التعجل في الفتوى(*)
فضيلة الأستاذ الدكتور محمد خالد منصور / الجامعة الأردنية
ملخص
يتناول البحث مفهوم التعجل في الفتوى، وهو: "تسرع المفتي الذي تكاملت أهليته في تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، تسرعا بقصد أو دون قصد؛ يؤدي إلى مخالفة حكم الشارع في المسألة وفق مقتضيات الزمان والمكان، وحال المستفتي". وكذلك البحث في المصطلحات المتعلقة به، وهي التعدي على الفتوى، والتخفيف فيها والتشدد فيها، وحكم كل مصطلح؛ إضافة إلى بيان حكم التعزير للمخالفات التي تضمنتها هذه المصطلحات، وهو من الموضوعات المهمة والملحة في زماننا وفي كل زمان؛ لتعلقه بأخطر مقام، وهو التوقيع عن الله، وعن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الإفتاء مقام عظيم، حرصت الشريعة الإسلامية على إيلائه قدرا كبيرا من العناية، والتوجيه، والتأصيل، من حيث مفهومه، وشروطه، وآدابه، وقواعده، وفوائده، وآلياته التي يستخدمها الفقيه في استنباطه الحكم الشرعي، ذلك أن الإفتاء هو: تبيين الحكم الشرعي للسائل، وهذا الحكم الشرعي إنما هو توقيع عن الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وأمانة يحملها الفقيه يسأل عنها يوم يقوم الناس لرب العالمين.
ومن هنا جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة تنهى أشد النهي عن القول على الله عز وجل دون علم، وجاءت أقاويل السلف الصالح متكاثرة، ومتوافرة، وقاطعة في النهي عن التصدي للفتوى، والتجرؤ عليها، حتى إنها أصبحت نصوصا محفوظة معروفة.
ونتج عن ذلك عناية الفقهاء البالغة - رحمهم الله تعالى - بموضوع الفتوى، ووضعت المصنفات المتخصصة فيه، تأكيدا على بيان عموم نفعه، وعظيم خطره، وقد ظهر للناظر في هذه المصنفات مدى دقة الفقهاء في التعامل مع هذا المقام، وتفصيلاته.
وقد حذر الفقهاء السابقون من المزالق التي يقع فيها المفتي تجنبا للوقوع في الإفتاء دون علم، ووضعوا الضوابط المناسبة لعلاجها.
ومن خلال ذلك حرص الفقهاء على التحذير من بعض الظواهر السلبية التي تتصل بالفتوى والمفتي، والتي لها أثر سلبي على المجتمع الإسلامي، كالتسرع والتسارع إلى الفتوى، والتساهل فيها، والتعجل فيها، ووردت النصوص الفقهية لتحذر منه، هذا في زمانهم.
أما في زماننا فقد ضعفت الملكات العلمية، وخفت الذمم، فبرز التساهل في الفتوى بصورة جلية واضحة؛ إضافة لتصدي من لا يصلح للإفتاء؛ وحصول التعجل فيها؛ فضلا عن التضارب الحادث بين المفتين، وتباين ما يفتون به الناس.
وعليه: فقد برزت أسباب للبحث في موضوع التعجل في الفتوى، والمصطلحات المتعلقة به، من دراسة كلام الفقهاء، والتمييز بين هذه المصطلحات؛ وإعطاء كل مصطلح حكمه، وحكم التعزير على المخالفات الشرعية التي تتضمنها هذه المصطلحات، وذلك للحاجة الماسة في زماننا لضبط الإفتاء والمفتين بمنهج شرعي يجمع بين المحافظة على هيبة العلماء والمفتين، ويضمن سلامة الأحكام الشرعية التي تصدر عنهم.
وازدادت الحاجة لهذا البحث بصورة أكبر لكون الإفتاء أصبح مرتبطا بوزارات الأوقاف التي تشرف على الأئمة والخطباء والواعظين، والقائمين بواجب الإفتاء الشرعي؛ وأن هذه الجهات بحاجة لبيان الضوابط الشرعية لضبط الإفتاء بصورة علمية شرعية صحيحة.
نعم، نحن بحاجة لمنهج شرعي واضح للتعامل مع الإفتاء، وتقويم الأخطاء التي يقع فيها من يتصدون لهذا المنصب الخطير.
الدراسات السابقة في الموضوع:
لم أجد - فيما اطلعت عليه - من أفرد حكم التعجل في الفتوى، والمصطلحات المتعلقة به بالبحث، وتحديد معاني هذه المفاهيم استنتاجا من النصوص الشرعية، وبيان حكم كلٍّ، وحكم التعزير عليه، بل إن النصوص الفقهية الواردة في هذا الموضوع تبدو قليلة، وبخاصة في مسألة التعزير، في حين أن الفقهاء المتقدمين تعرضوا لآداب المفتي، وبعض شروطه التي ذكروا فيها وجوب التثبت من قِبَل المفتي، وتحققه بالفتوى؛ إضافة إلى منعهم التسرع والتسارع للفتوى عموما، ولذا استعنت بالله عز وجل، محاولا التمييز بين المصطلحات محل البحث، وبيان حكمها، وحكم التعزير عليها.
منهج البحث:
قام البحث على المنهج العلمي القائم على:
أ- الاستقراء لما وقع تحت بصر الباحث من المصادر المتخصصة في موضوع الإفتاء ككتاب ابن الصلاح، والنووي، وابن حمدان، وابن القيم، والقرافي، وغيرهم، والمصادر الأصولية التي عالجت شروط الإفتاء عقب باب الاجتهاد، والمصادر الفقهية التي أفردت باب القضاء، وأتبعته بباب الإفتاء والمفتي، والمصادر التي تناولت أدبيات العلم الشرعي، طلبه، وآدابه، كل ذلك من أجل حصر النصوص من الكتاب والسنة ثم أقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، والفقهاء، التي تتناول هذه الظواهر السلبية وهذه المصطلحات؛ تمهيدا لدراستها.
ب- التحليل لهذه النصوص تحليلا علميا يميز بين مقاصدها؛ توصلا للتفرقة بين معاني هذه المصطلحات، وإعطاء كل مصطلح معناه، وحكمه، وهذا التحليل الواعي المتأني هو السبيل للتفرقة بين هذه المصطلحات.
ج- المقارنة والاستنتاج، وذلك باستنتاج معاني هذه المصطلحات، وأحكامها، وحكم التعزير لكل واحد منها.
د- تأصيل المصطلحات تأصيلا علميا ينبني على بيان حقيقة كل مصطلح، وأثره الشرعي المترتب عليه؛ استهداء بأقوال الأصوليين والفقهاء؛ واسترشادا بالمقاصد الشرعية العامة، والمقاصد الشرعية الخاصة بالإفتاء.
وقد عني البحث ببعض المواضعات العلمية الأخرى، مثل:
- التوثيق العلمي وفق الأصول المنهجية المعتبرة.
- بيان معنى المصطلحات اللغوية والأصولية والفقهية - حيث لزم الأمر-.
- عزو الآيات إلى مواضعها من السور، وتخريج الأحاديث تخريجا علميا، مع الحكم على الحديث صحة وضعفا - إذا لزم الأمر-.
خطة البحث:
يشتمل البحث على مقدمة، ومبحثين، وخاتمة، على النحو الآتي:
المبحث الأول: مفهوم التعجل في الفتوى، والمصطلحات المتعلقة به، وحكمه، وأسبابه، وآثاره، وعلاجه.
وفيه المطالب الآتية:
المطلب الأول: مفهوم التعجل في الفتوى، وفيه المطالب الآتية:
الفرع الأول: مفهوم التعجل، الفتوى: لغة واصطلاحا.
الفرع الثاني: مفهوم التعجل في الفتوى اصطلاحا.
المطلب الثاني: آثار التعجل في الفتوى، وعلاجها.
المبحث الثاني: التعزير على التعجل في الفتوى، والمصطلحات المتعلقة به، وأثره على انضباط الأحكام، وفيه المطالب الآتية:
المطلب الأول: مفهوم التعزير.
المطلب الثاني: مدى سلطان الدولة على التعزير عموما، وعلى التعزير على التعجل في الفتوى خصوصا.
المطلب الثالث: الحكم التفصيلي للتعزير على التعجل في الفتوى، والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به.
الخاتمة، وذكرت فيها أهم النتائج والتوصيات.
وختاما؛ فأسأل الله العلي القدير؛ أن يجعل هذا العمل صوابا، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم نافعا لعباده المؤمنين، وأن نلقاه في صحائف أعمالنا يوم يقوم الناس لرب العالمين، والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.
المبحث الأول
مفهوم التعجل في الفتوى والمصطلحات المتعلقة به وحكمه وأسبابه وآثاره وعلاجه
يقتضي البحث في هذا المبحث تقسيمه إلى جملة من المطالب التي توضح مفهوم التعجل في الفتوى، وأسبابه، وآثاره، وذلك على النحو الآتي:
المطلب الأول: مفهوم التعجل في الفتوى، وفيه:
الفرع الأول: مفهوم التعجل، الفتوى لغة واصطلاحا:
أما التعجل لغة، فمأخوذ من الفعل تعجل، والعجل والعجلة محركتين: السرعة خلاف البطء، وهو عجل بكسر الجيم وضمها، أي: مسرع، واستعجله: حثه وأمره أن يعجل، أي: الاستحثاث وطلب العجلة، وقوس عجلى: أي سريعة السهم، والعجيلى والعجيلة: سير سريع[1].
والاستعجال والإعجال والتعجل بمعنى واحد: أي: الاستحثاث، وطلب العجلة، وأعجله وعجله تعجيلا إذا استحثه، واستعجلته: طلبت عجلته[2]، والعجل ضرب من الضعف لما يؤذن به من الضرورة والحاجة[3].
مما سبق تبين أن كلمة تعجل تدور حول أصل واحد هو التسرع، واستباق الأمور، فيكون معنى تعجل: أي طلب التسرع في الشيء قولا أو فعلا، ومعنى الطلب في التعجل واضح في كلام أهل اللغة بمعنى أن تعجل: أن تطلب العجلة، وطلب التسرع في الأمر قولا أو عملا.
ويبدو أن هذا المعنى اللغوي هو أصل المعنى الاصطلاحي الذي سيأتي التفصيل فيه، فمن تطلب التسرع في إصدار الحكم الشرعي قبل استكمال شروطه، أو استكمال النظر الكافي في الواقعة محل السؤال، فقد تعجل فيها على نحو يكون فيها آثما ملوما معاتبا مستحقا للعقوبة.
وأما الفتوى لغةً: فهي اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع: الفتاوى والفتاوي، يقال: أفتيته فتوى وفتيا إذا أجبته عن مسألته، والفتيا: تبيين المشكل من الأحكام، وأفتاه في الأمر: أبانه له، وأفتى الرجل في المسألة، واستفتيته فيها فأفتاني إفتاء، وتفاتوا إلى فلان: تحاكموا إليه وارتفعوا إليه في الفتيا، والتّفاتي: التحاكم والتّخاصم. والاستفتاء لغةً: طلب الجواب عن الأمر المشكل، ومنه قوله تعالى: (ولا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِنْهُمْ أَحَدًا) الكهف/22، وقد يكون بمعنى مجرّد سؤال، ومنه قوله تعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَنْ خَلَقْنَا) الصافات/11، أي: اسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا أم من خلقنا من الأمم السالفة، والفُتْيَا بضم الفاء، والفُتْوَى بضم الفاء، والفَتْوَى بفتح الفاء - ثلاث جائزة -: ما أفتى به الفقيه[4].
مما سبق يتبين: أن أصل الفتوى لغة تدور حول جواب السؤال، وبيان مشكله، وهذا المعنى واضح في المعنى الاصطلاحي؛ فإن المفتي يقوم بجواب سؤال المستفتي، وبيان مشكله من الأحكام الشرعية التي يسأل عنها.
وأما الفتوى في الاصطلاح، فهي "تبيين الحكم الشّرعيّ للسائل عنه"[5]، ولا يلزم المفتي جواب ما لم يقع، ولا يلزم جواب ما لا يحتمله سائل، وما لا نفع فيه[6].
الفرع الثاني: الشروط الشرعية للفتوى وتهيب السلف من الفتوى:
بما أننا نتحدث عن مفهوم التعجل في الفتوى، فيحسن استعراض أهم الشروط الشرعية الخاصة بالفتوى والمفتي، وما يتبع ذلك من تهيب السلف من الفتوى ومنع التجرؤ عليها، وذلك على النحو الآتي:
أ - الشروط الشرعية للفتوى والمفتي:
يشترط الفقهاء - رحمهم الله تعالى - شروطا للفتوى، والتي تكون بالضرورة شروطا للمفتي[7]، وليس البحث معنيا بالتفصيل في هذه الشروط؛ لأنها ليست محل البحث، ولكن المقصود بيان هذه الشروط للتفريق بين المتعدي في الفتوى، والمتساهل، والمتعجل فيها، ومن أهم هذه الشروط:
أ- أن يكون المفتي عالما بالحكم الشرعي المفتى به يقينا أو ظنا راجحا، عن طريق جملة من الأدوات الاستنباطية ذكرها الأصوليون، ومنها علمه بالكتاب والسنة، والناسخ والمنسوخ، وسائر أدوات الاستنباط، بأن يكون قادرا على استنباط الحكم الشرعي من دليله، ويبحث في ذلك كله عن الدليل الأقوى، ثبوتا ودلالة، وإلا فعليه التوقف فإن لم تتكامل لديه هذه الأهلية، فعليه التحصل عليها، وإن كانت لديه فعليه التريث في الفتوى باستخدام ما حصله من هذه الأدوات العلمية كما تقدم[8].
قال الزّركشيّ: "المفتي من كان عالماً بجميع الأحكام الشّرعيّة بالقوّة القريبة من الفعل..."[9].
ب- أن يتصور المفتي السؤال تصورا تاما لكي يتمكن من الحكم عليه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وعليه حينئذ الاستفصال في موضع التفصيل.
جاء في شرح منتهى الإرادات: "ويحرم على مفت إطلاق الفتيا في اسم مشترك حتى يتريث، ويتأكد ويستفصل السؤال، قال ابن عقيل: إجماعا، فمن سئل: أيؤكل أو يشرب أو نحوه برمضان بعد الفجر؟ لا بد أن يقول الفجر الأول أو الفجر الثاني"[10].
ج- أن يكون صحيح القريحة كثير الإصابة، صحيح الاستنباط، فلا تصلح فتيا الغبيّ، ولا من كثر غلطه، وأن يكون فطنا متيقظا حتى لا يلبس عليه الناس، عارفا بطرائق حياتهم، ملما بخداعهم ومكرهم[11]، وأن يكون هادئ البال، مستقر الحال من كل وجه حتى يتمكن من تصور المسألة وتطبيقها على الأدلة الشرعية، فلا يفتي حال انشغاله، وتشتت ذهنه، بأي صورة من صور الانشغال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"[12].
وهذا النص له جهة عموم معنوي، وهي تحريم قضاء القاضي حال كونه مشوش الذهن بأي سبب من الأسباب كانت، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم على الغضب دلالة على سائر الأوصاف التي يتحقق فيها مناط الغضب، وهو تشويش الذهن بما يؤثر على سلامة القضاء، وقيست الفتوى على القضاء في تحريم الفتيا حال كون المفتي مشوش الذهن بجامع وجوب التوصل إلى الحكم الصحيح، سواء أكان قضاء على سبيل الإلزام، أم كان إفتاء على سبيل الإخبار عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن القيم: "ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتابه في الخلع عن الإمام أحمد أنه قال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها أن تكون له نية، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور، ولا على كلامه نور، والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه، وعلى معرفته، الرابعة: الكفاية: وإلا مضغه الناس. الخامسة: معرفة الناس.
وهذا مما يدل على جلالة الإمام أحمد، ومحله من العلم والمعرفة؛ فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى: وأي شيء نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه"[13].
وقال ابن عبد البر: "ولا ينبغي أن يفتي، وينصب نفسه للفتوى إلا من كان هكذا - أي شروط القاضي من الاجتهاد وغيره... وعليه التثبت في أحكامه، وترك العجلة في إنفاذ قضائه إذا أشكل عليه شيء، أو استرابه..."[14].
مما تقدم من النصوص المهمة في التأصيل لشروط الفتوى، يتبين نص الأئمة على ضرورة استيفاء الشروط العلمية والجبلية والنفسية التي يلزم توافرها في المفتي؛ حتى يكون مفتيا يقبل قوله على الوجه الشرعي.
ب- تهيب السلف من الفتوى ومنع التجرؤ عليها:
لقد كان السلف الصالح يتحرجون من الفتوى، ومن التصدي لها، والتسارع إليها، وقد كثرت النقول عن السلف الصالح في ذلك؛ حتى بلغت حدا كبيرا، وقد رأيت ذكر عدد من هذه النصوص لبيان أهمية الفتوى؛ ومدى حرصهم على الابتعاد عنها؛ طلبا للسلامة؛ وبعدا عن الإثم؛ وتعليما لغيرهم ألا يقتحموا مجال الإفتاء إلا بعد التحقق من شروطه؛ مع كونهم علماء مبرزين لهم قدم صدق في العلم والإيمان، وهي إيماءات لطلبة العلم في زماننا ألا يتجرؤوا على الفتوى؛ وعدم المسارعة إليها، وقد استند الصحابة رضي الله عنهم إلى نصوص خوفتهم من التصدي للفتوى، ومنها ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النّار"[15]. وهذه بعض عباراتهم على النحو الآتي:
ما روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول".
وفي رواية: "ما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا".
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "من أفتى الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون"، وعن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه.
وروي عن أبي حصين الأسدي أنه قال: "إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر"، وروي عن الحسن والشعبي مثله.
وروي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: سمعت محمد بن عجلان يقول: "إذا أغفل العالم لا أدري أصيبت مقاتله".
وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه سئل في مسألة، فسكت فقيل له: ألا تجيب رحمك الله؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي، أو في الجواب".
وروي عن أبي بكر الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يُستفتى، فيكثر أن يقول: لا أدري، وذلك من أعرف الأقاويل فيه".
وعن الهيثم بن جميل، قال: "شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري".
وعن مالك أيضا أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة، فلا يجيب في واحدة منها، وكان يقول من أجاب في مسألة، فينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصة في الآخرة، ثم يجيب فيها".
وعنه أنه سئل في مسألة فقال: لا أدري فقيل له، إنها مسألة خفيفة سهلة، فغضب، وقال: ليس في العلم شيء خفيف. أما سمعت قوله جل ثناؤه: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) المزمل/5"[16].
ولهذا نجد الفقهاء من بعدهم نصوا على حرص السلف الصالح رضي الله عنهم على التهيب من الفتوى، والتحذير من التسارع إليها.
فقد جاء في شرح منتهى الإرادات: "وقد كان السلف الصالح يهابون الفتيا كثيرا، ويتشددون فيها، ويتدافعونها حتى ترجع إلى الأول لما فيها من المخاطرة، وأنكر أحمد وغيره من الأعيان على من يهجم على الجواب، وقال: "لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى به"[17].
وجاء في روضة الطالبين: "متى لم يكن في الموضع إلا واحد يصلح للفتوى تعين عليه أن يفتي، وإن كان هناك غيره، فهو من فروض الكفايات، ومع هذا، فلا يحل التسارع إليه، فقد كانت الصحابة رضي الله عنهم مع مشاهدتهم الوحي، يحيل بعضهم على بعض في الفتوى، ويحرزون عن استعمال الرأي والقياس ما أمكن"[18].
وقال ابن القيم تحت فصل: "تورع السلف عن الفتيا": "وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره؛ فإذا رأى أنها تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة، أو قول الخلفاء الراشدين، ثم أفتى"[19]، ثم أورد جملة من أخبار السلف في ذلك[20].
وقال ابن عبد البر: "وكلام السلف في هذا المعنى كثير جدا يطول ذكره واستقصاؤه"[21]، وعنون الإمام أيضا بابا بعنوان: "تدافع الفتوى، وذم من سارع إليها"، وأورد فيها جملة صالحة من الآثار عن السلف في ذم التسارع والتسرع إلى الفتيا[22].
ذلك أنّ موضوع الفتوى بيان أحكام اللّه تعالى، وتطبيقها على أفعال النّاس، فهي قول على اللّه تعالى، أنّه يقول للمستفتي: حقّ عليك أن تفعل، أو حرام عليك أن تفعل، ولذا شبّه القرافيّ المفتي بالتّرجمان عن مراد اللّه تعالى، وجعله ابن القيّم بمنزلة الوزير الموقّع عن الملك قال: إذا كان منصب التّوقيع عن الملوك بالمحلّ الّذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السّنيّات، فكيف بمنصب التّوقيع عن ربّ الأرض والسّموات؟[23].
هذا فيما سبق من حال السلف؛ وقد قال الإمام القرافي (ت684ﻫ)، عن حال الفتيا في زمانه: "وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج، وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح، وما لا يصلح؛ وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم، وأن يقول أحدهم: "لا أدري"، فلا جرم آل الحال للناس إلى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال"[24]، قلت: فكيف بحالنا في أيامنا هذه؛ نسأل الله العفو والعافية.
الفرع الثالث: المصطلحات ذات العلاقة بالموضوع:
يلزم الباحث حتى يصل إلى مفهوم التعجل في الفتوى اصطلاحا أن يستعرض جملة من المفاهيم ذات الصلة لتحديد الفروقات بينها، وبيان موقع التعجل في الفتوى منها، حيث إن استنتاج مفهوم التعجل في الفتوى لا يمكن حصوله بمفهومه الخاص الذي يميزه عن غيره إلا بعد استعراض هذه المصطلحات، وذلك على النحو الآتي:
أولا: التعدي في الفتوى:
التعدي في الفتوى: يعني اقتحام من ليس أهلا للفتوى مجال الإفتاء، ولم تتكامل أهليته للفتوى، ولم تتوافر فيه الشروط التي ذكرها العلماء، بأن يكون جاهلا، أو مقلدا، أو طالب علم لم يتحقق بشروط الإفتاء عند أهل العلم، فهو متعد، ومرتكب كبيرة، وفعله محرم، وتنقض فتياه، وعليه يحمل كلام العلماء في ذم التطاول على مقام الإفتاء لمن لم يكن أهلا له، ودليل تحريم التعدي على الفتوى ما يأتي:
1- قوله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36.
2- وقوله تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ﻫذَا حَلاَلٌ وَﻫذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) النحل/116.
وجه الدلالة: أن من يفتي بغير علم، فقد فعل محرما؛ للنهي المستفاد من قوله تعالى: (ولا تقف)، والنهي يقتضي التحريم، وكذا النهي في قوله تعالى: (ولا تقولوا)، يقتضي التحريم، فكان الإفتاء دون علم محرما.
3- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللّه لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتّى إذا لم يُبْقِ عالماً اتّخذ النّاس رؤوساً جهّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا)[25].
وجه الدلالة: قوله صلى الله عليه وسلم: (حتّى إذا لم يبق عالماً اتّخذ النّاس رؤوساً جهّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا) نص في تحريم الإفتاء بالجهل؛ لأنهم أفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا، وهذا من أعظم الكبائر.
4- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أُفْتِي بغير علم، كان إثمه على من أفتاه)[26].
وجه الدلالة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بغير علم... الحديث" نص في تأثيم من أفتى بغير علم، وهذا يلزم منه تحريم الإفتاء بغير علم.
ولكن هل يعزر، محل بحث - سيأتي-.
أمثلة معاصرة للتعدي في الفتوى:
نرى في زماننا صورا متعددة للتعدي في الفتوى، ومنها:
أ. قيام بعض العوام بالتصدي للفتيا بدون مسوغ شرعي أو قانوني، فيتعدى، ويفتي الناس دون أن يكون حاصلا على مؤهل شرعي، أو أن يكون مجازا من قبل العلماء بإجازة شرعية، وهذا نراه منتشرا في زماننا بين العوام الذين يدعون المعرفة، وهم جاهلون، كمن يفتي من العوام الناس بجواز التعامل مع البنوك الربوية دون علم، وكمن يتعدى على الفتوى بتجويز بعض مظاهر اللباس غير الشرعي بحجة عدم وجود هيئة محددة للباس الشرعي متغافلا عن الشروط الشرعية المستنبطة من النصوص الشرعية، والتي تضبط اللباس الشرعي بضوابط محددة.
ب. ومن صور التعدي قيام بعض طلبة العلم المبتدئين بالتصدي للفتوى، وهم لم يستكملوا البناء العلمي الذي يؤهلهم للفتوى، كمن يفتي الناس في هذا الزمان في قضايا الزواج والطلاق، وموضوعات العدة وهو جاهل فيها.
ج. قيام بعض طلبة العلم الشرعي المتخصصين في جانب من جوانب الشرعية بالاعتداء والإفتاء فيما لم يقفوا على تحقيق العلم فيه، وهذه مؤاخذة أخرى.
د. قيام بعض الجهات والمؤسسات بإصدار تصريحات ذات بعد شرعي، دون رجوعهم لأهل العلم الشرعي المتخصصين في موضوع الفتوى، كالتعدي في رد بعض الأحكام المتعلقة بالمرأة من لباس واختلاط، وكمنع الختان للرجال والنساء على حد سواء، وغيرها من القضايا المتعددة التي تتعدى فيها جهات على الفتوى الشرعية.
ثانيا: التخفيف في الفتوى والتشدد فيها:
أما التخفيف في الفتوى فهو الإفتاء بأخف من الحكم الشرعي الأصلي، لمن هو أهل للإفتاء؛ رغبة في مال أو جاه أو هوى أو تحكم أو نحوه، ومن التخفيف في الإفتاء تتبع الحيل. وأما التشدد في الفتوى، فهو الإفتاء بأشد من الحكم الشرعي الأصلي، وكلاهما يكون دون موجب شرعي، وهما محرمان، لأنه بتخفيفه وتشدده قد خالف حكم الشارع.
ويحرم التساهل - ويطلق الفقهاء التساهل ويريدون به في أحد معنييه الإفتاء بالأخف والأخذ بالحيل- في الفتيا؛ وكذلك التشدد فيها؛ لئلا يقول على الله ما لا علم له به[27]، ولكن هل يعزر - محل بحث سيأتي-.
قال ابن القيّم: "لكن لا يجوز أن يحابي نفسه أو قريبه في الفتيا، بأن يرخّص لنفسه أو قريبه، ويشدّد على غيره فإن فعل قدح ذلك في عدالته"[28].
وسبب تحريم التخفيف في الفتوى، بما يلتقط من رخص المذاهب متبعا هواه، وبما يتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز؛ أن ذلك يؤدي إلى انحلال ربقة التكليف، وانتقاض أصله الذي وضع له[29].
وقال ابن الصلاح في بيان حقيقة من يتتبع الحيل تخفيفا أم تشديدا، وحكمه: "وقد يكون تساهله - أي تخفيفه بالأخذ بالحيل ونحوها- وانحلاله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة، أو المكروهة، والتمسك بالشبه للترخيص على من يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، ومن فعل ذلك هان عليه دينه، ونسأل الله العافية والعفو، وأما إذا صح قصده فاحتسب في تطلب حيلة لا شبهة فيها، ولا يجر إلى مفسدة ليخلص بها المستفتي من ورطة يمين، أو نحوها فذلك حسن جميل..."[30].
ومن هنا، فعلى المفتي أن يأخذ الناس على الوسط، بلا إفراط، فيذهب بهم مذهب الشدة والعنت والحرج، وبغض إليه الدين، ولا تفريط، فيميل بهم إلى طرف الانحلال؛ لأنه بذلك خرج عن قصد الشارع، ولأنه خروج عن مقتضى مصلحة الخلق؛ وفيه ارتفاع مطلق التكليف من حيث هو حرج، ومخالف للهوى، وفيه اتباع للشهوة في الفتوى، وهو محرم[31].
فإن أفتى كلّ أحد بما يشتهي انهدم بناء التكليف، وهذا يؤدّي إلى الفوضى والمظالم وتضييع الحقوق بين النّاس.
قال الشاطبي: "المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور؛ فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال..."[32].
"وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي، والتخير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه، وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتى به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من افسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان"[33].
"وقد يكون تساهله: بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحذورة، أو المكروهة بالتمسك بالشبه؛ طلبا للحرص على من يروم نفعه؛ أو التغليظ على من يروم ضرره"[34].
"وقال القرافي إذا كان في المسألة: قولان أحدهما فيه تشديد، والآخر فيه تسهيل؛ فلا ينبغي للمفتي أن يفتي العامة بالتشديد، والخواص وولاة الأمور بالتخفيف؛ وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين، والتلاعب بالمسلمين؛ وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله تعالى؛ وإجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين"[35].
- ومن الأمثلة المعاصرة على التساهل في الفتوى، ما يفتيه بعض من يتصدى للإفتاء بجواز التعامل مع البنوك الربوية في الدول غير المسلمة، ولا يقيد ذلك بالضرورة، أو الحاجة التي نوقع الناس هناك في الحرج أولا، وفي التضييق عليهم في حفظ أموالهم ثانيا.
- ومن أمثلة التخفيف في الإفتاء من يفتي الناس في زماننا بجواز الجمع بين الصلاتين لأدنى عذر، دون التحقق من العذر المبيح للجمع بين الصلاتين، كأن يكون مريضا يبلغ به المرض إلى الحاجة للجمع بي الصلاتين.
- ومن أمثلة التخفيف في الفتوى الإفتاء للمرأة أن تسافر وحدها بدون محرم؛ بحجة أمن الطريق في الطيران، وتغافلوا عن النصوص الشرعية، والبحث في كلام الفقهاء وخلافهم في هذه المسألة.
- ومن أمثلة التخفيف في الفتوى، الإفتاء بجواز بعض صور المعاملات المالية المعاصرة، والتي تتضمن حقيقة العينة، وهي التوصل عن طريق البيع والشراء الشرعيين إلى التوصل إلى القرض الربوي.
- ومن الأمثلة المعاصرة للتشدد في الفتوى ما يصدره بعض المفتين من عدم جواز التعامل مع البنوك الإسلامية بعموم لاستحالة خلوص المعاملات المعاصرة من الربا أو شبهته، مع أن المصارف الإسلامية وتعاملاتها فيها مؤتمرات علمية ودراسات وأبحاث تجيز التعامل ببعض الصيغ الإسلامية المعاصرة كالمشاركة المنتهية بالتمليك، وصور المضاربة المعاصرة، وغيرها.
- ما يتشدد فيه البعض من عدم جواز البيع بالتقسيط مع الزيادة، مما يشكل حرجا على المسلمين في تعاملاتهم اليومية في حاجتهم للبيع والشراء مؤجلا من البائع نفسه.
- ما يتشدد فيه بعض المفتين من تحريم كل طعام أهل الكتاب دونما تفريق بين ما كان حيوانا أو نباتا، والحيوان المأكول اللحم وبأي صورة ذبح، ودونما تفريق بين ما صعق بالكهرباء مثلا فهو حرام، وما ذبح ذبحا اعتياديا عن طريق إراقة الدماء فهو حلال...
ثالثا: التساهل في الفتوى:
يطلق التساهل في الفتوى، ويراد به معنيان:
الأوّل: تتبّع الرّخص والشّبه والحيل المكروهة والمحرّمة، وهذا داخل في مفهوم طلب التخفيف المحرم والذي سبق بيانه، وبيان حكمه، وعليه يحمل كلام بعض العلماء في تحريم التساهل في الفتوى، وهو عين التخفيف في الفتوى، وقد تقدم حكمه.
ومنه قول ابن نجيم: "ويحرم التساهل في الفتوى، واتباع الحيل، إن فسدت الأغراض، وسؤال من عرف لذلك"[36].
والثّاني: التساهل في طلب الأدلّة وطرق الأحكام والأخذ بمبادئ النّظر وأوائل الفكر، فهذا مقصّر في حقّ الاجتهاد، ولا يجوز له أن يفتي، ولا أن يستفتى[37]، وهو مفهوم التعجل الذي هو محل البحث، وسيأتي تعريفه، وأسبابه، وحكمه.
وعليه: نجد أن ثمة مصطلحات ثلاثة: الأول: التعدي في الفتوى، وهو من أفتى الناس، وليس أهلا لها، والثاني: التخفيف في الفتوى والتشدد فيها، والثالث: التعجل في الفتوى: وهو من كان أهلا للإفتاء، ولكنه تسرع، ولم يستكمل النظر في المسألة.
رابعا: المفهوم الاصطلاحي للتعجل في الفتوى:
يمكن تعريف التعجل في الفتوى بأنه: "تسرع المفتي الذي تكاملت أهليته في تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، تسرعا بقصد أو بدون قصد؛ يؤدي إلى مخالفة حكم الشارع في المسألة وفق مقتضيات الزمان والمكان، وحال المستفتي".
فقوله: تسرع المفتي: هو وصف للتعجل بكونه تسرعا في إطلاق الحكم الشرعي للواقعة المستفتى عنها.
والتسرع في إطلاق العلماء يكون على معنيين المعنى الأول: التسرع والتسارع في إطلاق الفتوى لمن هو ليس أهلا لها، وهذا داخل في مفهوم المتعدي في الفتوى.
والمعنى الثاني: تسرع من تكاملت أهليته في الفتوى؛ في إصدار الحكم الشرعي دون أن يستكمل النظر اللازم، وهو محل البحث هنا.
وقد نص جمع من العلماء على ذم التسرع في الفتيا، ومنهم الخطيب البغدادي، وبين بأن من يتسرع بالإجابة عما يسأل عنه، قد فقد أول أسباب التوفيق[38].
وهذا التعجل (التسرع) له أسباب متعددة يمكن تقسيمها إلى قسمين:
القسم الأول: أسباب تتعلق بشروط الواقعة محل الإفتاء: وهي تلكم المتعلقة بعدم تريث المفتي في النظر في موضوع الفتوى تصويرا ونظرا واستنباطا واستيفاء للأدلة، وزمانا ومكانا، وكانت تتطلب منه المزيد من الوقت للتثبت في فتواه في هذه الجوانب المختلفة.
القسم الثاني: أسباب تتعلق بشخصية المفتي، كتعرضه للضغط النفسي والتشويش الذهني، وعدم استقرار نفسيته عند إصداره الفتوى، وقد تكون أسبابا فيها طلب جاه أو سلطة أو إرضاء لسلطان أو قريب أو صديق، وقد يكون الباعث على التعجل محض الهوى، ورغبة في التصدر للإفتاء مع كون المسألة تتطلب قدرا زائدا من التريث، والتفكر في المسألة محل الحكم الشرعي.
قوله: المفتي الذي تكاملت أهليته: هذا قيد مهم للتمييز بين التعجل في الفتوى وبين المتعدي فيها، فإن مناط البحث الدقيق هنا فيمن تكاملت أهليته، أي توافرت فيه الشروط اللازمة للمفتي سواء أكانت شروطا تتعلق بالحكم الشرعي وسلامته من حيث هو، أم شروطا تتصل بشخصية المفتي وقدرته على الإفتاء.
قوله: في تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه: هو محل التعجل، وهو التسرع في تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، والذي كان ينبغي للمفتي أن يتريث في إصداره الفتوى تريثا يجعله يصيب الحكم الشرعي المطلوب.
قوله: تسرعا يؤدي إلى مخالفة حكم الشارع في المسألة وفق مقتضيات الزمان والمكان، وحال المستفتي: يشير إلى نتيجة التسرع وأثره وهو مخالفة حكم الشارع في المسألة، ثم يشير التعريف لبعض أسباب التعجل في الفتوى وهي عدم اعتبار مقتضيات الزمان والمكان وحال المستفتي.
وينبغي للمفتي أن يتريث في الفتوى؛ ولا بد من كشف حقيقة الواقعة، وألا يتعجل وإلا وقع في الخطأ[39]، ويروي في ذلك الإمام القرافي واقعة حصلت معه حيث يقول: "ولقد سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة: هل يجوز أم لا؟ فارتبت، وقلت له: ما أفتيك حتى تبين لي ما المقصود بهذا الكلام؟ فإن كل أحد يعلم أن عقد النكاح في القاهرة جائز، فلم أزل به حتى قال: إنا أردنا أن نعقده خارج القاهرة فمنعنا؛ لأنه استحلال؛ فجئنا للقاهرة فعقدناه، فقلت له: هذا لا يجوز بالقاهرة، ولا بغيرها"[40].
وأما الحكم التكليفي للتعجل في الفتوى فلا يخلو من حالتين: -على أن الحكم التكليفي سيقتصر على الحكم ديانة، أما تعزيرا وقضاء فسيكون في موضعه من البحث -:
الحالة الأولى: أن يكون قد تعجل لسبب من الأسباب التي هي محض هوى أو طلب رياسة ونحوها وهي التي ذكرتها في القسم الثاني من أقسام أسباب التعجل في الفتوى، فهذه مما يكون تعجله فيها بحسب مقصده المحرم، فيكون آثما، وتعجله في الفتوى محرما، وإذا كان حراما فهل يعزر عليه - محل بحث سيأتي-.
الحالة الثانية: أن يكون قد تعجل لسبب من الأسباب المتعلقة باستكمال النظر في الواقعة نظرا واستنباطا وأدلة وزمانا ومكانا، وغيرها من الأسباب، وهو محرم أيضا، وهو آثم شرعا، ولا يحصل له الأجر؛ لأن الأصل في المفتى أن يتريث في الفتوى؛ لأنه تجرأ على ما كان ينبغي عليه التمهل فيه؛ لأن مآل فعله ضرر بالمستفتي في دينه ونفسه وعرضه وماله، وهذا التعريض من حيث المآل محرم، ويكون آثما وذلك لأنه كان أهلاً للفتوى، لكنّه لم يبذل جهده بل تعجّل ومن هنا كان الإثم.
بخلاف ما لو استفرغ وسعه في الوصول إلى الحكم الشرعي، ثم أخطأ، فهذا مأجور على قصده في إصابته الحق أجرا واحدا كما هو معلوم.
ودليل هذا الحكم في حالتيه السابقتين:
1- ما سبق من الأدلة في تحريم التعدي على الفتوى، والتي نصت على تحريم الإفتاء بغير علم، وكذا حكمه فيمن تعجل في الفتيا، بجامع الإفتاء بالجهل مآلا، فيكون محرما كأصله؛ بمعنى: أنه يقاس من تعجل في الفتيا دون تثبت وتريث على من أفتى ابتداء دون علم؛ بجامع الإفتاء بالجهل في مآل كل.
2- وقد ورد في لفظ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أُفْتِي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه)[41].
فقوله: "غير ثبت": أي دون تريث، وهو نص في تحريم التعجل في الفتوى، فكان محرما، ومعنى: أُفْتِي: أي من وقع في خطأ بفتوى عالم؛ فلا إثم على متبع ذلك العالم، ومعنى: ثبت في المصباح رجل ثبت إذا كان عدلا ضابطا، أي متحريا للفتوى[42].
3- عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلا منا حجر، فشجه[43] في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة، وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي[44] السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر، أو يعصب على جرحه، ثم يمسح عليه، ويغسل سائر جسده"[45].
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عاب عليهم الفتوى بغير علم بتسرعهم في الإجابة، وقد كانوا صحابة فضلاء من أهل العلم والصلاح والتقوى، وألحق بهم الوعيد بأن دعا عليهم، وجعلهم في الإثم قتلة له، وهذا يدل على ارتكابهم كبيرة وهي التعجل في الفتوى، وهي محرمة[46].
4- عن عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رجل، فقال: أنشدك الله[47]، إلا قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه، وكان أفقه منه، فقال: اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي؟ قال: (قل). قال: إن ابني كان عسيفا[48] على هذا فزنى بامرأته، فافتديت[49] منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني: أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره، المائة شاة والخادم رد[50]، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها). فغدا عليها فاعترفت فرجمها"[51].
وجه الدلالة: نقض النبي صلى الله عليه وسلم حكم رجال من أهل العلم، بحكمه في المائة شاة والخادم أنها مردودة، وأن على ابنه جلد مائة وتغريب عام، وأن حكم المرأة الرجم إن اعترفت دليل على تحريم التعجل في الفتوى؛ وأنهم كان عليهم التثبت قبل الحكم، وهي قضية إفتاء كما نص على ذلك ابن حجر بقوله: " وفيه جواز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل، والرد على من منع التابعي أن يفتي مع وجود الصحابي مثلا"[52].
5- ما ورد في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (أجرؤكم على الفتيا، أجرؤكم على النار)[53]: بضم الفاء، أي: أكثركم إقداما على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر، والإفتاء بيان حكم المسألة.
والفتوى الجواب في الحادثة اشتقت على طريق الاستعارة من الفتي في السن، ومعنى: (أجرؤكم على النار): أي: أكثركم إقداما على دخولها؛ لأن المفتي مبين عن الله حكمه؛ فإذا أفتى على جهل، أو بغير ما علمه، أو تهاون في تحريره، أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار[54].
قال الزمخشري: "وكفى بهذه الآية - وهي قوله تعالى: (آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ) يونس/59، زاجرة زجرا بليغا عن التجوز فيما يسأل عنه من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيها، وألا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان، ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفتر على الله تعالى"[55].
وقد تقرر أنه يحرم على المفتي التساهل - وهو معنى التعجل - وعليه التثبت في جوابه، ولو ظاهرا فلا يطلق في محل التفصيل، فهو خطأ، وإذا سئل عن قول ما يحتمل وجوها كثيرة، فلا يطلق بل يقول: إن أراد كذا فكذا، وينبغي أن لا يفتي مع وجود شاغل لفكره كالقضاء[56].
6- ومما يستأنس به على تحريم التعجل في الفتيا، ما ورد عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاري الأزرق قال: دخل رجلان من أبواب كندة، وأبو مسعود الأنصاري جالس في حلقة، فقالا: ألا رجل ينفذ بيننا. فقال رجل من الحلقة: أنا فأخذ أبو مسعود كفا من حصى، فرماه به. وقال: "مه إنه كان يكره التسرع إلى الحكم"[57].
وجه الدلالة: رمي أبي مسعود الرجل بالحصى، وقوله: "مه، إنه كان يكره التسرع إلى الحكم " دليل على وجوب التثبت في الإفتاء من أهله؛ لأن الرجل أسرع إلى الإفتاء دون أن يستفصل عن الواقعة، وما يحف بها من ظروف، فكان التسرع في الإفتاء من أهله محرما ؛ لأن أبا مسعود لم يعب عليه كونه ليس من أهل العلم، بل كونه تسرع في التصدي للفتوى.
ولأهمية موضوع التعجل في الفتوى، وهو حصول التسرع فيها من قبل العالم، فقد رأيت سوق جملة من النصوص المنقولة عن العلماء تبين تخصيصهم هذا المصطلح بالعناية، ومزيد بيان بتحذيرهم من خطره، ومن ذلك ما يأتي:
1- ما نص عليه الإمام ابن الصلاح على تحريم التعجل في الفتوى بأنه " لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى - أي يتعجل فيها -، ومن عرف بذلك، لم يجز أن يستفتي، وذلك قد يكون بأن لا يتثبت؛ ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه أن الإسراع براعة والإبطاء عجز ومنقصة؛ وذلك جهل؛ ولأن يبطئ ولا يخطئ، أجمل به من أن يعجل فيضل، ويضل؛ فإن تقدمت معرفته بما سئل عنه على السؤال، فبادر عند السؤال بالجواب؛ فلا بأس عليه؛ وعلى مثله يحمل ما ورد عن الأئمة الماضين من هذا القبيل"[58].
2- ما قاله ابن حمدان أنه: "يحرم التساهل في الفتوى - يعني التعجل فيها-، واستفتاء من عرف بذلك؛ إما لتسارعه قبل تمام النظر والفكر؛ أو لظنه أن الإسراع براعة، وتركه عجز ونقص..."[59].
3- ما نص عليه النووي من تحريم التعجل في الفتيا، وعده من أنواع التساهل فيها حيث قال: "يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حرم استفتاؤه، فمن التساهل أن لا يتثبت، ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر؛ فإن تقدمت معرفته بالمسؤول عنه، فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة"[60].
4- ما نص عليه الإمام ابن القيم في منع التعجل في الفتيا استدلالا بصنيع السلف فقال: "وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه، بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة، أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى"[61]، وقال: "فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات"[62].
5-وقال ابن نجيم: "إن لم يكن غيره تعين عليه...، وإن كان غيره فهو فرض كفاية، ومع هذا لا يحل التسارع إلى ما لا يتحقق"[63].
6- ما جاء في مواهب الجليل: "والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت، ويسرع بالفتوى، أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر والفكر، وربما يحمله على ذلك توهمه: أن الإسراع براعة، والإبطاء عجز؛ ولأن يبطئ ولا يخطئ، أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل"[64].
7- وذكر الإمام الشوكاني جملة من الإشارات في مواضع متعددة من السيل الجرار حينما كان يعرض الخلاف المقارن بين أئمة المذاهب تدل على منع التعجل في الفتوى، ومنها قوله: "وبالجملة، فالتسرع إلى تشريع الأحكام، وإلزام عباد الله بها، هو من التقول على الله بما لم يقل، وقد ورد أنه من أشد الناس عذابا"[65]، وقوله: "فيالله العجب من التسرع إلى إثبات أحكام الله سبحانه بمجرد الخيالات المختلة والشبه المعتلة"[66]، وقوله: "والحاصل أن هذا التسرع إلى إثبات مثل هذه الأحكام الشرعية بمجرد الرأي الخالي عن الدليل ليس من دأب أهل الإنصاف ولا من صنيع المتورعين"[67].
وعلى هذا يحمل كلام الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ بزجر من تساهل في الفتوى على أن معناه: التسرع في الفتوى؛ لأنهم كانوا أئمة العلم والهدى، ومع ذلك فقد حذروا من بعدهم خطر الوقوع في الإفتاء بغير علم؛ لأن التسرع طريق لحصول نتيجة الفتوى بغير علم مآلا كما تقدم[68].
إذا تبين أن التعجل في الفتوى حرام، فهل تصح فتياه فيما أفتى حال كونه متعجلا، الذي يظهر أنه إن تعجل في فتياه فأصاب، ففتياه صحيحة، وإن أفتى فأخطأ فترد فتياه، وقد أشار ابن القيم إلى حكم صحة الفتوى حال كونه مشوش الذهن بالغضب بقوله: "ليس للمفتي الفتوى في حال غضب شديد، أو جوع مفرط، أو هم مقلق، أو خوف مزعج، أو نعاس غالب، أو شغل قلب مستول عليه، أو حال مدافعه الأخبثين - البول والغائط-، بل متى أحس من نفسه شيئا من ذلك، يخرجه عن حال اعتداله، وكمال تثبته، وتبينه، أمسك عن الفتوى؛ فإن أفتى في هذه الحالة بالصواب، صحت فتياه"[69].
فقوله: "يخرجه عن حال اعتداله، وكمال تثبته، وتبينه": يدل على أن هذه الأشياء أسباب للتعجل في الفتوى، فيندرج تحتها كل ما يؤدي إلى قلة التثبت في الفتوى، ولذلك إذا كانت فتياه والحالة هذه صوابا صحت فتياه.
وقد ورد عن الإمام ابن نجيم ما يؤكد صحة فتيا من تسرع فيها، ولكن مع التحقيق، وصحة الفتوى: "ويتثبت ولا يقدح الإسراع مع التحقيق"[70]، وقوله: "ولا يفتي في حال تغير أخلاقه خروجه عن الاعتدال، ولو لفرح ومدافعة أخبثين؛ فإن أفتى معتقدا أن ذلك لم يمنعه عن درك الصواب؛ صحت فتواه"[71].
أمثلة معاصرة للتعجل في الفتوى:
- من الأمثلة على التعجل في الفتوى ما يصدره بعض المفتين من جواز التعامل مع البنوك الربوية إذا كان القرض استهلاكيا لا إنتاجيا، وهذه التفرقة من بعض العلماء لا مستند لها، والتسرع في الفتوى هو السبب فيها؛ فلو محص الأمر ودقق النظر، وتشاور مع أهل العلم في المجامع الفقهية لظهر له خلاف ما أفتى به.
- ومن الأمثلة على التعجل في الفتوى ما نراه في بعض الفضائيات من تصدي بعض المفتين لبرامج الفتاوى، والحوارات التي يجرونها، وبعضهم يتسرع في إطلاق الحكم دون التثبت فيه.
- قيام بعض أئمة المساجد في زماننا في التسرع في إفتاء الناس في قضايا العبادات والزواج والطلاق دون التريث.
- ومن الأمثلة التسرع في إطلاق حكم بعض الظواهر التي برزت في مجتمعاتنا المعاصرة كزواج المسيار، والزواج (فريندز) دون التحقق من مناطه وصورته، والظروف التي نشأت فيه أمثال هذه القضايا.
المطلب الثاني: آثار التعجل في الفتوى وعلاجها:
أولا: آثار التعجل في الفتوى:
هناك آثار سلبية تظهر على مستوى المسلم والأمة والإفتاء، واستقرار الأحكام الشرعية من جراء التعجل في الفتوى، وتفصيلها على النحو الآتي:
أولا: آثارها السلبية على المسلم: من أهم هذه الآثار اضطرابه في علاقته مع ربه، والخلق، وحينئذ تكون عبادته على غير هدى، ويعبد الله على غير اليقين في الأحكام الشرعية وبخاصة في تلك التي تتعلق بالحقوق والفروج والالتزامات الشرعية.
والمفتي إذا لم يتق الله عز وجل في إفتائه، فإنه يعرض نفسه للخطر، ففي سنن أبي داود من حديث مسلم بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ بيتا في جهنم، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه)[72]، والتعجل في الفتوى من الإثم الذي ينبغي للمسلم الابتعاد عنه.
ثانيا: آثارها السلبية على الأمة: ذلك أن التعجل في الفتوى خاصة في القضايا المتعلقة بمصير الأمة، وقضاياها الحية الحساسة في الشرق أو في الغرب؛ له أثر مباشر وبالغ في توجيه الأمة نحو حكم الله عز وجل في المعاش والمعاد، وهذا التوجيه السديد من شأنه أن يجنب الأمة الوقوع في مخالفة الشارع من جهة، والوقوع في المفاسد من جهة أخرى، لاسيما أن المسلمين يعيشون ظروفا صعبة تتطلب التريث في الإفتاء؛ لئلا يؤول الإفتاء خدمة لغير المسلمين، وحجة على أهل الإسلام، فالمفتي عليه التريث في إطلاق الإفتاء في القضايا الخطيرة الحساسة؛ حتى يتبين أثرها على الأمة، وما ستحدثه من آثار سلبية على الأمة، وبخاصة إذا كان المفتي ممن يشار إليهم بالبنان في العلم، وممن يثق الناس بهم ؛ فإنه كما نـص العلماء زلة عالِم زلة عالَم، وإصابة عالم حياة للعالم.
ثالثاً: آثارها السلبية على مقام الإفتاء ومقاصده الشرعية: الإفتاء مقام مهيب، ومقاصده الشرعية تستند إلى بيان حكم الشارع للمسلمين، بيانا يحقق أغراض نصب المفتين، وهو استقرار الإفتاء، واستقلاله عن الهوى من قبل كل أحد، ومن قبل كل غرض، والتعجل في الإفتاء مظنة اضطراب هذا المقام، واختلاله، مما يؤدي إلى اضطراب الأحكام الشرعية.
ويصف ابن القيم حال هؤلاء المفتين بقوله: "وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل، بالمناصب لا بالأهلية؛ قد غرهم عكوف من لا علم عنده عليهم، ومسارعة أجهل منهم إليهم، تعج منهم الحقوق إلى الله تعالى عجيجا، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا، فمن أقدم بالجرأة على ما ليس له من فتيا أو قضاء أو تدريس استحق اسم الذم، ولم يحل قبول فتياه، ولا قضائه هذا حكم دين الإسلام"[73].
رابعا: آثارها السلبية على استقرار الأحكام العقدية، والأحكام الشرعية العملية: ذلك أن الإفتاء يدخل الأحكام الاعتقاديّة: من الإيمان باللّه واليوم الآخر وسائر أركان الإيمان. ويدخل الأحكام العمليّة جميعها: من العبادات والمعاملات والعقوبات والأنكحة، ويدخل الإفتاء الأحكام التكليفيّة كلّها، وهي الواجبات والمحرّمات والمندوبات والمكروهات والمباحات، ويدخل الإفتاء في الأحكام الوضعيّة كالإفتاء بصحّة العبادة أو التّصرّف أو بطلانهما، ومن هنا يظهر مدى الاضطراب الذي يخلفه التعجل في الفتوى في المجالات السابقة؛ لأنها مجالات مهمة، ويترتب عليها انتظام الحياة الشرعية في الأمة.
ثانيا: علاج التعجل في الفتوى:
هناك وسائل لعلاج التعجل في الفتوى، من أهمها:
أولا: استشعار مراقبة الله تبارك وتعالى، وتوجه المفتي إلى الله عز وجل[74]، ومن فعل ذلك فقد ركن إلى ركن ركين، ولم يتسرع في الفتوى، واستعان بالله عز وجل على موافقة الصواب علما وعملا وسلوكا؛ ولا ريب أن هذا الصنيع يقلل من إرادة التسرع لدى المفتي عند إفتائه.
ومما يحقق هذا الإكثار من الدعاء، والإلحاح على الحق تبارك وتعالى: أن يلهمه الصواب، وأن يجنبه الخطأ، والتعجل في الفتوى[75].
ويتفرع عن هذا، معرفة منزلة النية في الفتيا، فهي رأس الأمر وعموده وأساسه، وأصله الذي عليه يبنى؛ فإنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها، ما يبنى عليها يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، فكم بين مريد بالفتوى وجه الله ورضاه والقرب منه، وما عنده، ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته، وما يناله منه تخويفا، أو طمعا، فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة، وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب، هذا يفتى لتكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر، ورسوله هو المطاع، وهذا يفتي ليكون قوله هو المسموع، وهو المشار إليه وجاهه هو القائم سواء أوافق الكتاب والسنة أم خالفهما، ومن تريث في الفتوى فهو داخل في الطائفة الثانية التي تفتي بنية، وتقصد وجه الله والدار الآخرة؛ فمن استشعر هذا المعنى كف عن التسرع فيها؛ وأخذ بأسباب التروي طلبا للإصابة في الإجابة، والأجر والمثوبة من العلي القدير، فالمخلص له المهابة والمحبة، والآخر المقت والبغضاء[76].
ثانيا: السكينة عند الإفتاء، والسكينة طمأنينة القلب واستقراره، بالأسباب الجالبة له، تحصيلا للتريث الباطن الجالب للتريث الظاهر؛ وهو التمهل في الفتوى؛ فمن سكن باطنه، سكن ظاهره؛ ولم يهجم على الفتيا إلا بعد تمهل وتريث؛ وهذه السكينة هي المعينة على الصواب قولا وعملا، وهي علامة على الظفر، وحصول المحبوب، واندفاع المكروه، فمن لازم السكينة؛ لازمته العناية الربانية، ووافق الإصابة في الإجابة عن السؤال والفتوى[77].
ثالثا: أن يكون غرض المفتي إصابة الحق دون تحكيم هواه[78].
رابعا: التريث في الفتيا بما اشترطه الفقهاء من كتابة الفتوى في رقعة والتأكد منها، خصوصا إذا اشتمل اللفظ على بعض الملابسات التي تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال لا تعبر عن حقيقة الواقع، وهذه الكتابة سبيل من سبل التريث في الفتوى، وإرادة التمهل في تفهمها، وطلب درك حقيقتها؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره[79].
ولذلك احتاط الفقهاء للفتوى، ومنعوا التعجل فيها، وعالجوا هذه الظاهرة، عن طريق اشتراط الكتابة لها، قال النووي: "إذا رأى المفتي رقعة الاستفتاء، وفيها خط غيره ممن هو أهل للفتوى، وخطه فيها موافق لما عنده، قال الخطيب وغيره: كتب تحت خطه: هذا جواب صحيح، وبه أقول، أو كتب جوابي مثل هذا، وإن شاء ذكر الحكم بعبارة ألخص من عبارة الذي كتب، وأما إذا رأى فيها خط من ليس أهلا للفتوى، فقال الصيمري: لا يفتي معه؛ لأن في ذلك تقريرا منه لمنكر، بل يضرب على ذلك بأمر صاحب الرقعة..."[80].
وفي ذلك يقول ابن نجيم: "ومن آدابه: أن يأخذ الورقة بالحرمة، ويقرأ المسألة بالبصيرة مرة بعد مرة؛ حتى يتضح له السؤال، ثم يجيب، وإذا لم يتضح السؤال سأل من المستفتي"[81].
خامسا: طلب المفتي من المستفتي تكرير السؤال، احتياطا؛ وفي ذلك فوائد عديدة منها:
أ - أن المسألة تزداد وضوحا وبيانا بتفهم السؤال.
ب- أن السائل لعله أهمل فيها أمرا يتغير به الحكم، فإذا أعادها ربما بينه له.
ج- أن المسؤول قد يكون ذاهلا عن السؤال أولا ثم يحضر ذهنه بعد ذلك.
د- أنه ربما بان له تعنت السائل، وأنه وضع المسألة، فإذا غير السؤال، وزاد فيه، ونقص، فربما ظهر له أن المسألة لا حقيقة لها، وأنها من الأغلوطات، أو غير الواقعات التي لا يجب الجواب عنها، فإن الجواب بالظن إنما يجوز عند الضرورة، فإن وقعت المسألة صارت حال ضرورة، فيكون التوفيق إلى الصواب أقرب[82].
سادسا: ذكر الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والأئمة المجتهدين، وهو كما قال ابن القيم: "أن روح الفتيا الدليل عليها"، وقال: "عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى، وهذا العيب أولى بالعيب، بل جمال الفتوى وروحها، هو الدليل، فكيف يكون ذكر كلام الله، ورسوله، وإجماع المسلمين، وأقوال الصحابة- رضوان الله عليهم-، والقياس الصحيح، عيبا.
وهل ذكر قول الله ورسوله إلا طراز الفتاوى، وقول المفتي ليس بموجب للأخذ به، فإذا ذكر الدليل، فقد حرم على المستفتي أن يخالفه، وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم"[83].
سابعا: إحالة المفتي على غيره، واستشارة ذوي الدين والعلم والرأي في الواقعة التي تعرض عليه[84]، والتي تقلل من خطر التعجل في الفتوى؛ ما لم يكن هناك مفسدة من هذه المشورة.
ذلك أن للمفتي أن يحيل المستفتي على غيره من المفتين، إمّا بقصد أن يبرأ من عهدة الفتوى، وإمّا لكون الآخر أعلم، وإمّا لظرف يستدعي ذلك، ولا تجوز له الإحالة إلاّ أن يكون المحال عليه أهلاً للفتيا، سواء أكان يعلم أنّه يوافقه في الرّأي أم يخالفه، فإن أحال على من ليس أهلاً؛ فإنّه يكون معيناً على الإثم والعدوان، قال أبو داود: قلت لأحمد: الرّجل يسأل عن مسألة فأدلّه على إنسان؟ قال: إذا كان متّبعاً ويفتي بالسّنّة، قلت: إنّه يريد الاتّباع وليس كلّ قوله يصيب، قال: ومن يصيب في كلّ شيء؟
أمّا إن كان في المسألة نصّ صحيح أو إجماع، أو كان المحال عليه ممّن يتساهل - بالمعنيين السابقين - في الفتوى فلا تجوز الإحالة.
ومما ذكره العلماء أنه يستحب أن يقرأ ما في ورقة الفتوى على الفقهاء الحاضرين الصالحين لذلك، ويشاورهم في الجواب، ويباحثهم فيه؛ وإن كانوا دونه وتلامذته؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح إلا أن يكون فيها ما لا يحسن إبداؤه أو ما لعل السائل يؤثر ستره أو ما في إشاعته مفسدة لبعض الناس فينفرد هو بقراءتها وجوابها، وهذا التدبير يقلل من التعجل في الفتوى، ويعتبر علاجا لها[85].
وقد بين ابن القيم: أن المشاورة في الفتيا، وعدم الاستقلال بالجواب اعتدادا بنفسه، وارتفاعا على الناس؛ من الأمور اللازمة للمفتي تجنبا لمزالق التعجل والتسرع في الفتيا، بل قد أثنى الحق تبارك وتعالى على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) آل عمران/159، وقد كانت المسألة تنزل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فيستشير لها من حضر من الصحابة رضي الله عنهم، وربما جمعهم وشاورهم حتى كان يشاور ابن عباس - رضي الله عنهما- وهو إذ ذاك أحدث القوم سنا، وكان يشاور عليا - كرم الله وجهه - وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين[86].
ثامنا: نصب الإمام المفتين؛ ومراقبتهم من قبل هيئة للعلماء المعروفين بالعلم والإيمان، وهم ينظرون في شؤونهم سواء أكانوا منصبين من قبل الإمام، ولهم رزق من بيت مال المسلمين أم كانوا متبرعين، ولا ينصب الإمام إلاّ من كان أهلاً لذلك.
قال الإمام ابن نجيم: "وينبغي للسلطان أن يتفحص في ذلك -أي في أحوال المفتين-؛ ويولي من هو أولى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من قلد إنسانا عملا، وفي رعيته من هو أولى منه، فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين)[87].
ويتفرع عن ذلك وضع قواعد أساسية لتقويم المفتين، ووضع الضوابط التي تضمن توفر الشروط الشرعية فيمن يفتي للناس في أمور دينهم، وتقوم هذه اللجنة العلمية بمنح إجازات علمية للفتيا.
فقد ترى اللجنة أن الإفتاء لا يكون في مجال الدماء والأموال وقضايا الزواج والطلاق، ويجوز في العبادات مثلا، فلها ذلك حسما لمادة التساهل والاضطراب في الإفتاء.
تاسعا: تعزير المتعدي في الفتوى والمتعجل فيها؛ منعا له، وزجرا لغيره، وهو محل البحث سيأتي - إن شاء الله تعالى -.
المبحث الثاني
التعزير على التعجل في الفتوى والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به وأثره على انضباط الأحكام
المطلب الأول: مفهوم التعزير:
أما التعزير لغة: فهو مصدر عزّر من العزر، وهو الرّدّ والمنع، وسمّيت العقوبة تعزيراً، لأنّ من شأنها أن تدفع الجاني وتردّه عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها[88].
وفي الاصطلاح: "هو التأديب دون الحد"[89].
وهو عقوبة غير مقدّرة شرعاً، تجب حقّاً للّه، أو لآدميّ، في كلّ معصية ليس فيها حدّ ولا كفّارة غالباً[90].
قال ابن فرحون: "والتعزير تأديب استصلاح، وزجر على ذنوب لم يشرع فيها حدود ولا كفارات... ولما كان الناس لا يرتدعون عن ارتكاب المحرمات والمنهيات إلا بالحدود والعقوبة والزواجر؛ شرع ذلك على طبقات مختلفة..."[91].
وقال ابن قدامة: "التعزير هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها"[92].
والتعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار، فرب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر[93].
قال الماوردي: "والتعزير تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله"[94].
يتضح من كلام الماوردي الحكم التكليفي العام للتعزير وهو: أنّ الأصل في التّعزير أنّه مشروع في كلّ معصية لا حدّ فيها، ولا كفّارة. ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله.
ويعرف الدكتور فتحي الدريني التعزير بقوله: "عقوبة مفوض أمر تقديرها، نوعا، وقدرا، إلى الإمام؛ أو من يعينه؛ حسبما يرى من المصلحة الملائمة لسنن المشرع وتصرفاته في التشريع؛ على كل معصية: من تركِ واجب، أو فعلِ محرم، مما لم يرد فيه حد، ولا كفارة؛ سواء أكانت المعصية متعلقة بحق من حقوق الله تعالى؛ بما يمس الجماعة وأمنها، ونظامها العام، أم بحق الإنسان الفرد"[95].
ومعلوم: أن حكمة مشروعية التعزير هي: ردع الجاني بمنعه من معاودة الجريمة وزجره، وإصلاحه وتهذيبه[96]، وهو المقصود في التعزير في التعجل في الفتوى، والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به.
المطلب الثاني: مدى سلطان الدولة على التعزير عموما وعلى التعزير على التعجل في الفتوى خصوصا:
إن التعزير على التعجل في الفتوى له ارتباط وثيق بمدى سلطان الدولة على المفتين، وهل للدولة الحق في تقييد عمل المفتين، وضبط تصرفاتهم، أو ليس لها ذلك؟
إن هذه الجزئية لها ارتباط وثيق بمفهوم السياسة الشرعية، والتي تعني: أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة؛ وأن وظيفة الإمام هي القيام على شؤون الأمة داخلا وخارجا؛ بما يحقق لها المصالح الشرعية، وينفي عنها المضار، ثم إن تطبيق قواعد السياسة الشرعية على تقييد عمل المفتين، وما يترتب عليه من عقوبات تعزيرية؛ مرتبط ارتباطا وثيقا بتحقيق المصالح العامة للأمة؛ ذلك لأن الإمام مطالب أن يولي الصالح، ويراقبه لتحقيق مصلحة الأمة، ويقوم بمهمة التسديد والمتابعة لعمل العمال، ومن ينصبهم في أي عمل كان، ومنه عمل المفتين، فتعيينهم ابتداء، ومتابعتهم، ومراقبتهم من أهم مهمات الإمام، لخطورة مقام الإفتاء في إصلاح الدين والدنيا.
وإذا أردنا أن نتعرف الارتباط بين السياسة الشرعية وبين فلسفة العقوبة الشرعية، نجدها واضحة جلية من خلال النصوص القرآنية التي تقرر العقوبات على الجنايات والجرائم والمعاصي، والتي تحمل معها مظاهر سياسية، بمعنى أن تطبيق هذه العقوبات الشرعية يحقق غرض السياسة الشرعية، وهو حسم مادة الإجرام؛ فتتحقق بذلك السياسة الرادعة والزاجرة صيانة للدين والنفس والعقل والعرض والمال؛ وبذلك تتحقق سلامة المجتمع والدولة؛ وذلك يشير إلى التلاحم الشديد بين مقاصد العقوبات الشرعية، ومقاصد السياسة الشرعية؛ لأن العقوبات جزء منها[97].
فتدخل الإمام في أحوال المفتين، والتأكد من أهليتهم ابتداء، واختيار الأصلح منهم، ومنع من ليس أهلا للولوج في سلك الإفتاء، ومراقبة عملهم؛ هو من صميم عمل السياسة الشرعية؛ لأنه يحقق مقاصد العقوبات، وهي حفظ الضروريات المتقدمة، والمفتي بعمله يقوم بالتعامل مع هذه المقاصد، فتوجيه الإمام واستعماله العقوبات التعزيرية المناسبة محافظة على هذه المقاصد الشرعية، من أعظم مهام ولي الأمر، وفيه تحقيق لمقاصد السياسة الشرعية، وهي قيام الإمام بما يصلح الأمة علما وعملا، ومن أخطرها مقام الإفتاء؛ لخطورته ودخوله في مجالات الحياة كلها؛ لأن المفتي طبيب القلوب ومقومها فيما يصلحها في شأن دينها، كما أن الطبيب معالج الأبدان فيما يصلح دنياها.
إذا تقرر هذا، وتبين بأن التعدي في الفتوى، والتخفيف والتشدد فيها، والتعجل فيها أيضا كل ذلك محرم، وهو معصية، والتعزير يشرع في كل معصية ليست فيها عقوبة مقدرة؛ فإن هذه المخالفات التي تضمنتها هذه المصطلحات يشرع فيها التعزير؛ حينئذ عملا بأصل مشروعية قيام الإمام بمصالح الأمة عن طريق السياسة الشرعية.
ولكن السؤال هنا؛ هل للعقوبة التعزيرية من ضوابط عامة؟ وهل للعقوبات التعزيرية المتعلقة بالمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات السابقة من ضوابط خاصة؟ تمهيدا للبحث في أعيان هذه العقوبات التعزيرية التي يمكن تطبيقها على من تعدى أو تساهل أو تخفف أو تشدد أو تعجل في الفتوى.
إن الإجابة عن ذلك تكون في النقاط الآتية:
أولا: الضوابط العامة للعقوبات التعزيرية:
تنبني الضوابط العامة للعقوبات التعزيرية على القاعدة المعروفة، والتي تقضي بأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة"[98]، فتصرف الإمام في باب العقوبات التعزيرية هدفه تحقيق المصلحة، وهو زجر الجاني وردعه، والمحافظة على المجتمع، وممارسة الإمام للعقوبات التعزيرية ينبغي أن يكون منضبطا بضوابط شرعية؛ تتحقق بها ثمرة التصرف والعقوبة، منعا لتطرق الفساد والزيغ على تصرفات الإمام في هذه العقوبات، ولأن الموضوع ليس الضوابط العامة للعقوبات التعزيرية؛ وإنما المقصود الاسترشاد بها لاستنتاج ضوابط خاصة للعقوبات التعزيرية في التعجل في الفتوى والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به، فسأعرض هذه الضوابط العامة دون الدخول في تفصيلاتها، وهي[99]:
أ- أن يكون الباعث على العقوبة التعزيرية تحقيق مصالح الإسلام والمتمثلة بالمقاصد الشرعية وحمايتها؛ لا حماية الأهواء النفسية والشهوات؛ تحقيقا للعدل؛ ونفيا لأسباب الظلم والفساد.
ب- ألا يترتب على العقاب التعزيري ضرر أكبر أو فساد أشد فتكا بحيث تتجاوز القدر المناسب للجريمة؛ تجنيبا للمجتمع من آثار سلبية ضارة؛ وألا يكون عقابا ضعيفا قاصرا؛ بحيث يكون عاجزا عن زجر الجاني، وردعه؛ وتهذيبه؛ بمعنى: أن يكون العقاب - نوعا وقدرا- ملائما ومناسبا للجرائم والأشخاص.
ثانيا: الضوابط الخاصة للعقوبات التعزيرية على التعجل في الفتوى والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة بها:
تطبيقا للضوابط العامة للعقوبات التعزيرية؛ فإنه يمكن استنتاج الضوابط الخاصة للتعزير على التعجل في الفتوى، والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به، على النحو الآتي:
أ- أن يكون الباعث على العقوبة التعزيرية تحقيق المقاصد الشرعية المتعلقة بمقام الإفتاء، واستقرار الأحكام الشرعية، وقيام الناس بالمحافظة على شؤون دينهم ودنياهم على نحو يحقق الاستقرار، وينفي الاضطراب والتساهل، وهدم الأحكام الشرعية.
ب- أن يكون مقصود الإمام من تطبيق الأحكام التعزيرية هو تحقيق المصلحة، وليس هدفا آخر غير مشروع؛ كهوى، أو التلاعب بالأحكام الشرعية، وتغييرها وفق مصلحة الحاكم التي تنافي المصالح الشرعية؛ لئلا يؤدي استخدام الحاكم هذه العقوبات التعزيرية على اختلافها سيفا مسلطا على رقاب العلماء والفقهاء، ويمنع حينئذ حرية الكلمة الصادقة المسؤولة، ويمنع كلمة الحق التي يجب أن يقولها العالم احتسابا لوجه الله تعالى، ولكي لا يؤدي هذا التعزير إلى توجيه الحاكم الإفتاء الوجهة التي تخالف الشرع.
وحتى نمنع من الوقوع في المحاذير السابقة، فإنه يلزم تشكيل جمعية للعلماء المعروفين بالعلم والصلاح والتقوى، في كل بلد من بلاد الإسلام توكل إليها مهمة تعيين المفتين، والتأكد من صلاحيتهم، ومراقبة أعمالهم، وتسديد أعمالهم، يستشيرهم الحاكم في هذه المهمة التعزيرية، وكيف يتم التعزير لهم، مع اختلاف مراتب المفتين، واختلاف الحالات التي يتعدى فيها المفتي على الفتوى أو يتعجل، ولا يستقل الإمام بنفسه في هذه المهمة؛ لكي نحقق غرضين متقابلين، الأول: حفظ مصالح الأمة عن طريق إصلاح المفتين، والثاني: منع الحكام من التعدي على مقام الإفتاء بما لا يحقق الأغراض الشرعية، ويعرض مقام الإفتاء لهذا الخطر.
وقد نص الفقهاء على هذا التدبير الأخير في نصوص صريحة وواضحة، وتمنع من وقوع المحاذير السابقة، ومنها:
قال النووي: "وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتيا أن يسأل عنه علماء وقته، ويعتمد إخبار الموثوق بهم"[100].
وقال ابن نجيم: "وينبغي للإمام أن يسأل أهل العلم المشهورين عمن يصلح للفتوى؛ ليمنع من لا يصلح، ويتوعده بالعقوبة بالعود"[101].
إن تعزير الفقهاء والعلماء والمفتين يختلف عن تعزير سائر الناس؛ فإن المفتين من العلماء والفقهاء الذين هم أشرف الناس، ولذلك نص العلماء على أن تعزيز العلماء له طبيعة تختلف عن طبيعة تعزير المجرمين والعاصين، ونحوهم، ومن هذه النصوص ما يأتي:
قال الماوردي: "إن تعزير ذوي الهيبة والعلم من أهل الصيانة؛ أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة، فيراعى تدرج الناس في منازلهم"[102].
وقال الكاساني: "ومن مشايخنا من رتب التعزير على مراتب الناس، فقال: التعازير على أربعة مراتب: تعزير الأشراف، وهم الدهاقون والقواد، وتعزير أشراف الأشراف: وهم العلوية و الفقهاء، وتعزير الأوساط، وهم السوقة، وتعزير الأخساء وهم السفلة، فتعزير أشراف الأشراف: بالإعلام المجرد، وهو أن يبعث القاضي أمينه إليه، فيقول له: بلغني أنك تفعل كذا و كذا، وتعزيرالأشراف: بالإعلام والجر إلى باب القاضي، والخطاب بالمواجهة، وتعزير الأوساط: الإعلام، والجر، والحبس، وتعزير السفلة: الإعلام، والجر، والضرب، والحبس؛ لأن المقصود من التعزير هو الزجر و أحوال الناس في الانزجار على هذه المراتب"[103].
ويمكن تلخيص الطبيعة التعزيرية المتعلقة بالفقهاء والمفتين بأنها تقوم على:
1- مراعاة فضل هؤلاء العلماء وإجلالهم، وإبقاء هيبتهم عند القيام بأي إجراء تعزيري حفظا للمصلحة العامة.
2- البدء بالعقوبة الأخف دائما؛ لأن العالم عنده من الورع والتقوى ما يردعه عن الوقوع فيما حرم الله عز وجل في الإفتاء بغير علم، فيبدأ بالمناصحة اللينة، والإعلام المجرد، والتنبيه، والتصويب، ونحو ذلك من العقوبات التعزيرية التي تتناسب مع مقامهم، ثم ينظر بعدها في حال المفتي ومدى استجابته، للعقوبة الأخف، ويتدرج معه في استخدام العقوبة المناسبة، فقد ينتقل إلى المنع أو العزل أو الضمان، أو غيرها.
3- استخدام الطريقة التي فيها ستر وإخفاء لزلات هؤلاء العلماء عملا بمبدأ الستر عموما، وحفظا لمقام العلم والعلماء كيلا تستخف به العامة، وحتى يبقى احترام المفتين قارا في نفوس عامة الناس.
4- أن يسوى في التعامل مع العلماء جميعا في اتخاذ العقوبات التعزيرية على نحو لا يحابى فيه مفتيا على حساب مفت آخر تحقيقا لأغراض غير مشروعة.
المطلب الثالث: الحكم التفصيلي للتعزير على التعجل في الفتوى والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به:
يشرع التعزير في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، ويكون بترك الواجب، وفعل المحرم، وقد يكون بفعل المباح؛ الذي يؤدي إلى مفسدة؛ بناء على قاعدة سد الذرائع[104].
وسيكون البحث في هذا المطلب في الحكم التفصيلي للتعزير على التعجل في الفتوى، والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به، وهي: التعدي في الفتوى، والتخفيف في الفتوى والتشدد فيها، والتساهل فيها، وقبل ذلك فلا بد من تسجيل أمر، وهو أن النصوص الواردة في التعزير على التعجل في الفتوى، والمخالفات الشرعية التي تضمنتها هذه المصطلحات المتعلقة به، نصوص قليلة، حتى إنني لم أجد إلا نصا واحدا فيما بحثت نص فيه العلماء على تعزير المفتي الأهل للإفتاء، وهو نص الإمام ابن نجيم، وسيأتي، ثم هناك نصوص أخرى دلت على تعزير المتعدي في الفتوى، كالنصوص الدالة على منعه، وتسميته بالمفتي الماجن ومنعه أيضا، ويبدو أن سبب قلة النصوص في هذا المجال ترجع لأمور منها:
1- أن مقام الإفتاء كان مقاما مهيبا، لا يجرؤ أحد على أن يتعداه دون أن تكون له أهلية شرعية، ولذلك قل ظهور التعدي والتعجل فيه، فقلت النصوص التي تعالج هذا الموضوع.
2- كانت مكانة العلماء معروفة، ومقامهم مهيبا، فلا يجرؤ أحد على المساس بهم لكونهم قائمين بواجب الإفتاء الشرعي على الوجه المطلوب.
3- قلة المنتقدين لمقام الإفتاء والمفتين؛ فقلت معالجة الفقهاء لهذا الجانب، وأن الفقهاء رحمهم الله تعالى وضعوا ضوابط عامة للتعامل مع الولايات المختلفة التي ينصبها الإمام، ومنها الإفتاء.
4- شعور الفقهاء بخطورة إطلاق سلطان الحكام على المفتين، مما يعزز استقلالية القضاء والإفتاء؛ لكي يكون حكما وإفتاء بالعدل والحق.
وسيأتي الآن البحث التفصيلي في حكم التعزير للمخالفات الشرعية التي تضمنها كل مصطلح من المصطلحات السابقة، ثم ترتيب الأحكام التعزيرية التي يمكن إيقاعها على المفتي ترتيبا يبدأ بالأخف ثم بالأشد، وهكذا، وذلك على النحو الآتي:
التعزير على التعدي في الفتوى:
تقدم من المبحث السابق أن التعدي في الفتوى محرم، وفعل المحرم يكون داخلا ضمن دائرة التعزير؛ فإذا تعدى طائفة من الناس على مقام الإفتاء، وهم ليسوا أهلا له؛ بأن يكونوا جاهلين؛ أو غير مستكملين للشروط الشرعية المعروفة لمقام الإفتاء، فللإمام اتخاذ التدابير العقابية التعزيرية التي تحول دون قيام هؤلاء بهذا العمل المحرم.
والإمام حينئذ مطالب بتخصيص طائفة من العلماء المعروفين المشهورين بالصلاح والتقوى للقيام بهذه المهمة، وهو ما نص عليه غير واحد من الفقهاء، وتفقد أحوال المفتين، ويبدو من خلال استقـراء كلام الفقهاء أن تعزير هؤلاء المتعدين يكون ضمن ما يأتي:
أولا: الإعلام المجرد: وصورته أن يقول العلماء الذين يخولهم الإمام لمن يتعدى في الفتوى، وهو ليس أهلا لها: بلغنا أنّك أفتيت، وأنت لست مؤهلا للفتيا، فلا تفت بلا علم، أو يبعث إليه العلماء أمينهم، ليقول له ذلك؛ فإن امتنع عن ذلك، وإلا فالإنذار له؛ فإن استمر فيمنع، وهو التدبير الآتي.
ثانيا: منعهم من الفتوى، ومن النصوص الدالة على هذا التدبير التعزيري:
1- قال ابن نجيم: "وينبغي للإمام أن يبحث عن أهل العلم عمن يصلح للفتوى؛ لمنع من لا يصلح"[105].
فقوله: "لمنع من لا يصلح": يدل على أن الإمام يبحث عن أهل العلم للفتيا، ويقوم بذلك لمنع من يتصدى للفتوى دون علم، وأن تنصيب المفتين المؤهلين مانع بذاته من تصدي الجاهلين للفتوى.
2- قال ابن القيم: "من أفتى الناس، وليس بأهل للفتوى، فهو آثم عاص، ومن أقره من ولاة الأمور على ذلك؛ فهو آثم أيضا.
قال أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله -: ويلزم ولي الأمر منعهم كما فعل بنو أمية، وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب، وليس له علم بالطريق، وبمنزلة الأعمى الذي يرشد الناس إلى القبلة، وبمنزلة من لا معرفة له بالطب، وهو يطب الناس، بل هو أسوأ حالا من هؤلاء كلهم، وإذا تعين على ولي الأمر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى، فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة، ولم يتفقه في الدين.
وكان شيخنا رضي الله عنه شديد الإنكار على هؤلاء، فسمعته يقول: قال لي بعض هؤلاء أجعلت محتسبا على الفتوى، فقلت له يكون على الخبازين والطباخين محتسب، ولا يكون على الفتوى محتسب"[106].
فالنص السابق فيه دلالات عدة تفيد منع المتعدي على الفتوى، وهي:
- أن قوله: "ويلزم ولي الأمر منعهم؛ كما فعل بنو أمية": يدل دلالة صريحة على أن من مهام ولي الأمر القيام بتعيين المفتين، ومنع من لا يصلح منهم.
- أن قوله: "بمنزلة الأعمى... وبمنزلة من لا معرفة له بالطب... بل هو أسوأ حالا...": الكلام المتقدم يدل على أن الإمام يمنع من يدعى الطب وهو ليس أهلا له، بل ويضمنهم؛ ثم يبين بأن المفتي الجاهل أسوأ حالا، وأخطر أثرا من هؤلاء؛ لأن هؤلاء يضرون بدنيا الناس، والمفتي الجاهل يضر بدين الناس، ولذلك يتعين منعه.
- أن قوله: "يكون على الخبازين والطباخين محتسب، ولا يكون على الفتوى محتسب": يدل على وجوب الاحتساب على الفتوى، والاحتساب أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله، والاحتساب في الفتوى هو منع من لا يكون أهلا له، لأن أصحاب الصنائع الدنيوية يمنعون من الإضرار بالناس، فمن باب أولى منع المفتين من الإضرار بدين الناس.
3- وقال الخطيب البغدادي: "وقد كان خلفاء بني أمية ينصبون للفتوى بمكة أيام الموسم قوما يعينونهم، ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم، ويروي بسنده إلى أبي يزيد الصنعاني عن أبيه قال: كان يصبح الصائح في الحاج؛ لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح؛ فإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح"[107].
فقوله: "ينصبون للفتوى أيام الموسم قوما يعينونهم، ويأمرون بأن لا يستفتى غيرهم": يدل على أن الإمام ينصب من يصلح للفتوى، وتعيينه جماعة من المفتين يدل على منع غيرهم، بل قد وصل الأمر إلى تعيين فقهاء بأسمائهم تأكيدا على منع غيرهم من الإفتاء.
ومما يتصل بمنع المتعدي في الفتوى؛ عدم إقراره وإعانته؛ وإظهار أمره، قال القرافي: "وينبغي للمفتي متى جاءته فتيا؛ وفيها خط من لا يصلح للفتيا؛ ألا يكتب معه؛ فإن كتابته معه تقرير لصنيعه، وترويج لقوله الذي لا ينبغي أن يساعد عليه؛ وإن كان الجواب في نفسه صحيحا؛ فإن الجاهل قد يصيب، ولكن المصيبة العظيمة، أن يفتي في دين الله من لا يصلح للفتيا؛ إما لقلة علمه، أو لقلة دينه، أو لهما معا"[108].
فقوله: "وفيها خط من لا يصلح للفتيا؛ ألا يكتب معه؛ فإن كتابته معه تقرير لصنيعه، وترويج لقوله الذي لا ينبغي أن يساعد عليه؛ وإن كان الجواب في نفسه صحيحا؛ فإن الجاهل قد يصيب": يدل على عدم جواز إعانة الجاهل المتعدي على الفتوى، بعدم الكتابة معه لئلا يقر على تعديه على الفتوى، وإن أصاب...
ثالثا: إنذار المتعدي في الفتوى، والتشهير به والتحذير منه، وإذا عاود الإفتاء وهو جاهل، بعد منعه، وإنذاره، والتشهير به، قد يتخذ الإمام معه عقوبة مناسبة تمنعه من العبث في الأحكام الشرعية، ويترك تقديرها للإمام بعد استشارة أهل العلم، كالحبس، أو الغرامة، أو نحوها، وهذا يؤخذ من قول ابن نجيم: "وينبغي للإمام أن يسأل أهل العلم المشهورين عمن يصلح للفتوى؛ ليمنع من لا يصلح، ويتوعده بالعقوبة بالعود"[109].
فقوله: "ويتوعده بالعقوبة بالعود": يدل على أن من عاود الإفتاء، وهو ليس أهلا؛ فللإمام أن يهدده، بالعقوبة المناسبة - بعد استشارة أهل العلم - إذا لم يمتنع عن الإفتاء دون علم.
وعليه: فإن لم يمتنعوا شهر بهم الإمام، وهددهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرهط الذين أفتوا صاحب الشجة بالاغتسال، فمات، فدعا عليهم: (قتلوه قاتلهم الله)[110]، وإن عاودوا قام باتخاذ التدابير اللازمة من الحبس ونحوها من العقوبات.
رابعا: ضمانهم فيما أفتوه جاهلين به في النفس والمال: هل يحكم على المتعدي في الفتوى بالتعزير بالضمان، هناك ثلاثة أقوال للعلماء في ضمان المفتي عموما[111]:
القول الأول: أن المفتي يضمن إذا كان أهلا للفتوى، ولا يضمن إن لم يكن أهلا؛ كذا حكاه الشيخ أبو عمرو ابن الصلاح[112]؛ وسكت عليه قال: ابن القيم: "وهو مشكل"، ووافقه على ذلك أبو عبد الله بن حمدان في كتاب آداب المفتى والمستفتى[113]، وقال عنه ابن مفلح: "وهو بعيد جدا، لا وجه له"[114].
واستدل أصحاب هذا القول بأن المستفتي قصر في استفتائه وتقليده[115].
القول الثاني: أن المفتي يضمن إذا لم يكن أهلا، ولا يضمن إذا كان أهلا للفتوى، والضمان على المستفتي[116]، وقال ابن مفلح: "الوجه الثاني: يضمن، وهو الصواب، ومما لا شك فيه"[117].
واستدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1-عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ومن تطبب، ولا يعلم منه طب، فهو ضامن"[118].
وجه الدلالة في الحديث: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم من تطبب، ولا يعلم منه طب، فهو ضامن: نص في تضمين الطبيب الجاهل؛ لكونه تعاطى شيئا لا يعرفه، وأضر بالناس، ويقاس عليه سائر المهن والصنائع، والإفتاء أعظم شأنا من الأمور الدنيوية؛ لأن الطبيب ومن شاكله يصلحون دنيا الناس، فكيف بمن يصلحون دينهم؛ فهم أولى بالضمان إن كانوا جاهلين، ويتفرع عنه أيضا أن من أفتى الناس بعلم فأخطأ فخطؤه مغفور، ولا ضمان عليه.
وقد بوب له أبو داود بقوله: "باب: فيمن تطبب بغير علم، فأعنت، أي: أضر المريض، وأفسد"[119].
وهذه الترجمة يستفاد منها: وجوب الضمان عند حصول الضرر مع الجهل، كذا بالنسبة للمفتي فإنه أضر بالناس عن جهل فيضمن.
وهذا يدل على أنه إذا عرف منه طب، وأخطأ لم يضمن، والمفتى أولى بعدم الضمان من الحاكم، والإمام؛ لأن المستفتى مخير بين قبول فتواه، وردها.
2- أنه يخرج الضمان في المفتي على التغرير الحاصل للغير في بابي الغصب والنكاح وغيرهما، وهو تضمين من ليس بأهل؛ لأنه تصدى لما ليس له بأهل، وغر غيره بقول لا يعرفه في باب النكاح وغيره، وكذلك الحال من غر من استفتاه بتصديه لذلك وهو ليس بأهل، فإنه يضمن أيضا، وهذه القاعدة مبنية أيضا على الحديث السابق فإنه أصل في الضمان لمن تصدى لأمر، وهو غير أهل فيه[120].
القول الثالث: يقطع بعدم الضمان، والدليل على ذلك أنه ليس في الفتوى إلزام ولا إلجاء للمفتي ابتداء، فلا يقع الضمان ابتداء[121].
الرأي الراجح:
الرأي الراجح هو القول بأن المفتي يضمن إذا لم يكن أهلا، وعدم ضمانه إذا كان أهلا؛ لصراحة حديث النبي صلى الله عليه وسلم في تضمين الجاهل، والمفتي منهم؛ ولأن ترك الضمان سيؤدي إلى تجرؤ الناس على الفتوى بغير علم وبخاصة في الأموال والأنفس.
ولأن ما استدل به أصحاب القول الأول القائلين: بأن المفتي يضمن إذا كان أهلا للفتوى، ولا يضمن إن لم يكن أهلا: من أن المستفتي قصر في استفتائه وتقليده، فيرد عليه: بأنهم قلبوا المسألة فضمنوا الذي ليس أهلا، ولم يضمنوا المتعدي في الفتوى؛ لأن الأصل الوارد في السنة تضمين الجاهل، وليس العكس، ولأن المستفتي لا يعذر بجهله أهل الإفتاء العالمين، ولا يمكنه أن يميز العالم من غيره؛ كما أنه إذا قلنا بذلك لأغلقنا الباب أمام الإفتاء؛ ولامتنع المفتون العالمون عن الإفتاء؛ لتضمينهم بجهل المستفتين من يقلدون.
وأما القائلون بعدم الضمان مطلقا، فقولهم مرجوح أيضا: لأنه اجتهاد في مورد النص، ولا اجتهاد في مورد النص؛ وحديث تضمين الجاهل، صحيح سندا، ودلالته صريحة في التضمين.
وأما قولهم: إنه ليس في الفتوى إلزام ولا إلجاء للمفتي، فلم يترتب عليه ضمان لكونه لا يجبر على الإفتاء ابتداء، فلا يضمن لهذا، فيرد عليه: بأنه لا علاقة بين عدم إلزام المفتي بالإفتاء ابتداء والضمان، فالمفتي لا يجبر على الإفتاء، ولكنه إذا قبل الإفتاء؛ فعليه ألا يقدم عليه إلا إذا كان أهلا، وإلا وجب عليه الإحجام عنه؛ أما وإن قبله فيدخل تحت قاعدة: الضمان على الجاهل، والمفتي إذا كان متعديا جاهلا؛ فإنه يضمن تطبيقا لمناط هذه القاعدة.
قال ابن مفلح: "وعلى كل حال القول بعدم الضمان ضعيف جدا؛ والأولى للمصنف أنه كان يقدم الضمان، والله أعلم"[122].
وقال الإمام ابن نجيم: "وإن أتلف بفتواه لا يغرم، ولو كان أهلا، والله تعالى أعلم"[123].
ب- التعزير للمتساهل في الفتوى بالتخفيف فيها، أو قيامه بالتشدد فيها:
تقدم الكلام فيما سبق في أن المتساهل في الفتوى هو الذي يفتي بالأخف، والذي يأخذ بالحيل، ويفتي بالأشد، وقد تقدم أن هذا الصنف فعله محرم؛ لكونه ينقض أصل التشريع والتكليف كما نص على ذلك فيما تقدم الإمام الشاطبي، وقد يعترض: بأن الإفتاء بالأخف ضرب من ضروب التيسير المطلوبة؛ لأن الشارع أمر بالتيسير، فيقال: بأن الشارع أمر المجتهد أن ينظر في الأدلة؛ لأن مناط الأحكام هو الدليل، وهو عمل المجتهد، وأن وصف التيسير هو من عمل الشارع، وعمل المجتهد البحث في تحقيق مناط الأدلة، والتي قد يكون التيسير أحد المناهج التي يعتمد عليها الفقيه استنباطا من دليل من الأدلة الشرعية المعروفة.
وقد يقوم المفتي بالإفتاء بالأخف أو الأخذ بالحيل تقصدا وتعمدا، وهذا متلاعب في الشرع، وهو الذي منعه الإمام أبو حنيفة من الإفتاء، وسماه المفتي الماجن[124]، وقد وردت في منع المفتي الماجن نصوص سيأتي بيانها.
وعليه: فإن هذا الصنف من المفتين يتخذ في حقه جملة من التدابير التعزيرية؛ لأنه مرتكب محرما؛ بل هي كبيرة من الكبائر كما تقدم، وهذه التدابير التعزيرية تتدرج على النحو الآتي من الأخف إلى الأشد:
أولاً: الإعلام المجرد وقد تقدم، ومنع المفتي المتخفف أو المتشدد، أو الحجر على المفتي الماجن:
الأصل منع المفتي الماجن، والذي يتخفف في الفتوى عن طريق التوصل إلى استباحة المحرم عن طريق تعليم الحيل، ومرادهم بالماجن: من يعلّم الحيل الباطلة، كمن يعلّم الزّوجة أن ترتدّ لتبين من زوجها، أو يعلّم ما تسقط به الزّكاة، أنه قد اتبع الهوى، "وأما اتباع الهوى في القضاء والفتيا فحرام إجماعا،... وأما الفتيا والحكم بما هو مرجوح فخلاف الإجماع"[125].
وقد وردت نصوص عند الفقهاء تدل على منع المفتي الماجن، ومنها:
1- ما جاء في المبسوط: "لا يجوز الحجر إلا على ثلاثة: على المفتي الماجن، وعلى المتطبب الجاهل، وعلى المكاري المفلس؛ لما فيه من الضرر الفاحش؛ إذا لم يحجر عليهم، فالمفتي الماجن يفسد على الناس دينهم، والمتطبب الجاهل يفسد أبدانهم، والمكاري المفلس يتلف أموالهم؛ فيمتنعون من ذلك؛ دفعا للضرر"[126].
2- وقال الكاساني: "وما روي عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه كان لا يجري الحجر إلا على ثلاثة: المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس، وليس المراد هنا حقيقة الحجر، وهو المعنى الشرعي الذي يمنع نفوذ التصرف؛ ألا ترى أن المفتي لو أفتى بعد الحجر، وأصاب في الفتوى جاز، ولو أفتى قبل الحجر وأخطأ لا يجوز، وكذا الطبيب لو باع الأدوية بعد الحجر نفذ بيعه، فدل أنه ما أراد به الحجر حقيقة؛ وإنما أراد به المنع الحسي، أي: يمنع هؤلاء الثلاثة عن عملهم حسا؛ لأن المنع عن ذلك من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لأن المفتي الماجن يفسد أديان المسلمين؛ والطبيب الجاهل يفسد أبدان المسلمين، والمكاري المفلس يفسد أموال الناس في المفازة، فكان منعهم من ذلك من باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا من باب الحجر"[127].
"وأما الحجر على المفتي الماجن، وأخويه فليس بحجر اصطلاحي... وهو المنع الشرعي الذي يمنع نفوذ التصرف؛ لأن المفتي وإن أفتى بعد الحجر، وأصاب جاز، وكذا الطبيب لو باع الأدوية نفذ، فدل أن المراد المنع الحسي"[128].
"فمنع هؤلاء المفسدين للأديان، والأبدان، والأموال دفع إضرار بالخاص والعام؛ فهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"[129].
والذي يظهر من كلام الفقهاء أن سبب الحجر على المفتي الماجن؛ هو منع الضرر العام، لأن الإمام مطالب بإزالة الضرر العام، والمفتي الماجن ضرره عام، فيجب أن يزال، جاء في حاشية ابن عابدين: "أن الإمام يرى الحجر؛ إذا عم الضرر؛ كما في المفتي الماجن و المكاري المفلس والطبيب الجاهل"[130].
3- وجاء في اللباب شرح الكتاب: "حتى لو كان في الحجر دفع ضرر عام؛ كالحجر على الطبيب الجاهل، والمفتي الماجن، والمكاري المفلس؛ جاز؛ إذ هو دفع الأعلى بالأدنى"[131].
وذكر ابن نجيم القاعدة الآتية: "ما يتحمل فيه الضرر الخاص؛ لدفع ضرر عام"، وفرع عليها: جواز الحجر على البالغ العاقل الحر عند أبي حنيفة رحمه الله في ثلاث: المفتي الماجن، والطبيب الجاهل، والمكاري المفلس؛ دفعا للضرر العام"[132].
ثانيا: فإن لم يرتدع بالمنع فللإمام بالاستعانة بأهل العلم واستشارتهم اتخاذ التدابير التعزيرية الأخرى لإيقاف ضرره، فإذا كان منصبا من قبل الإمام فقد يعزله الإمام قياسا على عزل القاضي بجامع تحقيق المصلحة العامة في كل، أو يحبسه، لاسيما إذا كان ينشر فكرا مخالفا لمقتضى العلم الصحيح، والإفتاء السليم.
ثالثا: تعزير المتخفف أو المتشدد في الفتوى بالضمان؛ ذلك لأنه قد تقدم بأن سبب تضمين الجاهل؛ إلحاق الضرر بالغير، ولا ريب في أن هذا المفتي إذا ألحق ضررا بالغير فإنه يضمنه؛ لأنه ألحق بالآخرين الضرر دون وجه حق.
التعزير للمتعجل في الفتوى:
سبق البحث في مفهوم التعجل في الفتوى، وبيّنا أيضا أن حكمه التحريم مطلقا، ولكن من تعجل في الفتوى فهل يمكن اتخاذ التدابير التعزيرية في حقه؟
بادئ بدء يقال: إن المتعجل في الفتوى هو العالم المتحقق بشروط الفتوى، ولكنه تسرع في إصدار فتياه؛ فإن كان هذا التسرع ليس فيه تعمد، وغرض فاسد مقصود؛ ولكنه تسرع لضعف التريث في النظر في الواقعة؛ أو أفتى وهو في حالة تعب أو نصب أو غضب أو نحوها، فإنه يتخذ معه الإجراءات التعزيرية الآتية:
أولا: يعتمد التعزير في هذا النوع من التسرع في الفتوى على إعلام أهل العلم له، وإخباره بتسرعه، ونصحه، وإرشاده إلى ضرورة التريث في الفتوى، وهذا النوع من المفتين ينبغي أن يلين لهم الكلام؛ وأن تصان هيبتهم، ويجب احترام علمهم، وإيصال النصح لهم بأحسن أسلوب، وأجمل طريق.
يؤيد ذلك الحديث الذي سبق عرضه في قصة العسيف[133]، وأن والده سأل أهل العلم عن حكم فعل ولده، فصحح النبي صلى الله عليه وسلم فتياهم، ولم يعنفهم، واكتفى صلى الله عليه وسلم بنقض الحكم، وتصحيح الإفتاء.
ولا ينبغي الصيرورة إلى أي تدبير يقلل من هيبة مقام الإفتاء؛ وتجرؤ الحكام، وعامة الناس على المفتين العالمين الصادقين؛ بل يتخذ معهم الإجراء الذي يؤدي إلى إخبارهم بضرورة التثبت في الفتوى.
وإن تكرر منهم هذا الفعل تكرارا واضحا؛ فقد يرى أهل العلم الإجراء المناسب في منعه من الإفتاء في حال إصراره على التعجل في الفتوى.
ثانيا: هل يضمن المتعجل في الفتوى، وهو من أهل العلم؛ الظاهر أنه إن لم يكن المفتي متعمدا، أو قاصدا غرضا فاسدا؛ فإنه لا يضمن؛ لأن الأصل في التضمين في هذا الباب: هو الجهل وقصد الإضرار بالغير، وهذان الأمران غير متحققين هنا، فلا يضمن، ويكون الضمان في بيت مال المسلمين.
ومن نصوص الفقهاء الدالة على عدم تضمين المفتي العالم ما جاء في التاج والإكليل: "فيمن أفتى بعدم إرث من يستحق الإرث، فدفع ذلك الإرث للفقراء، أن المفتي لا ضمان عليه، إذا لم يكن منه أكثر من الغرور بالقول"[134].
فقوله: "أن المفتي لا ضمان عليه، إذا لم يكن منه أكثر من الغرور بالقول" يدل على عدم تضمين المفتي؛ إلا إذا كان قاصدا الإضرار، وتعمد إلحاق الضرر بالمستفتي، وهو ما دل عليه قوله: "إذا لم يكن منه أكثر من الغرور بالقول" أي: دون قصد وتعمد.
وقال البجيرمي: "أن رجلا عنده جملة من العسل؛ فوقعت فيه سحلية، فاستفتى مفتيا، فأفتاه بالنجاسة فأراقه. هل يضمنه المفتي أو لا؟ وهو أنه لا ضمان على المفتي المذكور... ويعزر فقط إن تعمد ذلك"[135].
فقوله: "لا ضمان على المفتي المذكور" يدل صراحة على عدم تضمينه، وقوله: "ويعزر فقط إن قصد ذلك": أي: يعزر في حال قصده الإضرار بالآخرين، وحينئذ ضمانه حاصل بهذا الاعتبار، وهو الإضرار بالآخرين، وإلا لفتح باب الإضرار بالناس، وهذا ما سيأتي بيانه.
وأما إذا كان المتعجل لديه قصد سيء، وتعمد التعجل في الفتوى؛ فإنه يعلم أولا، ثم يتخذ معه إجراءات أخرى كالمنع، والتغليظ عليه من أهل العلم.
ولكن هل يضمن ما أتلفه؛ إذا تعجل في الفتوى بقصد سيء، الظاهر من كلام العلماء التضمين في هذا الباب؛ أن قصده السيئ؛ وقصد إلحاق الضرر بالآخرين موجب للضمان؛ فيضمن حينئذ زجرا له، ومنعا لغيره من التجرؤ على استخدام الإفتاء لأغراض غير مشروعة.
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد توصل الباحث إلى النتائج الآتية:
1- التعدي في الفتوى: يعني اقتحام من ليس أهلا للفتوى مجال الإفتاء، ولم تتكامل أهليته للفتوى، ولم تتوافر فيه الشروط التي ذكرها العلماء، وفعله محرم، وتنقض فتياه.
2- التخفيف في الفتوى يعني الإفتاء بأخف من الحكم الشرعي الأصلي، لمن هو أهل للإفتاء؛ رغبة في مال أو جاه أو هوى أو تحكم أو نحوه. وأما التشدد في الفتوى، فهو الإفتاء بأشد من الحكم الشرعي الأصلي، وكلاهما يكون دون موجب شرعي، وهما محرمان.
3- يطلق التساهل في الفتوى، ويراد به معنيان: الأوّل: تتبّع الرّخص والشّبه والحيل المكروهة والمحرّمة، والثّاني: التساهل في طلب الأدلّة وطرق الأحكام والأخذ بمبادئ النّظر وأوائل الفكر.
4- التعجل في الفتوى هو: "تسرع المفتي الذي تكاملت أهليته في تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه، تسرعا بقصد أو دون قصد؛ يؤدي إلى مخالفة حكم الشارع في المسألة وفق مقتضيات الزمان والمكان، وحال المستفتي".
5- للتعجل في الفتوى أسباب تتعلق بشروط الواقعة محل الإفتاء، وأسباب تتعلق بشخصية المفتي.
6- التعجل في الفتوى محرم، سواء أكان لسبب من الأسباب التي هي محض هوى أو طلب رياسة ونحوها، أم كان لسبب من الأسباب المتعلقة باستكمال النظر في الواقعة نظرا واستنباطا وأدلة وزمانا ومكانا.
7- تصح فتوى المتعجل إذا أصاب فيها، وتنقض فتياه إذا أخطأ فيها.
8- هناك آثار سلبية تظهر على مستوى المسلم والأمة والإفتاء، واستقرار الأحكام الشرعية من جراء التعجل في الفتوى ينبغي معالجتها بترك التعجل فيها.
9- هناك وسائل لعلاج التعجل في الفتوى.
10- للتعزير على التعجل في الفتوى ضوابط خاصة، وهي:
أ - أن يكون الباعث على العقوبة التعزيرية تحقيق المقاصد الشرعية المتعلقة بمقام الإفتاء.
ب- أن يكون مقصود الإمام من تطبيق الأحكام التعزيرية هو تحقيق المصلحة.
11- يكون تعزير المتعدي في الفتوى للمتساهل في الفتوى بالتخفيف فيها، أو قيامه بالتشدد فيها بأحد الأمور الآتية:
أولا: الإعلام المجرد.
ثانيا: منعهم من الفتوى.
ثالثا: إنذار المتعدي في الفتوى، والتشهير به والتحذير منه.
رابعا: ضمانهم فيما أفتوه جاهلين به في النفس والمال.
12- يكون تعزير المتعجل في الفتوى بأحد الأمور الآتية:
أولا: يعتمد التعزير في هذا النوع من التسرع في الفتوى على إعلام أهل العلم له، وإخباره بتسرعه، ونصحه.
ثانيا: لا يضمن المتعجل في الفتوى، وهو من أهل العلم؛ إن لم يكن متعمدا، أو قاصدا غرضا فاسدا، ويكون الضمان في بيت مال المسلمين، وإذا كان لديه غرض سيء فإنه يضمن؛ لكونه قصد إلحاق الضرر بالآخرين.
توصيات البحث:
يوصي البحث بجملة من الأمور من أهمها:
1- ضرورة تشكيل مجلس أعلى للإفتاء في كل بلد من البلدان الإسلامية، يتكون من العلماء المشهورين المعروفين بالعلم والتقوى والصلاح، يضطلع بمهمة تعيين المفتين، ومراقبتهم، وتقويمهم، وتعزيرهم إذا لزم الأمر، وذلك بتخويل من الإمام أو من ينوب عنه، ويتفرع عن ذلك تشكيل دائرة للاحتساب على المفتين كما نص ابن تيمية وغيره من أهل العلم.
2- ينبغي أن يكون هذا المجلس له استقلال إداري ومالي، وله استقلال في قراراته ولا يتأثر بأي غرض من الحاكم أو المحكوم، ويكون منضبطا بضوابط الشرع، والقواعد الشرعية التي تحقق أهداف الإفتاء الشرعي القائم على تحري الحق، والإفتاء بالحكم الشرعي الصحيح الذي يقوم على أساس العلم الشرعي الصحيح.
3- من أهم مهام مجلس الإفتاء ضبط عملية الإفتاء في البلد؛ ومنع التضارب، والتخالف فيها؛ وبيان الأحكام الشرعية على نحو يحقق تحري الصواب في المسائل الشرعية.
4- لا بد من قيام العلماء في البلد من توجيه الناس إلى أهل العلم المعروفين بالصلاح والتقوى، وتحذير الناس من القول على الله عز وجل دون علم، ونشر النصوص الشرعية، والفقهية التي تدل على تحريم القول على الله بغير علم، وتحذر من التسارع إلى الفتوى.
5- ضرورة تأهيل الأئمة والخطباء والوعاظ بدورات علمية متخصصة في الفقه الإسلامي وأصوله؛ تنمية لملكاتهم الفقهية، وتحقيقا للحد الأدنى من شروط الإفتاء المعروفة عند أهل العلم.
6- ضرورة عقد مؤتمر سنوي للإفتاء، يتناول القضايا الأساسية لهذا العلم، وبحث قضاياه النظرية والعملية، ومعالجة المستجدات فيه. والحمد لله رب العالمين.
(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد (3)، العدد (1)، ربيع أول 1428هـ/ آذار 2007م.
([1]) الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817ﻫ)، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1987م، مادة: "عجل"، ص1331.
([2]) ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار الفكر، مادة: "عجل"، ج11، ص425-426.
([3]) ابن منظور، لسان العرب، مادة "عجل"، ج11، ص428.
([4]) وانظر: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص1702. وابن منظور، لسان العرب، ج15، ص145- 148.
([5]) الشيخ منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت 1051ﻫ)، شرح منتهى الإرادات المسمى دقائق أولى النهى لشرح المنتهى، بيروت، عالم الكتب ط2، 1996م، ج3، ص483.
([6]) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص483.
([7]) وقد نص الفقهاء والأصوليون على شروط الإفتاء: منها شروط متفق عليها، وهي: الإسلام والعقل والبلوغ، وشروط مختلف فيها، ومنها: العدالة في رأي الجمهور خلافا للحنفية، وذهب ابن القيم إلى جواز فتيا الفاسق إذا لم يكن معلنا فسقه، والواجب اعتبار الأصلح فالأصلح، وأما المبتدعة بدعة مكفرة أو مفسقة لم تصح فتياهم؛ وإلا صحت فيما لا يدعون فيه إلى بدعهم، ونص الفقهاء أيضا على شرط الاجتهاد وهو بذل المفتي وسعه في استنباط الحكم الشرعي، ويتقلد الأمثل فالأمثل خاصة في زماننا لقلّة المجتهدين، ويعتبر الاجتهاد في الإفتاء شرط أولويّة، بمعنى أنه إذا وجد المجتهد فهو الأولى بالتّولية، وأن توقيف الفتيا على حصول المجتهد يفضي إلى حرج عظيم، أو استرسال الخلق في أهوائهم، كما أنه لا يشترط في المفتي الحرّيّة والذّكوريّة والنّطق اتّفاقاً، فتصحّ فتيا العبد والمرأة والأخرس ويفتي بالكتابة أو بالإشارة المفهمة، وانظر ما سبق: البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص483 وما بعدها، وقد فصل الدكتور عبد العزيز الربيعة شروط المفتي، وانظر: المفتي في الشريعة الإسلامية وتطبيقاته في هذا العصر، دار المطبوعات الحديثة، الرياض، ط1، 1987م، ص20-28، ونص الإمام الزركشي على أن المفتي هو الفقيه، وانظر: الزركشي، البحر المحيط، ج6، ص305.
([8]) وانظر هذه الشروط: الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج4، ص89-95. والبهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص483. وابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص44، 46. ج4، ص237. الجويني، عبد الملك ابن عبد الله بن يوسف أبو المعالي، الاجتهاد من كتاب التلخيص لإمام الحرمين، تحقيق: د.عبد الحميد أبو زنيد، دار القلم، دارة العلوم الثقافية، دمشق، بيروت، ط1، 1408 ﻫ، ج1، ص125. والنووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص19. وابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، ص21، 22، 42. وآل تيمية، عبد السلام، عبد الحليم، أحمد بن عبد الحليم، تحقيق: محمد محيى الدين عبد الحميد، المسودة في أصول الفقه، المدني، القاهرة، ص478. أبو الحسين البصري، محمد ابن علي بن الطيب، المعتمد في أصول الفقه، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403ﻫ، ج2، ص352. ابن حمدان، أحمد النمري الحراني أبو عبد الله، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1397ﻫ، ص5، 13، 34. والزركشي، البحر المحيط، ج6، ص305 وما بعدها. والموصلي، عبد الله بن مودود الحنفي، الاختيار لتعليل المختار، دار الدعوة، إستنبول، تركيا، 1987م، ج2، ص83. وابن مفلح، الفروع، ج6، ص378. والنووي، روضة الطالبين، ج11، ص99. وابن نجيم، البحر الرائق، ج2، ص316، ج6، ص284-289. وابن عابدين، محمد أمين، حاشية رد المحتار على الدر المختار: شرح تنوير الأبصار، دار الفكر، بيروت، ط2، 1386ﻫ، ج2، ص411. والحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص94.
([9]) الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الشافعي (ت 794ﻫ)، البحر المحيط في أصول الفقه، قام بتحريره الدكتور عبد الستار أبو غدة، وراجعه الشيخ: عبد القادر عبد الله العاني، مصر، دار الصفوة، ط2، 1992م، طبع وزارة الأوقاف الشئون الإسلامية بالكويت، ج6، ص306.
([10]) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص483. وابن مفلح، الفروع، ج6، ص384. والمرداوي، الإنصاف، ج11، ص191. البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص295-296.
([11]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص229.
([12]) متفق عليه: وانظر: البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبد الله الجعفي، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1407ﻫ-1987م، حديث رقم: "7739"، ج6، ص2616. ومسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، حديث رقم: "1717"، ج3، ص1342.
([13]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص199.
([14]) ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمد النمري القرطبي، الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1987م، ص497-499.
([15]) رواه الدارمي، وانظر: عبد الله بن عبد الرحمن أبو محمد، سنن الدارمي، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، خالد السبع العلمي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1407ﻫ، والأحاديث مذيلة بأحكام حسين سليم أسد عليها، حديث رقم: "157"، قال حسين سليم أسد: إسناده معضل عبيد الله بن أبي جعفر ما عرفنا له رواية عن الصحابة فيما نعلم، ج1، ص69، وإن كان الحديث ضعيفا، ولكن تشهد لصحة معناه الآيات القرآنية التي ستأتي في تحريم القول على الله بغير علم.
([16]) وانظر هذه الآثار وغيرها: ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي أبو عمرو، أدب المفتي والمستفتي، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم , عالم الكتب، بيروت، ط1، 1407ﻫ، ص9-13، وابن حمدان، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص7-9، وقد فصل ابن القيم في تحرز الصحابة والتابعين، والأئمة المتبوعين من الفتيا بغير علم، ومنع التسرع في الفتيا، ووجوب التثبت فيها، وانظر: ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص161، وما بعدها، وانظر هذه الآثار أيضا: ابن عبد البر، يوسف بن عبد البر النمري القرطبي، جامع بيان العلم وفضله، بيروت، دار الكتب العلمية، ج1، ص177. ج2، ص49-55، والنووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص14-15.
([17]) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص483.
([18]) النووي، يحيى بن شرف الدين، روضة الطالبين وعمدة
المفتين، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405ﻫ، ج11، ص98.
([19]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص32.
([20]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص33-34.
([21]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، ج1، ص177.
([22]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، ج2، ص163-166.
([23]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص10.
([24]) القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي، الفروق، تحقيق: الدكتور محمد أحمد سراج، والدكتور علي جمعة محمد، مصر، دار السلام، ط1، 2001م، ج2، ص545.
([25]) متفق عليه، وانظر: البخاري، صحيح البخاري، حديث رقم: "100"، ج1، ص50. ومسلم، صحيح مسلم، حديث رقم: "2673"، ج4، ص2058.
([26]) رواه بلفظ: "بغير علم"، أبو داود، وأحمد، والحاكم، وانظر: أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، مع تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت، والأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، وقال عنه الألباني: حسن، حديث رقم: "3657"، ج2، ص345، أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مؤسسة قرطبة، القاهرة، والأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط عليها، حديث رقم: "8761"، ج2، ص365. والحاكم، محمد بن عبد الله أبو عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411ﻫ/1990م، مع تعليقات الذهبي في التلخيص، حديث رقم: "350 "، ج1، ص184.
([27]) البهوتي، شرح منتهى الإرادات، ج3، ص483.
([28]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص210.
([29]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص76.
([30]) ابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، ص47. وانظر نحوا من الكلام السابق، ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص222.
([31]) الشاطبي، الموافقات، ج4، ص258.
([32]) الشاطبي، الموافقات، ج4، ص252.
([33]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ص211.
([34]) الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص92.
([35]) الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص92.
([36]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([37]) الزركشي، البحر المحيط، ج6، ص305.
([38]) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، ص158.
([39]) الإحكام في تمييز الفتاوى، ص244، 246.
([40]) الإحكام في تمييز الفتاوى، ص252-253.
([41]) رواه بلفظ: "غير ثبت" ابن ماجه، وأحمد، والدارمي والحاكم، وانظر: ابن ماجه، محمد بن يزيد أبو عبد الله القزويني، سنن ابن ماجه، دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، والأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، حديث رقم: "53"، ج1، ص20. وأحمد، مسند الإمام أحمد، حديث رقم: "8249"، ج2، ص321. والدارمي، سنن الدارمي، حديث رقم: "159"، ج1، ص69. والحاكم، المستدرك على الصحيحين، حديث رقم: "349"، ج1، ص183.
([42]) ابن ماجه، سنن ابن ماجه، ج1، ص20.
([43]) الشجة، بفتح الشين، والجيم مشددة: واحدة شجاج الرأس، أي الجرح فيه، ورجل أشج بين الشجج؛ إذا كان على جبينه أثر الشجة، وهي تختص بالوجه والرأس، وفي غيرهما تسمى جراحة، وانظر: قاسم قونوي، أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، تحقيق: الدكتور أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، دار الوفاء للنشر- جدة، ومؤسسة الكتب الثقافية- بيروت، ط2، 1987م، ص293.
([44]) العي: الجهل. وانظر: ابن الأثير، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى، محمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، 1399ﻫ/1979م، ج3، ص626، وهو هنا في الحديث: العي بكسر العين وتشديد الياء هو التحير في الكلام وعدم الضبط، محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، عون المعبود شرح سنن أبي داود، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1415ﻫ، ج1، ص367.
([45]) أخرجه أبو داود والبيهقي، والدارقطني، وانظر: أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، مع تعليقات كَمَال يوسُفْ الحوُت، والأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، ج1، ص145. وقال الشيخ الألباني: حسن، والبيهقي، أحمد بن الحسين ابن علي بن موسى أبو بكر، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414ﻫ/1994م، حديث رقم: "1016"، ج1، ص277. والدارقطني، علي بن عمر أبو الحسن البغدادي، سنن الدارقطني، تحقيق: السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة، بيروت، 1386ﻫ/1966م، ج1، ص189. قال البيهقي:" ولا يثبت عن النبي e في هذا الباب: يعني المسح على الجبيرة شيء، وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح الذي تقدم وليس بالقوي"، ج1، ص189. وقال عنه الشيخ الألباني: حسن لغيره، وقال: "رواه أبو داود وابن ماجه والدارقطني وصححه ابن السكن، قلت: هذا الحديث ضعفه البيهقي والعسقلاني وغيرهما لكن له شاهد من حديث ابن " عباس يرتقي به إلى درجة الحسن لكن ليس فيه قوله: "ويعصر.. الخ"، فهي زيادة ضعيفة منكرة لتفرد هذا الطريق الضعيف بها، وانظر: الألباني، محمد ناصر الدين، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1405ﻫ/1985م، ج1، ص142.س مشكاة المصابيح، محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1405ﻫ/ 1985م، ج1، ص115.
([46]) محمد شمس الحق العظيم آبادي أبو الطيب، عون المعبود شرح سنن أبي داود، ج1، ص367.
([47]) أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله: معنى أنشدك أسألك رافعا نشيدي وهو صوتي. مسلم، صحيح مسلم، ج1، ص1324.
([48]) العسيف: هو الأجير وجمعه عسفاء كأجير وأجراء وفقيه وفقها على هذا يشير إلى خصمه وهو زوج مزنية ابنه وكان الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سببا لما وقع له معها. مسلم، صحيح مسلم، ج1، ص1324.
([49]) أي أنقذت ابني منه بفداء مائة شاة ووليدة. مسلم، صحيح مسلم، ج1، ص1324.
([50]) أي مردودة ومعناه يجب ردها إليك وفي هذا أن الصلح فاسد. مسلم، صحيح مسلم، ج1، ص1324.
([51]) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وانظر: البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله الجعفي، الجامع الصحيح المختصر، تحقيق: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، ط3، 1407ﻫ/1987م، حديث رقم: "6440"، ج6، ص2502. ومسلم، ابن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، حديث رقم: "1697"، ج3، ص1324.
([52]) ابن حجر العسقلاني أبو الفضل الشافعي، أحمد بن علي،فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، 1379ﻫ، ج12، ص140.
([53]) سبق تخريجه.
([54]) عبد الرؤوف المناوي؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير، مع تعليقات يسيرة لماجد الحموي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، ط1، 1356ﻫ، ج1، ص158.
([55]) الزمخشري، جار الله الزمخشري، أبو القاسم محمود ابن عمر الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 1998ﻫ، ج3، ص152.
([56]) عبد الرؤوف المناوي؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج1، ص158.
([57]) رواه أبو داود والبيهقي، وانظر: أبو داود، سنن أبي داود، حديث رقم: "3577"، ج2، ص323، وقال الألباني: ضعيف الإسناد، والبيهقي، أحمد بن الحسين ابن علي بن موسى أبو بكر، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز، مكة المكرمة، 1414ﻫ/1994م، حديث رقـم: "20039"، ج10، ص101.
([58]) ابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، ص46.
([59]) ابن حمدان، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص31.
([60]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص37.
([61]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص33.
([62]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص200.
([63]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص290.
([64]) الحطاب، مواهب الجليل، ج6، ص92.
([65]) الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، تحقيق: محمود إبراهيم زايد دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405ﻫ، ج1، ص44.
([66]) الشوكاني، السيل الجرار، ج1، ص100.
([67]) الشوكاني، السيل الجرار، ج1، ص263.
([68]) وانظر هذه الآثار، ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص161.
([69]) ابن القيم، ج4، ص227، وانظر: المرداوي، الإنصاف، ج11، ص210.
([70]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([71]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([72]) سبق تخريجه.
([73]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص208.
([74]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص172.
([75]) ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- جملة صالحة من صنيع السلف الصالح في كثرة الدعاء عند إرادة الفتيا، وانظرها: ج4، ص257.
([76]) وانظر: ابن القيم: إعلام الموقعين، ج4، ص199.
([77]) وانظر كلام ابن القيم في معنى السكينة وأثرها في الفتوى، ج4، ص200-204.
([78]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص211.
([79]) الدكتور عبد العزيز الربيعة، المفتي في الشريعة الإسلامية، وتطبيقاته في هذا العصر، ص38. وانظر ما قاله ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([80]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص60. وانظر نحوا مما سبق: ابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، ص79-80، وانظر: ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص256. وذكر نحو هذا البهوتي في كشاف القناع، ج6، ص303. وابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([81]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص292.
([82]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج2، ص187. وابن مفلح، محمد بن مفلح المقدسي أبو عبد الله، الفروع وتصحيح الفروع، تحقيق: أبو الزهراء حازم القاضي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418ﻫ، ج1، ص343. والمرداوي، الإنصاف، ج11، ص188. البهوتي، كشاف القناع، ج6، ص300.
([83]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص259-260.
([84]) الدكتور عبد العزيز الربيعة، المفتي في الشريعة الإسلامية، وتطبيقاته في هذا العصر، ص26.
([85]) ابن حمدان، صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص59. وانظر: كلام ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([86]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص256.
([87]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص286، والحديث الذي أورده المصنف لم أجده بلفظه، ولكني وجدت في معجم الطبراني الكبير ما لفظه: عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله e: "... ومن تولى من أمر المسلمين شيئا، فاستعمل عليهم رجلا، وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك، وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله، فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين..."، انظر: الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، ط2، 1404ﻫ/1983م، حديث رقم: "11216"، ج11، ص114.
([88]) الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مادة: "عزر"، ص563.
([89]) القونوي، الشيخ قاسم (ت987ﻫ)، أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، تحقيق: الدكتور أحمد بن عبد الرزاق الكبيسي، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، دار الوفاء للنشر جدة، ط2، 1987م، ص174.
([90]) السرخسي، المبسوط، ج9، ص36. والشيرازي، المهذب، ج3، ص373. والسيوطي، الأشباه والنظائر، ص745. والبهوتي، كشاف القناع، ج4، ص72. والرملي، نهاية المحتاج، ج7، ص72. وقليوبي وعميرة على المنهاج، وقال قليوبي: "هذا الضابط للغالب فقد يشرع التعزير ولا معصية، كتأديب طفل وكافر، وكمن يكتسب بآلة لهو لا معصية فيها، ج4، ص205. وانظر من المعاصرين من عرف التعزير: عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط14، 1998م، ج1، ص126 وما بعدها. والدكتور محمد أبو فارس، الفقه الجنائي في التشريع الإسلامي، فقه العقوبات، عمان، الأردن، دار الفرقان، ط1، 2005م، ص813 وما بعدها.
([91]) ابن فرحون، القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي ابن أبي القاسم المالكي المدني، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، راجعه: الشيخ طه عبدالرؤوف سعد، مصر، مكتبة الكليات الأزهرية، ج2، ص288-289.
([92]) ابن قدامة، عبد الله بن أحمد، أبو محمد، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1405ﻫ، ج10، ص324. وانظر: الكاساني، بدائع الصنائع، ج5، ص534.
([93]) ابن فرحون، تبصرة الحكام، ج2، ص291.
([94]) الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، دار الكتب العلمية، بيروت، ص293.
([95]) الدكتور محمد فتحي الدريني، الفقه الإسلامي المقارن مع المذاهب، دمشق، منشورات جامعة دمشق، ط5، 1995م، ص352.
([96]) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص293.
([97]) وانظر هذه الفكرة بتصرف: شكري محمد سلمان، السياسة الشرعية وقواعدها في العقاب التعزيري، كلية الدراسات العليا، الجامعة الأردنية، 1994م، رسالة مخطوطة، ص23.
([98]) وانظر هذه القاعدة: ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص149. والسيوطي، الأشباه والنظائر، ص233. والزركشي، محمد بن بهادر بن عبد الله أبو عبد الله، المنثور في القواعد، تحقيق: د. تيسير فائق أحمد محمود، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت، ط2، 1405ﻫ، ج1، ص309.
([99]) شكري محمد سلمان، السياسة الشرعية وقواعدها في العقاب التعزيري، ص66-74.
([100]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص17.
([101]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص286.
([102]) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص293.
([103]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج5، ص335.
([104]) الماوردي، الأحكام السلطانية، ص293-294.
([105]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص291.
([106]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص217.
([107]) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، ج2، ص153-154.
([108]) القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، حلب، مكتب المطبوعات الإسلامية، 1387ﻫ، ص266.
([109]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص286.
([110]) وانظر: تخريج الحديث، ص16.
([111]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص37. وانظر: ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص225.
([112]) ابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، ص46. وابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص225. وابن مفلح، الفروع، ج6، ص428. وانظر: المرداوي، الإنصاف، ج11، ص318.
([113]) ابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص225.
([114]) ابن مفلح، الفروع، ج6، ص428. وانظر: المرداوي، الإنصاف، ج11، ص318.
([115]) ابن الصلاح، أدب المفتي والمستفتي، ص46. وابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص225.
([116]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص37. النووي، روضة الطالبين، ج11، ص107. وابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص225.
([117]) ابن مفلح، الفروع، ج6، ص428.
([118]) رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم، والبيهقي، والحديث حسن، وانظر: أبو داود، سنن أبي داود، حديث رقم: "4586"، ج2، ص604. والنسائي، أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن، المجتبى من السنن، تحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، ط2، 1406ﻫ/1986م، حديث رقم: "4830"، ج8، ص52. وابن ماجه، سنن ابن ماجه، حديث رقم: "3466"، ج2، ص1148. والحاكم، المستدرك على الصحيحين، حديث رقم: "7484"، ج4، ص236، والبيهقي، سنن البيهقي، حديث رقم: "7068"، ج4، ص248.
([119]) أبو داود، سنن أبي داود، ج2، ص604.
([120]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص37. النووي، روضة الطالبين، ج11، ص107. وابن القيم، إعلام الموقعين، ج4، ص225.
([121]) النووي، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص37. النووي، روضة الطالبين، ج11، ص107.
([122]) ابن مفلح، الفروع، ج6، ص428. وانظر: المرداوي، الإنصاف، ج11، ص318.
([123]) ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص292.
([124]) "المفتي الماجن هو الذي يعلم الناس الحيل وقيل الذي يفتي عن جهل" الجرجاني، علي بن محمد بن علي، التعريفات، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405ﻫ، ص278.
([125]) الحطاب، محمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد الله، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، دار الفكر، بيروت، ط2، 1398ﻫ، ج6، ص91.
([126]) السرخسي، المبسوط، ج7، ص315.
([127]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج6، ص172.
([128]) ابن عابدين، حاشية رد المحتار، ج6، ص147.
([129]) ابن عابدين، حاشية رد المحتار، ج6، ص147.
([130]) ابن عابدين، حاشية رد المحتار، ج6، ص147.
([131]) اللباب شرح الكتاب، ج2، ص25. وانظر النص نفسه: ابن نجيم، البحر الرائق، ج8، ص88.
([132]) ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص108-109.
([133]) سبق تخريجه.
([134]) العبدري، محمد بن يوسف بن أبي القاسم أبو عبدالله، التاج والإكليل لمختصر خليل، دار الفكر، بيروت، ط2، 1398ﻫ، ج5، ص200، 584.
([135]) البجيرمي، سليمان بن عمر بن محمد، حاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب المسمى بالتجريد لنفع العبيد، المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا، ج3، ص308.