الـفـكر الاقتصادي عـنـد أبـي حـنـيفة
دراســة تـحـلـيـلـيـة (*)
المفتي الدكتور محمود فهد مهيدات
الاقتصاد الإسلامي هو: الأحكام والقواعد الشرعية التي تنظم كسب المال وإنفاقه وأوجه استثماره وتنميته.
والاقتصاد الإسلامي بهذا المفهوم كان موجودا منذ بدء التشريع الإسلامي بعد الهجرة، فقد كان عهد النبي وعهد الصحابة من بعده أنموذجا لهذا الفكر، وقد ظهر فقه المعاملات في عصر التابعين جليا، فمن يتصفح مؤلفاتهم الفقهية يجد أنهم كتبوا عن مسائل اقتصادية كثيرة: البيوع والربا والصرف والإجارة والرهن.. الخ وهذه المسائل وإن كان مجملها في الجانب الفقهي، إلا أنّ لها دورا اقتصاديا مهما في تنظيم احتياج الناس لكسب المال وتوفير احتياجاتهم اليومية الخاصة بهم وفق الضوابط والأسس الشرعية التي جاءت لتنظيم أنشطة الأفراد الاقتصادية.
ومن هؤلاء الفقهاء الذين كان لهم السبق في ذلك الإمام أبو حنيفة.وتأتي هذه الدراسة لبيان فكر أبي حنيفة الاقتصادي دراسة تحليلية نقف من خلالها على أهم الأفكار الاقتصادية عند الإمام وتحليليها اقتصاديا، ثم بيان دورها في تنظيم حياة الأفراد من حيث احتياجهم لكسب المال وإنفاقه وآليات استثماره.
المـقـدمـة
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
الفكر الاقتصادي الإسلامي هو وعاء الاقتصاد الإسلامي الذي يعنى بتنظيم الحياة الاقتصادية من حيث تنظيم كسب المال وإنفاقه وأوجه استثماره وتنميته وفق الأحكام والضوابط الشرعية ومنظومة القيم الإسلامية، وعليه فإن الفكر الاقتصادي الإسلامي بهذا المفهوم كان موجودا منذ بدء التشريع الإسلامي بعد الهجرة، فبالنظر في النصوص الشرعية نجد فيها أحكاما تضبط النظام الاقتصادي والعلاقات الاقتصادية، فهاهو النبي يقر ركنية الرضا في عقد البيع بقوله "إنما البيع عن تراض"[1].
وجاء بلال يوما النبي عليه السلام بتمر برني، فقال له النبي عليه السلام من أين هذا، قال بلال: كان عندنا تمر رديءٌ فبعت منه صاعين بصاع، لنُطعم النبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك "أوّه أوّه" عين الربا عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فبع التمر ببيع آخر ثمّ اشتره"[2] وهاهو سيدنا عمر يشترط العلم بأحكام السوق لمن أراد المتاجرة فيه فقال: من لم يتفقه في الدين، فلا يتجرن في أسواقنا، ويؤكد ذلك سيدنا عثمان بقوله: التاجر إذا لم يكن فقيها، ارتطم في الربا ـ والشواهد كثيرة ـ إذاً فقد كان عهد النبي وعهد الصحابة من بعده أنموذجا لهذا الفكر، وحينما ازدهرت الحياة الاقتصادية بعد الفتوحات الإسلامية، ظهرت الحاجة إلى نشوء دراسات فقهية تعالج كل ما يستجد من مسائل اقتصادية، فظهر فقه المعاملات الذي يعنى بمسائل فقه المعاملات عامة، وبالمسائل الاقتصادية خاصة في كتب متخصصة في فروع الأنشطة الاقتصادية، ككتاب الخراج لأبي يوسف، وكتاب الاكتساب في الرزق المستطاب لمحمد بن حسن الشيباني..الخ، وهذه المؤلفات الفقهية من يتصفحها يجد أصحابها كتبوا عن مسائل اقتصادية كثيرة: كالبيوع والربا والصرف والإجارة والرهن..الخ وهذه المسائل وإن كان مجملها في الجانب الفقهي، إلا أنّ لها دورا اقتصاديا مهما في تنظيم احتياج الناس لكسب المال وتوفير احتياجاتهم اليومية الخاصة بهم وفق الضوابط والأسس الشرعية التي جاءت لتنظيم أنشطة الأفراد الاقتصادية. ومن الفقهاء الذين كان لهم إسهامات في إظهار الفكر الاقتصادي الإسلامي الإمام أبو حنيفة. ومن هنا تأتي هذه الدراسة لبيان فكر أبي حنيفة الاقتصادي الإسلامي دراسة استقرائية تحليلية نقف من خلالها على أهم الأفكار الاقتصادية عند الإمام وتحليليها اقتصاديا، ثم بيان دورها في تنظيم حياة الأفراد من حيث احتياجهم لكسب المال وإنفاقه وآليات استثماره.
خــطــة البــحــث
المبحث الأول: الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة
المطلب الأول: مفهوم الرشد الاقتصادي
المطلب الثاني: أدوات تحقيق الرشد الاقتصادي في فكر أبي حنيفة
المطلب الثالث: دور الرشد الاقتصادي في توفير السيولة النقدية
المبحث الثاني: الإسراف في فكر أبي حنيفة
المطلب الأول: مفهوم الإسراف لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: أنواع الإسراف عند أبي حنيفة: المحمود، المذموم
المطلب الثالث: آثار الإسراف المحمود الاقتصادية
المبحث الثالث: خيار الرؤية عند أبي حنيفة وآثاره الاقتصادية
المطلب الأول: خيار الرؤية لغة واصطلاحا
المطلب الثاني: خيار الرؤية عند أبي حنيفة
المطلب الثالث: الآثار الاقتصادية لخيار الرؤية
النتائج والتوصيات
المبحث الأول
الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة
المطلب الأول: مفهوم الرشد الاقتصادي في الاقتصاد الإسلامي
وردت كلمة رُشد ومشتقاتها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وفي كل موضع لها معنى مغاير عن الآخر ومن هذه المعاني إصلاح المال قال تعالى: (فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) النساء / 6. أي إذا علمتم منهم صلاحا لأموالهم فادفعوا إليهم أموالهم، وعليه فلا يعطى اليتيم وإن بلغ مائة عام حتى يعلم منه إصلاح ماله[3]، وإصلاح المال بشكل عام يكون بحسن التصرف والوعي، وقبل أن نتبين مفهوم الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة لا بد أن نقف على الاقتصاد الإسلامي ومفهومه في الفقه الإسلامي، لنرى مدى التوافق بين المفهومين، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
الرشد الاقتصادي في الاقتصاد الإسلامي: سينحصر الحديث في سلوك المستهلك لأنّ الرشد الاقتصادي في أدبيات الاقتصاد لإسلامي أكثر ما يطلق على سلوك المستهلك من حيث توجيه المال الذي بين يديه إلى تحقيق منفعة متقومة في الشرع سواء دنيوية أو أخرويّة بطريقة مباحة شرعا، وعليه نقول: حتى يصير المسلم رشيدا في استهلاكه عليه أن يتصرف بحكمة وعقلانية في إشباع حاجاته الاستهلاكية وفق منظومة أحكام الشرع، وهذا يقودنا للقول: إن الرشد الاقتصادي في الاقتصادي الإسلامي لا يتحقق إلا أن تكون الوسيلة والمنفعة وفق منظومة الأحكام الشرعية أي شرعيتين، فالعقلانية وحدها لا تكفي لتحقيق الرشد الاقتصادي، وكذلك المنفعة المحرمة أو الخبيثة لوحدها لا تحقق الرشد الاقتصادي، فلو أن شخصا أشبع حاجاته عن طريق الربا مثلا، أو أنه أشبع حاجاته بسلعة محرمة فلا يعد رشدا اقتصاديا،إنما يجب أن تكون الوسيلة شرعية وكذلك المنفعة المرجوة شرعية.
وبناء على ما تقدم يمكن القول: إن الرشد الاقتصادي في الفكر الاقتصادي الإسلامي يعني: أن يشبع الفرد حاجاته الضرورية والحاجية من خلال سلع وخدمات مباحة شرعا بوسيلة شرعية يترتب عليها منفعة دنيوية أو أخرويّة.
الرشد الاقتصادي في الاصطلاح الفقهي: الرشد عند جمهور الفقهاء صلاح المال والحفظ له من التبذير"[4] وتفصيل ذلك كما يلي: عرّف الحنابلة الرشد بأنه "الصّلاح في المال"[5]، وعرّف الإمام مالك الرشد بقوله" تثمير المال وإصلاحه"[6]، وعرّفته الحنفية بأنه "صلاح المال وهو حسن التصرف"[7]. فالرشد إذن في مصطلح الفقهاء ينحصر في صلاح المال، وصلاح مال يكون بعدم إضاعته في غير منفعة متقومة شرعا، وذلك بعدم تبذيره وعدم إنفاقه بالشهوات المحرمة، أو تضيعه بغبن فاحش لا يحتمل في المعاملة كأن يبيع أو يشتري بالغبن[8]، سئل سعيد بن جبير عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، قال: (هو أن يرزقك الله رزقا حلالا فتنفقه فيما حرّم الله عليك)[9].
وعلى ضوء ما تقدم ومن خلال ما بيّنا بأن الرشد الاقتصادي في الاقتصاد الإسلامي يتمثل في إشباع حاجات الإنسان ورغباته من خلال سلع وخدمات مباحة شرعا وبوسيلة شرعية، بمعنى أنّ الفرد يجب أن يوجه ماله لتحقيق منافعه من خلال سلع أو خدمات مباحة عبر وسائل جائزة شرعا، ومن خلال ما بيناه في اصطلاح الفقهاء أنهم اشترطوا لتحقيق الرشد أن لا يبذره ولا ينفقه بالشهوات المحرمة، ولا يسلك الطرق المحرمة في تحصيله أو في تثميره.
نخلص إلى نتيجة مفادها: إنّ كلا من فقهاء الاقتصاد الإسلامي وجمهور الفقهاء متفقون على أنّ الفرد المسلم لا يجوز له الحصول على منفعة محرمة ولا أن يسلك طريقة محرمة للحصول على المنفعة حتى ولو كانت مباحة، وهذا هو الرشد الاقتصادي.
بعد هذا البيان هل كان هذا المفهوم في فكر أبي حنيفة موجودا؟ من خلال البحث والنظر فيما نُقل عن أبي حنيفة لم نقف رأي له صريح في بيان مفهوم الرشد الاقتصادي، لكن المتتبع لكلام أبي حنيفة فيما يتعلق في مسائل الحجر على السفيه، وفيما يتعلق في دفع مال اليتيم إليه، وبعض ما أورده بعض الفقهاء في مصنفاتهم ــ الذي من البديهي أن يكون ذلك مما سمعوه من إمامهم وفهموه يرى فيه إشارات واضحة لوجود مفهوم الرشد الاقتصادي في فكره وبيان ذلك على النحو الآتي:
أولا: ما ورد عن الإمام أبي حنيفة في مسائل تسليم مال اليتم لليتيم
قال: "إذا بلغ الغلام غير رشيد لم يسلم إليه ماله حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة، فإن تصرف فيه قبل ذلك نفذ تصرفه، فإذا بلغ خمسا وعشرين سنة يُسلم إليه ماله وإن لم يُؤنس منه الرشد"[10]. فهذا النص يستشف منه أنّ الإمام يرى أنّ الرشد هو النضج في التصرفات المالية، وهو حاصل في سن الخمس والعشرين، وعليه فمن بلغ هذه السن دفع إليه ماله، لأن هذا السن علامة على تحقق الرشد.
ثانيا: ما ورد عن الإمام أبي حنيفة في مسائل الحجر على السفيه
قال: "لا يحجر على الحر البالغ السفيه وتصرفه جائز وإن كان مبذرا"[11]. في هذا النص الإمام يبين أن الرشد هو حسن التصرف في المال، بدلالة أنه لا يرى الحجر السفيه وإن كان مبذرا والتبذير "إنفاق المال فيما لا ينبغي، أو ما أنفق في غير طاعة"[12]. وعليه فالمبذر من يتلف ماله وينفقه في ما لا غرض فيه ولا مصلحة مراعاة شرعا، وأما السفه هو "الذي العمل بخلاف موجب الشرع، وهو إتباع الهوى، وترك ما يدل عليه العقل والحِجَى"[13]. من كل ما تقدم يمكن القول: إن الإسراف والتبذير يلتقيان في معنى واحد وهو إنفاق المال في غير طاعة وحسب الهوى خارج منظومة الأحكام الشرعية،وهذا يعني أنّ الفرد المسلم حتى يكون رشيدا يجب أن لا يكون مسرفا ولا مبذرا، وفي الفكر الاقتصادي: أنّ من صلاح المال تجنب مالكه الإسراف والتبذير في إشباع حاجاته الضرورية والحاجيّة. ومما يؤكد هذه النتيجة ما أورده بعض فقهاء المذهب في مصنفاتهم والرشد هو: "الاستقامة والاهتداء في حفظ المال وإصلاحه"[14].
الخلاصة: أن الفكر الاقتصادي في فكر أبي حنيفة هو إصلاح الفرد ماله وحفظه عن المحرمات وإنفاقه لإشباع حاجاته الضرورية والحاجية من غير سرف ولا تبذير.
المطلب الثاني: أدوات تحقيق الرشد الاقتصادي في فكر أبي حنيفة
بيّنا من خلال ما توصلنا إليه منّ تحليلنا لأقوال أبي حنيفة أنّ مفهوم الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة هو: "إصلاح الفرد ماله وحفظه عن المحرمات وإنفاقه لإشباع حاجاته الضروريّة والحاجية من غير سرف ولا تبذير"، وبناءً على هذا فإنه يمكن القول: إن تحقيق الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة يتحقق بالأدوات التالية" إصلاح المال، وضبط سلوك المستهلك" وتفصيل كما يلي:
أولا: إصلاح المال: يقال: أصلح الرجل ماله إذا كان حسن القيام عليه، وهو عكس إفساد المال يقال أفسد الرجل ماله بدده وبعثره وبذّره[15].
وقد أقر الإسلام الحرية الفردية في الكسب وفي الإنفاق، ولكن ليست على إطلاقها كما هو الحال في النظامين الرأسمالي والاشتراكي، بل جعلها منضبطة بضوابط شرعية، وعلى هذا فالفرد ليس حرّا مطلقا في ماله يفعل فيه ما يشاء، إنما هو مقيد ومحكوم في تصرفاته في الشـرع، ومن هنا لا يكون المال صالحا إلا بما يلي:
- أن يكون مصدره حلالا، بمعنى أنّ يكتسبه صاحبه من حلال وبطريقة مباحة شرعا، نهى الشارع الحكيم عن كسب الحرام قال تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) البقرة / 168، وقال عليه السلام: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) صحيح مسلم.
- وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة /172. ثمّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وخذي بالحرام، فأنّى يستجابُ لذلك"[16].
- أن ينفقه في الحلال وفي وجوه الخير من غير إسراف ولا تبذير، قلنا أن الفرد لم يعطه الشرع الحرية المطلقة في التصرف في ماله كيف ما شاء، لذلك يمنع من إنفاق ماله الحرام بل حرّم عليه تجاوز الحد في إنفاقه على الحلال، قال تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الأعراف / 31. وقال عليه السلام: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة)[17].
- أن تُؤدى حقوقه المالية وواجباته المادية: يجب على الفرد المسلم أن يؤدي الحقوق المالية المتعلقة في ماله: الزكاة وصدقة الفطر، ورعاية الفقراء والمحتاجين، والنفقة على النفس والأهل والعيال والوالدين، ومواساة المضطرين، وإكرام الضيف، حتى ما تحت يده من البهائم والحيوانات، سئل الصحابة النبي عليه السلام قالوا: يا رسول وإنّ لنا في البهائم لأجرا؟ قال: (في كل كبد رطبة أجر)"[18].
- عدم دفعه للسفهاء: قال تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) النساء / 5. هذا الخطاب معني فيه كل صاحب مال أن لا يدفع ماله إلى السفهاء، لما في ذلك من تضييعه؛ لعجز هؤلاء عن القيام بحفظه وتثميره، وكذلك فيه دلالة أنه لا ينبغي أن يوكل بماله في حياته ويجعله في أيدي من هذه صفته، ولا يوصي به إلى أمثالهم، وفيه الدلالة على النهي عن تضييع المال؛ ووجوب حفظه وتدبيره والقيام به، وهذا كله فيه ترغيب من الله تعالى لعباده في صلاح المعاش؛وحسن التدبير[19].
- أن لا يمنع صاحبه عن أداء واجباته الدينية: المال وسيلة لقضاء حاجات الإنسان وليس غاية؛ وعليه فإذا أشغل المال صاحبه عن أداء ما أوجبه عليه من صلاة أو زكاة أو ذكر، أو منعه من أداء واجباته نحو أسرته ومجتمعه، أصبح المال فاسدا وغير صالح، لذلك يجب على الفرد المسلم أن لا يثنيّه مالُه عن أداء أي واجب من الواجبات الدينية التي تجب عليه.
ثانيا: ضبط سلوك المستهلك المسلم
سلوك المستهلك هو "ذلك التصرف الذي يبرزه المستهلك في البحث عن شراء أو استخدام السلع أو الخدمات أو الأفكار أو الخبرات التي يتوقع أنها ستشبع رغباته أو حاجاته وحسب الإمكانات الشرائية المتاحة"[20]
أما الاستهلاك في الاقتصاد الإسلامي فهو: "مجموعة التصرفات التي تشكل سلة السلع والخدمات من الطيبات التي توجه إلى الوفاء بالحاجات والرغبات المتعلقة فأفراد المجتمع والتي تتحدد طبيعتها وأولوياتها باعتماد على القواعد والمبادئ الإسلامية، وذلك لغرض التمتع والاستعانة بها على طاعة الله تعالى"[21] " ما ينفقه المستهلك على السلع والخدمات سعيا لتحقيق منفعة أو إشباع حاجة"[22]، وبناءً على ما تقدم يمكن القول: إنّ ضبط سلوك المستهلك هو أُس الأدوات في تحقيق الرشد الاقتصادي، ولا شك أنّ هناك قواعد حاكمة لضبط سلوك المستهلك نبين أهمها فيما يلي:
- قاعدة "الحلال والحرام" قال الله تعالى: "(يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) الأعراف /157. وهذه القاعدة لا تتحقق إلا بالتقوى، والتقوى هي المحدد الأساس لسلوك المستهلك المسلم، لذلك حينما يلتزم الفرد المسلم بقاعدة الحلال والحرام في استهلاكه ومورده، لا شك أن سلوكه الاستهلاكي سيضبط من حيث نمط الاستهلاك الحلال وكميته من غير إسراف ولا تبذير ومورده المباح، وضبط نوع وكمية ومورد الاستهلاك شرعيا تحقيق للرشد الاقتصادي.
- قاعدة الاعتدال في الاستهلاك: عني الإسلام بترشيد الاستهلاك ودعا إلى الاعتدال في الإنفاق فقال تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما.الفرقان 67" ومن هنا فقد حرّم حياة الترف والترف هو التوسع في ألوان النعيم من الشهوات والملذات، وكذلك نهى حياة الإسراف والتبذير وحرمها، كل هذه الضوابط تجعل الإنسان رشيدا في استهلاكه.
- قاعدة القيم الخلقية، لا شك أنّ استهلاك المسلم يخضع لقيم أخلاقية منها "القناعة" وهي: الرضا بما دون الكفاية،وترك التشوف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود[23]، وعليه فإذا توفرت القناعة عند الفرد المسلم فإنها تغلق باب شره الاستهلاك عنده، وإغلاق باب شره الاستهلاك يجعل الفرد منضبطا في سلوكه الاستهلاكي، فلا يأكل إلا إذا جاع، وإذا أكل لا يشبع الزائد عن الحاجة.
- البعد الأخروي: إن منفعة الاستهلاك في الدنيا للإنسان يظهر فيها المنفعة الأخروية الثواب أو العقاب، وهذا يعني أن هناك علاقة طردية بين استهلاك المسلم وبين الثواب في الآخرة، فالمسلم إذا استهلك وفقا لأوامر الله تعالى ونواهيه يحقق له إشباعا دنيويا، وفي نفس الوقت يتحقق له ثواب أخروي، وأما إذا استهلك خلافا لأوامر الله تعالى فإنه يحقق إشباعا دنيويا، ولكن له عقاب أخروي[24]، وهذه المنفعة الأخروية هي دالة البعد الإيثاري والجزاء الأخروي لاستهلاك المسلم، وهذا البعد يجعل سعي المسلم لتحقيق منفعته الخاصة لا يتم إلا بإشباع حاجات الآخرين، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا البعد الإيثاري، قال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبّه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا) الإنسان / 8. وقال تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) الحشر / 9. فالصدقة وجه إيجابي للإنفاق يحقق للمنفق تحصيل المنفعة الذاتية ولكن بجزاء أخروي مضاعف[25]، قال تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) البقرة / 261. وهكذا فإنّ مراعاة المسلم في استهلاكه البعد الأخروي يجعله يبتعد عن الأنانية ويسعى في قضاء حاجات الآخرين، وكل هذا يسهم في تحقيق الرشد الاقتصادي.
المطلب الثالث: دور الرشد الاقتصادي في توفير السيولة النقدية
قلنا: إنّ الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة يتحقق من خلال: إصلاح المال وضبط سلوك المستهلك، وقد بينا -من خلال تحليلنا لكل من:أدوات إصلاح المال، والقواعد الحاكمة لسلوك المستهلك- دور كل منهما في تحقيق الرشد الاقتصادي، فإنّ لكل من هذه الأدوات دورا في توفير السيولة النقدية لدى الفرد المسلم، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولا- التزام مبدأ الحلال والبعد عن الحرام: إنّ التزام الفرد المسلم مبدأ الحلال وتركه الحرام سواء في كسبه للمال أو في استهلاكه، سيعمل على توفير سيولة نقدية لديه(الادخار)، فمثلا فلو أخرجنا من سلة استهلاكه وإنتاجه "كسبه" المحرمات كالدخان والخمر والسلع الضارة ونحوها، كم سيوفر المستهلك المسلم بعدم استهلاكه لها من جهة، ومن جهة أخرى وهي أكثر وفرا، وهي توفير المبالغ التي ستنفق على علاج الأمراض التي ستسببها تلك السلع المحرمات في حال تناولها، فضلا عن توفيرات الدولة المسلمة الناتج عن انخفاض إنفاقها العام، لأن في حال عدم استهلاك الأفراد لتلك السلع المحرمة يعني انخفاض التكاليف العلاجية لعدم وجود أمراض، وبالتالي تنخفض نفقاتها العامة.
ثانيا- تجنب المستهلك المسلم في استهلاكه الإسراف والتبذير والترف فيؤدي إلى تقليل حجم الاستهلاك، فلا يستهلك إلا للحاجة وعلى قدر الحاجة، وهذا بدوره يزيد في حجم مدخرات الأفراد، فضلا عن دوره في استقرار الأسعار ومنع التضخم أو الكساد، لأنه من المقرر اقتصاديا أن آلة السوق في ضبط الأسعار هي العرض والطلب، فإذا الطلب وقل العرض غلا السعر "تضخم" وإذا زاد العرض وقل الطلب انخفض السعر "كساد" لكن إذا كان الطلب يوازي العرض فتكون الأسعار مستقرة.
ثالثا- البعد الأخروي: بينا أن البعد الأخروي يتمثل في توجيه الفرد المسلم ماله إلى تحقيق منفعة الثواب في الآخرة، ويتم هذا من خلال أداء ما يجب في ماله من حقوق، ولنأخذ الزكاة كمثال لبيان أثر ذلك في توفير السيولة النقدية، وذلك من عدة وجوه هي على النحو الآتي:
- تعتبر الزكاة أداة من أدوات إعادة توزيع الثروة في نظام الاقتصاد الإسلامي، وهي عبارة عن سحب جزء من أموال الأغنياء وإعادة دفعه إلى الأصناف التي حددها القرآن الكريم، وبما أنّ الزكاة حوليّة تتكرر كل عام، وأن أوعيتها متنوعة تغطي كافة عناصر الثروة والدخل من الذهب والفضة وما في حكمهما من أثمان ونقود سائلة، وعروض التجارة، والزر وع والثمار، والثروة الحيوانية، والركاز كالمعادن والكنوز، كل هذا من شأنه أن يوفر سيولة في أيدي مستحقيها، ومن الطبيعي أن هذه السيولة التي في أيدهم سيحولونها إلى السوق لإشباع حاجاتهم، وهذا مما سيزيد في الإنتاج، وزيادة الإنتاج زيادة في الدخول "سيولة نقدية" لأصحاب المؤسسات الإنتاجية، فضلا عن أن الإنتاج يحتاج إلى أيدي عاملة، وهذا مورد آخر لفئة من فئات المجتمع يوفر لهم السيولة.
- إنّ نسبة الزكاة التي تجب في المال ستدفع أصحاب الأموال إلى إخراج أموالهم من دائرة الاكتناز إلى دائرة الاستثمار خوفا من أن تأكلها الزكاة، وإذا ما خافوا من مخاطر الاستثمار فإن الزكاة تكون لهم أداة ائتمانية يتعوضون منها أي خسارة تلُّمُ بهم من خلال مصرف الغارمين، وكل هذا سينعش الاقتصاد ويقضي على البطالة، ويولد للفقراء القادرين مرة أخرى دخولا جديدة.
- إسقاط الدين عن المال المشغول بالدين: إذا كان الدين يحيط بالمال فلا تجب الزكاة على صاحبه عند أبي حنيفة[26]، دلالة هذا الحكم من حيث توفير السيولة يتمثل بمقدار المسقط من الزكاة من مال المديون سواءً كان الدين مستغرقا لكل المال أو لبعضه فالمُسقط سيوله نقدية له.
- تقدير زكاة العين بالقيمة النقدية: يجوز أداة القيمة مكان المنصوص عليه من الشاة والإبل والبقر..الخ عند أبي حنيفة وأصحابه[27]، ووجه الدلالة أن هذا الحكم له دور في توفير السيولة للمزكى إليه نستشفها من الأدلة التي استند عليه أبو حنيفة في جواز هذا الحكم ونكتفي بذكر أحدهما وهو قول النبي عليه السلام لما فرض صدقة الفطر "أغنوهم في هذا اليوم"[28]، والاغناء لا يكون إلا بالقيمة وقد تكون القيمة أدفع لحاجة الفقير من غير الشاة ونحوها، ومما يؤكد هذا أنّ كثيرا من الفقراء أو المساكين أو الغارمين..الخ قد يكون محتاجا إلى سيولة لإشباع حاجات له غير الطعام، لذلك فحينما تدفع له الزكاة عينا سيضطر إلى بيعها وربما بخسارة، لأنه مضطر للسيولة، لكن حينما تدفع له القيمة ستوفر له سيولة ولو فرق الخسارة في حال بيعها.
المبحث الثاني
الإسراف في فكر أبي حنيفة
المطلب الأول: مفهوم الإسراف لغة واصطلاحا
الإسراف لغة: السَّرَف والإسراف: مجاوزة القصد. وأسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأما السّرَف الذي نهى الله عنه، فهو ما أُنفقَ في غير طاعة الله تعالى، قليلا كان أو كثيرا.
والإسراف في النفقة: التبذير وقوله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)الفرقان / 67[29]. وقال الجرجاني: الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحد في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة، وقيل الإسراف: تجاوز الحد في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق[30].
الإسراف اصطلاحا: الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي[31]، وقال الماوردي: وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسراف[32]، وقيل ما جاوز الحد الذي أباحه الله لعباده إلى ما فوقه[33]. وهو كذلك مجاوزة الحد في إنفاق المال وغيره، أي مجاوزة الحد فيما أباحه الله تعالى للإنسان سواءٍ في النفقة أو في غيرها مما يحتاجه الإنسان في حياته، وهذا ما أكده الفقهاء بقولهم "الإسراف هو مجاوزة الحد في كل فعل أو قول، وهو في الإنفاق أشهر، ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام[34]، فالإسراف إذاً ليس متعلقا بالمال فقط، بل بكل شيء وضع في غير موضعه اللائق به[35]. وعليه فإنّ "الإسراف هو: "الإفراط ومجاوزة الحد في أمور محمودة وغير محمودة"[36].
العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي: من خلال النظر في كل من مفهوم الإسراف لغة واصطلاحا يتضح لنا أنّ الإسراف في المفهوم اللغوي أشمل وأعم منه في المفهوم الاصطلاحي، حيث ورد في الإسراف في اللغة: مجاوزة الحد، ومجاوزة القصد، وفوق الاعتدال، والجهل في المقادير، ومع ذلك فإنّ الإسراف في المفهوم الاصطلاحي لا يخرج عما ورد في المفهوم اللغوي، فهو مجاوزة الحد في إنفاق المال وغيره.
المطلب الثاني: أنواع الإسراف عند أبي حنيفة
لم نقف على نص للإمام أبي حنيفة يبين مفهوم الإسراف، إلا أننا يمكن أنّ نحدد مفهوم الإسراف عنده من خلال استقرائنا وتحليلنا لأقوال الإمام، ولأقوال فقهاء المذهب، وبيان ذلك
على النحو الآتي:
قال أبو حنيفة بطهارة الثوب بالخل وماء الورد، ومنعه الشافعي وعدّ ذلك إضاعة للمال، وإضاعة المال من معاني الإسراف، ووجه الدلالة أنّ الإمام أبي حنيفة لم يعتبر ذلك إضاعة للمال الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، معللا ذلك بقوله: "إنما كان إضاعة لو استعمل بلا غرض صحيح وأي غرض صحيح أعظم من حصول الطهارة إذ لو لم نجوز النجاسة بالخل وماء الورد تلزم الصلاة مع النجاسة إذا لم يجد الماء ووجد الخل لأجل إضاعة خلٍ قيمته فُلَيس على أنا نفرض المسألة: في موضع يكون فيه أعز، بحيث تكون قيمة قدح من الماء ألف قدح من الخل، ففي هذه الصورة لو أوجبنا استعمال الماء كان إضاعة للمال"[37] ونقل صاحب [المحيط الكبير]
عبد العزيز بن عمر بن أسهل عن الإمام "أنّ الحجر على العاقل البالغ السفيه المبذر لماله في الخير والشر غير جائز عند أبي حنيفة[38]، وجه الدلالة أنّ من الفقهاء اعتبر الإسراف والتبذير بمعنى واحد وهو: تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح وهو ما قد يكون في الخير والشر، ويؤكد هذا قول الإمام أبو حنيفة"، لا يحجر على الحر العاقل البالغ السفيه، وتصرفه في ماله جائز، وإن كان مبذرا لماله ومفسدا يتلف ماله فيما غرض له فيه ولا مصلحة[39]، فقول الإمام: وإن كان أي المبذر لماله مبذرا ومفسدا يتلف ماله فيما غرض له فيه ولا مصلحة"، بيان الإسراف المذموم، وهو ما يعرف بمفهوم المخالفة وهو: أن المسكوت عنه مخالف لحكم المنطوق به، ويمسى "دليل الخطاب"[40]، أما فقهاء مذهب الحنيفة فقد أثبت بعضهم في كتبهم يؤكد هذا "إذا كان له غرض صحيح في الأكل فوق الشبع فحينئذ لا بأس به، وذلك بأن يأتيه ضيف بعدما أكل قدر حاجته، فيأكل لأجل الضيف حتى لا يخجل، أو يريد صوم الغد فيتناول فوق الشبع[41]،وقالوا أيضا: "ومن الإسراف في الطعام الإكثار من المباحات والألوان، فذلك منهي إلا عند الحاجة[42]".
من كل ما تقدم يمكن القول: إنّ الإسراف عند الإمام أبي حنيفة ليس كله مذموما، بل منه ما يكون مباحا حلالا، ومنه ما يكون حراما.وعليه يمكن القول: إنّ الإسراف نوعان هما: إسراف محمود، وإسراف غير محمود. وتفصيل ذلك كما يلي:
الإسراف المحمود: وهي تسمية من باب المجاز، كونه من معاني الإسراف تجاوز الحد ولكن نقصد به هنا تجاوز الحد في الخير، وهو المرغوب فيه على كل حال وعند كل عاقل، وهو صلاح الدنيا والآخرة، قد قال العلماء: الإنفاق في الطاعات ومكارم الخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك بحيث لا يذم ولا يسمى سرفا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا[43]. وعليه يمكن القول: لا إسراف في الخير، وله صور نذكر منها ما يلي:
1- تجاوز الحد في المباحات: كأنّ تأكل المرأة لِتُسمن نفسها لزوجها لا بأس به؛ لأن هذا فعل مباح لقصد المباح[44]. أو أن يستكثر من المباحات ليستوفي من كل نوع شيئا، فَيُجمع له مقدارُ ما يتقوى به على طاعة الله تعالى، أو كان من قصده أن يدعو بالأضياف قوماً بعد قومٍ إلى أن يأتوا على آخر الطعام، فلا بأس بالاستكثار في هذه الصورة[45].
2- تجاوز الحد في الحلال: كالإنفاق في سبيل الله تعالى ويتضمن كل ما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق مقاصد الدين، فلقد كان الصحابة يتسابقون في الإنفاق في سبيل الله، فهذا سيدنا رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله عليه السلام أن نتصدق فوافق ذلك عندي مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي فقال رسول الله عليه السلام: (ما أبقيت لأهلك) ؟ قلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ قال: (أبقيت لهم الله ورسوله) قلت لا أسبقه إلى شيءٍ أبدا[46] وقال ابن عباس رضي الله عنه: "ليس في الحلال إسراف، وإنما السًرف في ارتكاب المعاصي"[47].
3 ـ تجاوز الحد فيما ينفقه المرء على أهل بيته، لأنّ الإنفاق الواجب لا يذم الإسراف فيه[48].
الإسراف المذموم هو: إنفاق المال فيما نهى الله تعالى عنه قلّ أو كثر، وله صور نذكر منها:
- ما يكون في غير طاعة، أوفي معصية الله والتعدي على حدوده تعالى وهو أبشع صوره كأن ينفق ماله في شرب الخمر أو على السهرات في النوادي الليلية، أو على التدخين، أو القمار..الخ، فكل نفقة ولو قليلة أنفقها فيما نهى الله عنه فهو إسراف مذموم، فعن قتادة في قوله تعالى: (ولا تبسطها كل البسط) لا تنفقها في معصية الله تعالى، ولا فيما لا ينبغي لك وهو الإسراف[49].
وقال الإمام أبو حنيفة "لا يحجر على الحر العاقل البالغ السفيه، وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرا لماله ومفسدا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة[50]". كل تصرف يتصرفه السفيه في النفقة لا يعدّه العقلاء من أهل الديانة عوضا: مثل: دفع المال إلى المغنين واللعابين وشراء الحمار الطيارة بثمن غال والغبن في التجارات[51].
- تجاوز الإسراف حدود إمكانيات الإنسان بحيث يحدث خلالا في التوازن الاقتصادي للأسرة.[52]
- تجاوز الحد في النفقات في ظل وضع اقتصادي صعب بحيث يعيش نسبة من المجتمع على الكفاف والقلة فالإسراف والتبذير في ظل هذا الوضع الاقتصادي يصل إلى درجة التحريم[53].
المطلب الثاني: الآثار الإسراف الاقتصادية للإسراف المحمود
بعد هذا البيان لمفهوم الإسراف بنوعيه: المحمود والمذموم، نتبين في هذا المبحث أهم الأبعاد الاقتصادية للإسراف المحمود وذلك على النحو الآتي:
قلنا إنّ الإسراف المحمود هو تجاوز الحد في كل مرغوب فيه عند كل عاقل، وهو صلاح الدنيا والآخرة، وبينا بعض الحالات التي يتجاوز فيها الفرد المسلم الحد في الإنفاق، وهذا التجاوز في الإنفاق سيكون له أبعاد اقتصادية إيجابيّة تعود على الفرد والمجتمع نجملها بما يلي:
1. تحقيق الأمن الاقتصادي للأسرة[54]:
لا نعني بالاستقرار الاقتصادي فقط تأمين المأكل والمشرب والمسكن والدواء، بل هو تأمين الموارد والاحتياجات والمستلزمات التي تعطي الأمن والاستقرار وتحفظ النفس، بمعنى أنه مسألة استقرار وطمأنينة وسكون الناس لبعضها البعض، وسلامة العلاقات فيما بينهم، وتأمين احتياجاتهم بسلاسة ويسر، وعليه فإنّ ربَّ الأسرة حينما ينفق على أهله وأسرته بسخاء كبير شريطة أن لا يتجاوز إمكانيات دخله فيحقق لهم بحبوحة من العيش ودرجة عالية من الرفاهيةـ وهي: لين العيش (أي رغده) وسعته وكثرة التّنعُّم والتوسع في المطعم والمشرب[55]ـ فإنّ ذلك سينعكس إيجابيا على الأسرة من حيث أمنها الاقتصادي، وبالتالي سيحميهم ذلك من مشاعر الطمع والجشع والأنانية والشره والحقد والغيرة والحسد، ويكسبهم بالمقابل مشاعر التعاون والإيثار المحبة والرحمة وروح الأخوة بين أفراد المجتمع ليتحقق لها أمنها الاقتصادي
2. حفظ مال المجتمع من الاعتداء عليه:
حينما يصل الفرد المسلم إلى درجة إشباع حاجاته وحاجات أسرته، لا شك أنّ ذلك سيولد لديهم قناعة ورضا بما رزقوا وهذا سلوك اقتصادي إسلامي قال بعض البلغاء: "أذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة، وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فمن أطاع الله تعالى عن نصره، ومن لزم القناعة زال فقره".
وقال أكثم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة[56]"، وقال الحسن البصري في قوله تعالى: (فلنحيينه حياة طيبة) النحل / 97. الحياة الطيبة: القناعة[57]، واكتساب الفرد المسلم لهذا السلوك سيعكس عليه آثارا إيجابية من أهمها: حفظ يده عن أموال الناس فلن يعتدي عليه لا بسرقة ولا بنصب ولا باحتيال ولا بغش..الخ، قال تعالى: (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) التوبة / 85. وقال أيضا: (ولا تمدّن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى) طه / 131. فلو كل ربَّ أسرة أغدق وسخا على أهل بيته ضمن إمكانياته، فتولدت لديهم القناعة حفظنا المجتمع من جرائم السرقة والاحتيال والغش..الخ وبالتالي حفظ مال المجتمع من الاعتداء عليه من جميع جرائم أكل المال بغير حق.
3. مضاعفة الإخلاف على المنفقين في سبيل الله:
الإخلاف على المنفق في سبيل الله يعني تعويضه بأكثر مما أنفق، يقال: أخلف الله عليك خلفا أي عوضا أي: أبدلك بما ذهب منك[58]، قال تعالى: "(وما أنفقتم من شيءٍ فهو يخلفُهُ) سبأ / 39. أي مهما أنفقتم من شيءٍ فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه لكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب"[59]، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (أنفق أُنفق عليك)[60]. أي أعوضه لك، وأعطيك خلفه، بل أكثر أضعافا مضاعفة، وبلا بمقدار[61]، وعليه فإنّ المنفق مالَه في أي وجه من وجوه الخير فإنّ إنفاقه لا ينقص من ماله شيئا بل يزيد بمقداره، ومما يؤكد هذا ما ورد في الدعاء لمن ينفق ماله في الخير قال عليه السلام: (ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا)[62]. أي عوضا عظيما وهو العوض الصالح أو عوضا في الدنيا وبدلا في العقبى لقوله تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) سبأ / 39[63]. إذاً كل ما ينفق في الخير فلا يدخل في دائرة الإسراف مهما عظم، ولا ينقص المال ويهدره، بل يزيد في مقداره ويضاعف بدله.
المبحث الثالث
خيار الرؤية عند أبي حنيفة وآثاره الاقتصادية
المطلب الأول: خيار الرؤية لغة واصطلاحا
خيار الرؤية لغة: الخيار: الاسم من الاختيار، وهو طلب خير الأمرين: إما إمضاء البيع أو فسخه، ومنه خيار الرؤية[64]، وخيار الرؤية: هو أن يشتري ما لم يره، ويرده بخياره[65] كقوله صلى الله عليه وسلم: (البيِّعانِ بالخيار ما لم يتفرقاـ أو قال: حتى يتفرقاـ فإن صدقا وبَيِّنَا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركةُ بيعهما)[66].
الرؤية: المشاهدة بالبصر، إدراك الشيء بحاسة البصر، أي: رأيته، وهو الغالب في استعمال الفقهاء كرؤية هلال رمضان، قال صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدَّة شعبان ثلاثين)[67]، ومنها قوله عليه السلام في رؤية الله جلّ جلاله: (إنكم سترون ربَّكم كما ترون هذا القمر، لا تُضَامُّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)[68]، ومنها رؤية المبيع، كقول بعض الفقهاء: "اشترى داراً واستثنى منه بيتاً معيَّناً لا بد من رؤية المستثنى فكما يُشترط رؤية المبيع لسقوط الخيار يُشترط رؤية المستثنى لأن جهالة وصف المستثنى توجب جهالةً في المستثنى منه"[69].
خيار الرؤية اصطلاحا: من خلال النظر في مصنفات الفقهاء نجد أنّ الخيار بمفهومه العام عند الفقهاء يرد على ألسنتهم في المعاقدات، بمعنى حق التعاقد في اصطفاء خير الأمرين له: إمضاء العقد أو فسخه[70]، أما خيار الرؤية في مصطلحهم فهو: "أن يشتري شيئا لم يره، فإذا رآه كان بالخيار إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه[71]"، وهذا يعني أن البائع يعطي حق رد المبيع للمشتري عند الرؤية، وليس خيار الرؤية للبائع إلا إذا كان الثمن عينا ولم يره[72]، من كل ما تقدم فإن مفهوم خيار الرؤية في الاصطلاح: فهو حق يَثبت به للمتملك الفسخ، أو الإمضاء عند رؤية محل العقد "المبيع" المعين الذي عقد عليه ولم يره"[73]. إذاً فإنّ خيار الرؤية متعلق ببيع العين الغائبة عن البصر بحيث لم تجر رؤيتها عند العقد، سواءً أكانت غائبة أيضا عن مجلس العقد أو حاضرة فيه لكنها مستورة عن عين العاقد، فهي تسمى غائبة في كلا الحالتين، فالغائب هنا غير المرئي، إما لعدم حضوره، وإما لانتفاء رؤيته بالرغم من حضوره[74].
المطلب الثاني: خيار الرؤية عند أبي حنيفة
بعد بيان مفهوم خيار الرؤيا في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء نتبين في هذا المطلب خيار الرؤية عند أبي حنيفة من حيث مفهومه وتأصيله الشرعي وذلك على النحو الآتي:
من خلال النظر في أقوال الإمام أبي حنيفة التي أوردها تلامذته في مصنفاتهم نجد أنّ مفهوم خيار الرؤية عنده لا يخرج عن المفهوم اللغوي لخيار الرؤية، ولا عن مفهوم عند الفقهاء فخيار الرؤية عنده هو: "أن من اشترى شيئا لم يره فهو جائز وله الخيار إذا رآه"[75]، إلّا أنّ الإمام قد تفرد بإجازة هذا البيع عن الجمهور، فالشافعية في المعتمد عندهم، والحنابلة عدم الجواز مطلقا، والمالكية: هو خيار إرادي أي إذا اشترطه العاقد[76]، أما عند الإمام أبي حنيفة فيثبت خيار الرؤية بحكم الشرع. دون حاجة إلى اتفاق الإرادتين عليه ـ وتمكين العاقد بموجبه من الفسخ أو الإمضاء على سبيل التروي، ولو كان ما اشتراه موافقا لما وُصِفَ له عند العقد[77]، وقد استدل على ذلك بما يلي:
- عن عبد لله بن عمر رضي الله عنهما قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي أي بوادي القرى بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خيفة أن يُرادَّني البيع "[78]، وجه الدلالة كما يقول الإمام: "أنهم تبايعا ما لم يكن بحضرتهما ولم ينكر عليهما أحد"[79].
- ما روي عن عثمان أنه ابتاع من طلحة بن عبيد الله أرضا بالمدينة ناقَلَهُ بأرض له بالكوفة فلما تَبَايَنَا ندم عثمان ثم قال: بايعتك ما لم أره، فقال طلحة: إنما النظر لي إنما ابتعت مَغِيباً، وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت، فجعلا بينهما حكما فحكّما جبير بن مطعم فقضى على عثمان أنّ البيع جائز وأنّ النظر لطلحة أنه ابتاع مَغِيباً[80]، وجه الدلالة أنّ ذلك كان بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه[81].
- ما رواه الدار قطني عن مكحول ورفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه"[82]، قال الإمام: وذكر أن فيه ابن أبي مريم وهو متكلم فيه، قلنا هذا طعن مبهم فلا يقبل[83].
ومن خلال ما تقدم يمكن بيان الأحكام الفقهية المتعلقة بخيار الرؤية التي سيكون لها أبعاد اقتصادية ايجابيّة على الفرد والمجتمع، والتي سيتم بيانها في المطلب الثالث في هذا المبحث، وذلك كما هو آت:
- خيار الرؤية يمنع إتمام الصفقة كون العقد غير لازم، ولزوم البيع يعني: مضاؤه وعدم صحة الرجوع به[84] إلا بموافقة طرفي العقد، وإذا امتنع اللزوم لم تكن الصفقة تامة[85].
- لا يسقط خيار الرؤية بالإسقاط مقصودا، حتى لو قال: أسقطت خيار الرؤية لا يسقط[86].
- لا خيار للمشتري في تنفيذ العقد من عدمه إلا بعد الرؤية، بمعنى أنّ المشتري ليس له أن يخير قبل الرؤية، حتى أنه لو أجازه ثم رآه فله أن يرده، ويجوز له أن يفسخ[87].
- يجوز فسخ العقد قبل الرؤية، لأنّ العقد غير لازم إلا بعد الرؤية واختيار المشتري الإمضاء.
المطلب الثالث: الآثار الاقتصادية لخيار الرؤية
سبق البيان أنّ خيار الرؤية إذا دخل على العقد اللازم أثرّ على لزومه، فيجعله عقدا غير لازم لمن شرط له الخيار، والأخذ بهذا الحكم سيكون له آثارٌ اقتصادية تعود على الفرد والمجتمع نجملها فيما يلي:
- حماية المستهلك الالكتروني: المستهلك الالكتروني"المشتري" هو: كل من يحصل بواسطة التعاقد بالوسائل الالكترونية على سلعة أو خدمة بمقابل أو بدون مقابل إشباعا لحاجته الشخصية أو حاجات الآخرين[88]، من خلال هذا التعريف فالمستهلك الالكتروني يتعاقد على سلعة لم يرها، وهذا كفيل أن يكون عرضة للغش والتدليس والاحتيال، فضلا عن المخاطر التي قد تلحق السلع والخدمات التي تمّ التعاقد عليها قبل تسليمها للمشتري، لذا يمكن القول: إنّ العمل بخيار الرؤية في البيع والشراء عبر وسائل التكنولوجيا كالنت ونحوه "الاستهلاك الالكتروني" هو بمثابة أداة ائتمان تحوطيه للمستهلك تحميه من كل المخاطر السوقية المتمثلة "بالغش والتدليس..الخ" وخاصة الناتجة عن الدعاية في ترويج السلع والخدمات التي غالبا لا تكون المواصفات متطابقة لمواصفات السلع التي روجّوا إليها عبر وسائل الدعاية والإعلان، وبهذا الحماية تحفظ موارد ودخول المستهلك الالكتروني"المشتري".
- تفعيل التجارة الالكترونية: أصبحت وسائل الاتصالات الحديثة "الانترنت" من الوسائل الإلكترونية التي تستخدم في إجراء العمليات التجارية التبادليّة بين التجار سواءً على مستوى الأفراد فيما بينهم أو بين الأفراد والشركات أو بين الشركات التجاريّة نفسها، وهي ما تسمى الآن بالتجارة الإلكترونية التي تعني: جميع العمليات والأنشطة التي لها صلة بشراء وبيع السلع والخدمات عبر شبكة الانترنت أو أي شبكة أخرى مثل الشبكات التجاريّة[89]، وهذا يعني أنّ العمليات التبادلية التجارية بين أطراف المتعاملين بالبيع والشراء تتم غالبا من الوصف دون رؤية المبيع أو الثمن إن كان عينا، وعليه فإنّ كلا من الطرفين حينما يعلم كل منهما أنه الشرع أعطاه خيار الرؤيا "دون اشتراط مسبق" كحق يستخدمه بعد رؤية المبيع أو الثمن في إمضاء البيع من عدمه، فإنّ هذا لا شك أنّه سيسهم بشكل كبير في تنشيط العمليات والأنشطة التي لها صلة بشراء وبيع السلع والخدمات أي تنشيط التجارة الإلكترونية، ولا شك أنّ التجارة الإلكترونية لها دور كبير في زيادة العمليات السوقية التبادلية حيث من المعلوم أنّ أي منتجات لا بد لها من عمليات تسويقية من خلال الدعايّة والإعلان عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وذلك لترويجها بالأسواق ولإقناع المستهلك بها، وهذا له تكلفة عالية لأنّ تلك العمليات، بينما استخدام الوسائل الإلكترونية لتسويق السلع والخدامات عبرها يكاد أن يكون معدوم التكلفة "صفر"، فضلا عن الاستغناء عن فتح فروع وتراخيص وتوكيلات ذات التكلفة العالية إن وجدت، كل ذلك سينعكس على الأسعار انخفاضا، وبالتالي زيادة عمليات التبادل التجارية "زيادة حركات السوق: بيع وشراء للسلع والخدمات".
- توسيع نطاق الأسواق المحلية والدولية: بيّنا أنّ خيار الرؤية هو بمثابة أداة تحوطيّة لكلا طرفي التبادل، وهذا وفي ظل سهولة التواصل عبر وسائل الاتصالات الالكترونية "كالانترنت" سيدفع جميع أطراف التبادل على إجراء عقود التبادل: "البيع والشراء" فيما بينهم في أي مكان وفي أي وقت، وذلك لسهولة تلقي طلبات العملاء وسهولة وضمان طرق الدفع، وبهذا يتوسع نطاق السوق ولا يبقى ضمن الأمكنة التي خصصت لها من قبل، ولا شك أنّ هذا التوسع سيؤدي إلى ازدهار الاقتصاد المحلي والدولي.
النتائج
- الرشد الاقتصادي عند أبي حنيفة يتمثل بإصلاح الفرد ماله وحفظه عن المحرمات وإنفاقه لإشباع حاجاته الضروريّة والحاجية من غير إسراف ولا تبذير.
- إنّ الرشد الاقتصادي يتحقق من خلال إصلاح المال وضبط سلوك المستهلك.
- الرشد الاقتصادي له دور في توفير السيولة النقدية لدى الفرد المسلم من خلال منظومة الأحكام والضوابط الشرعية التي تصلح المال وتضبط سلوك المستهلك.
- ليس كل الإسراف عند أبي حنيفة مذموما بل منه المحمود ومنه المذموم وللمحمود آثار اقتصادية على الفرد والمجتمع.
- خيار الرؤية عند أبي حنيفة ثابت للمشتري بحكم الشرع دون حاجة إلى اتفاق الإرادتين عليه،مخالفا بذلك الجمهور.
- خيار الرؤية له آثار اقتصادية ايجابية وعلى الفرد والمجتمع: حماية المستهلك الإلكتروني، وتنشيط التجارة الالكترونية، توسيع نطاق الأسواق العالمية والمحلية...الخ.
التوصيات
بعد الحمد والثناء على الله تعالى الذي وفقنا إلى كتابة هذه الورقة التي أسأل الله تعالى أن أكون قد أصبت بها، نخلص إلى التوصيات التالية:
- أن يتولى فريق من فقهاء علم الاقتصاد الإسلامي المزيد من البحث في الفكر الاقتصادي عند الإمام أبي حنيفة، لأنه مازال هناك الكثير من الأفكار الاقتصادية الإسلامية.
- محاولة جمع كل ما ثبتت نسبته إلى الإمام أبي حنيفة من المسائل الفقهية: العبادات، والمعاملات، في كتاب واحد، على غرار مقام به عمر بن اسحق بن سراج الدين في كتابه الغرة المنيفة في تحقيق بعض مسائل الإمام أبي حنيفة، لأن الكتاب لم يستوعب كل فقه الإمام.
(*) ورقـة عـمـل مــقـدمــة لمؤتمر الحـنـفـيـة والـمـاتـريـديــة، كلية الإلهيات/ جامعـة قسطمونـي- تركـيـا، 5-7 / مـايـو / 2017م.
الهوامش
[1] ـ ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، دار إحياء الكتب العربية، ج2 / 737