دراسات وبحوث

أضيف بتاريخ : 08-03-2018
هذا البحث يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


الإعانة على الحرام وتطبيقاتها على عقود العمل في الشركات والبنوك التجارية

-دراسة تأصيلية تطبيقية-

(الإفتاء العام الأردني أنموذجاً) (*)

الباحث الدكتور نشأت الحوري

ملخص

كما حرم الإسلام الحرام، كذلك حرم الإعانة عليه، والإعانة هو بمثابة المعصية؛ لأن المعين مشارك في المعصية، والوسائل لها أحكام المقاصد، وذلك بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2]، وعليه وقع الخلاف حول ضابط الإعانة.

وتأصيل هذه المسألة كان من جهة: الأول: المحرم لغيره، والثاني: الفساد والبطلان، والثالث: من جهة الوسائل ما يعرف بـــ (سد الذرائع).

وخلصت من خلال الدراسة أن ضابط الإعانة في المؤسسات التي في تجارتها بعض الأعمال المحرمة يقسم إلى قسمين:

أولاً: الفعل المباشر للمحرم (الحرام لذاته)، وهو ما حرمه الشارع ابتداءً وأصالةً، كالكاتب أو المحاسب في المعاملة من المعاملات الربوية، فهذه إعانة مباشرة فلا يجوز باتفاق الفقهاء.

ثانياً: الفعل غير المباشر(الحرام لغيره)، وهو كان عمله مفضياً قطعاً كإجارة بنك ربوي، أو غالباً مثل بيع الكمبيوترات، أو ظناً مثل من باع أرضه ظناً أن البائع يريد غسل الأموال.

المقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبة أجمعين ومن سار على نهجه ودربه إلى يوم الدين، أما بعد:

من المعلوم في ديننا الإسلامي الحنيف أن الإعانة على الطاعة طاعة، والإعانة على المعصية حرام، وحسب القاعدة المشهورة و(أن الوسائل في الإسلام لها أحكام الْمَقَاصد)، فيشترك المُعين في أجر فعل الطاعة وفِي وزر ارتكاب الْإِثم.

ما كان في الشرع محرماً كذلك الإعانة عليه يكون حرام، لأن المعين مشارك في نشر الحرام. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].

وفي صحيح مسلم (جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنِّي أُبْدِعَ بِي فَاحْمِلْنِي، فَقَالَ: «مَا عِنْدِي»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ»)([1])، مسلم: (لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاء)([2])، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل الإثم على آكل الربا وموكله فحسب، بل جعل من أعانهم بكتابة أو شهادة، مثلهم في الإثم، وكذا لم يلعن في الخمر البائع والمشتري فحسب، بل لعن أيضاً العاصر والمعتصر والحامل لها، فالإعانة عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ ولو بشطر كلمة، وَالتَّقْرِيرُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ.

وقد وقع الخلاف بين الفقهاء حول حرمة الإعانة على الحرام من حيث الوسيلة المفضية غالباً إلى محرم، علماً أنهم لم يختلفوا في ذات الوسيلة المفضية إلى الحرام قطعاً.

واعتمدت في هذا البحث على مراجع مهمّة من كتب الفقه موضحاً ومؤصلاً لضابط الإعانة، ذاكراً رأي العلماء في المسألة مع تطبيقاتها على الشركات والبنوك التجارية المعاصرة، وبيان الحكم الشرعي في العمل بهذه المؤسسات بصفة الإجمال والاجتزاء، سائلاً من الله التوفيق والسداد والإتمام على أكمل وجه، والله الولي والقادر عليه.

أهداف البحث:

ترجع أسباب اختيار هذا الموضوع لعدة أمور، منها:

1- إدراك أهمية الموضوع بالنسبة للمفتي والباحثين من أهل الاختصاص، وكذلك المستفتي للاطلاع على آراء العلماء.

2- معرفة حكم الله تعالى في المستجدات وعقود العمل بالمؤسسات والشركات التجارية المعاصرة.

3- يعد هذا الموضوع من المسائل الشائكة وما عمّت به البلوى في وقتنا المعاصر.

أهمية الموضوع:

ترجع أهمية دراسة هذا الموضوع إلى عدة أمور، منها:

1- الحاجة لمعرفة الحكم الشرعي في ضوء التغيرات والمستجدات المعاصرة.

2- ووجود من يبرر العمل في الشركات المحرمة بحكم عموم البلوى والضرورة.

مشكلة الدراسة:

تتمثل المشكلة تحديد ضابط الإعانة، وكيفية تطبيقها على المسائل الشرعية.

تنطلق هذه الدراسة مجموعة من الأسئلة للإجابة عليها:

ما المقصود بالإعانة؟ ما حقيقة هذه الضوابط وأهميتها؟ ما هو التأصيل الشرعي لضابط الإعانة؟ وهل تأخذ الوسائل حكم المقاصد؟ ومدى تطبيق ضابط الإعانة على فتاوى الصادرة من الإفتاء العام الأردني؟

منهجية البحث:

اعتمدت على:

1- المنهج الاستقرائي للموضوع، مع التحليل حسب متطلبات البحث وطبيعة الدراسة.

2- المنهج الاستنباطي، وذلك من خلال الاطلاع على الأحكام الشرعية، وتصور عام على عقود الشركات والمؤسسات، ووضع الضوابط الملائمة لطبيعة العمل، مع التقيد بالحكم الشرعي، ليتسنى معرفة طبيعة العمل، والوقوف على المحاذير والعلل إن وجد.

الدراسات السابقة:

ومن خلال الاطلاع على هذه الكتب لم أجد من تفرد ببحث ضابط الإعانة كمقصود اصطلاحي شرعي، إنما كان الحديث يدور حول فحوى الإعانة والمسائل المتعلقة فيها، فقمت مستعينا بهذه الكتب دون الاشارة اليها في المراجع لعدم توفر المباحث الكافية بخصوص هذا البحث.

1- صور من البيوع المحرمة، محمد حلاوة، مكتبة العلوم والحكم، مصر، 1427ه/2006م.

2- فقه البيوع على المذاهب الأربعة وتطبيقاته المعاصرة مقارناً بالقوانين الوضعية، محمد تقي العثماني، مطبعة كراتشي باكستان، 1436ه/2015م.

3- بحوث في الاقتصاد الإسلامي، عبدالله المنيع، الكتب الإسلامي، 1416ه/1996م.

وقسمت البحث إلى ما يلي:

المبحث الأول: الإعانة على الحرام التعريف، والتأصيل، والضوابط:

المطلب الأول: تعريف الإعانة على الحرام لغة واصطلاحاً.

المطلب الثاني: تأصيل ضوابط الإعانة على المحرم.

المطلب الثالث: ضوابط الإعانة على المحرم.

المبحث الثاني: التطبيقات المعاصرة لضوابط الإعانة على الحرام على عقود العمل بالشركات والبنوك التجارية (الإفتاء العام الأردني) أنموذجاً.

المطلب الأول: تطبيق الضابط الأول على عقود العمل بالشركات والبنوك التجارية (الإفتاء العام الأردني).

المطلب الثاني: تطبيقات الضابط الثاني وأقسامه على عقود العمل بالشركات والبنوك التجارية (الإفتاء العام الأردني).

النتائج.

المراجع والمصادر.

المبحث الأول

الإعانة على الحرام التعريف، والتأصيل، والضوابط

المطلب الأول: تعريف الإعانة على الحرام لغةً واصطلاحاً:

الإعانة لغة: من العون وهو "الظهير على العون"([3]).

واستعنت بفلان فأعانني وعاونني. وفي الدعاء: رب أعني ولا تعن علي([4]).

وجاء في غريب القرآن لابن قتيبة: والتَّظَاهُر: التعاون. ومنه قوله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ) أي تعاونا عليه. والله ظَهِير أي: عَوْن. وأصل التَّظَاهُر من الظَّهْر. فكأنّ التَّظاهر: أن يجعل كُلُّ واحدٍ من الرجلين أو من القوم الآخَرَ له ظَهْرًا يَتَقَوَّى به ويَسْتَنِدُ إليه([5]).

وفي كتاب الألفاظ المؤتلفة: الإعانة هي شدّ على يَده وأعانه وَأَجَارَهُ وأيده وَهُوَ فِي حومته وَرمى من وَرَائه ورأمه ورافده وأمرنه وأغاثه وعاونه وعانه وعاضده وكانفه وآزره وناصره وأعمده وَنَصره وقابله وظافره وظاهرة وضالعه ومالأه([6]).

أما في الاصطلاح: "الإعانة هي المساعدة على الشيء في غير حال الشدة من غير عجلة"([7]).

أما الحرام لغة: "حرم بالضم: الإحرام. قالت عائشة -رضي الله عنها-: كنت أطيبه صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه، أي عند إحرامه. والحرمة: ما لا يحل انتهاكه. وكذلك المحرمة والمحرمة، بفتح الراء وضمها. وقد تحرم بصحبته. وحرمة الرجل: حرمه وأهله. ورجل حرام، أي محرم؛ والجمع حرم. ومن الشهور أربعة حرم أيضا، وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. والحرام: ضد الحلال"([8]).

(حرم) الحاء والراء والميم أصل واحد، وهو المنع والتشديد. فالحرام: ضد الحلال. قال الله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا)[الأنبياء: 95]. وقرئت: وحرم وسوط محرم، إذا لم يلين بعد([9]).

أما اصطلاحاً: الحرام هو: "نهي الشارع على وجه الإلزام"([10]).

وعرفه الزركشي: ما يذم فاعله شرعا من حيث هو فعل، ومن أسمائه القبيح، والمنهي عنه، والمحظور([11]).

والإعانة يكون من باب الوسائل أو الفعل غير مباشر، ولكن يكون جزءاً خارجاً أو طارئاً عن ذات الفعل بحيث يكون جزءاً منه.

وعليه يكون مفهوم الإعانة على المحرم: هي ما تشتمل على كل ما يعين (يساهم) على الحرام؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فكل وسيلة موصلة إلى محرم ومعصية تكون محرمة قطعًا، والله جل وعلا يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].

المطلب الثاني: تأصيل ضوابط الإعانة على المحرم:

التأصيل الأول: الحرام لغيره وعلاقته بحرمة الإعانة على الحرام:

أقسام الحرام عند الأصوليين:

الأول: محرم لذاته: وهو ما حرمه الشارع ابتداءً وأصالةً، لما فيه من الأضرار الفاسدة التي لا تنفك كالزنا وتزوج المحارم واكل الميتة، وهذا النوع غير مشروع ولو كان في محل العقد بطل بالاتفاق([12]).

الثاني: محرم لغيره (لعارض): وهو ما كان مشروعاً في أصله الوجوب أو الندب أو الإباحة، ولكن اقترن به عارض جعله محرماً كالصلاة في الأرض المغصوبة والبيع الذي فيه غش، فليس التحريم لذات الفعل، ولكن لأمر خارجي، وذات الفعل لا مضرة ولا مفسدة فيه ولكن عرض له واقترن به ما جعل فيه مفسدة ومضرة([13]).

وحكم هذا النوع: فمن الفقهاء قال: من غلب جانبه مشروعية أصله على حرمة ما اتصل به فقال يصلح سبباً شرعياً وترتب عليه أثره، زان كان منهياً عنه باعتبار ما اتصل به، ولهذا يلحق فاعله بالإثم من هذه الجهة، وعلى هذا تكون الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة ومجزئة مع الإثم، والبيع وقت النداء لصلاة الجمعة كذلك، وهكذا في كل الأحكام.

ومن غلب جانب الفساد بما اتصل به الفعل على مشروعية أصله، فقالوا: بفساد الفعل ولا يترتب عليه أثر، مع لحوق

الإثم بفاعله؛ لأن جهة الفساد لا تبقي أثراً لمشروعية أصله، وعليه قالوا: ببطلان الصلاة في الأرض المغصوبة، والنكاح لمقصودية التحليل([14]).

من خلال النظر في المحرم لغيره وآثاره المترتبة على ذات الفعل، فيأخذ حكم الفعل، والإعانة تأخذ حكم المعين، وحسب القاعدة المشهورة (أن الوسائل في الإسلام لها أحكام الْمَقَاصد)، أي ذات الفعل ولو كان خارجاً عن ماهية ذات الفعل، وعليه يكون الإعانة جزءاً خارجاً عن الفعل فيأخذ حكم المحرم لذاته مع اختلاف عند الأصوليين بين الفساد والبطلان.

التأصيل الثاني: الفساد والبطلان وعلاقته بحرمة الإعانة على الحرام:

البطلان والفساد بمعنى واحد عند الجمهور، فكل عبادة أو تصرف اختل في بعض أركانه أو شروطه فهو باطل، مثل بيع المجنون وبيع المعدوم وغير ذلك([15]).

أما الحنفية يفرقون بين الفاسد والباطل، أما من حيث العبادات قولهم كقول الجمهور لا فرق بينهما، أما من جانـب التصرفات (المعاملات) يفرقون بين الفساد والبطلان، فالباطل ما حدث خلل في الركن ولا يترتب عليه أثر، والفاسد ما كان الخلل في الوصف يعني في الشرط أو خارجاً عن ماهيته وأركانه ويترتب عليه أثر شرعي، يوجب في العقد الفاسد في الزواج من غير شهود المهر والعدة والنسب([16]). ومثال ذلك: نكاح المحلل مع صحة عقده وتمام أركانه؛ إلا أنه باطل لعارض، والْمُحَلِّلَ هو من تزوجها ليحلها لزوجها الأول.

وذهب الجمهور ببطلان هذا العقد وفساده وقال ابن قدامة -رحمه الله-: "ونكاح المحلل فاسد، يثبت فيه سائر أحكام العقود الفاسدة، ولا يحصل به الإحصان، ولا الإباحة للزوج الأول، كما لا يثبت في سائر العقود الفاسدة "([17]).

وعليه يكون الفساد بسبب خارجي كان له أثره في العقد، سواء كان بالفساد أو البطلان، فيكون الإعانة كالفساد، بحيث يكون خارجاً عن ذات الفعل، ولكن يترتب عليه أثر الحرمة أو الإباحة وهو حكم الوسيلة، وحسب القاعدة المشهورة (أن الوسائل في الإسلام لها أحكام الْمَقَاصد).

التأصيل الثالث: سد الذرائع وعلاقتها بحرمة الإعانة على الحرام:

سد لغة: أصلح وأوثق([18]).

والذرائع لغة: والذريعة: الوسيلة، وقد تذرع فلان بذريعة أي توسل، والجمع الذرائع([19]).

وأما اصطلاحاً: عرفها الشاطبي: بأنها التوسل بما هو مصلحة إلى مفسدة([20]).

وتعريفها العام: هي تحريم كل وسيلة موصلة إلى محرم([21]).

والذريعة عند الأصوليين تقسم إلى([22]):

1- ذريعة مشروعة، وهي الموصلة إلى مشروع، مثل: السعي إلى الجمعة (ذريعة) توصل إلى شهود الجمعة وهو (مشروع)، ويقال للأمر بالسعي إليها: (فتح باب الذريعة).

2- ذريعة ممنوعة، وهي الموصلة إلى ممنوع، مثل: الخلوة بالمرأة الأجنبية، فهي (ذريعة) توصل إلى الزنا وهو (ممنوع)، ويقال لمنع الخلوة بالأجنبية: (سد باب الذريعة)، انتهى.

وسد الذرائع حجة عند المالكية والحنابلة، وُيستدل به على إثبات بعض الأحكام الشرعية، أو نفيها؛ لقوله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)[الأنعام: 108]، فالله سبحانه هنا قد حرَّم سبَّ الأصنام التي يعبدها المشركون، لكون هذا السب ذريعة إلى أن يسبوا الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبِّنا لأصنامهم،

فلذلك أمرنا بترك سبِّ أصنامهم؛ لأنه يؤدي إلى سبِّ الله تعالى، وهذا هو سد الذرائع([23]).

فمتى أفضى الفعل إلى مفسدة راجحة أو كان الغالب فيه الإفضاء إلى المفسدة أو قصد به فاعله الإفضاء إلى المفسدة وجب منعه، ومن المعلوم أن الشافعية لم يحتجوا بسد الذرائع باعتبار أن ذات الفعل أي الوسيلة هي المحرمة([24]).

وحجية سد الذرائع مختلف فيه من حيث الوسيلة الموصلة إلى الحرام قطعاً أم ظناً، وعليه جرى الخلاف عند الأصوليين:

وذهب بعض العلماء من الشافعية والحنفية والظاهرية إلى عدم الاستدلال بهذا الدليل ولم يوجبوا سد الذرائع المؤدية إلى المفسدة، إلا أن يرد بمنعها نص أو إجماع أو قياس([25]).

والشافعي يعتبر الوسائل المفضية إلى المحرم قطعاً، لان الحكم قطعي لا يزيله ظن أو توهم، وبالتالي اعتبار سد الذرائع عند الشافعي متفق عليه من حيث الأساس والفكرة.

قال الزركشي: "ونازعه بعض المتأخرين وقال: إنما أراد الشافعي -رحمه الله- تحريم الوسائل لا سد الذرائع، والوسائل مستلزمة المتوسل إليه. ومن هذا بيع الماء فإنه مستلزم عادة لمنع الكلأ الذي هو حرام. ونحن لا ننازع فيما يستلزم من الوسائل. قال: وكلام الشافعي في نفس الذرائع لا في سدها والنزاع بيننا وبين المالكية إنما هو في سدها. ثم قال: الذريعة ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعندهم.

الثاني: ما يقطع بأنها لا توصل ولكن اختلطت بما يوصل، فكان من الاحتياط سد الباب وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل إلى الحرام بالغالب منها الموصل إليه. وهذا غلو في القول بسد الذرائع.

والثالث: ما يحتمل ويحتمل. وفيه مراتب متفاوتة ويختلف الترجيح عندهم بسبب تفاوتها. قال: ونحن نخالفهم في جميعها إلا القسم الأول، لانضباطه وقيام الدليل"([26]) انتهى.

لكن الإمام الشاطبي له وجهة نظر أخرى حيث يقول: "إن الشافعي يأخذ بمبدأ سد الذرائع إذا ظهر القصد إلى المآل الممنوع حيث يقول عند كلامه على مذهب الشافعي: ولكن هذا بشرط ألا يظهر قصد إلى المآل الممنوع ولأجل ذلك يتفق الفريقان على أنه لا يجوز التعاون على الإثم والعدوان بإطلاقه، وقال: لا يصح أن يقول الشافعي: إنه يجوز التذرع إلى الربا بحال، إلا أنه لا يتهم من لم يظهر منه قصد الممنوع ([27])".

وهذا يعد ضابطاً مهماً عند الشافعية من حيث اعتبارية الوسائل المفضية إلى الحرام قطعاً، لأن اعتصار العنب قد يصنع للعلاج أو يصنع للخمر، فلا يجوز الحكم على الظن أو غلبته باعتبار جواز استعماله في المباح، ولذلك كان مسلك الشافعي -رحمه الله- في عدم أخذ الناس بالتهم وإفساد تصرفاتهم بالظن مسلكًا صحيحًا وسليمًا يتفق مع ما دلت عليه نصوص الشريعة السمحة من أخذ المكلفين بظواهرهم وترك سرائرهم إلى الله تعالى.

أما المالكية والحنابلة ومن وافقهم أن ضابط الحرمة عندهم هو ما كان العمل مفضياً غالباً إلى حرام([28]).

يقول الريسوني: "(الوسيلة إلى الحرام حرام) وهي ما تعرف بسد ذرائع عند الأصوليين، وهذا أصل آخر من الأصول التي حمل لواءها المذهب المالكي، وعمل بها أكثر من غيره، وعلى نحو أوضح من غيره. ثم تابعته فيه المذاهب الأخرى، بمقدار ما. وأقلهم في ذلك المذهب الشافعي([29])".

ومشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة، يعني ذلك أن تكون الغاية من المعاملات مشروعة، والوسائل التي تستخدم لتحقيقها مشروعة، وأن الوسائل التي تؤدي إلى معاملات محرمة حرام، بمعني: "مشروعية الغاية ومشروعية الوسيلة"، ومن أدلة ذلك قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌا)[التوبة: 28]، فقد أمر الله سبحانه وتعالى عدم التعامل مع المشركين عند الكعبة حتى ولا تتحقق من وراء ذلك ربحاً وفيراً و يرتكز هذا الضابط إلى القواعد الفقهية الآتية: (وسائل الحرام حرام) و(مشروعية الوسيلة)([30]) انتهى.

نوجز آراء الفقهاء في مدى اعتبارية سد الذرائع (وهو فعل ما يؤول إلى محرم) من كتبهم الأصولية والفقهية:

أولاً: الحنفية: من المعلوم أن الحنفية لا يقولون بسد الذرائع، وإن كان كثير منهم يعملها في الفروع، وهذا ظاهر، فمن تأمل في كتبهم الفقهية وجد أنهم يعملون بهذه القاعدة في كثير من فروعهم، قال صاحب فتح القدير من الحنفية: "ولا ينبغي أن يباع السلاح من أهل الحرب ولا يجهز إليهم"([31]).

قال الشاطبي -رحمه الله-: "وأما أبو حنيفة، فإن ثبت عنه جواز إعمال الحيل؛ لم يكن من أصله في بيوع الآجال إلا الجواز، ولا يلزم من ذلك تركه لأصل سد الذرائع، وهذا واضح؛ إلا أنه نقل عنه موافقة مالك في سد الذرائع فيها، وإن خالفه في بعض التفاصيل، وإذا كان كذلك؛ فلا إشكال"([32]). انتهى.

ثانياً: المالكية: قال صاحب البيان والتحصيل: "الذي يبيع زفته ممن يجعلها في أواني الخمر وما أشبه ذلك قال أصبغ: لا يبيع الرجل زفته لمن يجعله في أواني الخمر، وكذلك عنبه لمن يعصره خمرا ودابته لمن يركبها إلى الكنيسة، وكذلك عصيره لمن يخمره، وكذلك كبشه لمن يذبحه لعيده وكفره، وزيته لمن يجعله في الكنيسة، أو قصيله أو مرعاه لمن يريده للخنازير، أو الطوب لبنيان الكنائس، ولا يحل شيء من ذلك ولا المعاونة عليه([33])".

ثالثاً: الشافعية: هم من أنكروا القول بسد الذرائع إلا أنهم اعملوها في فقههم، قال في التحفة: "إلا إن ظهرت فيه مصلحة لنا ظهورا تاما لا ريبة فيه، فيجوز ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقاً"([34]).

والشافعية يقيدون المنع هنا ببيع السلاح حال الفتنة بالإعانة القطعية على الظلم، لأن من أصولهم كما ذكرنا بعدم الأخذ بسد الذرائع بشرط اعتبار الوسائل المفضية إلى المحرم قطعاً، لأن الحكم قطعي لا يزيله ظن أو توهم.

وفي حاشيتا قليوبي وعميرة: "في بيع السلاح لقاطع الطريق. قوله: (وحرمته) استدل البيهقي بحديث «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها» ووجه الاستدلال يدل على تحريم التسبب إلى الحرام"([35]).

رابعاً: الحنابلة: في الشرح الكبير على متن المقنع: "ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا بيع السلاح في الفتنة ولا لأهل الحرب ويحتمل أن يصح مع التحريم"([36]).

يقول ابن قدامة: وهكذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام، كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، وبيع الأمة للغناء، أو إجارتها كذلك، أو إجارة داره لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة، أو بيت نار، وأشباه ذلك. فهذا حرام، والعقد باطل.([37])

خامساً: الظاهرية: المعروف بإنكارهم لسد الذرائع إلا أن ابن حزم لا ينكر سد الذرائع إذا كان أداء الوسيلة إلى المفسدة قطعيا يقينيا، وإنما ينكره إذا كان ظنيـا، يقول ابن حزم: فكل من حكم بتهمة أو باحتياط لم يستيقن أمره، أو بشيء خوف ذريعة إلى ما لم يكن بعد، فقد حكم بالظن وإذا حكم بالظن فقد حكم بالكذب والباطل، وهذا لا يحل([38]).

وهنا اتفق الفقهاء على حرمة الفعل غير المباشر، ولكن الشافعي وابن حزم قال لا بد أن تكون الإعانة للوصول إلى محرم قطعي، فلا يعتبر عندهم بالشك أو الظن الغالب مع أخذهم بحرمة الوسائل المفضية قطعاً إلى محرم.

المطلب الثالث: ضوابط الإعانة على الحرام:

ومن خلال استقراء الآراء الفقهية والأصولية، تستخلص ما يلي:

1- المباشر للفعل المحرم، وهو مباشرة ذات الفعل، مثاله:

* كبائع الخمر أو عاصره أو حامله أو شاربه، عن ابْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ»([39]).

* آكل الربا من كاتبه وشاهده وموكله، عن عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ»، قَالَ: قُلْتُ: وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ؟ قَالَ: «إِنَّمَا نُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْنَا»([40]).

وهذا القسم لا خلاف القول بحرمته عند الفقهاء كما ذُكر آنفاً.

2- الفعل غير المباشر للمحرم، وهو فعل ما يؤول إلى محرم، مثاله: كبيع العنب لمن يعصره خمراً، أو بيع السلاح حال الفتنة وغير ذلك، وقد اختلف في حالاته ما إذا كان مفضياً قطعاً أو غالباً أو ظناً أو لا يفضي إلى محرم أصلاً.

وعليه نخلص بالضوابط الآتية:

1- ما كان عمله متعلقاً بالمحرم المباشر (المحرم لذاته)، وهو ما حرمه الشارع ابتداءً وأصالة، فهذه إعانة مباشرة فلا يجوز باتفاق الفقهاءال

2- الفعل غير المباشر للمحرم، وهو فعل ما يؤول إلى محرم، وهو على أربعة أقسام:

أ. ما كان عمله مفضياً قطعاً إلى محرم غير مباشر: وهو ما كان مشروعاً في أصله، ولكن اقترن به أمر آخر، تسبب في مفسدة وأذى، فصار حراماً، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والظاهرية،

ب. ما كان عمله مفضياً غالباً إلى محرم غير مباشر، وهو ما ذهب إليه المالكية والحنابلة.

ج. ما كان عمله مفضياً ظناً إلى محرم غير مباشر، لم يحرم الفقهاء هذا الضابط مع الأخذ بالأحوط درءاً للشبهة.

د. ما كان عمله لا يفضي إلى محرم أصلاً، وهذا لا خلاف فيه مع الحرص والحيطة الوقوع بالمحرم.

المبحث الثاني

التطبيقات المعاصرة لضوابط الإعانة على الحرام على عقود العمل بالشركات والبنوك التجارية (الإفتاء العام الأردني)

المطلب الأول: تطبيق الضابط الأول على عقود العمل بالشركات والبنوك التجارية (الإفتاء العام الأردني):

الضابط الأول (أ): ما كان عمله متعلقاً بالمحرم المباشر (المحرم لذاته) وهو ما حرمه الشارع ابتداءً وأصالةً، وأخذ الإفتاء الأردني في فتاويهم بهذا الضابط، كالفتوى في حرمة العمل الموظف في مؤسسة تجارية محرمة، وفندق يقدم الخمور، فهذه إعانة مباشرة فلا يجوز باتفاق الفقهاء.

السؤال: حكم العمل في شركة تأمين تجاري؟

رقم الفتوى: 3255- التاريخ: 01-12-2016- التصنيف: الإجارة- نوع الفتوى: بحثية- المفتي: لجنة الإفتاء.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

بعد التأمل في نظام الشركة المذكورة للتأمين على الحياة والمرفق صورة عنه تبين أنه عبارة عن عقد تأمين تجاري، تقوم العلاقة فيه على المعاوضة بين المؤمن وشركة التأمين مباشرة، والتأمين التجاري محرم في قول جمهور الفقهاء والمجامع الفقهية؛ لأنه من العقود المبنية على المقامرة والميسر؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 90].

فلا يجوز العمل في شركة التأمين التجارية؛ لأن أساس التأمين التجاري يقوم على الحرام.

وأما برنامج الاستثمار الخاص فيظهر أن هنالك عدة حسابات لاستثمارات الشركة منها استثمارات شرعية، ومنها استثمارات غير شرعية، فالاستثمارات الشرعية يجوز الاستثمار فيها، وأما غير الشرعية فلا تحل.

والعمل في صناديق الاستثمار يخضع لحكم حسابات الاستثمار، فإن كانت حسابات الاستثمارات الشرعية مستقلة عن حسابات الاستثمارات غير الشرعية جاز العمل في حسابات الاستثمارات الشرعية، وأما إن كانت مختلطة فلا يجوز العمل فيها. وعليه، فلا يجوز العمل في شركات التأمين التجارية، كما لا يجوز العمل في حسابات الاستثمار غير الشرعية أو المختلطة. والله تعالى أعلم. انتهى

سؤال: حكم عمل المدير لفندق يقدم الخمور؟

رقم الفتوى: 785- التاريخ: 21-06-2010- التصنيف: الإجارة.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

أما العمل مديرًا لفندق يقدم الخمر فلا يجوز؛ لأنه مشاركة في عمل منكر، وجزء من راتبه يعد حرامًا.

وأما طلب الطلاق لأنها اشترطت عليه في العقد ترك هذا العمل ولم يتركه، فلا بد فيه من رفع دعوى أمام المحكمة الشرعية إن أرادت الطلاق، لكن لا يجب عليها طلب الطلاق. والله تعالى أعلم. انتهى.

المطلب الثاني: تطبيقات الضابط الثاني وأقسامه على عقود العمل بالشركات والبنوك التجارية (الإفتاء العام الأردني):

الضابط الثاني (ب): الفعل غير المباشر للمحرم، وهو فعل ما يؤول إلى محرم، وهو على أربعة أقسام:

1- ما كان عمله مفضياً قطعاً إلى محرم غير مباشر: وهو ما كان مشروعاً في أصله، ولكن اقترن به أمر آخر، تسبب في مفسدة وأذى، فصار حراماً، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والشافعية والظاهرية، وأخذ الإفتاء الأردني بهذا الضابط، كالفتوى بتحريم تأجير خطوط البث الدعائي المحرم التي تروج الفواحش، وحرمة التأجير لبنك ربوي وغيرها.

السؤال: حكم تأجير خطوط البث الفضائي لمن يستخدمها في الحرام؟

رقم الفتوى: 2690- التاريخ: 18-09-2012- التصنيف: الإجارة

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: تأجير خطوط بث على القنوات الفضائية حكمه تابع لما يُبثُّ فيها؛ فما كان حلالاً كبثّ البرامج التعليمية والتثقيفية والترفيهية المباحة فهو حلال، وما كان حراماً كبث الأغاني أو الإعلانات التي تروج لفواحش ومحرمات، أو ما فيه غش وتدليس حرام شرعاً.

فبث الدعايات غير اللائقة أو الصور المحرّمة حرام، والإعانة على الحرام حرام؛ لقول الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].

قال الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل" "الموافقات" (5/ 177).

أما مصاحبة بث هذه الإعلانات غير اللائقة لتلاوة آيات من القرآن الكريم فلا يجوز؛ لأنه يتنافى مع وجوب تعظيم كتاب الله تعالى وعدم تعريضه لكل ما يسيء إلى قدسيته ومكانته في القلوب. قال الإمام النووي -رحمه الله-: "أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته" "التبيان" (ص/164).

ولهذا فإننا ننصح الأخ السائل بضرورة وضع الضوابط على المستأجر بما يضمن عدم المخالفات الشرعية، قبل تأجير خطوط البث الفضائي، وعدم تأجيرها لمن يستخدمها في المحرمات، والله تعالى أعلم. (انتهى).

السؤال: حكم تأجير بناء ليكون مَقَرًّا لبنكٍ ربويٍّ؟

رقم الفتوى: 406- التاريخ: 23-12-2009- التصنيف: الإجارة.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: لا يخفى على المسلم حرمة الربا، ولذا تحرم كل إعانة عليه، فقد قال الله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2]. ولا شك أن تأجير بناء ليكون مَقَرًّا لبنكٍ ربويٍّ فيه إعانة على الربا؛ فلا يجوز. والله أعلم. (انتهى).

2- ما كان عمله مفضياً غالباً إلى محرم غير مباشر: وهو ما ذهب إليه المالكية والحنابلة وأخذ الإفتاء الأردني بهذا الضابط، كالفتوى بتحريم تصميم برامج تستخدم غالباً في التعامل من قبل شركات التجارة بالهامش (المارجن).

السؤال: ما حكم تصميم برامج تستخدم غالبًا في التعامل من قبل شركات التجارة بالهامش (المارجن)؟

رقم الفتوى: 679- التاريخ: 27-04-2010- التصنيف: البيع.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: مجمع الفقه الإسلامي أصدر قرارًا بحرمة هذا النوع من التجارة، وبناء عليه: فكل ما يساعد على هذه التجارة يكون محظورًا شرعًا؛ لأنه إعانة على معصية. صحيح أن هذه البرامج قد تستخدم في أمور مشروعة، لكن الفقهاء قرروا، أن بيع السلاح أثناء الفتنة -الحرب الداخلية- يعد حرامًا؛ لأنه في الغالب يستعان به على معصية، (انظر: نهاية المحتاج 3/455، والمغني لابن قدامة 4/246).

ولذا عليك أن تقدر الأمور بنفسك، ولا تعن على معصية، فقد قال الله تعالى: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[القيامة: 14-15]. والله تعالى أعلم. (انتهى).

3- ما كان عمله مفضياً ظناً إلى محرم غير مباشر: وأخذ الإفتاء الأردني بهذا الضابط في عدم التحريم، كالفتوى بجواز بيع قطعة الأرض لمن شك أن غرضه غسيل الأموال، لاعتبار أن الظن غير كافي في التحريم، مع نصحهم بالفتاوى بالتورع عن البيع درءاً لشبهة الإعانة على محرم.

السؤال: هل أبيع قطعة الأرض لمن أشك أن غرضه غسيل الأموال؟

رقم الفتوى: 721- التاريخ: 10-05-2010- التصنيف: البيوع المنهي عنها.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: إذا كان الأجنبي مسلمًا ويشتري لنفسه وليس لغيره من غير المسلميــــن فلا مانع من بيعـــه بالسعر الذي يتم الاتفاق عليه، وإذا وقع في نفسك أنَّه كَسَبَ ماله مِن حـــرام فلا تَبِعْه، وتَوَرَّع عـــــن

ذلك، أما الحكم الشرعي فحسب الظاهر. والله تعالى أعلم. (انتهى).

4- ما كان عمله لا يفضي إلى محرم أصلاً: وهذا لا خلاف فيه مع الحرص والبعد عن فعل المحرم، كالحارس لبنك أو فندق أو مدير للموظفين لبنك أو فندق أو طباخ.

السؤال: حكم العمل في البنوك الربوية؟

رقم الفتوى: 369 - التاريخ: 25-11-2009- التصنيف: الإجارة.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: إذا عملت في بنك ربوي عملا لا يمت إلى الربا بصلة، كالحارس ومدير شؤون الموظفين: فأرجو أن لا يؤاخذك الله تعالى؛ لأنه ليس فيه إعانة مباشرة على الربا.

والبنك المركزي هو بيت مال الدولة، يتعاملون بالربا وغيره، فإذا لم يكن عملك فيه ذا صلة مباشرة بالربا فأرجو أن لا تؤاخذ عند الله، وابحث عن عمل آخر بعدا عن الشبهة. والله أعلم. (انتهى).

السؤال: حكم العمل في مطبخ فندق؟

رقم الفتوى: 668 - التاريخ: 27-04-2010- التصنيف: الإجارة.

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ) متفق عليه. وحسب الظاهر من السؤال: لا يحرم العمل في مطبخ فندق، إلا إذا كان العامل سيطبخ ما لا يجوز للمسلم أكله كلحم الخنزير، وهذا لا يعرف إلا إذا بَيَّنَه صاحب السؤال، ونشكره على حرصه على الحلال، وسؤاله عن أحكام الدين. والله الموفق. (انتهى).

الخاتمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، فقد توصلت في نهاية البحث إلى ما يلي:

1- ضوابط الإعانة لم تأخذ حظها الوافر بإفرادها بباب خاص، وإنما كان بالاستقراء والاستنباط من الكتب الفقهية والأصولية.

2- تأصيل الإعانة على الحرام عند الأصوليين كان في باب المحرم لذاته ولغيره (لعارض)، وكذلك الفساد والبطلان وباب سد الذرائع، حتى تم التفريق بين المباشر وغير المباشر للمحرم.

3- الإعانة قسمان مباشر وغير مباشر، وغير المباشر منه وما كان مفضياً إلى محرم قطعاً، ومنع ما كان مفضياً غالباً إلى محرم، ومنه ما يفضي ظناً إلى محرم، ومنه لا يفضي أصلاً إلى محرم.

4- اختلف الأصوليون بحجية سد الذرائع فالحنفية والشافعية والظاهرية قالوا بالمنع. أما المالكية والحنابلة بالجواز، وعند النظر في فقه الحنفية والشافعية والظاهرية نجدهم فقد اخذوا بمبدأ سد الذرائع ولكن ما كان مفضياً قطعاً إلى محرم، وأما المالكية والحنابلة قد اخذوا بمبدأ سد الذرائع فيما كان مفضياً غالباً إلى محرم.

5- والراجح في الخلاف الحاصل نجد قول المالكية والحنابلة بسد الذرائع فيما كان مفضياً غالباً إلى محرم أقرب إلى الصواب وهو الضابط المعمول به في دائرة الإفتاء الأردني من خلال استقراء تطبيقات الفتاوى الصادرة.

 

(*) بحث منشور في المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية/ جامعة آل البيت، المجلد (13)، العدد (3)، ذو الحجة 1438هـ/ آب 2017م.

 

الهوامش:


([1]) مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (ت 261هـ) صحيح مسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت، باب إعانة الغازي/ رقم الحديث (1893).

( ([2]مسلم، صحيح، باب لعن الله آكل الربا/ رقم الحديث (105)، ج3، ص1218.

( ([3] أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت 393هـ)، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار الناشر: دار العلم للملايين – بيروت الطبعة: الرابعة 1407هـ/1987م، عدد الأجزاء(6)، باب عون، ج6، ص2168.

( ([4]أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت 393هـ)، منتخب من صحاح الجوهري، وأصل الكتاب (صحاح الجوهري) ضمن كتب المكتبة الشاملة، وإنما أوردنا هذه النسخة لأن بها زيادة دقة وتشكيل عن النسخة الإلكترونية المتاحة لأصل الكتاب، ج6، ص362.

([5]) محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276هـ)، غريب القرآن، (المحقق: أحمد صقر الناشر: دار الكتب العلمية (لعلها مصورة عن الطبعة المصرية) السنة: 1398هـ/1978م، أحمد صقر، ص57.

( ([6] محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجياني، أبو عبد الله، جمال الدين (ت 672هـ)، الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة، المحقق: د. محمد حسن عواد الناشر: دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ، ص159.

( ([7]محمد رواس قلعة، الموسوعة الفقهية الميسرة، ج1، ص232.

( ([8] منتخب من صحاح الجوهري، باب حرم، ص984.

( ([9]أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، أبو الحسين (ت 395هـ)، معجم مقاييس المحقق: عبد السلام محمد هارون الناشر: دار الفكر عام النشر: 1399هـ/1979م،، باب (حرم) اللغة.

( ([10]أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي، المعتصر من شرح مختصر الأصول من علم الأصول، الناشر: المكتبة الشاملة، مصر الطبعة: الأولى، 1431هـ/2010 م، ص23.

([11]) أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (ت 794هـ)، البحر المحيط في أصول الفقه الناشر: دار الكتبي ط1، 1414ه/1994م، ج1، ص336.

([12]) د. عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط1، 1430هـ/2009م، ص35، بتصرف.

([13]) عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه، دار القاهرة، 1432هـ/2003م، ص104، بتصرف.

([14]) زيدان، الوجيز، ص36-37، بتصرف.

([15]) زيدان، الوجيز، ص52، بتصرف.

([16]) خلاف، علم أصول الفقه، ص118، بتصرف.

([17]) أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي (ت 620هـ) المغني لابن قدامة الناشر: مكتبة القاهرة الطبعة: بدون طبعة عدد الأجزاء: 10، تاريخ النشر: 1388هـ/1968م، ج7، ص183.

([18]) القزويني، معجم مقاييس باب (سد) اللغة.

( ([19]محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت 711هـ) لسان العرب، الناشر: دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ، باب (ذرع)، ج8، ص96.

([20]) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (ت 790هـ)، الموافقات، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان الناشر، دار ابن عفان، ط1، 1417هـ/1997م، ج4، ص144.

([21]) د. إبراهيم نورين، علم أصول الفقه، مكتبة الرشد راض السعودية، ط1، 1433هـ/2012م، ص56، بتصرف.

([22]) عبد الله بن يوسف بن عيسى بن يعقوب اليعقوب الجديع العنزي، تيسير علم أصول الفقه الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط1، 1418هـ/1997 م، ص203.

([23]) عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، لجامع لمسائل أصول الفقه وتطبيقاتها على المذهب الراجح (الناشر: مكتبة الرشد، الرياض - المملكة العربية السعودية، ط1، 1420هـ/2000 م، ص391.

([24]) نورين، علم أصول الفقه ص166. زيدان، الوجيز في أصول الفقه، ص52، بتصرف

([25]) زيدان، الوجيز ص196. نورين علم أصول الفقه ص166، بتصرف.

( ([26]الزركشي، البحر المحيط، ج8، ص93.

( ([27]الشاطبي، الموافقات، ج5، ص185.

([28]) زيدان، الوجيز ص196. نورين، علم أصول الفقه ص166، بتصرف.

( ([29]أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، الناشر: الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط2، 1412هـ/1992م، ص73.

( ([30]د. حسين حسين شحاتة الأستاذ بجامعة الأزهر خبير استشاري فى المعاملات المالية الشرعية، بحث القواعد الفقهية والضوابط الشرعية للمعاملات المالية المعاصرة، لا يوجد مكان وسنة الطبع، ص26، بتصرف.

( ([31]كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (ت 861هـ)، فتح القدير، الناشر: دار الفكر لا يوجد مكان وسنة الطبع، ج5، ص460.

([32]) الشاطبي، الموافقات، ج4، ص68.

([33]) أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت 520هـ)، البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة (حققه: د محمد حجي وآخرون) الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، ط2، 1408هـ/1988 م، ج18، ص562.

( ([34]أبو بكر (المشهور بالبكري) بن محمد شطا الدمياطي (ت بعد 1302هـ)، إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1418هـ/1997م، ج4 ص229.

( ([35]حاشيتا قليوبي وعميرة مد سلامة القليوبي وأحمد البرلسي عميرة، الناشر: دار الفكر، بيروت، بدون طبعة، 1415هـ/1995م، ج2، ص229.

( ([36]أبو الفرج، شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي، (ت 682هـ) الشرح الكبير على متن المقنع، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، أشرف على طباعته: محمد رشيد رضا صاحب المنار، ج4، ص40.

( ([37]ابن قدامة، المغني، ج4، ص168.

([38]) أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (ت 456هـ)، الإحكام في أصول الأحكام، (المحقق: الشيخ أحمد محمد شاكر قدم له: الأستاذ الدكتور إحسان عباس الناشر، دار الآفاق الجديدة، بيروت ج6، ص13، بتصرف.

( ([39]أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السِّجِسْتاني (ت 275هـ)، سنن أبي داود، المحقق محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، باب: العنب يعصر خمرا، رقم الحديث (3674)، ج3، ص326.

([40]) مسلم، صحيح، سبق تخريجه.

رقم البحث [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب




التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا