"تخصيص العموم بالسياق عند الأصوليين" وأثرها في الاستنباط الفقهي(*)
الدكتور محمد خالد منصور/ كلية الشريعة - الجامعة الأردنية
ملخص
يتناول البحث مُخصصاً من مخصصات العموم وهو السياق، وقد هدف البحث إلى بيان معنى هذا المخصص، وموقعه من المخصصات، مع تعميق البحث في تأصيله، وبيان أهميته، من خلال التتبع والاستقراء فيمن كتب في هذه المسألة، وقد خلص الباحث إلى أن تخصيص العموم بالسياق من المسائل المهمة التي تعصم المجتهد عن الخطأ في الاجتهاد، وتوصله إلى مقصود الشارع من شرع الحكم، وقد لفت البحث الأنظار إلى أهمية السياق وأنه لا يمكن إغفاله إبان النظر الاجتهادي الفقهي.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن من الموضوعات المهمة التي عني بها الأصوليون في كتبهم موضوعي العموم والخصوص، وقد أفرد لها الأصوليون أبواباً خاصة بها؛ وذلك لأهميتها وأثرها في التعامل مع نصوص الكتاب والسنة استنباطاً واجتهاداً وتنزيلاً وتطبيقاً.
وإن الناظر في مخصصات العموم يجد أن الأصوليين قد عنوا بها عناية فائقة، غير أن مخصصاً من هذه المخصصات لم ينل الدراسة الأصولية المستقلة والمؤصلة، وهو تخصيص العموم بالسياق، وقد وجد الباحث أن هذا المخصص من المسائل المهمة التي نصَّ عليها الأكابر من علماء الأصول كالإمام الشافعي والغزالي وابن دقيق العيد والزركشي والشوكاني وغيرهم.
وقد رغب الباحث إفراد هذه المسألة، وبيان أهميتها، وبيان علاقتها بمقاصد التشريع بالإضافة للعناية بالتأصيل المعمق لها.
الدراسات السابقة:
لم أجد من أفرد هذه المسألة بالبحث والتأصيل والتطبيق من المعاصرين إلا إشارة للدكتور محمد سليمان الأشقر في بحثه الموسوم بـ: "مشاركة المرأة في الولايات العامة والجزئية والمجالس النيابية ومجالس الشورى"، وقد نص الدكتور على كونها مسألة من المسائل التي لم يعن بها كثير من الأصوليين، وأن الإمام ابن دقيق العيد والزركشي قد عنوا بها عناية فائقة، وأحال بعدها إلى مصادر هذه المسألة، وذلك في إشارة سريعة، دون الدخول في أي تفصيل يتعلق بها، وقد نشأت فكرة البحث من عرض الدكتور الأشقر لأهمية المسألة في الاستنباط.
منهج البحث:
يقوم البحث على المنهج العلمي القائم على:
1.الاستقراء لكتب أصول الفقه، والفقه الإسلامي، وعلوم القرآن والتفسير؛ لجمع النصوص المتعلقة بمعنى السياق عند الأصوليين والفقهاء وعلماء البلاغة والتفسير للوصول لتحديد لمعنى السياق، والبحث الدقيق عن النصوص التي استخدم فيها العلماء هذا المصطلح.
2.التحليل الدقيق لهذه النصوص للتوصل لحقيقة السياق، والتوصل لكيفية تخصيص العموم بالسياق، مع تحليل نصوص الأصوليين لبيان أصل هذه المسألة.
3.الاستنتاج القائم على اختزال معاني النصوص للتوصل لبناء هذه المسألة معنى وتأصيلاً وأهمية.
4.عني الباحث بجانب تعميق معنى السياق، وبيان أهميته في بناء الحكم الشرعي عامة، واستعماله في تخصيص العموم خاصة.
5.عني الباحث بتتبع نشأة المسألة، تتبعاً يُظهر مجهود العلماء في تأطير المسألة والتأصيل لها نسبة للفضل لأهله، وبيان جذورها في المذاهب الأصولية والفقهية.
6.عني الباحث بتعميق معنى هذه المسألة من خلال النظر المقاصدي الذي يبين مدى أهمية إعمال هذه المسألة؛ ذلك أن النظر المقاصدي يعطي للفقيه القناعة الكاملة، والملكة الفقهية الواعية في التعامل مع خطاب الشارع، والمواءمة بين قصد الشارع، وتوافق فعل المكلف تبعاً له.
7.قام الباحث بعزو الآيات القرآنية إلى مواضعها من السور، وتخريج الأحاديث تخريجاً علمياً، مع الحكم على الحديث صحة وضعفاً.
خطة البحث:
يشتمل البحث على مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة، وذلك على النحو الآتي:
المبحث الأول: معنى مسألة: "تخصيص العموم بالسياق"، ونشأتها.
المبحث الثاني: التأصيل الشرعي لها، وأهميتها، وأدلة حجيتها، وعلاقتها بمقاصد الشريعة.
المبحث الثالث: التطبيقات الفقهية لهذه المسألة، وأثرها في الاستنباط الفقهي.
هذا، واللهَ أسالُ أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرا يوم يقوم الناس لرب العالمين، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول
معنى "تخصيص العموم بالسياق" عند الأصوليين ونشأتها
يكون البحث في المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: معنى تخصيص العموم بالسياق.
المطلب الثاني: نشأة المسألة.
وذلك كما يلي:
المطلب الأول: معنى تخصيص العموم بالسياق:
تعرف هذه المسألة باعتبارين:
الاعتبار الأول: المصطلحات التي تتألف منها المسألة.
الاعتبار الثاني: كونها علما يطلق على معنى كلي عام، وذلك في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول:
الاعتبار الأول: المصطلحات التي تتألف منها المسألة.
تتكون هذه المسألة من مجموعة من المصطلحات، وبيانها على النحو الآتي:
أولاً: تخصيص العموم:
البحث في هذا المصطلح يدعونا إلى بيان معنى العموم، والخصوص، ثم بيان معنى تخصيص العموم.
أما العموم عند الأصوليين: فهو "كل لفظ عم شيئين، فصاعداً مطلقاً"([1]).
والعموم هو: وجود لفظ يدل على استغراقه أفراداً بلا حصر([2])، وأن إخراج واحد من هذه الأفراد هو التخصيص، والمخرج هو المخصص.
وعرف الأصوليون الخاص بأنه: "اللفظ الدال على شيء بعينه، والتخصيص: بيان المراد باللفظ أو بيان أن بعض مدلول اللفظ غير مراد بالحكم"([3])، وجاء في نشر البنود: "التخصيص اصطلاحا هو قصر العام على بعض أفراده"([4]).
فتخصيص العام هو:"بيان ما لم يرد بلفظ العام"([5]).
ويقسم الأصوليون المخصصات إلى قسمين هما: المتصلة وهي: الاستثناء والشرط، والصفة، والغاية، وبدل البعض من الكل، والمنفصلة، وهي التخصيص بالحس، والعقل، والإجماع، والنص، والمعنى، وفعله صلى الله عليه وسلم، وتقريره صلى الله عليه وسلم، والعادة، والقياس، وقول الصحابي، ولا تخلو بعض هذه المخصصات سواء أكانت متصلة أم منفصلة من خلاف، وتفصيل ذلك ليس المجال يسمح به، والبحث التفصيلي متوافر في المصادر الأصولية لمن أراد الرجوع إليه([6]).
ولا بد هنا من بيان أن الإجماع منعقد على جواز تخصيص العموم من حيث الجملة، قال ابن قدامة: "لا نعلم اختلافا في جواز تخصيص العموم"([7])، والقاعدة العامة في جواز التخصيص: أنه لا يصح إلا بدليل صحيح([8])، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: "وقد تقرر في الأصول أنه لا يمكن تخصيص العام إلا بدليل يجب الرجوع إليه، سواء أكان من المخصصات المتصلة أم المنفصلة"([9]).
ومن هنا يجب العمل بالدليل المخصص - إذا صح - في صورة التخصيص وإهدار دلالة العام عليها، ولا يجوز والحالة هذه حمل اللفظ العام وإبقاؤه على عمومه، بل تبقى دلالة العام قاصرة على ما سوى صورة التخصيص([10]).
والمقصود بعد هذا العرض الموجز من تخصيص العام: هو إخراج أحد أفراد العام بالسياق، وسيأتي الآن البحث في معنى السياق الذي يراد أن يكون أحد المخصصات للعام.
ثانياً: السياق:
السياق لغة مأخوذ من أسوق الدابة سوقاً([11])، وسوق الحرب: حومة الحـرب، وتساوقـت الإبل: تـتابعت وتقاودت([12]).
وفي صفة مَشْيه صلى الله عليه وسلم "كان يَسُوق أصحابه"([13])، أي يُقَدّمهم أماَمَه ويمْشي خَلْفَهم تَواضُعاً ولا يدَع أحداً يمْشي خَلْفَه([14]).
والمُساَوَقة: المُتاَبَعة كأنَّ بعضَها يَسُوق بعضا. والأصلُ في تَساوق تَتساوَق: كأنها لضَعِفها وفَرْط هُزَالَها تتَخَاذَّل، ويتَخلَّف بعضها عن بعض، وفي الأثر: "وسَوَّاق يَسُوق بهنَّ"([15]): أي حادٍ يَحدُو بالإبل، فهو يسوقُهنّ بحُدائِه، وسَوَّاق الإبل يَقْدُمُها([16]).
مما سبق يمكن القول: بأن المعنى اللغوي للسياق يدور حول مصاحبة الشيء للشيء، دليلاً له، دليلاً عليه، ويلزم منه المتابعة، سواء أكان في الإبل يسوقها صاحبها فهو يصاحبها ويلازمها ويقودها ويتابعها، أم كان في معنى السوق الذي هو مكان التبايع بين الناس، فإنه المكان الذي يجتمع الناس فيه فيصاحب بعضهم بعضاً، ويتابع بعضهم بعضاً لتحقيق التبادل في البيع والشراء.
وأما العلاقة بين المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي للسياق؛ فإن السياق نظم الكلام الذي له مقصود متساوق ومتتابع، ومصاحب للنظم من أوله إلى آخره، ويدل أوله على آخره، وآخره على أوله، ومن هنا: فإن هذا النظم بكلماته المختلفة، وجمله المتعددة، يصاحب بعضها بعضاً، ويتابع بعضها بعضاً لتحقيق معنى هذا النظم ومقصوده، وهو المقصد الذي من أجله سيق هذا النظم.
فكأن السياق وحدة معنوية تسري من أول النظم إلى آخره لتحقيق معنى ما، أو مقصد ما، بحيث يدل هذا النظم عليه، يكون علامة مميزة لحمل الكلام في هذا النظم عليه، ويمنع من إرادة غيره، وهذا الذي سيكون البحث فيه مخصِصا من مخصصات العموم الوارد في النظم.
ثانياً: السياق اصطلاحاً:
عرف الدكتور عبد الرحمن بو درع السياق بقوله: " إطار عام تنتظم فيه عناصر النص ووحداته اللغوية، ومقياس تتصل بوساطته الجمل فيما بينها وتترابط، وبيئة لغوية وتداولية ترعى مجموع العناصر المعرفية التي يقدمها النص للقارئ"([17]).
من خلال التعريف السابق يمكن تعريف السياق الذي نحن بصدد تعريفه مخصصا من مخصصات العام بأنه: "قرينة حالية يدل عليها انتظام عناصر النص ووحداته اللغوية بتركيب يربط بين تلك العناصر بحيث لا يفهم معنى كلمة أو جملة إلا بوصلها بالتي قبلها أو بالتي بعدها" وقد ذهب الدكتور عبد الكريم حامدي في كتابه "ضوابط في فهم النص" إلى أن مقام الخطاب له نوعان هما: مقام المقال، وهو ما يحف الخطاب من القرائن اللفظية، أي ما يحيط بالنص من العناصر اللغوية البيانية والدلالية، ومقام الحال، وهو ما يحف الخطاب من القرائن الحالية التي تدل على المقصود منه، وهو ما يحيط الخطاب الشرعي من الظروف والسياقات التي رافقت وروده([18])، وهو المقصود بالسياق في باب العموم والخصوص.
ومن هنا فإن مقام المقال خاص بالفهم اللغوي والدلالي للنص، أي: فهم الظاهر منه، أما مقام الحال فإنه خاص بفهم المراد من النص والمقصد منه([19]).
وقد نص جماعة من أهل العلم على أن السياق هو مقام الحال أو هو قريب منه، قال الدكتور الحامدي: "ولزيادة البيان والإيضاح فإن مقام الحال هو ما عبر عنه بعض العلماء بقرينة السياق، وأكدوا مراعاتها أثناء البحث والنظر والاستدلال([20])"، ومنها مراعاتها عند تخصيص العام، فقد يكون قرينة لذلك([21]).
ومما يؤكد ما سبق، فقد قسم الإمام التلمساني عند ذكره للقرائن المرجحة لأحد الاحتمالين إلى:
1.قرائن لفظية: ومثل لها بقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) البقرة/228، وهو أن القرء إذا جمع على قروء فالمراد به الطهر لا الحيض، والقرينة اللفظية هنا: كون الأطهار مذكرة ، فيجب ذكر التاء في العدد المضاف إليها، فيقال: ثلاثة أطهار والحيض مؤنثة، فيجب حذف التاء من العدد المضاف إليها، فيقال: ثلاث حيض، وعليه فهذه القرينة اللفظية دلت على أن المراد هو الطهر، لا الحيض.
2.قرائن سياقية: وهي العلامة المستفادة من السياق الحالي، وهي قريبة جداً من القرائن الحالية، بل القرائن الحالية أحد أنواع القرائن السياقية، وهي كثيرة تدرك بالتأمل، ومثل له بقوله تعالى: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الأحزاب/50، وأن قرينة اختصاصها بالنبي صلى الله عليه وسلم دلت على ملك البضع من غير مهر، وأن انعقاد النكاح بلفظ الهبة لا يصح؛ لاختصاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم بقرينة السياق الدال على خلوص الأمر له صلى الله عليه وسلم.
3.القرينة الخارجية: وهي موافقة أحد المعنيين، لدليل منفصل من نص أو قياس أو عمل([22]).
هذا، وإن إيراد الإمام أنواع القرائن في باب ما يزيل الإجمال صنيع غاية في الدقة والفهم؛ لأن تخصيص العموم بالسياق إنما هو ترجيح أحد احتمالين، وهما: إجراء اللفظ على ظاهره، أو تخصيصه بقرينة الحال، وهو المعبر عنه في البحث بدلالة السياق.
قال ابن دقيق العيد: إن "كان يقتضي السياق وقرائن المقام التخصيص في السبب خص به العام إذ الواجب اعتبار ما دل عليه السياق والقرائن وإن لم يقتض المقام التخصيص فالواجب اعتبار العام"([23]).
فقوله: "السياق وقرائن المقام، يؤكد ما ذكرته سابقاً من أن السياق هو أحد أنواع القرائن الحالية، وهو ما صرح به بقوله: "قرائن المقام".
الفرع الثاني:
الاعتبار الثاني: كون المسألة علماً يطلق على معنى كلي عام.
أما تعريف مسألة تخصيص العموم بالسياق، فيحتاج أن يجمع الباحث معاني المصطلحات السابقة على نحو كلي، وبناء عليه: يمكن تعريف تخصيص العموم بالسياق بأنه: "إخراج بعض ما كان داخلا تحت العموم الوارد على صورة السبب بدليل خاص هو السياق، وهو مقام الحال أو القرينة الحالية".
والقرائن الحالية: وهو حال من الأحوال يستفاد من محل الحكم، وقد يكون الحال مُبيَّناً بسبب ورود الآية أو الحديث يخص به العموم، وذلك بالحديث الذي سيأتي بحثه: "ليس من البر الصيام في السفر" فإنه، وإن كان اللفظ عاما، ولكن قرينة الحال، وهي سبب ورود الحديث، وهو وجود رجل مسلم صام في السفر، وهو مريض غير قادر على الصيام، فقول النبي صلى الله عليه وسلم له هذا القول مخصوص بمن حاله كحاله، وإن كانت الألفاظ عامة، وهي ألفاظ: البر- الصيام- السفر، فكلها عمومات بالألف واللام التي لاستغراق الجنس، فتعم كل صيام وقع في أي سفر، فلا يعتبر براً مطلقاً، ولكنه خص بحال هذا كما تقدم.
أولاً: الفرق بين تخصيص العموم، والعام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، هناك ثلاثة أقسام للعام:
الأول: عام دلالته على العموم قطعية، بأن يقوم الدليل على انتفاء احتمال إرادة الخصوص، مثل قوله تعالى:(وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) هود/6.
الثاني: عام يراد به الخصوص قطعا لقيام الدليل على أن المراد بهذا العام بعض أفراده لا كلهم، مثل قوله تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران/97، فلفظ الناس عام، ولكن يراد به بعض المكلفين لا كلهم؛ لأن العقل يقضي بإخراج المجانين ونحوهم من عديمي الأهلية من واجب التكليف.
الثالث: عام مخصوص: وهو العام المطلق الذي لم تصحبه قرينة تنفي احتمال تخصيصه، ولا قرينة تنفي دلالته على العموم، مثل قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ) البقرة/228 ([24]).
والأصل أن العام المخصوص هو ما كان مستعملاً في كل أفراده، لكن عمومه مراد من جهة تناول اللفظ لجميع أفراده لا من جهة الحكم؛ لأن بعض الأفراد لا يشمله الحكم نظراً للمخصص([25]).
والذي يظهر: أن العام الذي أريد به الخصوص مجاز على كل تقدير، وأما العام المخصوص، فهو الذي لا تقوم قرينة عند تكلم المتكلم به على أنه أراد بعض أفراده فيبقى متناولاً لأفراده على العموم، وهو عند هذا التناول حقيقة، فإذا جاء المتكلم بما يدل على إخراج البعض منه فهو على خلاف عند الأصوليين هل هو حقيقة أم مجاز([26]).
أما بالنسبة لتخصيص العموم فإن إرادة العموم حاصلة ابتداءً باللفظ والمعنى، بخلاف العام الذي أريد به الخصوص فإن العموم غير مراد ابتداءً لفظاً ومعنىً.
وعليه: فإن المسألة محل البحث، أحد أنواع العموم المخصوص بالسياق.
هذا، وفي مسألتنا العموم مراد، والمجتهد يبحث عن القرائن الحالية لتخصيص هذا العموم المراد ابتداءً، والمجتهد حينما يحمل النص على الخصوص لمنع التعارض الظاهري بين النصوص، أو لعدم ترتب أثر لا يرضاه الشارع، وهو المآل غير المراد شرعا.
بخلاف قاعدة العام الذي أريد به الخصوص، فإن الشارع وإن كان أورده على صيغة عامة فإن الشارع نص على إرادة الخصوص ابتداءً.
ثانياً: الفرق بين معنى تخصيص العموم بالسياق، وقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب([27]).
اللفظ الوارد على سبب خاص، وهي مسألة أصولية مشتهرة تعني: هل اللفظ العام الوارد على سبب خاص، يعمم محل السبب وغيره، أو يختص بصورة السبب فقط؟([28]).
بادئ ذي بدء لا بد من القول بأن هذه المسألة هي أصل موضوع البحث، وعليها انبنت، ومنها تفرعت، وبيان ذلك أن هذه المسألة بحاجة لتحرير موضع النزاع([29])، وبيان الصور المتفق عليها والصور المختلف فيها، وحاصل الصور في المسألة ثلاثة، صورتان لا خلاف فيهما، وصورة فيها الخلاف.
أما الصورتان اللتان لا خلاف فيهما، فالأولى: أنه لا خلاف في اللفظ العام الوارد على سبب خاص، ودلت القرينة على إرادة العموم، وذلك كقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) المائدة/38، فإن سببها رجل سرق رداء صفوان بن أمية، فالإتيان بالسارقة معه قرينة دالة على التعميم، وأنه لم يرد السارق فقط، بل أراد كل سارقة أيضا.
وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء/58، نزل كما قال المفسرون في شأن مفتاح الكعبة لما أخذه علي رضي الله عنه من عثمان بن طلحة قهراً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ليصلي فيها، فصلى فيها ركعتين، وخرج فسأله العباس المفتاح ليضم له السدانة إلى السقاية، فنزلت الآية، فرده على عثمان بلطف بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك فتعجب عثمان من ذلك فقرأ له الآية، فجاء إلى النبي صلى الله عليه سلم فأسلم، فذكر الأمانات بالجمع قرينة على إرادة العموم([30]).
الصورة الثانية المتفق عليها: وهي المسألة محل البحث: وهي أنه لا خلاف في أن اللفظ العام الوارد على سبب خاص، ودلت قرينة على إرادة الخصوص، وعلى قصره عليه، وأنه مختص به، كقوله صلى الله عليه وسلم عند رؤية الرجل الذي ظلل عليه من شدة المرض والتعب: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)([31]) ، والمعنى: فيمن تضرر بالصوم([32]).
قال العطار: "حاصل ما ذكره - أي السبكي في جمع الجوامع - أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب سواء وجدت قرينة التعميم أو لا، نعم إن وجدت قرينة الخصوص، فهو المعتبر كالنهي عن قتل النساء؛ فإن سببه أنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة حربية في بعض مغازيه مقتولة، ذلك يدل على اختصاصه بالحربيات، فلا يتناول المرتدة، وإنما قتلت لخبر:"من بدل دينه فاقتلوه"([33]) ([34]).
وقد ذكر الإمام الزركشي أن محل الخلاف أن لا تظهر قرينة توجب قصره على السبب من العادة، ونحوها؛ فإن ظهرت وجب قصره بالاتفاق، قاله القاضي في التقريب وأبو الحسين في المعتمد، ونقله عن أبي عبد الله البصري، قال القاضي: وعند هذه القرينة لا خلاف في قصره على السبب؛ وإنما الخلاف حيث لم يعلم، قال: والطريق إلى هذه القرينة في كلام الله متعذر، ولا يعلم إلا من جهة الرسول، أنه مقصور على ما خرج عليه، وكذا قال ابن القشيري بعد أن صحح عموم اللفظ: هذا في المطلق الذي لا يتقدم خصوصه بدليل، فإن علم بقرينة حال إرادة الخصوص، مثل أن يقول: كلم زيداً، فيقول: والله لا تكلمت معه، فلا يحمل في مثل هذا على التعميم([35]).
وقد نقل الإمام الزركشي عن الإمام ابن دقيق العيد في شرح الإلمام والعنوان أنه قال: "محل الخلاف فيما لم يقتض السياق التخصيص به؛ فإن كان السؤال والجواب منشؤهما يقتضي ذلك فهو مقتض للتخصيص بلا نزاع؛ لأن السياق مبين للمجملات؛ مرجح لبعض المحتملات؛ مؤكد للواضحات، قال: فلينتبه لهذا ولا يغلط فيه، ويجب اعتبار ما دل عليه السياق والقرائن؛ لأنه بذلك يتبين مقصود الكلام"([36]).
فقوله: "ويجب اعتبار ما دل عليه السياق والقرائن؛ لأنه بذلك يتبين المقصود": يدل على أن السياق أحد أنواع القرائن وهي القرائن الحالية، أو مقام الحال كما تقدم، ويدل على أن المراد بالسياق القرينة الحالية، قوله: "لأنه بذلك يتبين المقصود" وهذا ما بينته سابقاً حيث قلت: إن مقام الحال خاص بفهم المراد من النص والمقصد منه، وهذا ما نص عليه الإمام بقوله: "يتبين المقصود".
وقد أشار الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إلى تحرير موضع النزاع في مسألة أن العام الوارد على سبب خاص له ثلاث حالات:
الأولى: أن يقترن بما يدل على العمـوم فيعـم إجماعا، كقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) المائدة/38؛ لأن سبب نزولها المخزومية التي قطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها، وإتيان لفظ السارق الذكر يدل على التعميم، وعلى القول بأنها نزلت في الرجل الذي سرق رداء صفوان بن أمية في المسجد فالإتيان بلفظ السارقة الأنثى دليل على التعميم أيضا.
الثانية: أن يقترن بما يدل على التخصيص فيخص إجماعا، كقوله تعالى: (خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الأحزاب/50.
الثالثة: ألا يقترن بدليل التعميم ولا التخصيص، وهي المسألة التي فيها خلاف عند الأصوليين([37]).
وأما الصورة التي هي محل خلاف فهي التخصيص بصور الأسباب التي ورد لأجلها العام، في حال عدم وجود القرينة الدالة على إرادة الخصوص بالسبب، أو القرينة الدالة على إرادة التعميم، فهل يختص بالسبب، أو يبقى عاماً للفظه العام؟ فاللفظ يتناولها يقيناً، ويتناول غيرها ظناً([38]).
جاء في حاشية العطار: "وهل يجري فيه الخلاف أو يقطع بالتعميم للقرينة، قال الزركشي: إن محل الخلاف حيث لا قرينة تدل على قصره على السبب أو تعممه([39]).
لا خلاف في أنه بيان الواقعة، وأنه داخل تحت حكم عموم اللفظ، وإنما الخلاف هل هو بيان لها خاصة أو لها ولغيرها، فإن الاعتبار فيما ورد على سبب خاص بعمومه - أي عموم لفظه - عند جمهور الأصوليين وهو المشهور عن مالك والشافعي وأحمد وأكثر أصحابهم، وعند أكثر الحنفية، وهو قول إمام الحرمين والآمدي والرازي وابن الحاجب والبيضاوي وابن الحاجب والفخر الرازي([40])، خلافا لقول أثر عن مالك ذكره الأبهري([41])، والتحقيق عن مالك أنه يوافق الجمهور([42])، وبعض الشافعية، وذلك أن بعض الحوادث كالظهار الذي نزل حكمه في سبب خاص وهو أوس بن الصامت، واللعان الوارد في شأن خاص، وهو هلال بن أمية، فهل يخص الحكم ويقتصر على من نزلت فيه، أو أنه يعم حكمها، ويعتبر من نزل فيه هذا الحكم سبباً يعم غيره([43]).
فالحاصل أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فالنصوص العامة الواردة على أسباب خاصة تكون أحكامها عامة.
والذي يظهر أن رأي جمهور الأصوليين([44]) بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هو الراجح للأدلة الآتية:
1.لأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب الأنصاري الذي قَبَّل الأجنبية، ونزلت فيه: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) هود/114، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إلي هذا وحدي يا رسول الله، ومعنى ذلك هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها؟ فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن العبرة بعموم لفظ: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) لا بخصوص السبب حيث قال له: (لجميع أمتي كلهم)([45])، وهو نص نبوي في محل النزاع([46]).
2.لأن الحجة في لفظ الشارع لا في سببه، وأن أكثر أحكام الشرع العامة وردت لأسباب خاصة([47]).
3.لأن عدول الشارع عما اقتضاه حال السبب الذي ورد العام عليه عند ذكره بخصوصه إلى العموم دليل على إرادته؛ لأن الحجة في اللفظ، وهو مقتضى العموم، والسبب لا يصلح معارضاً؛ لجواز أن يكون المقصود عند ورود السبب بيان القاعدة العامة لهذه الصورة وغيرها([48]).
4.أن الصحابة ومن بعدهم استدلوا على التعميم مع السبب الخاص، ولم ينكر، فكان إجماعاً منهم على ذلك، كآية اللعان نزلت في هلال بن أمية، وآية الظهار نزلت في أوس ابن الصامت([49]).
هذا، وإن عامة الأصوليين قديماً وحديثاً على إعمال رأي جمهور الأصوليين في أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، وهو الرأي الذي استقر عليه المحققون في هذه المسألة الخلافية([50]).
والذي عليه جمهور الأصوليين أن صورة السبب قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص، وهو التحقيق عندهم، وروي عن مالك أنها ظنية الدخول كغيرها من أفراد العام([51]).
وعليه: فإن الفرق بين تخصيص العموم بالسياق، وقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أن تخصيص العموم بالسياق يعني: أن اللفظ ورد عاماً، وجاءت قرينة حالية خصصت هذا العموم، وهي المعبر عنها بالسياق.
بخلاف معنى القاعدة، فإن السبب الوارد خاص، فعمم الشارع حكمه بلفظه بقطع النظر عن السبب الذي شرع الحكم به، إرادة لتعميم الشارع حكم من نزل الحكم به إلى غيره.
وهنا لا بد من التنبيه لأمر مهم، وهو الفرق بين التخصيص بالقرائن الذي هو المسألة محل البحث، وبين التخصيص بالسبب؛ فإنه لا يشتبه التخصيص بالقرائن بالتخصيص بالسبب، كما اشتبه على كثير من الأصوليين؛ فإن التخصيص بالسبب غير مختار؛ فإن السبب وإن كان خاصاً فلا يمتنع أن يورد لفظاً عاماً يتناوله وغيره، كما تقدم في قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) المائدة/38 ، ولا ينهض السبب بمجرده قرينة لرفع هذا، بخلاف السياق فإنه به يقع التبيين والتعيين، أما التبيين ففي المجملات، وأما التعيين ففي المحتملات، والمجتهد يعتبر هذا بألفاظ الكتاب والسنة والمحاورات، مما تجده عند تدقيق النظر([52]).
ومن هذا التبيين تخصيص العام.
فالمعنى الإجمالي للمسألة محل البحث: أنه إذا ورد لفظ عام يفيد التعميم، ووردت قرينة حالية في نظم الكلام تفيد التخصيص، فإن هذا السياق يكون أحد مخصصات هذا العموم، ويُحمل هذا النص على الخصوص المستفاد من دلالة السياق، ويكون عموماً مخصوصاً.
المطلب الثاني: نشأة هذه المسألة
يلزم في هذا المطلب تتبع نشأة هذه المسألة، واستعمالها، وذلك على النحو الآتي:
أولاً: إعمال معنى هذه المسألة تطبيقاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بذلك الرجل الذي صام وهو مريض، فقال صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)([53])، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرد عموم اللفظ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أفطر في السفر، ولم يعب المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما عمم اللفظ خصّ حال الرجل الذي تضرر بالصوم في السفر.
ثانياً: يبدو أن أول من نص على تخصيص العموم بالسياق هو الإمام الشافعي في الرسالة، وذلك بقوله: "باب الصنف الذي يُبين سياقه معناه": قال الله تبارك وتعالى: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) الأعراف/163، قال: فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر، فلما قال: (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) دلّ على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا تكون عادية، ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره، وإنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون.
وقال: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ) الأنبياء/11-12.
وهذه الآية في مثل معنى الآية التي قبلها، فذكر قصم القرية، فلما ذكر أنها ظالمة بان للسامع أن الظالم إنما هم أهلها دون منازلها التي لا تظلم، ولما ذكر القوم المنشئين بعدها، وذكر إحساسهم البأس عند القصم: أحاط العلم أنه إنما أحس البأس من يعرف البأس من الآدميين"([54]).
هذا النص القيم في الرسالة يمكن تحليله على نحو يُبين أن أول نص على هذه المسألة تدويناً هو الإمام الشافعي، فإن العنوان الذي أورده هو باب الصنف الذي يُبين سياقه معناه، أي الصنف من العمومات التي يخص بالسياق، وقد عبر بقوله يُبين سياقه معناه أي أن معنى العموم يَبين عن طريق السياق.
والذي يدل على أنه أراد بالصنف النص العام من القرآن ما أورده قبله من الأبواب التالية:
أ.باب بيان ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام، ويدخله الخصوص([55]).
ب.باب ما نزل من الكتاب عامَّ الظاهر، وهو يجمع العام والخصوص([56]).
ج.باب بيان ما نزل من الكتاب عامَّ الظاهر، يراد به كله الخاص([57]).
ثم أورد الباب محل البحث فدل على أنه أراد الصنف أي العام الذي يُبين معناه - وهو الخصوص- سياقه، أي القرائن الحالية.
وبتحليل ما أورد الإمام الشافعي تحت هذا الباب نجد أن ما ذكره هو عام مخصوص بدلالة السياق، ففي الآية الأولى ذكر القرية، والألف واللام تفيد استغراق الجنس، وهو القرية كلها بجدرانها وحجرها وآدميها، ثم جاءت القرائن اللفظية التي دل عليها السياق لتخص بالقرية أهلها، وهذه القرائن اللفظية هي: قوله سبحانه: (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت) دل على أنه إنما أراد أهل القرية؛ لأن القرية لا تكون عادية، ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره.
ودل على أنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون، والابتلاء لا يكون إلا للآدميين، فدل على أن لفظ القرية عام مخصوص بأهلها بدليل السياق، وهو القرينة اللفظية الواردة في الآية الكريمة.
وكذلك الحال بالنسبة للآية الثانية فإن القرية لفظ جاء عاماً فخص بالسياق بالآدميين بقرينة لفظية دلت على الحال وهي: ذكر أنها ظالمة بان للسامع أن الظالم إنما هم أهلها دون منازلها التي لا تظلم، ولما ذكر القوم المنشئين بعدها، وذكر إحساسهم البأس عند القصم: أحاط العلم أنه إنما أحس البأس من يعرف البأس من الآدميين.
فدل هذان المثالان على أن الإمام الشافعي نص على معنى هذه المسألة، وبنص مقارب لما استقرت عليه بعده عند الأصوليين، ناصاً على أن السياق هو الذي يُبين المعنى أي: يخص العموم.
وقد بين أن هذا الصنف الذي ذكره الإمام الشافعي هو العام الذي يخص بالسياق أي القرائن ودلائل الحال قول الشيخ أبي زهرة: "بعد هذه التقدمة نتجه إلى ما قاله الشافعي في الألفاظ العامة الواردة في القرآن، إنه يقسمها ثلاثة أقسام: عام ظاهر يراد به العام الظاهر أي: يراد به كل ما دخل في مفهومه من السياق، وعام ظاهر يراد به العام، ويدخله الخصوص، وعام ظاهر يراد به الخاص، وهكذا ينتهي استقراء الشافعي للعام الوارد في القرآن الكريم إلى ضبطه في هذه الأقسام الثلاثة، فلا يلزم من كون الصيغة لفظها عام بمفهومه الاستعمالي في اللغة أن يكون العموم هو المراد منها، والسياق وقرائن الأحوال ترشد إلى المقصود المراد، ولئن لم يوجد سياق مخصص، ولا قرينة حال ولا سنة مخصصة، ففي هذه الحال يكون الاستعمال اللغوي هو المتعين، وهو أن يجري اللفظ على مقتضى دلالته..." ([58]).
فقوله: "عام ظاهر يراد به العام الظاهر أي: يراد به كل ما دخل في معناه من السياق" يدل على معنى المسألة محل البحث، والسياق هنا هو القرينة كما نص على ذلك الإمام الشافعي بقوله: "سياقه يُبين معناه"، ثم يؤكده أبو زهرة بقوله: "والسياق وقرائن الأحوال ترشد إلى المقصود المراد، ولئن لم يوجد سياق مخصص، ولا قرينة حال ولا سنة مخصصة، ففي هذه الحال يكون الاستعمال اللغوي هو المتعين، وهو أن يجري اللفظ على مقتضى دلالته..." وهذا كلام صريح في فهم معنى السياق كونه القرائن الحالية التي تخصص العام، وإلا جرى على مقتضى الدلالة اللغوية الوضعية، وهي مقام المقال.
ثالثاً: الذين نصوا على المسألة بعد الإمام الشافعي إلى الإمام الشوكاني: يبدو أن قليلا من الأصوليين من نص على هذه المسألة بعد الإمام الشافعي- رحمه الله - فمن خلال استقراء كتب الأصوليين ظهر أن الأصوليين الذين نصوا على معنى المسألة وأشاروا إليهم - على الترتيب الزمني -:
أ. الإمام الغزالي (ت 505ﻫ): أشار الإمام الغزالي إلى معنى المسألة عند ذكره المسألة التالية: "ورود العام على سبب خاص لا يسقط دعوى العموم، كقوله صلى الله عليه وسلم حيث مرّ بشاة ميمونة: (أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)([59])، وقال قوم: يسقط عمومه، وهو خطأ، نعم يصير احتمال التخصيص أقرب، ويقنع فيه بدليل أخف وأضعف، وقد يُعرف بقرينة اختصاصه بالواقعة، كما إذا قيل: كلم فلانا في واقعة، فقال: والله لا أكلمه أبداً، فإنه يفهم بالقرينة أنه يريد ترك الكلام في تلك الواقعة لا على الإطلاق، والدليل على بقاء العموم أن الحجة في لفظ الشارع لا في السؤال والسبب..." ([60]).
يظهر من خلال تحليل النص السابق أن الإمام الغزالي يجري المسألة على ظاهرها بأن اللفظ العام إذا ورد على سبب خاص؛ فإن العبرة بلفظ الشارع، وهو إرادته العموم، وخطأ القول القائل: بأن عموم اللفظ يسقط بوروده على سبب خاص، ولكنه أشار إلى أن ورود العام على سبب خاص يكون معه احتمال للتخصيص، وأنه أقرب للتخصيص، ويقنع بدليل أخف وأضعف.
ثم نص بعد ذلك على حالة خاصة يخص بها عموم اللفظ، وهي وجود قرينة حالية تدل على اختصاص السبب بالحكم دون عموم اللفظ، وهذه القرينة هي التي عبر عنها الباحث في معنى المسألة أصل البحث بالسياق، وقلنا : بأن السياق هو القـرائن الحالية التي يخص معها العموم.
والمثال الذي ذكره الإمام الغزالي يدل على أن القرينة التي ساقها وخص بها العموم فيها هي قرينة حالية؛ لأنه قال: "فإنه يفهم بالقرينة أنه يريد ترك الكلام في تلك الواقعة لا على الإطلاق".
وجريان اللفظ على عمومه مؤذن باضطراب، ومخالفة لمقصود المتكلم من كلامه، وهو غير مراد، فتعين القول بتخصيص العموم بالسياق، وهو القرينة الحالية هنا، حفظا للكلام من الاضطراب، والأحكام من التناقض.
ب. الإمام ابن دقيق العيد (ت 702ﻫ):
ذكر الإمام ابن دقيق العيد هذه المسألة ونبه عليها، وأنها من أهم قواعد الأصول التي يغفل عنها كثير من الدارسين في أصول الفقه، وقد أشار الإمام إلى هذه المسألة في كتابه إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي، وكان تعليقه على المسألة عند الشرح التفصيلي للأحاديث الواردة في متن العمدة، ومن خلال التطبيق العملي لمعنى المسألة على شرح الأحاديث النبوية، ونقل الإمام الزركشي تصريحات في مواضع عدة، وإلماحات تدل على أن الإمام ابن دقيق العيد من أوائل الذين صرحوا بالمسألة، وسيأتي استعراض بعض أقوال الإمام في المسألة وأهميتها وتطبيقاتها.
بل قد نقل الإمام الزركشي عن الشيخ تقي الدين في شرح الإلمام التصريح بالمسألة وأهميتها: "نص بعض أكابر الأصوليين على أن العموم يخص بالقرائن، ويشهد له مخاطبات الناس بعضهم بعضا، حيث يقطعون في بعض المخاطبات بعدم العموم بناء على القرينة، والشرع يخاطب الناس بحسب تعارفهم"([61]).
فقوله: "أن العموم يخص بالقرائن، وفسرها بمخاطبة الناس بعضهم بعضا، حيث يقطعون..." نص واضح أن القرائن التي يخص بها العموم هو عينه السياق الذي هو القرائن الحالية.
ج.الإمام الزركشي (ت 794ﻫ):
صرح الإمام الزركشي في البحر بصيغة المسألة بقوله: "هل يترك العموم لأجل السياق؟ ونص على أنه يخرج من كلام الشافعي - رحمه الله تعالى - في هذه المسألة قولان؛ فإنه تردد قوله في الأَمَة الحامل إذا طلقها بائناً: هل تجب لها النفقة أو لا؟ على قولين: أحدهما: نعم لعموم قوله تعالى: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ) الطلاق/6، الثاني: لا؛ لأن السياق يشعر بإرادة الحرائر؛ لقوله تعالى: (فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق/6، فضرب أجلاً تعود فيه المرأة بعد مضيه إلى الاستقلال بنفسها، والأَمَة لا تستقل([62]).
وذكر الإمام الزركشي عن الإمام الصيرفي إطلاق القول في جواز التخصيص بالسياق، وكلام الإمام الشافعي يقتضيه، بل بوب له باباً كما تقدم معنا في البحث، فقال: باب الذي يُبين سياقه معناه، وذكر قوله تعالى: (واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ) الأعراف/163، فإن السياق أرشد إلى أن المراد أهلها، وهو قوله تعالى: (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) الأعراف/163([63]).
د. الإمام الشوكاني (ت 1255ﻫ):
أفرد الإمام الشوكاني لقاعدة تخصيص العموم بالسياق مسألة خاصة قال: "المسألة الثامنة والعشرون: في التخصيص بالسياق، وذكر ما ذكره الإمام الزركشي في البحر المحيط مختصراً، من تردد قول الإمام الشافعي فيه، وإطلاق الصيرفي الجواز فيه، وحيث إن الإمام الزركشي ذكر في فصل عنون له: بالقرائن التي يُظن أنها تخص لفظ العموم، وهذا العنوان منه موهم بتضعيف التخصيص بالقرائن التي تحتف بالسياق([64])، وأنه لا بد من كون القرائن المحتفة بالسياق وهي القرائن الحالية أن تكون قوية، وهو قيد مهم فيها، أضافه الإمام الشوكاني تحقيقاً لبحث الإمام الزركشي([65]).
رابعاً: الذين نصوا على المسألة من المعاصرين:
لم أجد من المعاصرين من نص عـلى قاعدة تخصيص العموم بالسياق عند الأصوليين إلا الدكتور محمد سليمان الأشقر في بحثه الموسوم بـ: "مشاركة النساء في الولايات العامة والجزئية والمجالس النيابية ومجالس الشورى"، وقد نص على تسميتها قاعدة فقال: "قاعدة تخصيص العموم بالسياق، وكون السياق أحد مخصصات العموم لم يذكره أكثر الأصوليين، بل غفلوا عنه، وتنبه إليه كبير المحققين في علم أصول الفقه الإمام الشيخ ابن دقيق العيد القوصي، وقوص من صعيد مصر، وله كتاب سماه: "الإمام في شرح الإلمام"، والإلمام هو كتاب مختصر في أحاديث الأحكام، جمعه ابن دقيق العيد نفسه، وهو مطبوع، وأما شرحه، وهو الإمام فإنه ما يزال مخطوطا"، ثم ذكر الدكتور محمد سليمان الأشقر أن ابن دقيق العيد قد ذكر هذه المسألة في كتابه الآخر المسمى: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام"، وسيأتي كلام ابن دقيق العيد في التعليق على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)([66])، وقوله صلى الله عليه وسلم: (الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)([67]) في موضعه من التطبيقات([68]).
وقد أورد الدكتور هذه المسألة للرد على من استدل بعموم قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء) النساء/34 على منع المرأة من تولي الولايات العامة والجزئية؛ حيث قال: "فإن السياق وارد في شؤون البيت والأسرة خاصة، فليس اللفظ باقياً على عمومه، حتى يظن أنه في الأمور كلها ليشمل الولايات العامة"([69]).
من خلال عرض نشأة المسألة يمكن للباحث القول بأن أصل هذه المسألة نشأ تطبيقاً من النبي صلى الله عليه وسلم وتدويناً عند الإمام الشافعي، ويبدو أن فكرة هذه المسألة تبلورت عند فقهاء الشافعية بدءاً بالإمام الغزالي تعريضاً، ثم الإمام ابن دقيق العيد تأصيلاً وتفريعاً وبياناً لأهميتها، ثم الإمام الزركشي تصريحاً، ثم أخذ عنه الإمام الشوكاني نقلاً، وهذا الكلام لا يمنع أن بقية المذاهب قد عملت بمعنى المسألة، كما يتضح ذلك لمن اطلع على تطبيقات المسألة عند الحنفـية([70])، والمالكية والحنابلة وغيرهم.
ومن هنا فيمكن للباحث القول بأن تخصيص العموم بالسياق مسألة عني بها فقهاء الشافعية أكثر من غيرهم، وهذا لا يمنع كون بقية المذاهب تأخذ بها عملاً، وإن لم ينصّوا عليها في مباحث العام والخاص.
المبحث الثاني
أهمية المسألة، وعلاقتها بمقاصد الشريعة
البحث هنا يكون في المطالب التالية:
المطلب الأول: أهمية المسألة
تظهر أهمية هذه المسألة في الجوانب التالية:
أولاً: تعتبر دلالة السياق نوعاً من أنواع الاستدلال، ودليلاً من أدلة الاستنباط، ولذلك يقرر الإمام الزركشي أن دلالة السياق مما اتفق عليه في مجاري كلام الله تعالى، وينقل الاتفاق على الاحتجاج بها عن بعض الأصوليين([71]). ويبين ابن عبد السلام أهمية دلالة السياق في الاحتجاج إذ يقول: "والسياق يرشد إلى تبيين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق المدح كانت مدحاً، وإن كانت ذماً بالوضع، وكل صفة وقعت في سياق الذم كانت ذماً، وإن كانت مدحاً بالوضع([72]).
ومن تبيين المجملات، وترجيح المحتملات تخصيص العموم بالسياق.
ثانياً: يعتبر السياق الوارد في نص الكتاب والسنة دلالة مهمة في تحديد المراد منه، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي: "...وكالأمر يدخله معنى الإباحة والتهديد والتعجيز وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمور الخارجة، وعمدتها مقتضيات الأحوال، وليس كل حال يُنقل ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة فات فهم الكلام جملة؛ أو فهم شيء منه، ومعرفة الأسباب رافعة لكل مشكل في هذا النمـط ؛ فهي مـن المهمات في فهم الكتاب بلا بد"([73]).
ثالثاً: تعتبر دلالة السياق من الضرورات المهمة لفهم الخطاب الشرعي، وبدونه يقع الاضطراب في فهم ألفاظ الشارع الحكيم، ومن أهمها دلالة العموم وأثر السياق في تخصيصه، أي القرائن الحالية التي بها يخص العام، وفي ذلك يقول الإمام الزركشي في البرهان: "دلالة السياق فإنها ترشد إلى تبيين المجمل والقطع بعدم احتمال غير المراد، وتخصيص العام، وتقييد المطلق، وتنوع الدلالة، وهو من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم، فمن أهمله غلط في نظيره، وغلط في مناظراته، وانظر في قوله تعالى: (ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) الدخان/49، كيف يدل سياقه يدل على أنه الذليل الحقير"([74]).
ويقول الإمام عبد العزيز السلمي في بيان أهمية السياق: "السياق مرشد إلى تبين المجملات، وترجيح المحتملات، وتقرير الواضحات، وكل ذلك بعرف الاستعمال، فكل صفة وقعت في سياق المدح، كانت مدحاً، وكل صفة وقعت في سياق الذم، كانت ذماً، فما كان مدحاً بالوضع فوقع في سياق الذم صار ذماً واستهزاءً وتهكماً بعرف الاستعمال، ...وكذلك قول قوم شعيب: (إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) هود/87: أي السفيه الجاهل لوقوعه في سياق الإنكار عليه... ويحمل كل سياق على ما يليق به"([75]).
وفي ذلك يؤكد ابن تيمية بقوله: "ومن لم يُحط علماً بأسباب نزول الكتاب والسنة عظم خطؤه كما قد وقع لكثير من المتفقهين والأصوليين والمفسرين والصوفية، ولهذا كان من أصلنا الرجوع إلى سبب اليمين وما هيجها قبل الرجوع إلى الوضع - أي اللغة -، فجهات معرفة مراد المتكلم ثلاثة في كلام الشارع، وكلام العباد من حالف وغيره:
1- العلم بقصده من دليل منفصل كتفسير السنة للكتاب وتخصيص العموم وقول الحالف أردت كذا.
2- سبب الكلام وحال المتكلم.
3- وضع اللفظ مفردة ومركبة، ويدخل فيه القرائن اللفظية"([76]).
وواضح أن قول ابن تيمية: "سبب الكلام وحال المتكلم" هو دلالة السياق الذي نحن بصدده في هذه المسألة، والتي عبر عنها من قبل بالقرينة الحالية.
المطلب الثاني: علاقة المسألة بمقاصد الشريعة
لتطبيق المسألة أثر بيِّن واضح في تثبيت مقاصد الشريعة الكلية عموماً، الضروريات والحاجيات والتحسينيات، والعمل بنطاق يؤدي إلى تنمية هذه المقاصد في جانب الإيجاد والعمل على أن تجري الأحكام على سنن مطرد، وإليك بعض الجوانب التفصيلية التي تؤكد تحقيق معنى هذه المسألة لمقاصد الشريعة الكلية والجزئية، والطرائق الموصلة لتحقيق مقصد الشارع من شرع الحكم لا سيما أن هذه المسألة قاعدة أصولية لها أثر في الاستنباط واستخراج الحكم الشرعي؛ لأن سلامة الاستنباط عن طريق هذه المسألة يسدد عمل المجتهد، ويجعله يسير وفق خطة تشريعية منضبطة([77]):
أولاً: إن من أنواع المقاصد بيان قصد الشارع في وضع الشريعة للإفهام، فمن أراد تفهم القرآن الكريم، فمن جهة لسان العرب، ولا سبيل إلى تفهمه من غير هذه الجهة([78])، ودلالة السياق أحد تلكم الجهات التي من خلالها يُفهم كلام الشارع، فكان إعمال هذه الدلالة طريقاً لتحقيق مقصود الشارع من إنزال القرآن للإفهام، وتخصيص العموم بالسياق محققاً لهذا التفهم المقصود، ومحققاً لغرض الشارع من إنزال القرآن بلغة عربية، بل يُعتبر السياق من القضايا اللغوية الدقيقة التي تتطلب سبراً لغور النظم، وربطه بقرائن لفظية أو حالية توجه السياق نحو مقصود صحيح، وهو غاية المسألة محل البحث.
ثانياً: إن من القواعد الشرعية المقاصدية أن قصد الشارع بوضع الشريعة أن يكون قصد المكلف فيها موافقاً لمقصود الشارع، وكل ما يخالف قصد الشارع، فهو باطل([79])، وبعبارة أخرى فإن قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصده في التشريع([80])، وكذلك الحال بالنسبة لتخصيص العموم بالسياق فإن العمل بهذا التخصيص عمل بمراد الشارع ومقصوده، وإهمال العمل بدلالة السياق في تخصيص العام ترك لإرادة الشارع ومقصوده، وهو باطل إذا.
ثالثاً: إن العموم الذي تدل عليه الصيغ بحسب الوضع له جهتان:
الجهة الأولى: باعتبار ما تدل عليه الصيغة في أصل وضعها على الإطلاق، وإلى هذه الجهة قصد الأصوليون؛ فلذلك يقع التخصيص عندهم بالعقل والحس وسائر المخصصات المنفصلة.
الجهة الثانية: بحسب المقاصد الاستعمالية التي تقضي العوائد بالقصد إليها؛ وإن كان أصل الوضع على خلاف ذلك، وهذا الاعتبار استعمالي، والأول قياسي، والمسألة في الأصول العربية أن الأصل الاستعمالي إذا عارض الأصل القياسي، كان الحكم للاستعمالي.
وبيان ذلك هنا أن العرب تطلق ألفاظ العموم بحسب ما قصدت تعميمه؛ مما يدل عليه معنى الكلام خاصة، دون ما تدل عليه هذه الألفاظ بحسب الوضع الإفرادي؛ كما أنها تطلقها وتقصد بها تعميم ما تدل عليه في أصل الوضع، وكل ذلك مما يدل عليه مقتضى الحال؛ فإن المتكلم قد يأتي بلفظ عموم مما يشمل بحسب الوضع نفسه وغيره، وهو لا يريد نفسه، ولا يريد أنه داخل في مقتضى العموم، وكذلك قد يقصد بالعموم صنفاً مما يصلح اللفظ له في أصل الوضع دون غيره من الأصناف... والحاصل أن العموم إنما يعتبر بالاستعمال، ووجوه الاستعمال كثيرة؛ ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان؛ فإن قوله تعالى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) الأحقاف/25، لم يقصد به السموات والأرض والجبال، ولا المياه ولا غيرها مما هو في معناها؛ وإنما المقصود تدمر كل شيء مرت عليه مما شأنها أن تُؤثر فيه على الجملة"([81]).
يتضح من كلام الإمام الشاطبي أن للعموم جهتين جهة وضع وهي دلالته على الاستغراق بلا حصر لأفراد اللفظ، وجهة استعمال اللفظ العام استعمالاً يُخرجه من كونه عاماً مستغرقاً لأفراده بلا حصر إلى كونه مخصوصاً بالاستعمال لكون العرب تطلق اللفظ العام بحسب ما قصدت تعميمه، مما يدل عليه الكلام خاصة دون ما تدل عليه الألفاظ في الوضع الإفرادي، وقد علل الإمام الشاطبي ذلك بكونه على حسب مقتضى الحال، ونص بكلام صريح بعدها أن ضابط ذلك مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان، وعلق الشيخ دراز على قوله مقتضيات الأحوال فقال: "وهل مقتضيات الأحوال سوى القرائن التي يدركها العقل والحس"([82])، وفي موضع آخر يقول عند التعليق على قول الإمام الشاطبي: "إلا مع الجمود على مجرد اللفظ، وأما المعنى فيبعد أن يكون مقصوداً للمتكلم": أي باعتبار أصل الوضع، أما مع مراعاة المعنى والقرائن ومقتضى الحال فما لا يخطر بالبال - أي عند الخطاب لا يصح أن يكون داخلا؛ فلا يحتاج إلى إخراج؛ لأنه لم يُقصد ابتداءً، بخلاف ما دلت عليه القرائن فإنه يصلح أن يخصص به العام([83]).
وهذا الكلام الذي ذكره الشاطبي توصيف دقيق لمقتضى قاعدة تخصيص العموم بالسياق فإن دلالة السياق في المسألة هي القرائن الحالية التي عن طريقها يحصل التخصيص للعام، والتخصيص بالسياق اعتبار الجهة الاستعمالية التي نص عليها الشاطبي، ويبدو أن معنى المسألة مستقر عند الأصوليين كما تقدم، وأنه لا خلاف في مقتضاها عند التطبيق، والدليل على ذلك اتفاقهم على العمل بها.
بل قد عنون الشيخ دراز لهذه المسألة بعنوان يدل على دقة العمل بهذه المسألة وهو قوله: "العموم إما في المعنى الوضعي، وإما في المعنى المراد بحسب السياق".
ويزيد الإمام الشاطبي الأمر وضوحاً حينما يستشكل فيقول: "فإن قيل: إذا ثبت أن اللفظ العام ينطلق على جميع ما وضع له في الأصل حالة الإفراد؛ فإذا حصل التركيب والاستعمال فإما أن تبقى دلالته على ما كانت عليه حالة الإفراد، أو لا. فإن كان الأول، فهو مقتضى وضع اللفظ، فلا إشكال، وإن كان الثاني فهو تخصيص للفظ العام، وكل تخصيص لا بد له من مخصص عقلي أو نقلي أو غيرهما، وهو مراد الأصوليين"([84]).
ويُبّين الإمام الشاطبي أيضاً: "أن الفهم في عموم الاستعمال متوقف على فهم المقاصد فيه، وللشريعة بهذا النظر مقصدان: أحدهما: المقصد الاستعمالي العربي الذي أنزل القرآن بحسبه، والثاني: المقصد في الاستعمال الشرعي الذي تقرر في سور القرآن بحسب تقرير قواعد الشريعة... وهذا الوضع وإن كان قد جيء به مضمناً في الكلام العربي فله مقاصد تختص به، يدل عليها المساق الحكمي أيضاً، وهذا المساق يختص بمعرفته العارفون بمقاصد الشارع، كما أن الأول يختص بمعرفته العارفون بمقاصد العرب..."([85]).
ويقول الإمام الشاطبي أيضاً في أثر السياق على فهم الخطاب، وتحديد المراد منه، ومنه تخصيص العام: "إن المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات والنوازل... فالذي يكون على بال من المستمع والمتفهم هو الالتفات إلى أول الكلام وآخره، بحسب القضية وما اقتضاه الحال فيها، لا ينظر في أولها دون آخرها، ولا في آخرها دون أولها؛ فإن القضية وإن اشتملت على جمل فبعضها متعلق بالبعض الآخر، ولأنها قضية واحدة نازلة على شيء واحد؛ فلا محيص للمتفهم عن رد آخر الكلام إلى أوله، وأوله إلى آخره، وإذ ذاك يحصل مقصود الشارع، في فهم المكلف؛ فإن فرق النظر في أجزائه فلا يتوصل إلى مراده؛ فلا يصح الاقتصار في النظـر في فهم الظـاهر بحسب اللسـان العربي، وما يقتضيه، لا بحسب مقصود المتكلم"([86]).
وجاء في إجابة السائل: "بأن قرائن السياق والمقام تحصل غرض المتكلم ومع القرائن تذهب المفسدة"([87]).
إن الكلام السابق يُظهر لنا ضابطاً مهما من ضوابط فهم النص، لا سيما النص العام، وذلك بتخصيصه بالسياق، الذي هو مقام من مقامات الخطاب الشرعي، وهو بالضرورة مرتبط بالقرائن الحالية المستفادة من السياق لتخصيص العام، وعليه، فيتنوع مقام الخطاب الشرعي حينئذ مقام مقال، ومقام حال، ومقام الحال هو السياق، وإليه أشار الشاطبي بقوله: "يُفهم من الأوامر والنواهي قصد شرعي بحسب الاستقراء، وما يقترن بها من القرائن الحالية أو المقالية الدالة على أعيان المصالح في المأمورات، والمفاسد في المنهيات"([88]).
المبحث الثالث
التطبيقات الفقهية للمسألة
سيقوم الباحث بعرض جملة من التطبيقات الفقهية التي تُبيّن أهمية إعمال المسألة، وسيكون منهج عرض هذه التطبيقات استعراض كلام العلماء في بيان إرادة الخصوص من الألفاظ العامة الواردة في التطبيقات، وليس المقصود الاستقصاء فليس البحث محله، ولكن المراد عرض جملة من هذه التطبيقات لبيان معنى المسألة، علماً بأنه قد عرضت بعض هذه التطبيقات عند التحليل والتدليل لمعنى المسألة وأهميتها تأصيلاً وتطبيقاً، وإليك بعضاً من هذه التطبيقات:
1. قال الزركشي: "قال الماوردي في الحاوي: لا يختلف أصحابنا أن الصوم في السفر أفضل من الفطر، لأن الفطر مضمون بالقضاء، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)([89])، فهذا وارد على سبب، وهو أنه عليه السلام مّرَّ برجل، وقد أحدق به الناس، فسأل عنه، فقيل مسافر، قد أجهده الصوم، فقال: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)، وعندنا أن من أجهده الصوم ففطره أولى"([90]).
ويُفصّل الإمام ابن دقيق العيد في شرح هذا التطبيق فيقول: "أُخذ من هذا كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذه الحالة ممن يُجهده الصوم، ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات، ويكون قوله: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) مُنزلاً على مثل هذه الحالة، والظاهرية المانعون من الصوم في السفر يقولون: إن اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ويجب أن يُتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العموم، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، ولا تجريهما مجرى واحدا؛ فإن مجرد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص به كنزول قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) المائدة/38؛ بسبب سرقة رداء صفوان؛ فإنه لا يقتضي التخصيص به بالضرورة والإجماع.
أما السياق والقرائن؛ فإنها الدالة على مراد المتكلم من كلامه؛ وهي المرشدة إلى بيان المجملات؛ وتعيين المحتملات؛ فاضبط هذه المسألة فإنها مفيدة في مواضع لا تحصى، وانظر في قوله عليه السلام: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)، مع حكاية هذه الحالة من أي: القبيل هو فنزله عليه"([91]).
فقوله: "منزلا على مثل هذه الحالة": قرينة حالية تصرف اللفظ العام، وهو الصيام إلى الخصوص، وهو الحالة التي عليها هذا الرجل، وبقية كلامه نصوصا صريحة على تأصيل المسألة وأهميتها وإعمالها.
وقد أورد الإمام الشوكاني التعليق على دلالة هذا الحديث، وبين أن دلالة السياق هي التي تحدد معناه، وتخصص عمومه في معرض شرحه الحديث فقال: "واحتجوا أيضاً بما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ)، وأجاب عنه الجمهور: بأنه إنما قال ذلك في حق من شق عليه الصوم، كما سبق بيانه، ولا شك أن الإفطار مع المشقة الزائدة أفضل، وفيه نظر؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ ولكن قيل إن السياق والقرائن تدل على التخصيص. قال ابن دقيق العيد: وينبغي أن يُتنبه للفرق بين دلالة السبب، والسياق والقرائن على تخصيص العام، وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب؛ فإن بين المقامين فرقاً واضحاً، ومن أجراهما مجرى واحداً لم يصب، فإن مجرد ورود العام على سبب، لا يقتضي التخصيص به، كنزول آية السرقة في قصة رداء صفوان. وأما السياق والقرائن الدالة على مراد المتكلم؛ فهي المرشدة إلى بيان المجملات كما في حديث الباب"([92]).
2. في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)([93]).
يُبين ابن دقيق العيد أنه صلى الله عليه وسلم حصره في البشرية بالنسبة إلى الإطلاع على بواطن الخصوم لا بالنسبة إلى كل شيء، فإن للرسول صلى الله عليه وسلم أوصافاً أُخر كثيرة، غير أنهم يختصمون إليه، وكذلك في قوله تعالى: (إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) محمد/36، وهذا يقتضي الحصر باعتبار من آثرها، وأما بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، فقد تكون سبيلاً إلى الخيرات، أو يكون ذلك من باب التغليب للأكثر في الحكم على الأقل، فإذا وردت لفظة "إنما" فاعتبرها؛ فإن دل السياق المقصود من الكلام على حصر شيء مخصوص فاعمل به، وإن لم يدل على الحصر في شيء فاحمل الحصر على الإطلاق([94]).
وعليه: فإن السياق هنا، وهو الحديث عن التقاضي دل على أن المقصود هو الاطلاع على بواطن الأشياء المتعلقة بالخصوم فحسب، ولا يُعمم إلى غيره، وإن كان الكلام يشعر بالعموم، وهي قرينة حالية كما هو ظاهر، أي حال النبي صلى الله عليه وسلم.
3. ورد في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ)([95])، أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أثقل الصلاة على المنافقين" الظاهر من عمومه، وهو الألف واللام لاستغراق الجنس، كل صلاة سواء أكانت في جماعة أم في غيرها، ولكن الظاهر أن هذا العموم مخصوص بالسياق؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم أثقل الصلاة محمول على الصلاة في جماعة، وأنه مذكور في اللفظ؛ لدلالة السياق عليه، وقول صلى الله عليه وسلم: "لأتوهما ولو حبوا" وقوله: "ولقد هممت" وقوله: "لا يشهدون الصلاة"، وكل ذلك مشعر بأن المقصود حضورهم إلى جماعة المسجد([96]).
فهذه القرائن الثلاثة تدل على أن المراد بالصلاة هي صلاة الجماعة، وقد عبر عنه الإمام ابن دقيق العيد بقوله: "وكل ذلك مشعر..".
4. مسألة هل يلزم الإحرام بمجرد دخول مكة، استدلالاً بالعموم المدعى في قوله صلى الله عليه وسلم: "ممن" فإن من تعني الذي، فيعم كل داخل وأياً كان حاله مريداً الحج والعمرة أو لا، وذلك في قول ابن عباس- رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم (وَقَّتَ لِأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الحَجَّ وَالعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ)([97]).
فقد استدل بقوله: "ممن أراد الحج أو العمرة"، على أنه لا يلزمه الإحرام بمجرد دخول مكة، وهو أحد قولي الشافعي - رحمه الله تعالى - من حيث إن مفهوم المخالفة فيه: أن من لا يريد الحج أو العمرة لا يلزمه الإحرام، فيدخل تحته من يريد دخول مكة لغير الحج أو العمرة.
وهذا أولا يتعلق بأن المفهوم له عموم من حيث إن مفهومه أن من لا يريد الحج أو العمرة لا يلزمه الإحرام من هذه المواقيت، فهو عام يدخل تحته من لا يريد الحج أو العمرة، ولا دخول مكة، ومن لا يريد الحج أو العمرة، ويريد دخول مكة.
وفي عموم المفهوم نظر في الأصول، وعلى تقدير أن يكون له عموم؛ فإذا دل دليل على وجوب الإحرام لدخول مكة، وكأن ظاهر الدلالة لفظاً أيضاً قُدم على هذا المفهوم؛ لأن المقصود بالكلام حكم الإحرام بالنسبة إلى هذه الأماكن، ولم يُقصد به بيان حكم الدخول إلى مكة.
والعموم إذا لم يُقصد؛ فدلالته ليست بتلك القوة إذا ظهر من السياق المقصود من اللفظ، والذي يقتضيه اللفظ على تقدير تسليم العموم، وتناوله لمن يريد مكة لغير الحج أو العمرة أنه لا يجب عليه الإحرام من المواقيت، ولا يلزم من عدم هذا الوجوب عدم وجوب الإحرام لدخول مكة([98]).
والقرينة هنا حالية: أي لمن حاله إرادة التلبس بالحج والعمرة أو أحدهما.
5. ومن التطبيقات ما ورد في تفسير قول النبي: (الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)([99])، فإن الحديث أصل في باب الحضانة، وصريح أن الخالة فيها كالأم عند عدم الأم، وقال عليه السلام: (الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)، فسياق الحديث يدل على أنها بمنزلتها في الحضانة، وقد يَستدل بإطلاقه أصحاب التنزيل على تنزيلها منزلة الأم في الميراث؛ إلا أن الأول أقوى، فإن السياق طريق إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات، وتنزيل الكلام على المقصود منه.
قال ابن دقيق العيد: "وفهم ذلك قاعدة كبيرة من قواعد أصول الفقه، ولم أر من تعرض لها في أصول الفقه بالكلام عليها، وتقرير قاعدتها مطولة إلا بعض المتأخرين ممن أدركنا أصحابهم، وهي قاعدة متعينة على الناظر، وإن كانت ذات شعب على المناظر"([100]).
والقرينة كما هو واضح أن سياق الكلام وارد في الحضانة لا في الميراث، بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: (بمنزلة) فإنها قرينة لفظية مشعرة بإرادة الحضانة لا إرادة الميراث.
6. اختلف العلماء في المراد: "بأهل البيت" في قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب/33، فقال ابن عباس، وعكرمة، وعطاء، والكلبي، ومقاتل، وسعيد بن جبير: إن أهل البيت المذكورين في الآية هن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قالوا: والمراد بالبيت: بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومساكن زوجاته؛ لقوله: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/34، وأيضاً فالسياق وهو موضوع الآيات، وبداية الخطاب بدئ بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ) الأحزاب/28 وهو في الزوجات إلى قوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب/34، وقال أبو سعيد الخدري، ومجاهد، وقتادة، وروي عن الكلبي أن أهل البيت في الآية هم: علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة، ورد الإمام الشوكاني على هذا القول بأن السياق الوارد في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يأباه([101]).
والقرينة الصارفة هنا في هذا النص عن العموم وهو: "أهل البيت" مفرد مضاف فيعم كل آل البيت، ومن يدخل في هذا اللفظ العام، قرينة وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ)، وليس المجال يسمح بتفصيل الخلاف في المسألة، ولكن المراد بيان أثر السياق في تخصيص العموم؛ لأنه كما ذكرنا من قبل أن تخصيص العموم بالسياق اشترطنا له قرينة راجحة قوية، وهو عين ما نص عليه الإمام الشوكاني في تحقيقه للاستدلال بدلالة السياق في تخصيص العام، وأنه لا بد من كون هذه الدلالة قوية([102]).
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد توصل الباحث إلى النتائج التالية:
1.مسألة تخصيص العموم بالسياق "مسألة أصولية لها أثر في النصوص الشرعية عموماً، مما يؤثر على التفريع الفقهي من خلالها".
2.المقصود بتخصيص العموم بالسياق هنا: إخراج أحد أفراد العام بالسياق، وهو أحد هذه المخصصات المتصلة، الذي يراد أن يكون أحد المخصصات للعام.
3.السياق هو: "قرينة حالية يدل عليها انتظام عناصر النص ووحداته اللغوية بتركيب يربط بين تلك العناصر بحيث لا يفهم معنى كلمة أو جملة إلا بوصلها بالتي قبلها أو بالتي بعدها".
4.من أهم شروط تخصيص العموم بالسياق كون القرائن المتضمنة فيه قوية ترقى لكي تكون مخصصة.
5.تُعرّف المسألة باعتبارها مفهوما كلياً بأنها: "إخراج بعض ما كان داخلاً تحت العموم الوارد على صورة السبب بدليل خاص هو السياق".
6.الفرق بين العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، أن العام المخصوص هو اللفظ الذي ورد ابتداءً بلفظ العموم، ثم يبحث المجتهد عن مخصص له، وتخصيص العموم بالسياق من العام المخصوص بالسياق، والمجتهد يبحث عن القرائن اللفظية أو الحالية لتخصيص هذا العموم المراد ابتداءً، وأما العام الذي أريد به الخصوص، فإن الشارع وإن كان أورده على صيغة عامة فإن الشارع بيّن خصوصه ابتداءً.
7.أصل مسألة تخصيص العموم بالسياق مسألة اتفاقية تفرعت من مسألة اللفظ العام الوارد على سبب خاص هل العبرة بعموم اللفظ أو خصوص السبب، وفيها ثلاث صور: الصورة الأولى: وهي في حال وجود قرينة تدل على العموم، فالعبرة لعموم اللفظ اتفاقاً، الصورة الثانية: وهي في حال وجود قرينة تدل على الخصوص، فيعمل بالقرينة اتفاقاً ويخص بها العموم، وهي محل المسألة، كما نص عليه ابن دقيق العيد والزركشي وغيرهم، الصورة الثالثة: ألا تدل قرينة على إرادة العموم أو الخصوص، فهي محل خلاف، والتحقيق فيها: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
8.المعنى الإجمالي للمسألة: أنه إذا ورد لفظ عام يُفيد التعميم، ووردت قرينة في نظم الكلام ما يُفيد التخصيص، فإن هذا السياق يكون أحد مخصصات هذا العموم، ويُحمل هذا النص على الخصوص المستفاد من دلالة السياق، ويكون عموماً مخصوصاً.
9.من خلال عرض نشأة المسألة يمكن للباحث القول بأن أصل هذه المسألة نشأ تطبيقاً من النبي صلى الله عليه وسلم وتدويناً عند الإمام الشافعي، ويبدو أن فكرة هذه المسألة تبلورت عند فقهاء الشافعية بدءاً بالإمام الغزالي تعريضاً، ثم الإمام ابن دقيق العيد تأصيلاً وتفريعاً وبياناً لأهميتها، ثم الإمام الزركشي تصريحاً، ثم أخذ عنه الإمام الشوكاني نقلاً، وهذا الكلام لا يمنع أن بقية المذاهب قد عملت بمعنى المسألة، كما يتضح ذلك لمن اطلع على تطبيقات المسألة عند الحنفية، والمالكية والحنابلة وغيرهم، وأما من المعاصرين فلم أجد من صرح بها إلا الدكتور محمد سليمان الأشقر.
10.تُعتبر دلالة السياق من الضرورات المهمة لفهم الخطاب الشرعي عموماً، وبدونه يقع الاضطراب في فهم ألفاظ الشارع الحكيم، ومن أهمها دلالة العموم وأثر السياق في تخصيصه.
11.لتخصيص العموم بالسياق علاقة وثيقة عميقة بمقاصد الشريعة بدءاً بمقاصد الشارع من إنزال الشريعة، وانتهاءً بتحقيق المآل الذي يرضاه الشارع من خلالها.
12.للقاعدة أثر مهم في الاستنباط الفقهي يظهر أثرها عند التفريع الفقهي.
والحمد لله أولاً وآخراً
(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد (3)، العدد (2)، 1428ه/ 2007م.
الهوامش:
([1]) الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي، اللمع في أصول الفقه، دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى، 1405ﻫ, 1985م، ص26 ، وانظر: الطوفي، نجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبد الكريم بن عبد القوي بن عبد الكريم (ت 712ﻫ)، شرح مختصر الروضة، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1998م، ج2، ص448. وانظر: الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تعليق: الشيخ عبد الرزاق عفيفي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، 1402ﻫ، ج2، ص195. ابن النجار الفتوحي، محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي (ت 972ﻫ)، شرح الكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير، تحقيق: الدكتور محمد الزحيلي، والدكتور نزيه حماد، دمشق، دار الفكر، من مطبوعات جامعة أم القرى مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، ط1، 1982م، ج3، ص101. عبد الله بن علوي بن إبراهيم الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود، طبع تحت إشراف اللجنة المشتركة بين حكومة المملكة المغربية، وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، ص206. وانظر نحواً من هذا التعريف: الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي (ت 794ﻫ)، البحر المحيط في أصول الفقه، قام بتحريره الدكتور عمر سليمان الأشقر، وراجعه الدكتور عبد الستار أبو غدة، والدكتور محمد سليمان الأشقر، مصر، الغردقة، دار الصفوة للطباعة، طبع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط2، 1992م، ج3، ص5. الدكتور مصطفى الزلمي والدكتور علي أحمد صالح المهداوي، أصول الفقه في ثوبه الجديد، الأردن، إربد، المركز القومي للنشر، ط1، 1999م، ص294. الدكتور عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن تحرير لمسائله ودراستها دراسة نظرية تطبيقية، الرياض، مكتبة الرشد، ط1، 1999م، ج4، ص1459. محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه، ص203.
([2]) وانظر ألفاظ العموم مثلا: الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص465، وما بعدها.
([3]) الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص550. وانظر: ابن النجار الفتوحي، شرح الكوكب المنير، ج3، ص104، 267. وانظر: التفتازاني، التلويح على التوضيح، ج1، ص34. وقال ابن عقيل: "العموم: ما شمل شيئين فصاعدا شمولا واحدا". وانظر: ابن عقيل، أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الحنبلي (ت 513ﻫ)، الواضح في أصول الفقه، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1999م، ج1، ص91. والخصوص: قول نعني به البعض، والتخصيص: تمييز بعض الجملة بحكم . ابن عقيل، الواضح في أصول الفقه، ج1، ص92-93.
([4]) عبد الله بن علوي الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود، ص 232. وعرفه بالتعريف نفسه: الإمام السبكي في جمع الجوامع، وانظر: الشيخ حسن العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع للسبكي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، ج2، ص31.
([5]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص241.
([6]) الغزالي، المستصفى، ج2، ص98 وما بعدها. والعطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2، ص41. والآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج2، ص286 وما بعدها. وأبو الحسين البصري، محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (ت 436ﻫ)، المعتمد في أصول الفقه، اعتنى بتهذيبه وتحقيقه: محمد حميد الله بتعاون: محمد بكر وحسن حنفي، دمشق، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية، 1964م، ج1، ص257-302، والطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص550-568، عبد الله بن علوي الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود، ص24 وما بعدها، والشوكاني، إرشاد الفحول، ص152-162، على أنه لابد من التنبيه إلى أن هناك فرقا بين منهج الجمهور في التخصيص وبين منهج الحنفية ليس البحث مجالا لتفصيله هنا، فعند جمهور الأصوليّين يطلق على: قصر العامّ على بعض ما يتناوله بدليل يدلّ على ذلك، سواء أكان هذا الدّليل مستقلاً أم غير مستقلّ، مقارناً أم غير مقارن. وعند الحنفيّة: قصر العامّ على بعض أفراده بدليل مستقلّ مقارن، فخرج الاستثناء والصّفة ونحوهما، لأنّ القصر حصل فيما ذكر بدليل غير مستقلّ. وخرج النّسخ، لأنّه قصر بدليل غير مقارن، وانظر: عبد العلي الأنصاري، فواتح الرحموت، ج1، ص301، وما بعدها.
([7]) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي الدمشقي الجماعيلي، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ومعها نزهة الخاطر العاطر للأستاذ الشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران الدومي ثم الدمشقي، الرياض، مكتبة المعارف، ط2، 1984م، ج2، ص159.
([8]) ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن أبي القاسم الحراني (ت 728ﻫ)، مجموع الفتاوى، جمع عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي الحنبلي وساعده ابنه محمد، تصوير الطبعة الأولى، ج6، ص442.
([9]) محمد الأمين بن المختار الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للعلامة ابن قدامة، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، باب الرحمة، ص218 على الخلاف المشهور بين جمهور الأصوليين والإمام الشاطبي؛ فإنه يعتبر التخصيص ليس إخراجا لشيء بل هو بيان لقصد المتكلم في عموم اللفظ الوضعي، ولا يصح أن يقال: بأنه مجاز؛ وسواء أكان بالمخصص المتصل أم المخصص المنفصل، وسواء أكانت صيغ العموم عنده صيغ وضعية أم صيغ استعمالية، ولا يلزم من هذا الكلام أن يقال بأن صنيع الأصوليين خطأ، بل إنهم اعتبروا صيغ العموم بحسب ما تدل عليه في الوضع الإفرادي، ولم يعتبروا حالة الوضع الاستعمالي، وعليه: لا يوجد خلاف بين المنهجين في المحصلة إلا ما يفهم عنهم من لا يحيط علما بمقاصدهم، ولا يجود محصول كلامهم، وانظر: الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت 790ﻫ)، الموافقات في أصول الشريعة، تعليقات الشيخ عبد الله دراز، بيروت، دار المعرفة، ج3، ص287-289.
([10]) الدكتور محمد بن حسين بن حسن الجيزاني، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، الدمام، المملكة العربية السعودية، دار ابن الجوزي، ط3، 1422ﻫ، ص427.
([11]) الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، المكتبة العلمية - بيروت، ص296.
([12]) الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط2، مؤسسة الرسالة، 1987م، ص1156-1157.
([13]) رواه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، وانظر: سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط2، 1404-1983م، حديث رقم: 414، ج22، ص155 وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، شعب الإيمان، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1410ﻫ، حديث رقم: 1430، ج2، ص154.
([14]) ابن الأثير، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث، تحقيق: محمود محمد الطناحي، وطاهر أحمد الزواوي، مصر، مطبعة عيسى البابي الحلبي 1962م، ج2، ص1036.
([15]) رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو يعلى، وانظر: مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي- بيروت، حديث رقم: 2323، ج4، ص1811، وأحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، والأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرناؤوط عليها، مؤسسة قرطبة- القاهرة، حديث رقم: 12958، ج3، ص186، وأحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، سنن النسائي الكبرى، تحقيق: د.عبد الغفار سليمان البنداري , سيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1411ﻫ-1991م، حديث رقم: 10364، ج6، ص135، وأحمد بن علي ابن المثنى أبو يعلى الموصلي التميمي، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، والأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها، دار المأمون للتراث- دمشق، ط1، 1404- 1984م، حديث رقم: 2810، ج5، ص192.
([16]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج2، ص1036.
([17]) الدكتور عبد الرحمن بو درع، منهج السياق في فهم النص، كتاب الأمة، السنة الخامسة والعشرون، العدد (110)، ذو الحجة، 1426ﻫ، ص27.
([18]) الدكتور عبد الكريم حامدي، ضوابط في فهم النص، كتاب الأمة، السنة الخامسة والعشرون، العدد (108)، رجب، 1426، ص141، 142، وانظر نحوا من هذا الكلام: الدكتور عبد الرحمن بو درع، منهج السياق في فهم النص، ص27.
([19]) الدكتور عبد الكريم حامدي، ضوابط في فهم النص، ص142.
([20]) الدكتور عبد الكريم حامدي، ضوابط في فهم النص، ص151.
([21]) للرجوع لمفهوم القرائن، وأنواعها، انظر: الجرجاني، الشريف علي بن محمد، التعريفات، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983م، ص223، حيث ذكر الجرجاني أن القرينة اصطلاحا: "أمر يشير إلى المطلوب"، والدكتور عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، ص334.
([22]) التلمساني، أبو عبد الله محمد بن أحمد المالكي (ت771ﻫ) مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1983م، ص5-52.
([23]) محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل، تحقيق: القاضي حسين بن أحمد السياغي والدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1986م، ص333.
([24]) الدكتور عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، ص321.
([25]) عبد الله بن علوي الشنقيطي، نشر البنود على مراقي
السعود، ص236.
([26]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص141.
([27]) ليس المراد بالسبب هنا ما يولد الفعل، بل المراد به الداعي إلى الخطاب بذلك القول، والباعث عليه، وانظر: الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص215.
([28]) وهي مسألة أصولية مشهورة لها تفصيلات لا يهمنا منها، إلا ما سيأتي عرضه، وإذا أردت التفصيل فانظر: أبا الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، ج1، ص302-306. والزركشي، البحر المحيط، ج3، ص198 وما بعدها، والعطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2، ص73. وابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، ج2، ص141. والتفتازاني، التلويح على التوضيح، ج1، ص63.
([29]) وانظر إلى تحرير موضع النزاع بدقة، عبد الله ابن علوي الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود، ص259. وهو المصادر التي نصت على تحرير موضع النزاع، وبيان ابتناء المسألة محل البحث عل هذا التحرير، وانظر تفصيل هذه المسألة إذا ورد الخطاب جوابا لسؤال سائل داع إلى الجواب، فالجواب إما أن يكون غير مستقل بنفسه دون السؤال، أو هو مستقل، وهناك تفصيلات وصور ليس مجال المسألة ولا البحث يسمح بالدخول فيها، الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج2، ص237-241. وقد أشار الإمام الغزالي إلى معنى المسألة عرضا عند ذكره ورود العام على سبب خاص، وانظر: الغزالي، المستصفى، ج2، ص60. وانظر: العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2، ص74.
([30]) العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2، ص74.
([31]) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وانظر: مسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 1115، ج2، ص786، سليمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت، حديث رقم: 2407، ج1، ص732. محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، الجامع الصحيح سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي- بيروت، حديث رقم: 710، ج3، ص89. أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي، المجتبى من السنن، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية-حلب، ط2، 1406ﻫ/ 1986م، حديث رقم: 2255، ج4، ص174. محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني ، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر- بيروت، حديث رقم: 1664، ج1، ص532.
([32]) وانظر: مسلم، صحيح مسلم، ج2، ص786.
([33]) رواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 6524، ج6، ص2537. وأبو داود، سنن أبي داود، حديث رقم: 4351، ج2، ص530. والترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم: 1458، ج4، ص59، والنسائي، سنن النسائي، حديث رقم: 4059، ج7، ص104. وابن ماجة، سنن ابن ماجه، حديث رقم: 2535، ج2، ص848.
([34]) العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2، ص74. وانظر: الجصاص، أصول الفقه المسمى بالفصول في الأصول، ج1، ص103.
([35]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص212.
([36]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص213.
([37]) محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه، ص209.
([38]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، ج2، ص143-144.
([39]) العطار، حاشية العطار على جمع الجوامع، ج2، ص74.
([40]) وانظر: الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج2، ص238. والغزالي، المستصفى، ج2، ص114، 372. والأنصاري، فواتح الرحموت، ج1، ص290. وأبو الحسين البصري، المعتمد، ج1، ص303. والشاطبي، الموافقات، ج3، ص178، 188. والسرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص272. وابن النجار الفتوحي، شرح الكوكب المنير، ج3، ص177. وابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، ج2، ص141. وابن اللحام، أبو الحسن علاء الدين، القواعد والفوائد الأصولية، تحقيق: محمد حامد الفقي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1983م، ص240. والشوكاني، إرشاد الفحول، ص134.
([41]) عبد الله بن علوي الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود، ص259.
([42]) محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه، ص210.
([43]) الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص501.
([44]) الجصاص، أصول الفقه المسمى بالفصول في الأصول، ج1، ص337. وانظر: الدكتور عبد الكريم النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن، ج4، ص1533.
([45]) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 503، ج1، ص196. ومسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 231، ج1، ص128.
([46]) محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه، ص210.
([47]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، ج2، ص143. والطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص501.
([48]) وانظر: الغزالي، المستصفى، ج2، ص60، 114. والآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج2، ص239. وابن النجار الفتوحي، شرح الكوكب المنير، ج3، ص177-178.
([49]) ابن النجار الفتوحي، شرح الكوكب المنير، ج3، ص178-179.
([50]) وانظر من المعاصرين: أبو زهرة، أصول الفقه، مصر، دار الفكر العربي، ص165-166. والدكتور مصطفى الزلمي، أصول الفقه في ثوبه الجديد، ص311.
([51]) محمد الأمين الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه، ص210.
([52]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص380-381.
([53]) سبق تخريجه، ص9.
([54]) الإمام الشافعي، محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق الشيخ: أحمد محمد شاكر، بدون دار نشر، وسنة طبع، وهي النسخة المحققة المعروفة للشيخ أحمد محمد شاكر، ص62-63.
([55]) الإمام الشافعي، الرسالة، ص53.
([56]) الإمام الشافعي، الرسالة، ص56.
([57]) الإمام الشافعي، الرسالة، ص58. وانظر تعليق الإمام الشاطبي على تقسيمات الإمام الشافعي مفصلا: الموافقات في أصول الشريعة، ج1، ص117.
([58]) أبو زهرة، الإمام الشافعي، حياته وعصره، وآراؤه وفقهه، مصر، دار الفكر العربي، 1944م، ص199.
([59]) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن حبان، وعبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي، وانظر: الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم: 1728، ج4، ص221. والنسائي، سنن النسائي، حديث رقم: 4241، ج7، ص173. وابن ماجه، سنن ابن ماجه، حديث رقم: 3609، ج2، ص1193، فالحديث صحيح.
([60]) الغزالي، المستصفى، ج2، ص60.
([61]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص380، ونقله عنه الإمام الشوكاني، وانظر: إرشاد الفحول، ص162.
([62]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص380.
([63]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص380 ونقله عنه الشوكاني، وانظر: الشوكاني، إرشاد الفحول، ص162.
([64]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص162.
([65]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص162.
([66]) سبق تخريجه.
([67]) رواه البخاري، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 723، ج2، ص630.
([68]) الدكتور محمد سليمان الأشقر ، مشـاركة النساء في الولايات العامة والجزئية والمجالس النيابية ومجالس الشورى، بحث فقهي موثق، مطبوع على الآلة الطابعة خاصة بالمؤلف، بدون دار نشر، ولا سنة طبع، ص18-21.
([69]) الدكتور محمد سليمان الأشقر، مشاركة النساء في الولايات العامة والجزئية والمجالس النيابية ومجالس الشورى، ص18.
([70]) قال ابن عابدين: "ولا يدخل فيه العقار، ولا العروض، ولهذا قالوا لو وهب لأحدهما الدراهم والدنانير لا تبطل الشركة؛ لأن المساواة فيه ليس بشرط، وكذا قال في الحواشي السغدية: فيه بحث؛ لأنه إذا كان ما عداهما مشتركا يدخل في عموم قوله: "ما ليس من شركتهما" فيشمل كلام المصنف شركة المفاوضة أيضا، فلا وجه للإخراج، فتأمل إلا أن يخص بالأملاك بقرينة السياق. ابن عابدين محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، بيروت، دار الفكر، ط2، 1979م، ج7، ص135.
([71]) الدكتور علي بن عبد العزيز العميريني، الاستدلال عند الأصوليين معناه وحقيقته، الاحتجاج به، أنواعه، الرياض، مكتبة التوبة، ط1، 1990م، ص187.
([72]) الدكتور علي بن عبد العزيز العميريني، الاستدلال عند الأصوليين، ص189.
([73]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص347.
([74]) الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج2، ص200-2001.
([75]) الإمام عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام السلمي (ت 660ﻫ)، الإمام في بيان أدلة الأحكام، تحقيق: رضوان مختار بن غربية، بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط1، 1407ﻫ، ج1، ص159.
([76]) آل تيمية، عبد السلام وعبد الحليم وأحمد بن عبد الحليم، المسودة في أصول الفقه، تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد، مكتبة المدني، القاهرة، ص131. وانظر منهج الإمام ابن تيمية في التعامل مع السياق وربط فهم النصوص بما له علاقة بها من القرائن مفصلا: الدكتور سعود بن صالح العطيشان، منهج ابن تيمية في الفقه، الرياض، مكتبة العبيكان ط1، 1999ﻫ، ص279-282.
([77]) وانظر علاقة تخصيص العموم بالسياق بمقاصد الشريعة، وعلاقة مقامات الخطاب الشرعي بالمقاصد الشرعية، الدكتور عبد الكريم حامدي، ضوابط في فهم النص، ص136-151.
([78]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص6.
([79]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص128-129.
([80]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج2، ص331.
([81]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص268-271.
([82]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص271، هامش رقم (1).
([83]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص272، هامش رقم (1).
([84]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص273.
([85]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص274-276.
([86]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص413-414.
([87]) الصنعاني، إجابة السائل، ص367.
([88]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج3، ص148، وقد توسع الدكتور عبد الكريم حامدي في بيان أنواع الخطاب مع ضرب الأمثلة، وانظر: الدكتور عبد الكريم حامدي، ضوابط في فهم النص، كتاب الأمة، وزارة الأوقاف، قطر، العدد 108، رجب 1426ﻫ، السنة الخامسة والعشرون، ص140-151.
([89]) سبق تخريجه، ص 9.
([90]) الزركشي، البحر المحيط، ج3، ص206.
([91]) ابن دقيق العيد، تقي الدين أبي الفتح (ت 702ﻫ)، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، بيروت، دار الكتب
العلمية، ج2، ص225.
([92]) الشوكاني، نيل الأوطار، ج4، ص306.
([93]) رواه البخاري ومسلم، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 2534، ج2، ص952. ومسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 1713، ج3، ص1337.
([94]) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ج1، ص9.
([95]) رواه البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 626، ج1، ص206. ومسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 651، ج1، ص451.
([96]) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ج1، ص163.
([97]) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 1452، ج2، ص50. ومسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: 1181، ج2، ص838.
([98]) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ج3، ص6.
([99]) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: 2552، ج2، ص960. ومسلم، صحيح مسلم، ج2، ص915.
([100]) ابن دقيق العيد، إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، ج4، ص83.
([101]) وانظر تفصيل المسألة والأقوال فيها والأدلة مستوفاة: الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت1250ﻫ)، فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، مصر، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط2، 1964م، ج4، ص278-280.
([102]) وقد وردت تطبيقات أخرى، وليس المقام استقصاؤها، ولكن انظر مثلا قول الإمام ابن حجر العسقلاني: "فأرسل إلى اليهود فجاءوا الحديث ظاهره التعميم والذي يقتضيه السياق تخصيص من كان له بعبد الله بن سلام تعلق وأقرب ذلك عشيرته من بني قينقاع". أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة- بيروت، 1379ﻫ، ج7، ص274. وقال ابن القيم: "قالوا، وأما قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) الطلاق/2، وقوله تعالى: (مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء) البقرة/282، وقوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) البقرة/282، فهذا إنما هو في الحكم بين المسلمين فإن السياق له في ذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال: (وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ) النساء/15، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء) إلى قوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ) الطلاق/1-2، وكذلك قال في آية المداينة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ) إلى قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ) البقرة/282، فلا تعرض في شيء من ذلك لحكم أهل الكتاب ألبتة"، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تحقيق: د. محمد جميل غازي، مطبعة المدني، القاهرة، ج1، ص264.