، نهاية المحتاج، ج5، ص289. وانظر كذلك: ملحم، احمد سالم، فيض الرحمن في الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن، دار النفائس، عمان، ط(1)، 1421ه/2001م، ص388.
([66]) إدريس، عبد الفتاح محمود، "الإجارة على تعليم القرآن الكريم وعلوم الشريعة"، مجلة الجندي المسلم: دراسات شرعية، موجودة على موقع (http://jmuslim.naseej.com) 1/1/2006، ص2.
([67]) أخرجه البخاري، الصحيح، ص918-919، برقم 5135، ك: النكاح، ب: السلطان ولي. وانظر: العسقلاني، الفتح، ج2، ص2266، برقم 5135، ك: النكاح، ب: السلطان ولي.
([68]) انظر: مسلم، الصحيح، ص530، برقم: 1425، ك: النكاح، ب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن. وانظر: المنهاج في شرح صحيح مسلم، ص886، برقم 1425، ك: النكاح، ب: الصداق وجواز كونه تعليم قرآن.
([69]) انظر: المسند، ج16، ص430، برقم 22697، وقال المحقق حمزة أحمد الزين: إسناده صحيح.
([70]) أخرجه أبو داود، السنن، ص434، برقم 2112، ك: النكاح، ب: التزويج على العمل يعمل، وانظر: ضعيف سنن أبي داود، المكتب الإسلامي، ط1، 1412ه/1991م، ص206.
([71]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج5، ص331. ابن حزم، المحلى، ج9، ص14.
([72]) كلام يستشفى به من كل عارض، سواء أكان من القرآن أم الذكر أم الدعاء المأثور أو غير المأثور الذي لا يخالف ما في المأثور، انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1074.
([73]) نفخ معه قليل بزاق بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق، انظر: المصدر السابق، ص1074.
([74]) فحل من حبل: انظر: المصدر السابق، ص1074.
([75]) ما يعطى على عمل، انظر: المصدر السابق، ص1074.
([76]) اقسم النبي عليه الصلاة والسلام بحياة نفسه كما أقسم الله بحياته، انظر: المصدر السابق، ص1074.
([77]) من أكل برقية كلام والرقى الباطلة المذمومة هي: التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى، انظر: المصدر السابق، ص1075.
([78]) أخرجه أبو داوود، السنن، ص779، برقم 3901، ك: الطب، ب: كيف الرقى، وانظر: صحيح سنن أبي داود، ج2، ص737.
([79]) أخرجه البخاري، الصحيح، ص1013، برقم 5736، ك: الطب، ب: الرقى بفاتحة الكتاب. وانظر: العسقلاني، الفتح، ج3، ص2547، برقم 5736، ك: الطب، ب: الرقى بفاتحة الكتاب.
([80]) طلبوا منهم الضيافة، انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1073.
([81]) أي مما جرت العادة أن يتداوى به من اللدغة، انظر: المصدر السابق، ص1073.
([82]) طائفة من الغنم، انظر: المصدر السابق، ص1074.
([83]) أي علة وسميت قلبه؛ لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء، وقيل: إن القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه. انظر: المصدر السابق، ص1074.
([84]) إن النبي عليه الصلاة والسلام تعجب من ذلك أو استعظمه؛ لأن المداوي لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقى بالفاتحة، انظر: المصدر السابق، ص1074.
([85]) يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صوب فعلهم في الرقية، ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه ويحتمل ما هو أعم من ذلك. انظر: المصدر السابق، ص1074.
([86]) أجعلوا لي منه نصيباً وكأنه عليه السلام أراد المبالغة في تأنيسهم، انظر: المصدر السابق، ص1074.
([87]) أخرجه البخاري، الصحيح، ص363، برقم 2276، ك:الإجارة، ب: ما يعطى في الرقية. وانظر: العسقلاني، الفتح، ج1، ص1197، برقم 2276، ك:الإجارة، ب: ما يعطى في الرقية.
([88]) انظر: مسلم، الصحيح، ص868، برقم 2201، ك: السلام، ب: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار. وانظر: المنهاج في شرح صحيح مسلم، ص1374-1375، برقم 2201، ك: السلام، ب: جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار.
([89]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص14.
([90]) انظر: المصدر السابق، ج9، ص14.
([91]) انظر: المصدر السابق، ج9، ص15. ابن أبي شيبة، المصنف، ج4، ص346، ك: البيوع والأقضية، ب: في أجر المعلم برقم 20828.
([92]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص15.
([93]) رواه مالك، بن أنس الأصبحي، المدونة الكبرى، تحقيق: حمدي الدمرداش، مكتبة نزار الباز، الرياض، ط1، 1419ه/1999م، ج5، ص1691، ك: الجعل والإجارة، ب: في إجارة المعلم.
([94]) انظر: المصدر السابق، ج9، ص15. ابن شيبة، المصنف، ج4، ص345، ك: البيوع والأقضية، ب: في أجر المعلم برقم 20824 ورقم 20827.
([95]) انظر: الكشناوي، أسهل المدارك، ج2، ص133.
([96]) إدريس، الإجارة على تعليم القرآن الكريم، ص4.
([97]) انظر: النووي، روضة الطالبين، ج4، ص262. ابن رشد، بداية المجتهد، ج2، ص217. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج30، ص206.
([98]) مجموع الفتاوى، ج30، ص207.
([99]) انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص367.
([100]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج5، ص331.
([101]) انظر: الموصلي، الاختيار، ج2، ص62. ابن عابدين، رد المحتار، ج2، ص534، ج9، ص76. الزيلعي، تبيين الحقائق، ج5، ص124. العيني، البناية، ج10، ص281. البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص367.
([102]) انظر: الكشناوي، أسهل المدارك، ج2، ص133.
([103]) انظر: الشربيني، مغني المحتاج، ج3، ص462.
([104]) انظر: الشربيني، مغني المحتاج، ج3، ص461. قليوبي وعميرة، الحاشية، ج3، ص76. النووي، روضة الطالبين، ج4، ص262. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص640.
([105]) انظر: ابن قدامة: المغني، ج5، ص331. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص638.
([106]) انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج30، ص206-207.
([107]) انظر: القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، ط1، 1425ه/2004م، ج2، ص2936.
([108]) انظر: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص2936.
([109]) انظر: ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل الدمشقي، تفسير ابن كثير، تحقيق: محمد الخن، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1421ه/2000م، ص1259 و1359.
([110]) انظر: ابن كثير، التفسير، ص689.
([111]) سبق تخريجه، انظر هامش رقم: 34.
([112]) انظر هامش رقم 11.
([113]) انظر: الرحيباني، مطالب أولى النهي، ج3، ص641.
([114]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص15. النووي، التبيان، ص55. الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([115]) انظر: هامش رقم: 41 و42.
([116]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص15.
([117]) أخرجه أحمد، المسند، ج12، ص270، برقم15610، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، ط4، ج1، ص465، برقم 260.
([118]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([119]) انظر: المصدر السابق، ص1072.
([120]) بأخذ الأجرة على التعليم أو الجعل أو العوض أو الهدية...
([121]) عن أخذ الأجرة على التعليم أو الجعل أو العوض أو الهدية...
([122]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1074.
([123]) انظر: المصدر السابق، ص1073.
([124]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص13، 15.
([125]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072، 1073.
([126]) انظر: المصدر السابق، ص1072، والحديث سبق ذكره وتخريجه. انظر هامش رقم: 63.
([127]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص15.
([128]) انظر: النووي، روضة الطالبين، ج4، ص262. ابن رشد، بداية المجتهد، ج2، ص217. ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج30، ص206.
([129])انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ج13، ص15 وج8، ص252.
([130]) انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص367.
([131]) انظر: الشربيني، مغنى المحتاج، ج3، ص461. قليوبي وعميرة، الحاشية، ج3، ص76. النووي، روضة الطالبين، ج4، ص262. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص640.
([132]) انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص367.
([133]) انظر: ابن قدامة، المغني، ج5، ص332.
([134]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1073.
([135]) انظر: المصدر السابق، ص1073.
([136]) انظر: المصدر السابق، ص1073.
([137]) انظر: المصدر السابق، ص1073.
([138]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص280. ابن قدامة، المغني، ج5، ص332. الرحيباني، مطالب أولى النهي، ج3، ص640. الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([139]) ما روي عن أنس رضي الله عنه قال: خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها" أخرجه النسائي، أحمد بن شعيب، المجتبى من السنن (سنن النسائي)، تحقيق: بيت الأفكار الدولية، الرياض، ص352، برقم 3341، ك، النكاح، ب: التزويج على الإسلام، وانظر: صحيح سنن النسائي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1408ه/1988م، ج2، ص703.
([140]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([141]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص280. ابن قدامه، المغني، ج5، ص332. الرحيباني، مطالب أولى النهي، ج3، ص640. الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([142]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص280.
([143]) انظر: المصدر السابق، ج10، ص280.
([144]) انظر: المصدر السابق، ج10، ص280.
([145]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([146]) أخرجه ابن منصور، سعيد بن منصور الخرساني (ت 227ه)، سنن سعيد بن منصور، تحقيق: حبيب الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، ج1، ص176، برقم 642، ب: تزويج الجارية الصغيرة وقال عنه ابن حجر: وهذا الحديث مع إرساله فيه من لا يعرف. انظر: الفتح، ج2، ص2287، شرح حديث رقم 5149.
([147]) أبو داود، السنن، ص434، شرح حديث رقم 2113.
([148]) انظر: ابن حجر، الفتح، ج2، ص2287، شرح حديث رقم 5149. ابن منصور،، سنن سعيد بن منصور، ج1، ص176، برقم 642 ب: تزويج الجارية الصغيرة.
([149]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072.
([150]) أخرجه أبو داود، السنن، ص435، برقم 2117، ك: النكاح، ب: فيمن تزوج ولم يسم لها صداقاً حتى مات، وانظر: صحيح سنن أبي داود، ص398، برقم 1859.
([151]) انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1073.
([152]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص281. ابن رشد، بداية المجتهد، ج2، ص218. الرحيباني، مطالب أولى النهى، ج3، ص640.
([153]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص281. ابن قدامة، المغني، ج5، ص332. البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص366.
([154]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص281. السرخسي، شمس الدين (ت 490ه)، المبسوط، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1414ه/1993م، ج4، ص159.
([155]) انظر: أبو يحيى، علي عبد الله حسن، الاستئجار على فعل القربات الشرعية، عمان: دار النفائس، ط1، 1418ه/1997م، ص133.
([156]) انظر: المصدر السابق، ص133.
([157]) انظر: أحكام أموال أهل الحرب مفصلة في: الموسوعة الفقهية الكويتية، ج7، ص108 وما بعدها.
([158]) انظر: العيني، البناية، ج10، ص281.
([159]) انظر: أبو يحيى، الاستئجار على فعل القربات، ص133.
([160]) انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص366. الرحيباني، مطالب أولى النهي، ج3، ص641.
([161]) انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج2، ص366. ابن قدامة، المغني، ج5، ص332.
([162]) انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص14.
([163]) انظر: هامش رقم 11.