الهندسة المالية الإسلامية ودورها في تطوير العمل المصرفي
قراءة في النشأة والتطبيق لأربعة عقود مضت (*)
المفتي الدكتور "محمد علي" يوسف يونس الهواملة ([1])
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، وبعد؛
فالإنسان – ذلك المخلوق المدني– لا يستطيع العيش في معزل عن بني جلدته، إذ لا بد له من الاعتماد على غيره، فهو محتاج لغيره، وغيره محتاج إليه، وفي ذلك مدعاة إلى الخلطة فيما بينهم، وقد نظم الإسلام الأحكام المتعلقة بهذا الجانب في باب المعاملات وغيرها.
ومن صور المعاملات التي أحكم الاسلام قواعدها وبين مآربها، ما يسمى بالمصارف الإسلامية، حيث بزغ نجمها و شاع صيتها منذ عقود سالفة ومضت بخطى وارفة، معتمدة على صحيح المعاملات الإسلامية؛ فحققت تقدما كبيرا في مجالات عدة لا يتسع المقام لحصرها، فهي في جملتها تعد نقلة نوعية، في مجال التمويل الإسلامي الحلال.
ومن الأدوات المالية التي ساهمت في تقدم المصارف الإسلامية، ما يعرف بـ "الهندسة المالية الإسلامية "وقد رأت الدراسة البحث في هذا الموضوع؛ من أجل تقييم التجربة التي مرت بها المصارف الإسلامية على مدار أربعة عقود سالفة، وبيان الدور الذي قامت به الهندسة المالية الإسلامية في خدمتها للمصارف الإسلامية.
وإني لأرجو الله تعالى أن يكون البحث هذا مصدرا مهما ومفيدا، يقدم خدمة للاقتصاد الإسلامي، ولعل في هذا استجابة لأمر الله تعالى، بتعلم العلم وتعليمه؛ لتحقيق النفع لعباده، وأسأل الله تعالى أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه الكريم؛ فلست أطلب العلم إلا له سبحانه وتعالى.
أهداف الدراسة وأهميتها:
تهدف الدراسة إلى التعريف بالهندسة المالية الإسلامية، والوقوف على أهميتها ودورها في تطوير العمل المصرفي، وما هي آفاق الهندسة المالية التي يمكن رفدها في العمل المصرفي.
كما تروم الدراسة أيضا تسليط الضوء على مدى قابلية المصارف الإسلامية للتطوير والتجديد في نطاق المنتجات الإسلامية.
خطة البحث:
بعد جمع المادة العلمية؛ اقتضت طبيعة هذه الدراسة أن تكون خمسة مطالب وفق الترتيب الآتي:
المطلب الأول: التعريف بالهندسة المالية الإسلامية.
المطلب الثاني: آفاق الهندسية المالية الإسلامية في تطوير العمل المصرفي.
المطلب الثالث: تطبيقات الهندسة المالية الإسلامية في تطوير العمل المصرفي.
المطلب الرابع: واقع المصارف الإسلامية مع منتجات الهندسة المالية الإسلامية.
المطلب الخامس: تقييم الدور الذي قامت به الهندسة المالية الإسلامية في تطوير العمل المصرفي.
وفي نهاية البحث ذكرت النتائج التي توصلت إليها.. ثم قائمة للمراجع التي رجعت إليها أثناء البحث.
المطلب الأول
التعريف بالهندسة المالية الإسلامية
لا يخفى أن مصطلح " الهندسة المالية الإسلامية " مكون من ثلاث كلمات وهي: (هندسة، مالية، إسلامية) وللوقوف على تعريفها على أنها علم مركب؛ لا بد من تعريف الكلمات الثلاث كل منها على انفراد، ثم تعريفها على أنها علم مركب.
تعريف الهندسة
الهندسة في اللغة، كلمة مشتقة من " الهِنْداز " وهي كلمة فارسية أصلها " أَوَانداز " وتعني: مُقدِّر الماء. والعرب تسمية القُناقِنُ([2]) وعلى هذا، فالمهندس هو الذي يقدِّر مجاريَ القُنِيِّ واحتفارها([3]).
تعريف المالية:
المالية نسبة إلى المال، والمال معروف وهو: ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتمول الناس كافة أو بعضهم([4]).
قال ابن الاثير: المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان. وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم([5])
وجه كون ( الهندسة المالية) إسلامية:
الإسلامية نسبة إلى الدين الإسلامي العظيم، وكون (الهندسة المالية ) إسلامية؛ ذلك لمراعاتها أصول الاقتصاد الإسلامي، الذي يقوم على ركائز مهمة، تهدف إلى تحقيق المصالح المعتبرة شرعا، المتمثلة باتباع الدين وحفظ النفس والعقل والنسل والمال، فتعمل على إدخال التصور الإسلامي على النظام المصرفي العالمي للتصرف بالمال، ومن جملة هذه الركائز ما يأتي([6]):
- إن النظام المصرفي الإسلامي جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي، ويمثل أحد أجهزته الهامة.
- إن النظام الاقتصادي الإسلامي – التطبيق العملي الصحيح لفقه المعاملات – يمثل جزءا من الإسلام بشموله للعبادات والمعاملات والأخلاق، وهو كل لا يتجزأ.
- إن التطبيق والالتزام بالمنهج التشريعي الصحيح يقوم على تجنب النواهي؛ باعتبارها مخالفة للمنهج مثل (الربا، الغرر، الغش، الكذب، الخيانة، النجش، الاحتكار، الإسراف والتبذير،الجهالة.. ) ويقوم كذلك على الالتزام بالأوامر؛ باعتبارها أسس للمنهج الإسلامي فتشمل الوفاء بالعقود، أداء الزكاة، العمل بنية إعمار الأرض ابتغاء وجه الله تعالى.
- مبدأ الغنم بالغرم، أي المُشاركة بالربح والخسارة.
- مبدأ أن النقود لا تنمو إلاّ بفعل استثمارها، وأن الاستثمار يكون مُعرضاً للمخاطر، وفي ضوء ذلك فإن نتيجة الاستثمار قد تكون ربحاً أو خسارة.
- التعامل بصيغ التمويل الإسلامية من مُشاركة، مُضاربة، مُرابحة، بيع السلم، وغيرها من صيغ التمويل.
- توجيه المدخرات إلى المجالات التي تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- ربط أهداف التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية وأن للمصرف الإسلامي دور في تحقيق هذه التنمية.
تعريف الهندسة المالية الإسلامية باعتبارها علما مركبا
من خلال تعريف الهندسة في اللغة؛ يتبين أنها تدل على معنى مشتمل على حفر القنوات وتقديرها، وعلى هذا فهي ذات معنى حركي، لا يتأتى الهدف المنشود منها إلا بإحكام الصنعة ومراعاة للجودة.
ولا يخفى أن شق القنوات واحتفارها هدفه الأسمى ومناطه الأرجى هو المحافظة على الماء؛ رعاية لمصلحة الكائنات على اختلافها، وبهذا يكون هناك ارتباط جذري بين هذا المعنى وبين الهدف من المال؛ الذي به قوام الحياة وإسناد الظهر وبلوغ الأربة.
ولما كان الأمر كذلك؛ فإني أرى أنه لا مانع من إطلاق " الهندسة " على طرق تقدير المال وتنميته؛ رعاية للتشابه بين الماء والمال في الحال وفي المآل، من حيث الابتكار الدؤوب للأدوات الفعالة المعينة على التنمية والإنتاج، ومن حيث المحافظة على عمود الحياة والسلامة في الآخرة.
وقد تنوعت تعريفات الهندسة المالية بناء على تصور الباحثين لها، فقيل: هي مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل وكل ذلك في إطار موجهات الشرع الحنيف([7])
التعريف المختار للهندسة المالية الإسلامية:
هي: عمليات مبتكرة ذات طبيعة فعالة للتعامل بالمال من حيث الإدارة والتنمية وفق ما تقضيه الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني
آفاق الهندسية المالية الإسلامية في تطوير العمل المصرفي
إن المتتبع لمسيرة الفقه الإسلامي عبر الأطوار التاريخية والتشريعية المتعاقبة؛ يتبين له أن الصناعة المالية الإسلامية تتربع على مساحة واسعة منه، وهي قديمة بقدمه، فتمتد جذورها التاريخية إلى نصوص قويمة واجتهادات سليمة، تكفل لها الديمومة والاستمرار وإيجاد الأدوات المعينة على التجديد والتطوير، ومعالجة الأزمات على مر العصور، ومن ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لبلال المازني رضي الله عنه: " عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل تمر خيبر هكذا قال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل بع الجمع([8]) بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا([9])"([10])
قال ابن تيمية: " قوله صلى الله عليه وسلم ( بع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا ) لم يأمره أن يبتاع بها من المشتري منه , وإنما أمره ببيع مطلق وشراء مطلق , والبيع المطلق هو البيع البتات الذي ليس فيه مشارطة ومواطأة على عود السلعة إلى البائع، ولا على إعادة الثمن إلى المشتري بعقد آخر. وهذا بيع مقصود وشراء مقصود , ولو باع من الرجل بيعًا بتاتًا ليس فيه مواطأة لفظية ولا عرفية على الشراء منه ولا قصد لذلك ثم ابتاع منه لجاز ذلك , بخلاف ما إذا كان القصد أن يشتري منه ابتداءً وقد عرف ذلك بلفظ أو عرف فهناك لا يكون الأول بيعًا ولا الثاني شراءً منه ; لأنه ليس ببتات فلا يدخل في الحديث([11]).
ومن ذلك ما قاله ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله، رويدك أسألك، إني أبيع الإبل بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء" ([12]).
ومن ذلك ما جاء عن زيد بن أسلم، عن أبيه ; أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب، أن يأخذ منهم المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما ؟ قالا: لا فقال عمر بن الخطاب : ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أديا المال وربحه، فأما عبد الله، فسكت، وأما عبيد الله، فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضا، فقال عمر: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله، ابنا عمر بن الخطاب، نصف ربح المال ([13]).
جاء في المغني لابن قدامة: " وروي عن ابن عمر : أن بكر بن عبد الله المزني ، ومسروقا العجلي، سألاه عن كري لهما، له عليهما دراهم، وليس معهما إلا دنانير ؟ فقال ابن عمر : أعطوه بسعر السوق. ولأن هذا جرى مجرى القضاء، فيقيد بالمثل، كما لو قضاه من الجنس، والتماثل هاهنا من حيث القيمة ; لتعذر التماثل من حيث الصورة. قيل لأبي عبد الله : فإن أهل السوق يتغابنون بينهم بالدانق في الدينار وما أشبهه ؟ فقال: إذا كان مما يتغابن الناس به فسهل فيه، ما لم يكن حيلة، ويزاد شيئا كثيرا ([14]).
وفي المغني أيضا: " قال أحمد : ولو كان لرجل على رجل عشرة دراهم، فدفع إليه دينارا، فقال: استوف حقك منه. فاستوفاه بعد يومين، جاز. ولو كان عليه دنانير، فوكل غريمه في بيع داره، واستيفاء حقه من ثمنها، فباعها بدراهم، لم يجز أن يأخذ منها قدر حقه ; لأنه لم يأذن له في مصارفة نفسه، ولأنه متهم. ولو باع جارية بدنانير، فأخذ بها دراهم، فردت الجارية بعيب أو إقالة، لم يكن للمشتري إلا الدنانير ; لأنه الثمن الذي وقع عليه العقد، وإنما أخذ الدراهم بعقد صرف مستأنف " ([15]).
إن هذا القدر من الاستشهاد الفقهي يدل أبلغ الدلالة على أن الصناعة المالية الإسلامية وُجدت مبكرا، منذ مجيء الشريعة الإسلامية، كما يدل على جودة الحلول الاقتصادية وبراعتها آنذاك، ولا أكتمك سرا، أني توقفت كثيرا عند ما رواه زيد بن أسلم، كما تقدم، فمن ذا الذي يُفتي أمام الفاروق رضي الله عنه، وانظر كيف تم تكييف المسألة، فبعد أن أسلفهما أبو موسى رضي الله عنه والربح لهما، وبعد أن أمرهما عمر رضي الله عنه بأداء المال كاملا مع ربحه، ظهرت براعة الاجتهاد وجاء دور الهندسة المالية، فحولت المسألة إلى قراض (مضاربة ) حتى بعد انتهاء العقد ! فرضي به الفاروق وأمضاه.
إن هذه النصوص المباركة تشير إلى أن الصناعة الفقهية داخلة في باب الاجتهاد على مر العصور، وأنها من المسموح به لإعمال العقل بها، وليس من السر أن الشريعة الإسلامية المباركة فَصّلت القول فيما يدخل في دائرة الممنوع من التعاملات المالية وغيرها ([16])، إلا أنها أعطت العقل الصحيح حرية الاجتهاد بشروطه وضوابطه، دون إخلال بالأحكام الشرعية، فالشريعة الإسلامية لم تحجر دائرة الابتكـار، و إنما فصلت الممنوع، و أبقت دائرة المشروع متاحة للجهد البشري في الابتكار و التجديد ضمن قواعد الشريعة الإسلامية([17])
وعلى الرغم مما تقدم؛ إلا أن مصطلح " الهندسة المالية السلامية " لم يوجد منذ القدم، وإنما وُجد مفهومه وما يدل عليه، وقد تطور على مر العصور، فأصبح مصطلح الهندسة الماليةِ حديثا ([18]) ولعل العامل الذي سهل البدء في استخدام الهندسة المالية هو إدخال الحاسبات وتقنيات الاتصال أو ما يعرف بتكنولوجيا الإعلام والاتصال، فساعدت على تخفيض أوقات المعاملات وتكاليفها، فالهندسة المالية تعتبر بذلك الأداة الأنسب التي يمكنها تقديم مساعدة فعالة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية التي تخطط لها منشآت الأعمال.
وتسعى الهندسة المالية إلى قيام منشآت الأعمال بصفة عامة والمؤسسات المالية (البنوك، شركات التأمين، صناديق الاستثمار، الإدارات المالية ) بشكل خاص برسم سياسات مالية قوية، وابتكار منتجات وأدوات مالية جديدة وآليات واستراتيجيات مالية مرنة تتفاعل وتستفيد من التغيرات المستمرة في أسواق المال العالمية والإقليمية والمحلية )أسعار الفائدة على السندات، أسعار الصرف، أرباح الأسهم، أسعار الأسهم، حجم التداول )أي محاولة جعل هذه التغيرات مفيدة بدلاً من اعتبارها مصدر خطر عليها([19]).
إن الهندسة المالية الإسلامية لا تتوقف عند حد معين، حيث يلقى على عاتقها إيجاد منتجات و أدوات مـالية تجمع بين المصداقية الشرعية و الكفاءة الاقتصادية ([20]).
فالمصداقية الشرعية هي الأساس في كونها إسلامية، وتعني أن تكون المنتجات الإسلامية موافقة للشرع، وهذا يتضمن الخروج من الخلاف الفقهي قدر المستطاع، إذ ليس الهدف الأساس من الصناعة المالية الإسلامية ترجيح رأي فقهي على آخر، وإنما التوصل إلى حلول مبتكرة تكون محل اتفاق قدر الإمكان. وعليه ينبغي أن نفرق ابتداء بين دائرة ما هو جائز شرعا، وبين ما تطمح إليه الصناعة الإسلامية، فالصناعة المالية الإسلامية تطمح لمنتجات وآليات نموذجية. بينما دائرة المشروع تشمل ما قد يكون نموذجيا بمقياس العصر الحاضر، وما ليس كذلك.
وأما الكفاءة الاقتصادية فهي الأساس في قدرتها على تلبية الاحتياجات الاقتصادية و منافسة الأدوات التقليدية، فكما أن الهندسة المالية التقليدية تتميز بالكفاءة الاقتصادية، فينبغي للهندسية المالية الإسلامية أن تتميز بها، وتكون واقعا ([21])
ويشير علماء الاقتصاد إلى أن الهندسة المالية تتضمن ثلاثة أنواع من الأنشطة:
أولاً: ابتكار أدوات مالية جديدة، مثل بطاقات الائتمان.
ثانيا: ابتكار آليات تمويلية جديدة من شأنها تخفيض التكاليف الإجرائية لأعمال قائمة، مثل التبادل من خلال الشبكة العالمية.
ثالثًا: ابتكار حلول جديدة للإدارة التمويلية، مثل إدارة السيولة أو الديون، أو إعداد صيغ تمويلية لمشاريع معينة تلائم الظروف المحيطة بالمشروع ([22]).
إن الابتكار المنشود في نطاق الهندسة المالية الإسلامية ينبغي أن يكن متميزا إلى درجة تحقيقه لمستوى أفضل من الكفاءة والمثالية، ولذا فلا بد أن تكون الأداة أو الآلية التمويلية المبتكرة تحقق ما لا تستطيع الأدوات والآليات السائدة تحقيقه([23])
الحاجة إلى الهندسة المالية الإسلامية
تبرز الحاجة إلى الهندسة المالية الإسلامية، في البحث عن حلول مالية أسلامية من عدة جوانب:
الجانب الأول: إن قواعد الشريعة الإسلامية الخاصة بالتبادل وإن كانت معدودة لكنها منضبطة ومحددة؛ وعليه فإن قبول التعاملات التي تلبي احتياجات الناس بصورة كفؤة اقتصاديا يظل مرهونا بعدم منافاته لهذه القواعد، وفي نفس الوقت ادراك وتقدير لاحتياجات الناس الاقتصادية، والجمع بين هذين قد يتطلب قدرا من البحث والعناية؛ حتى يمكن الوصول للهدف المنشود، فالهندسة المالية مطلوبة للبحث عن الحلول التي تلبي الاحتياجات الاقتصادية مع استيفاء القواعد الشرعية.
الجانب الثاني: تطور التعاملات المالية في العصر الحاضر، وتزايد عوامل المخاطرة، وتغير الأنظمة الحاكمة للتمويل والتبادل الاقتصادي، مما يجعل الاحتياجات الاقتصادية معقدة ومتشعبة، ويزيد من الحاجة للبحث عن حلول ملائمة لها.
الجانب الثالث: وجود المؤسسات الرأسمالية، ونموها إلى درجة فرضت قدرا كبيرا من التحدي على الاقتصاد الإسلامي، فأصبح من الضروري إيجاد حلول تحقق مزايا متكافئة لتلك التي تحققها الحلول الرأسمالية، ويترتب على هذه الجوانب صعوبة إيجاد حلول اقتصادية إسلامية قادرة على منافسة البدائل السائدة في الاقتصاد المعاصر، ومن هنا برزت الحاجة لتطوير الهندسة المالية الإسلامية وتأصيلها ([24]).
أهمية الهندسة المالية الإسلامية
تكمن أهمية الهندسة المالية الإسلامية في توفير التكاليف نتيجة لما يتحقق من وفورات مالية كبيرة؛حيث أن ابتكار منتجات مالية إسلامية جديدة يدعم استقطاب الأموال، وبالتالي يزيد من القدرة التمويلية للمؤسسة المالية الإسلامية، خصوصًا إذا تأكد أصحاب الأموال من أن المعاملات المالية خالية مما يخالف الشريعة الإسلامية، وهذا يدعم فكرة جذب المدخرات وبالتالي المساهمة في الاستثمار، كما تظهر أهمية الهندسة المالية الإسلامية من جوانب عدة كما يأتي:
- تقوم بتوزيع المخاطر نظرًا لتنوع أشكال الاستثمارات وآجالها، ويمكن اعتبار صناديق الاستثمار واحدة من بين الأدوات التي تساهم في توزيع المخاطر المالية؛ بسبب تعدد منافذ الاستثمار فيها سواء قصير أو متوسط أو طويل الأجل، وبالتالي تحقيق رغبات مختلف المستثمرين.
- القيام بالأبحاث والتنبؤات السوقية.
- الإفصاح الدوري لدعم شفافية السوق ومعرفة حاجات المستثمرين.
- إمداد الجهات المعنية بالبيانات المطلوبة، وبالتالي تنشيط المناخ الاستثماري.
- المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء ([25]).
المطلب الثالث
تطبيقات الهندسة المالية الإسلامية في تطوير العمل المصرفي
إن أهم ما يميز المنتجات المالية الإسلامية هو تنوعها وتعددها بشكل يمكن أن يحقق تلبية جميع الاحتياجات التمويلية، ويضمن مواجهة التنافسية من قبل المؤسسات المالية التقليدية، ولكن هذا لم يكن بالقدر الكافي لإثبات مكانة المؤسسات المالية الإسلامية على الصعيد المالي، وهذا يرجع في الأساس إلى اعتماد المؤسسات المالية على منتجات محدودة تبتعد عن قاعدة المشاركة التي يقوم عليها التمويل الإسلامي من جهة؛ ولا تتمتع بالكفاءة اللازمة لمواجهة المنافسة من جهة أخرى.([26])
إن هذا التنوع في التطبيقات الهندسية في الصناعة المالية الإسلامية، والذي يؤدي إلى التطور والتقدم في العمل المصرفي الاسلامي، يمكن تصنيفه تبعاً للمناهج والطرق المتبعة في المؤسسات المالية الإسلامية، والتي يمكن ردها إلى المنهجين التاليين ([27]):
منهج المحاكاة:
وهذا المنهج يعني أن يتم سلفا تحديد النتيجة المطلوبة من منتج صناعة الهندسة المالية الإسلامية، وهي عادة النتيجة نفسها التي يحققها المنتج التقليدي.
ويعتمد هذا الأسلوب على تقليد المنتجات المالية التقليدية مع توسيط السلع، وإدراج بعض الضوابط الشرعية عليه، حيث تكون نتائجه محددة مسبقًا ويؤدي إلى الآثار نفسها التي يؤدي إليها ذاك المنتج.ولعل ما يدعو إلى العمل بهذا المنهج هو وجود عدة مزايا، أبرزها: السهولة والسرعة في تطوير المنتجات، إذ أنها لا تتطلب الكثير من الجهد والوقت في البحث والتطوير، بل مجرد متابعة المنتجات الرائجة في السوق وتقليدها من خلال توسيط السلع.وعلى الرغم من مزايا هذا المنهج إلا أن ثمة سلبيات تواجه تطبيقه والتي منها([28]):
- أن الضوابط الشرعية تصبح مجرد قيود شكلية لا حقيقة تحتها ولا قيمة اقتصادية من ورائها. وهذا ما يضعف قناعة العملاء بالمنتجات الإسلامية، ويجعل التمويل الإسلامي محل شك وريبة، بل وتصبح تلك الضوابط عبئا وعائقا أمام المؤسسات المالية، إذ هي لا تحقق أي قيمة مضافة، بل مجرد تكلفة إضافية. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تحمل المؤسسات المالية هذه التكلفة على العميل، لتكون المنتجات الإسلامية المقلدة في النهاية أكثر كلفة من المنتجات التقليدية، مع أنها تحقق في النهاية النتيجة نفسها.
- إن محاكاة المنتجات التقليدية تستلزم التعرض للمشكلات نفسها، وهذا بدوره يستلزم محاكاة المزيد من المنتجات التقليدية بحيث تصبح الصناعة المالية الإسلامية في النهاية تعاني من نفس المشكلات والأزمات التي تعاني منها الصناعة المالية التقليدية.
- إن المنتج التقليدي هو جزء من منظومة متكاملة من الأدوات والمنتجات القائمة على فلسفة ورؤية محددة، ومحاولة تقليد جوهر هذه المنظومة، يجر الصناعة الإسلامية لمحاكاة سائر أدوات المنظومة وعناصرها، وهو ما يجعل الصناعة المالية الإسلامية مهددة بأن تفقد شخصيتها وتصبح تابعة بالجملة للصناعة التقليدية، وبذلك فإن كل المشكلات التي تعاني منها الصناعة التقليدية ستنتقل بدورها إلى الصناعة المالية الإسلامية، وبدلا من أن يكون التمويل الإسلامي هو الحل للمشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العالم اليوم، يصبح مجرد صدى وانعكاس لهذه الازمات([29]).
فإذا ما بقي الحال على ما هو عليه من عمليات الهيكلة الشرعية لمنتجات تقليدية؛ فإن مستوى المنتجات المالية الإسلامية - بحكم أنها شرعية- سينحدر ليصل إلى نقطة يتقارب فيها مع مستوى الخدمات التقليدية([30])
منهج الأصالة والابتكار ([31]):
ويعني البحث عن الاحتياجات الفعلية للعملاء والعمل على تصميم المنتجات المناسبة لها، شرط أن تكون متوافقة ومبادئ الشرع الإسلامي، أي إيجاد صناعة هندسة مالية إسلامية. وهذا المنهج يتطلب دراسة مستمرة لاحتياجات العملاء والعمل على تطوير الأساليب التقنية والفنية اللازمة لها، وذلك لضمان الكفاءة الاقتصادية للمنتجات المالية، كما يتطلب وضع أسس واضحة لصناعة هندسة مالية إسلامية مستقلة عن الهندسة المالية التقليدية.
ولا شك أن هذا المنهج هو أكثر كلفة من التقليد والمحاكاة، لكنه في المقابل أكثر جدوى وأكثر إنتاجية حيث غاليا ما تكون التكلفة مرتفعة في بداية التطبيق، ثم بعد ذلك تنخفض، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن هذا المنهج يحافظ على أصالة المؤسسات المالية الإسلامية، كما يسمح لها بالاستفادة من منتجات الصناعة المالية التقليدية ما دامت تفي بمتطلبات المصداقية الشرعية، كما يساعد ذلك على استكمال المنظومة المعرفية للصناعة المالية الإسلامية ([32])
بعد هذا العرض الموجز للمناهج المتبعة في استحداث التطبيقات المالية الإسلامية، أورد فيما يأتي أهم التطبيقات والمنتجات المالية، والتي يمكن ردها إلى ثلاث مجموعات كما يأتي([33]):
المجموعة الأولى: المنتجات التمويلية:
المجموعة الثانية: المنتجات المالية المشتقة:
المجموعة الثالثة: المنتجات المالية المركبة:
أولا: المنتجات التمويلية
بيع المرابحة للآمر بالشراء من خلال عقد المشاركة([34])
يقوم هذا النموذج على إعادة هندسة بيع المرابحة للآمر بالشراء من خلال عقد المشاركة كما يلي:
- يقوم التاجر الذي ينوي تخصيص جزء من مبيعاته لتكون بالتقسيط بفتح حساب لدى المصرف الإسلامي كحصته في حساب المشاركة، ويقوم المصرف كذلك بإيداع مبلغ مماثل أو يزيد كحصة المصرف في حساب المشارك.
- يقوم التاجر بعملية البيع بالتقسيط ونقل الملكية وكل ما يتعلق بالأمور الفنية لبضاعته، ويتولى المصرف متابعة الأقساط والتسديد وكافه الأمور المالية، وتوزع الأرباح التي يجنيها هذا الحساب المشترك بين التاجر والمصرف بالاتفاق.
وبهذه الطريقة يحقق المصرف عدة أهداف، حيث يقلل التكاليف الإجرائية التي تتسم بها عمليات المرابحة بالمقارنة مع البنوك التقليدية، ومن ثم يبتعد عن الشبهات الشرعية المتعلقة بالقبض والحيازة، ويكون أيضا مكملاً لعمل التجار وليس منافساً لهم([35]).
التورق المصرفي:
وهو أن يشتري الرجل السلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها إلى آخر بثمن أقل مما اشتراها به، وسميت بالتورق لأن المقصود منها الورق (النقد) لا البيع([36])
وأما كون التورق مصرفي؛ لأنه يتم من خلال المصرف، حيث يمكن أن يكون العميل هو المتورق، وذلك بشرائه السلعة من المصرف ثم يبيعها لتحصيل السيولة، ويمكن أن يكون المتورق هو المصرف، بأن يشتري السلعة محل التورق من العميل أو من مؤسسة أخرى لتحصيل السيولة، ويحقق منتج التورق مصلحة مزدوجة، فهو يوفر السيولة للمصارف، فضلا عن استخدامه في استثمار أموال العملاء بالمرابحات بعوائد ثابتة معلومة مقدما([37])
ويعتبر التورق المصرفي المنظم من المسائل المعاصرة التي وقع في حكمها خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى جواز التعامل به([38])، ومنهم من يرى التحريم([39])، وقد جاء عن مجلـس المجمـع الفقهـي الإسلامـي برابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقـدة بمكـة المكرمـة، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الموافق: 13-17/12/2003م، في موضوع: ( التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر(، بعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، حيث تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيـام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب أو الفضة ) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف – إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة – بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق. وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
- أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة
- أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
- أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل. وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، والذي سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.. وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة. فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تسويغ الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانياً: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى. كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول
الاجارة الموصوفة في الذمة
الإجارة: بكسر الهمزة، مصدر أجره يأجره أجرا وإجارة، فهو مأجور. وأما اسم الأجرة نفسها، فهو إجارة بكسر الهمزة وضمها وفتحها([41])
والإجارة الموصوفة في الذمة هو عقد مسمى بالفقه الإسلامي، يشتمل على معنيين من معاني العقود المسماة بالفقه المسمى، هما: عقد السلم وعقد الإجارة، و يمكن تعريف عقد الإجارة الموصوفة بالذمة بأنه: "بيع منافع مستقبلية بثمن حال" وهي إجارة ذمة؛ لأن المنفعة المستوفاة متعلقة بذمة المؤجر وليست معينة، أو الإجارة الواردة على منفعة مضمونة؛ لان المؤجر يضمن تقديم المنفعة في كل الحالات، وهي متعلقة بذمته ([42])
ومن الأمثلة عليها: خدمات الدراسة في الجامعات والمعاهد العلمية، والخدمات الصحية، بما فيها العلاج والعمليات الجراحية التي تقدمها المستشفيات أو الأطباء في عياداتهم، وخدمات التنقل والسفر جوا أو برا بحرا ([43]).
وقد بحثت هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لمصرف أبو ظبي الإسلامي تكييف إجارة الخدمات، وما إذا كانت تعد إجارة موصوفة في الذمة أو إجارة معينة، في الحالة التي تعين فيها الجهة المقدمة للخدمة، وانتهت في القرار رقم (8/3/2006- 1)، إلى أن إجارة الخدمات (المنافع) كالدراسة أو العلاج أو النقل ونحوها تعد إجارة موصوفة في الذمة، إن اقتصر فيها التعيين على الجهة (الشخصية الاعتبارية ) المقدمة للخدمة دون من يقدم الخدمة مباشرة من مدرس أو طبيب أو وسيلة نقل([44]).
شهادات الايداع القابلة للتداول
وهذه الشهادات تصدرها البنوك والمؤسسات المالية، وتعتبر أوراقا مالية تصدر من قبل المصارف في مقابل الودائع الاستثمارية المودعة لديها، حيث تقوم على أساس المضاربة، وتعطي الحق لحاملها في الحصول على الربح قبل تاريخ استحقاق الورقة المالية وبالنسب المتفق عليها، كما تعطيه الحق في بيعها من أجل الحصول على السيولة التي يحتاجها خلال مدة استحقاقها ([45]).
ثانيا: المنتجات المالية المشتقة
عقود الخيارات:
الخيارات: هي اتفاقيات تعاقدية، يمنح بموجبها البائع (مصدر الخيار) الحق، وليس الالتزام، للمـشتري (المكتتب بالخيار)لبيع أو شراء عملة أو بضاعة أو أداة مالية بسعر محدد سلفا في تاريخ مستقبلي محدد أو في أي وقت خلال الفترة الزمنية المنتهية في ذلك التاريخ([46])
وتعتبر سوق السلع أساس نشأة الخيارات،حيث يهدف المنتجون إلى حماية أنفسهم من مخاطر وفرة الإنتاج و تدهور الأسعار، وبذلك يشترون هذا الحق (خيار البيع) ليتمكنوا من بيع الإنتاج للتجار بسعر وفي تاريخ محددين([47]) ويمكن رد عقود الخيارات المالية الى نوعين([48]):
النوع الأول: خيار الطلب أو الشراء (Call option):
وهو عقد يمتلك مشتريه أو مالكه (أي دافع الثمن) حق شراء عدد محدد من أسهم شركة معينة، أو أي أوراق مالية أخرى بسعر محدد خلال فترة معينة، غالباً ما تكون (90) يوماً، وهو غير ملزم بالتنفيذ، إذا أراد البائع (محرر الخيار) بيعه تلك الأسهم خلال مدة سريان العقد، ويدفع مقابل هذا الحق ثمناً غير مسترد بأي حال.
النوع الثاني: خيار البيع (Put option):
وله مسميات منها: خيار الدفع، وخيار العرض. وكلها بمعنى واحد، وهو عقد يعطي مشتريه أو مالكه (أي دافع الثمن) الحق في بيع عدد معين من الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى بسعر محدد خلال فترة محددة، ولا يجبر على البيع، إنما هو بالخيار؛ لأن قابض ثمن الخيار هو الملزم بالشراء في هذه الحالة أو التنفيذ بشكل عام، إذا ما قرر مشتري حق البيع التنفيذ، وبالسعر المتفق عليه خلال المحددة، وهنا كذلك ما يدفعه مقابل تمتعه بحق خيار البيع، غير مسترد بأي حال.
وتعتبر عقود الخيارات المالية من العقود المعاصرة، وقد وقع في حكمها خلاف بين المعاصرين بين مبيح ومحرم([49]) نظرا للتكييف الشرعي لها، وقد ذهب مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412 الموافق 9 – 14 أيار (مايو) 1992م، في قراره رقم: 63 (1/7) بشأن عقود الاختيارات إلى ما يأتي:
أ- صورة عقود الاختيارات:
إن المقصود بعقود الاختيارات الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة، أوفي وقت معين، إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
ب- حكمها الشرعي:
إن عقود الاختيارات – كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية – هي عقود مستحدثة لا تنطوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة، وبما أن المعقود عليه ليس مالاً ولا منفعة ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه فإنه عقد غير جائز شرعاً. وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها([50]).
بيع العربون:
هو أن يدفع المشتري للبائع جزءاً من الثمن على أنه إن أخذ السلعة كان ما دفعه جزءاً من الثمن، وإن عدل عن الشراء كان ما دفعه للبائع([51]).
وتجدر الإشارة إلى أن بيع العربون والخيار يقومان على دفع المشتري لمبلغ من المال مقابل الحق في شراء أصل مالي معين بثمن محدد خلال فترة معينة، على أن يتم تملك الأصل في حالة إتمام العقد، أو خسارة المبلغ المدفوع مقدمًا في حالة العكس، إلا أن بيع العربون يختلف عن الخيار في أنه لا يستخدم من أجل الاستفادة من فروق أسعار الأصل المالي، بل من أجل شراء الأصل في حد ذاته والانتفاع به، على أنه إذا ثبت له أن الأصل مناسب أمضى الشراء، وإلا فإنه يخسر العربون.([52])
وكما هو معلوم، فإن بيع العربون من المسائل الخلافية بين الفقهاء لا يسع المقام لذكرها، وقد ذهب مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري بيجوان، بروناي دار السلام من 1– 7 محرم 1414هـ الموافق 21 – 27 حزيران (يونيو) 1993م، في قراره رقم: 72 (3/8) بشأن بيع العربون، إلى ما يأتي:
- المراد ببيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.
- ويجري مجرى البيع الإجارة، لأنها بيع المنافع. ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف) ولا يجري في المرابحة للآمر بالشراء في مرحلة المواعدة ولكن يجري في مرحلة البيع التالية للمواعدة.([53])
العقود الآجلة في إطار عقد السلم([54])
وهي عقود آجلة كيفت على أساس عقد السلم الذي يتفق فيه الطرفان على التعاقد على بيع بثمن معلوم يتأجل فيه تسليم السلعة الموصوفة بالذمة وصفًا مضبوطًا إلى أجل معلوم، على أن لا يكون كلا البدلين مؤجلين([55]).
وقد اقترح عدد من الباحثين أن تقوم البنوك الإسلامية بما يسمى بالسلم الموازي، وذلك بأن تشتري سلعا من المزارعين أو التجار على أن يقوم التجار بتسليم السلع المتفق عليها للبنك الإسلامي في تاريخ محدد، ويقوم البنك الإسلامي في نفس الوقت ببيع هذه السلع لتجار آخرين على أن يقوم البنك الإسلامي بتسليم هذه السلع([56])
ثالثاً: المنتجات المالية المركبة:
المغارسة المشتركة.
تقوم فكرة هذا المنتج على تملُّك المصرف الإسلامي للأراضي الصالحة للزراعة، على أن يتفق مع أصحاب الخبرة والتخصص في المجال الزراعي المتعلق بغرس الأشجار المثمرة، حيث وبعد إجراء الدراسة اللازمة لمعرفة مدى ملائمة غرس الأشجار المثمرة في الأراضي محل العقد؛ يتم الاتفاق بين الطرفين على غرسها مع تمليك الخبراء جزءًا من الأرض، وحصولهم على جزء من المحصول، وكذا جزء من الاشجار([57]).
المغارسة المقرونة بالبيع والإجارة([58])
تقوم المغارسة المقرونة بالبيع على تملُّك المصرف الإسلامي لأرض صالحة للزراعة، حيث يقوم ببيع جزء منها بسعر رمزي للخبراء الزراعيين على أن يقرن هذا البيع بعقد إجارة على العمل في الجزء الباقي من الأرض، ويكون الأجر جزءًا من الشجر والثمر([59])
صكوك الاجارة الموصوفة في الذمة.
الصكوك جمع (صك)، وكلمة (صك) - الصاد والكاف- أصل يدل على تلاقي شيئين بقوة وشدة، حتى كأن أحدهما يضرب الآخر، ومن ذلك قولهم: صككت الشيء صكا. والصكك: أن تصطك ركبتا الرجل. وصك الباب: أغلقه بعنف وشدة([60]).
والصكوك هي وثائق متساوية القيمة تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله"([61]).
وتعد الصكوك الإسلامية من أدوات الاستثمار التي تم تطويرها لتكون بديلاً عن السندات التقليدية المحرمة؛ ليستفاد منها في تمويل الاستثمارات بصيغة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع قابليتها للتداول([62]).
والصك التأجيري لا يمثل مبلغا معينا من المال، ولا هو دين على جهة معينة، وإنما هو سند أو ورقة تمثل جزءا من أجزاء عدة من ملكية عقار.. ويمتاز عن ورقة القيد العقاري لهذه الموجودات الثابتة في أن العين - التي يمثل الصك سهما فيها – تكون مرتبطة بعقد إجارة، وهذا الارتباط يجعل للصك عائد وهو حصته من الأجرة([63])
تحديات الصناعة المالية الإسلامية
لعل من أبرز التحديات التي تواجهها الصناعة المالية الإسلامية بمختلف مؤسساتها في تطوير منتجاتها التمويلية والاستثمارية ما يلي:
- توجيه معظم العمليات المصرفية نحو التمويل المحدد العائد -البيوع والإيجارات- وليس الاستثمار القائم على المشاركة في الربح والخسارة؛الأمر الذي يؤدي إلى عدم تحقيق الأهداف التنموية.
- الاختلاف بين المؤسسات المالية الإسلامية في تطبيق المنتج الواحد؛ الأمر الذي يؤدي إلى عدم فهم المتعاملين للصناعة المالية الإسلامية.
- عدم توافر بيئة مناسبة لاستحداث منتجات جديدة مشتقة أو مبتكرة، والاقتصار على عدد محدود من المنتجات أو ابتكار منتجات شاذة تخالف الإجماع؛ الأمر الذي يؤدي إلى التسرع في طرح المنتجات دون وجود مرجعية للصناعة تقوم بضبط عملية التطوير وحمايتها وتوجيهها وإدارتها بالشكل الذي يبتعد بها عن الانفرادية.
- محاكاة المؤسسات المالية التقليدية في تحديد تكلفة عمليات التمويل وذلك بالاسترشاد بمؤشر سعر الفائدة؛ الأمر الذي يؤدي إلى تنامي عدم ثقة العملاء وفقدان هذه المؤسسات للتميز والاستقلالية، ويطرح أهمية إيجاد مؤشر ربحية بديل عن سعر الفائدة لقياس عائد عمليات التمويل.
- بعد ما أفرزته العولمة المالية من مشتقات، كان لزاما على المؤسسات الإسلامية تطوير منتجات مصرفية ومالية تستجيب لمختلف الرغبات، وهو أكبر تحد يواجه الصناعة المالية الإسلامية ([64]).
آثار الهندسة المالية الإسلامية على العمل المصرفي
إن من باب الانصاف للهندسة المالية ودورها في تطوير العمل المصرفي، يلاحظ أنها قدمت خدمات هائلة وانجازات مرموقة خلال العقود الماضية، ولعل أبرز هذه الانجازات ما يأتي ([65]):
- إيجاد المؤسسات المصرفية الخالية من الفائدة التي تمكن جمهور المتعاملين من تنفيذ معاملاتهم المصرفية وفقاً لمعتقداتهم الدينية.
- توفير البديل للمصرفية التقليدية لجمهور المتعاملين من المسلمين وغير المسلمين.
- إيجاد ثقافة مصرفية جديدة على أساس من التطور والابتكار وقبول الفكرة ولدى كثيرين من البنوك المركزية، وإعطاء الفرصة لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية جنباً إلى جنب مع المصارف التقليدية، وإعطاء البنوك التقليدية الفرصة أيضا لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية من خلال السماح لها بفتح نوافذ إسلامية.
- تنافس المصارف التقليدية المحلية والأجنبية على تقديم خدمات ومنتجات مصرفية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
- حصول الصناعة المصرفية على الاعتبار والتقدير من قبل بعض المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي و داوجونز.
- إيجاد مؤسسات استراتيجية داعمة للصناعة المصرفية الإسلامية، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية (ماليزيا) والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية (البحرين) ومركز السيولة المالية للمصارف الإسلامية (البحرين LMC)،وهي مؤسسات وهيئات تمَّ إنشاؤها بغرض دعم وتوثيق سبل التعاون والترابط بين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، ويمكنها أن تقود العمل المصرفي الإسلامي من خلال تفعيل أدوارها بهدف تحقيق التكامل المصرفي الإسلامي.
- الجهود المتزايدة في الهندسة المالية الإسلامية والتي أدت إلى إيجاد تنوع في المنتجات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية
- اختراق الصناعة المصرفية الإسلامية لبعض البلدان الغربية، مثل إصدار الصكوك الإسلامية في ألمانيا، وانتشار العمل المصرفي الإسلامي في بعض البلدان غير الإسلامية التي توجد فيها أقليات إسلامية كبيرة، مثل الفلبين وتايلاند وبريطانيا.
- انتشار فقه الصيرفة الإسلامية من الناحيتين التطبيقية والنظرية، فقدمت المحاضرات والندوات وحلقات العمل على مختلف المستويات وصارت الصيرفة الإسلامية محل الدراسة والتحليل في الجامعات وموضوعاً للدراسات العليا فيها، وصدرت كتيبات وفتاوى عن هذه التجربة.
10. تنامي شريحة المتعاملين الذين يرغبون أن تتم معاملاتهم التجارية والمصرفية وفقاً لصيغ التمويل والاستثمار الملتزمة وأحكام الشريعة الإسلامية.
المطلب الرابع
واقع المصارف الإسلامية مع منتجات الهندسة المالية الإسلامية
يقوم المصرف اللاربوي الإسلامي على فلسفة واضحة وركائز مهمة، تهدف إلى تحقيق المصالح المعتبرة شرعا المتمثلة باتباع الدين وحفظ النفس والعقل والنسل والمال، فتعمل على إدخال التصور الإسلامي على النظام المصرفي العالمي للتصرف بالمال، ومن جملة هذه الركائز ما يأتي([66]):
- توظيف الأموال في المشاريع الاستثمارية التي تساعد على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الوطن الإسلامي، بما يتوافق مع الشرعية الإسلامية وبعيدا عن شبهة الربا.
- توزيع العوائد والمخاطر يتم بين أرباب المال والقائمين على إدارته وتوظيفه.
- للمُحتاجين حق في أموال القادرين عن طريق فريضة الزكاة.
- الرقابة الشرعية هي أساس المراجعة والرقابة في عمل المصارف الإسلامية.
- عدم الفصل بين الجانب المادي والجانبين الروحي والأخلاقي.
- التدقيق والتطوير لأنظمة تسيير المصرف.
- التحكم في القيم ووضع أدوات التحليل للمردودية.
كما تحتاج المؤسسات المالية الإسلامية عموما والمصارف الإسلامية خصوصا دوما إلى الاحتفاظ بمنتجات وأدوات مالية إسلامية متنوعة؛ تمكنها من إدارة سيولتها بصورة مربحة، بالإضافة إلى توفيرها للمرونة المناسبة للاستجابة لمتغيرات البيئة الاقتصادية.
وقد بينت الممارسة المصرفية التقليدية أن الاعتماد على منتج وحيد - مثل الفرق بين الفائدة المدينة والدائنة-يعتبر غير كاف للتأقلم مع تطلعات العملاء المتنامية، حيث ظلت المؤسسات المالية ولفترة طويلة حبيسة أدوات محدودة تستلزم معها بالضرورة أن تتطور لملائمة المستجدات. ومن هنا تبرز أهمية الهندسة المالية كأداة مناسبة لإيجاد حلول مبتكرة وأدوات مالية جديدة تجمع بين مقتضيات الشرع الحنيف واعتبارات الكفاءة الاقتصادية.
إن هذه المعطيات تشير إلى وجود ترابط جذري بين الهندسة المالية الإسلامية والمصارف الإسلامية، ويكمن سر هذا الترابط في أن الهندسة المالية الإسلامية تشاطر المصارف الإسلامية في المضي قدما نحو تحقيق جملة من الأهداف على رأسها تقديم رسالة الاقتصاد الإسلامي للعالم أجمع، فالمتتبع لما يحدث في العالم اليوم خاصة بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة يلاحظ أنَّ الاقتصاد العالمي أصبح اليوم يبحث عن بدائل وحلول جديدة، وهو على استعداد لقبولها ما دامت تحقق أهدافه، وبيان ذلك واضح من خلال توجه كثير من الدول الغربية نحو التمويل الإسلامي... لهذا تبرز الفرصة مواتية لتقديم هذه الرسالة ([67])
ومن صور الترابط الجذري أيضا بين الهندسة المالية الإسلامية والمصارف الإسلامية، هو أن الهندسة المالية الإسلامية تعمل على تضافر الجهود على شكل تنظيمي بين الشرعيين والاقتصاديين والمصرفيين والمحاسبين، فتتمخض عن تصميم أدوات مبتكرة تراعي تلبية الأهداف المنشودة للمصارف الإسلامية؛ وهو ما يجعلها أشد حاجه للهندسة المالية([68])
ويضاف إلى هذا، أن تطبيق الهندسة المالية الإسلامية في المؤسسات المالية يحقق كثيرا من المزايا, بعضها تستفيد منه هذه المؤسسات ذاتها، وبعضها له أثر على الصناعة المالية الإسلامية ككل، فمن المزايا التي تتحقق للمؤسسات المالية الإسلامية زيادة قدرتها التنافسية من خلال تلبية الاحتياجات المتزايدة لطالبي التمويل وبالشكل المناسب، من خلال هندسة وتصميم تمويلات تعنى بالمشروعات الصغيرة، وأخرى خاصة لمشروعات قطاع معين، وتمويلات ممنوحة لمحدودي الدخل... وهكذا. وبذلك تشمل الفائدة جميع الأطراف، وهذه الميزة للهندسة المالية الإسلامية ليست متوافرة في نظيرتها التقليدية التي تجعل همها تعظيم ثروة الملاك فقط، كما تتيح الهندسة المالية الإسلامية للمؤسسات المالية فرصة التعامل مع المخاطر التي أصبحت خاصية مميزة للأنظمة المالية، على اعتبار أن أحد أدوار الهندسة المالية هو ابتكار وتطوير أدوات للتحوط وإدارة المخاطر, وكذا إيجاد التقنيات والاستراتيجيات الملائمة للتعامل مع المخاطر([69]).
ولما كان الامر كذلك؛ فإن المصارف الإسلامية تسعى جاهدة إلى اعتماد ما يُستجد من الأدوات والمنتجات المالية الإسلامية، وتقديم ما يراعي رغبات عملائها؛ رعاية للفلسفة التي تقوم عليها، ورغبة في استمرارية العمل وتقديم المنافسة، وأن استخدام الهندسة المالية سيجعلها أكثر جذبا وتنافسية من نظيرتها التقليدية، كما أن وجود أدوات مالية إسلامية مبتكرة مهم جدا للمصارف الإسلامية بحيث يمكنها من حل المشاكل التي تواجهها في تحقيق أهدافها، لذلك فإن تطوير ادوات إسلامية تعمل عمى حماية المصرف الإسلامي والمستثمرين من المخاطر المحتملة([70])
كما أن الحاجة تزداد إلى المنتجات الإسلامية في ظل وجود حوالي 650 مليون مسلم يعيشون على أقل من دولارين في اليوم([71])حيث أن إيجاد نماذج إسلامية مستدامة قد يكون الأساس لإمكانية الحصول على التمويل من جانب ملايين الفقراء المسلمين الذين يسعون جاهدين لتجنب المنتجات المالية التي لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ولهذا فقد استحوذت المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية مؤخراً على اهتمام كبير بين صفوف الجهات التنظيمية، والجهات المقدمة للخدمات المالية، وغيرها من الأطراف المعنية بالاشتمال المالي، وعلى الرغم من حدوث زيادة بمقدار أربعة أضعاف في عدد العملاء الفقراء الذين يستخدمون المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في السنوات الاخيرة )ما يقدر بنحو 1.28مليون عميل(، وتضاعف عدد الجهات المقدمة للخدمات، فإن هذا القطاع الوليد لا يزال يصارع من أجل إيجاد نماذج عمل مستدامة تضم مجموعة واسعة من المنتجات التي تلبي الاحتياجات المالية المتنوعة للمسلمين الفقراء الملتزمين بأحكام دينهم([72]).
وعلى الرغم من قابلية المصارف الإسلامية للاستثمار بما يستجد من منتجات الهندسة المالية الإسلامية إلا أن مقدرة المصارف الإسلامية على تحقيق الاستفادة من الهندسة المالية في مجال أعمالها يرتبط بالبيئة التي تعمل فيها هذه المصارف، وهو مما يؤثر على أدائها وعلى نوعية المنتجات المتداولة، حيث تكاد عملية المرابحة تكون النشاط الرئيس للاستثمار بالبنوك الإسلامية، إذ بلغت في بعض المصارف 90%، وهذه نسبة كبيرة جدا، وهو مؤشر لحالة المصارف المصارف الإسلامية مع المنتجات الهندسية([73]).
إن الفكر الإسلامي عموما والهندسة المالية الإسلامية خصوصا قدما عددا متنوعا من الصيغ التي تصلح لتشغيل الموارد في مجالات النشاط الاقتصادي المختلفة – وقد تقدم الإشارة إلى بعضها - والتي يعتبر بعضها صالحا للتطبيق المباشر، وبعضها الآخر قد يتطلب نوعا من التطوير الفقهي الهندسي، مع بقاء الباب مفتوحا لاستحداث أنواع جديدة من صيغ الاستثمار والتشغيل، بخلاف العقود المسماة في فقه المعاملات، ومع ذلك فقد ركزت المصارف الإسلامية في أنشطتها على صيغ قليلة في التعامل، فقد أظهرت المعلومات التي أمكن جمعها عن الصيغ المستخدمة ثمل تسعة مصارف اسلامية([74]) خلال سنوات عديدة ( 3-5 سنوات ) حيث تم تحويل القيم المطلقة فيها إلى أوزان نسبية على مستوى كل مصرف حتى تسهل المقارنة، كما تم استخراج مؤشر بمتوسط التوزيع النسبي للصيغ المستخدمة معبرا عن المصارف التسعة كعينة تمثل – إلى حد كبير – مجموع المصارف الإسلامية، وقد تم،عداد دراسة بالأوزان النسبية، حيث تم استخراج متوسط الوزن النسبي لكل صيغة عن فترة عمل المصرف ( مجموع الأوزان / عدد السنوات المتاح بياناتها )، ثم تم استخراج متوسط عام للوزن النسبي لكل صيغة على مستوى البنوك الإسلامية الواردة ( مجموع المتوسطات / عدد البنوك )، وبناء على هذا تم التوصل إلى النتائج التالية، وقد رتبت الصيغ حسب درجة استخدامها، وهي كما يلي:
الرقم
|
الصيغة
|
نسبة التعامل ( الاستخدام)
|
-
|
المرابحات
|
72،2 %
|
-
|
الاستثمارات المباشرة
|
5،6 %
|
-
|
المشاركات
|
10،8 %
|
-
|
المضاربات
|
4،6 %
|
-
|
المتاجرات
|
2 %
|
-
|
المساهمات الدائمة
|
1،7 %
|
-
|
صيغ اخرى متعددة
|
3،1 %
|
يتضح من هذه الأرقام أن المرابحة تعتبر الصيغة التوظيفية الأولى في هذه البنوك الإسلامية، وكذلك الحال في أغلب البنوك الإسلامية، والاختلاف بينها فقط في الوزن النسبي لاستخدام الصيغة، ففي بعض البنوك قد تستخدم بنسبة أكثر من 95%، في الوقت الذي قد تكون نسبة استخدامها في حدود 50% من حجم التوظيف في بنوك أخرى، كما أن المشاركات تأتي في المرتبة الثانية، ولكن وزنها النسبي محدود ( 10،8 % ) مقارنة للمرابحة، وقد أظهرت التقارير أن البنوك الإسلامية السودانية أكثر استخداما لها عن غيرها من البنوك، كما يلاحظ أن صيغة المضاربة لا تستخدم في عدد من المصارف الإسلامية، بل أن أحد البنوك الإسلامية الكبيرة يضيف عمليات التوظيف الخارجي تحت هذه الصيغة.
ويلاحظ أن الاستثمارات المباشرة (5،6 % ) تشتمل بشكل أساسي على الاستثمارات العقارية وخاصة المتاجرة فيها (مثل حالة مصارف الخليج)، وتعتبر المساهمات الدائمة في شركات جديدة أو قائمة (1،7 % ) هي أقل الصيغ استخداما؛ ولعل ذلك يرتبط بخصائص الموارد المتاحة للبنوك الإسلامية([75])
المطلب الخامس
تقييم الدور الذي قامت به الهندسة المالية الإسلامية في تطوير العمل المصرفي
إن مما لا يخفى أن سوق الصيرفة الإسلامية قد شهد قفزات نوعية فيما يتعلق بتطوير المنتجات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية مقارنة بالبدايات الأولى للصيرفة الإسلامية، حيث لا يزال نمو أصول الصيرفة الإسلامية في تضاعف مستمر، في اللحظة التي يركد فيها نمو المصارف التقليدية الأخرى، وهذا ما ذُكر في استطلاع شهير أجرته مجلة (The Banker) بعنوان: "أفضل 500 مؤسسة مالية إسلامية"، والذي نُشر بالاشتراك مع مؤسسة HSBC، حسب بيان صحفي صدر عن هذه الأخيرة([76])
وقد ارتفعت الأصول المملوكة للمصارف التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية تمامًا، أو لأقسام المعاملات الإسلامية التابعة لمصارف عادية، ارتفعت بنسبة 28.6%، أي من 639 مليار دولار في 2008 إلى 822 مليار دولار. وقد تجلى هذا في تباين بارز لاستطلاع أجرته مجلة بانكر "أفضل 1000 بنك مصنف تابع للبنك الدولي"، حيث اتضح من خلاله النسبة الضئيلة لنمو الأصول في المصارف العادية والتي لم تتجاوز 6.8% ([77])
وعلى الرغم من هذا التقدم الكبير في مجال الصيرفة الإسلامية، إلا أنه لا يزال في بداية الطريق من حيث الكم والنوع؛ ذلك أن الصيرفة الإسلامية تتبع للصيرفة التقليدية من حيث أن كثيرا من المنتجات الإسلامية ما هي إلا منتجات تقليدية معدلة للتوافق مع الضوابط الشرعية، وما لم تصل الصيرفة الإسلامية إلى مرحلة الابداع والتحديث عن طريق منتجات تحمل طابع الابتكار والاستقلالية عن المنتجات التقليدية القائمة فإنها ستظل قاصرة وغير قادرة على المنافسة، وهذا الأمر يتطلب اتخاذ خطوات ايجابية في هذا الاتجاه، تدعم وجود مراكز بحث متخصصة وتوفير الدعم المادي والبشري لها، إضافة إلى اشراك الهيئات الشرعية في عمليات التطوير والإبداع في المنتجات والآليات المصرفية، وعدم الاقتصار على الدور الرقابي الاشرافي([78]).
إن مقدار الاهتمام بالمنتجات المالية الإسلامية والعناية بها من حيث الابتكار والتطوير لا يتناسب مطلقا مع تلك الأهمية من حيث الأرقام، ذلك المقدار المخصص للبحث والتطوير للمنتجات الإسلامية لدى المؤسسات المالية يكاد يكون معدوما مقارنة بربحية هذه المؤسسات وأدائها المالي، ومن حيث التنظيم الإداري فإن قلة قليلة من المؤسسات الإسلامية تنشئ إدارات متفرغة لتطوير المنتجات الإسلامية، وتصبح هذه المهمة في الغالب موزعة بين الهيئات الشرعية وبين إدارة التسويق وبين الإدارات المختلفة للمؤسسة، وهناك غياب واضح لتطوير المنتجات في الخطط الإستراتيجية والرؤية التي تحكم مسيرة المؤسسات الإسلامية.([79])
نقل الدكتور السويلم حول هذا الموضوع كلاما لأحد أساتذة الأعمال في العصر الحاضر وهو (بيتر بيكر) منشورا في مجلة Economist " " تحت عنوان ''الابتكار أو الموت'' يشير في هذه المقالة أن الصناعة المالية تعاني اليوم من التدهور والتراجع نظرا لأن المؤسسات المسيطرة على الخدمات المالية لم تقدم أي ابتكار ذي أهمية على مدى ثلاثين عاما، حيث أن هذه المؤسسات بدلا من أن تقوم بتقديم خدمات مالية لعملائها، أصبحت تتاجر لمصلحتها مع المؤسسات الأخرى، لنكون في النهاية أمام "مباراة صفرية"، لأن ما تربحه مؤسسة هو ما تخسره مؤسسة أخرى، ويذهب صاحب المقالة أن أهم الابتكارات المالية خلال العقود الثلاثة الماضية كانت "مشتقات زعموا أنها علمية"، لكنها ليست أكثر من عمليات القمار التي تجري في "مونتي كارلو أو لاس فيجاس". ونتيجة لذلك فإن منتجات الصناعة المالية أصبحت سلعا نمطية تعاني من صعوبة التسويق وانخفاض الربحية ([80]).
وقال السيد دايفيد ديو، نائب المدير التنفيذي لمؤسسة اتش اس بي سي أمانة، والذي كان يمثل الراعي الوحيد لهذه الصناعة منذ أن نشأت، قال: من الضروري أن تستمر صناعة التمويل الإسلامي من أجل تحليل نموها تحليلاً نقديًا إذا كان من المفترض أن تصبح بديلاً موثوقًا لقطاع المصارف العادية في عدد كبير من الأسواق."
وأضاف قائلاً: "إن دعمنا لهذا المعيار العالمي يعكس وضع مؤسسة اتش اس بي سي أمانة باعتبارها المزود العالمي الأول للخدمات المالية المتوافقة مع الشريعة والمقدمة إلى عملاء قطاع التجزئة، والشركات، والمؤسسات على مستوى العالم۔ وهذا يوضح التزامنا بالاستمرار في تلبية احتياجات العملاء والتي نعتقد أنها ستمكننا من تحقيق نطاق واسع وارتباط رئيسي في عدد متزايد من الأسواق العالمية" ([81])
وتبقى دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) هي القطاع السائد في العمل وفق المعاملات المالية الإسلامية، بأصول تصل قيمتها إلى 353.2 مليار دولار أو 42.9% من الإجمالي العالمي.
ومن خارج الشرق الأوسط، تبقى ماليزيا هي اللاعب الأكبر إلى حد بعيد، حيث تمثل 10.5% من الإجمالي العالمي، ولكن الأسواق الأخرى تتسع بسرعة، فتمثل المملكة المتحدة الآن أقل من 2.5% من الأصول العالمية التي تتوافق مع الشريعة، وقد اتسعت السوق المالية الإسلامية السورية بشكل ملحوظ بنسبة 500%.
وأضاف السيد كابلن قائلاً: "أرسل ما يزيد عن 30 مصرفًا أو ما يقرب من ذلك بيانات حديثة لهذا العام، ولكن الشفافية والتقارير المالية تظلان عوامل تحد لصناعة المصارف الإسلامية إذا كان من المفترض أن تستمر في معدل نموها المثير". ([82])
من خلال ما تقدم؛ يتبين أن هناك قصورا من قبل الهندسة المالية الإسلامية، ومثله من قبل المصارف الإسلامية، يتمثل في البطء في مجاراة التطورات الاقتصادية العالمية من وجه، ومن وجه آخر اقتصار المصارف الإسلامية في التعامل على نسبة ضئيلة جدا من منتجات الهندسة المالية، ولعل هذا يعود إلى ثمة تحديات وعقبات يمكن إجمالها فيما يأتي([83]):
- خضوع المؤسسات المصرفية الإسلامية لمعايير وضوابط لا تتفق مع طبيعة عملها في الدول التي تنشط فيها، ومعاملتها بنفس المعايير والضوابط المالية المطبقة على البنوك التقليدية، وبالتالي قصور بعض القوانين على معالجة مهمة البنوك الإسلامية في تحقيق متطلبات عملائها في تطبيق صيغ تمويل غير ربوية ([84])
- المنافسة من المؤسسات المالية التقليدية التي فرضت على المؤسسات الإسلامية قدراً من التحدي؛جعل الاقتصاد الإسلامي بأكمله على المحك ([85])كما أن المنافسة الكبيرة من البنوك التقليدية، ليست فقط فيما يخص مستوى جودة الخدمات التي تقدمها لعملائها، وإنما في اقتحام البنوك التقليدية سوق الخدمات المصرفية الإسلامية بفتح نوافذ إسلامية،مما يفرض على البنوك الإسلامية ضرورة تحسين جودة الخدمات القائمة، وابتكار صيغ و منتجات مالية جديدة غير ربوية ([86]) ومن ذلك أيضا توافر الخبرة الكبيرة و الشبكات الأوسع و الحجم الاقتصادي في السوق العالمي للمؤسسات المالية التقليدية، وهي مميزات تنافسية مهمة تتفوق بها التقليدية على الإسلامية، كما تشترك المؤسسات المالية الإسلامية والمؤسسات التقليدية التي لديها نوافذ إسلامية و على حد السواء في المعاناة من مشكلة أخرى و هي التكلفة العالية لعمليات التشغيل للمعاملات المالية الإسلامية. ([87])
- مدى استجابة البنوك المركزية في تجسير الفجوات التنظيمية والتشريعية القائمة، حيث أن العديد من المصارف المركزية لم تقم بإصدار تعليمات وسياسات واضحة للبنوك الإسلامية، وفي أسوأ الأحوال هناك أحكام مسبقة تجاه البنوك الإسلامية ويتم معاملتها معاملة البنوك التقليدية ([88])
- ضعف التنسيق بين الهيئات الشرعية و تضارب الفتاوى الفقهية، ويعتبر هذا تحديا هاما تواجهه المؤسسات المالية الإسلامية، ويكون بين الدول الإسلامية وحتى داخل البلد الواحد، فمثلا نجد أن بعض البنوك تجيز أعمال التوريق و البعض الآخر لا يجيز التعامل به، لذا على المؤسسات المالية الإسلامية أن تعمل على إيجاد قاعدة علمية مشتركة للاجتهاد الجماعي و توحيد الفتاوى([89])
يشار إلى أن الاختلافات الفقهية وآثارها على الصناعة المالية الإسلامية في حد ذاتها أصبحت قضية مختلف بها، بين من يرى أنها تمثل أحد العوائق التي تحد من انتشار التمويل الإسلامي، ومن يرى أنها تؤدي إلى التنوع وإثراء تجربة الصناعة المالية الإسلامية([90]).
وبالرجوع إلى الصناعة المالية الإسلامية، فإن قضية الخلافات الفقهية لا ينبغي أن تكون سدا مانعا لانتشار التمويل الإسلامي، وفي الوقت نفسه يجب عدم التضييق على الناس في معاملاتهم المالية. ([91])
ويضاف إلى ذلك عدم وجود هيئات رقابة شرعية في المستوى المطلوب خاصة من الناحية التقنية إذ يفتقرون للخبرة بالأمور المحاسبية و المالية، مما يجعل الحكم من قبلهم على أدوات وصيغ التمويل وآليات العمل الجديدة في كثير من الأحيان تشوبها الكثير من الشكوك والانتقادات مما يصعب التوصل إلى فتوى موحدة. ([92])
- الافتقار إلى البحث و التطوير، حيث تفتقر بعض المؤسسات المالية الإسلامية إلى الاهتمام بمفهوم الهندسة المالية الإسلامية، فتعاني من غياب ثقافة الإبداع و التطوير، فقد أثبتت التقارير السنوية لأكبر 12 مؤسسة مالية إسلامية في منطقة الخليج العربي غياب شبه تام لمخصصات مالية، خاصة بالبحث والتطوير للمنتجات المالية الإسلامية، في الوقت الذي أنفقت فيه تسعة بنوك أوروبية ما يزيد عن مليار دولار على عمليات التطوير والبحث ([93])
- غياب حقوق الملكية لصاحب فكرة منتج مالي مطور أو جديد، فتقوم المؤسسات المالية من خلال عملية خلق منتج مالي بتحمل تكاليف التطوير الباهظة و مخاطر تطبيق المنتج للتحقق من جدواه، و بعد نجاح هذا المنتج المطور أو المبتكر نجد أن المؤسسات المالية الأخرى تسارع إلى تطبيقه و الاستفادة منه، دون تحمل أي مخاطر أو تكاليف، و هذا ما يثبط عزائم المؤسسات المالية عن محاولة التطوير و الابتكار ([94])
- الافتقار إلى أسواق مالية ثانوية إسلامية تتداول الأدوات المالية الإسلامية خاصة أنه لا يمكن لها )البنوك الإسلامية ( اللجوء إلى الأسواق المالية العالمية أو المؤسسات المصرفية التقليدية في حال نقص السيولة أو الرغبة في توظيف فائض السيولة لديها لاختلاف طبيعة عمل هذه المؤسسات عن طبيعة عمل البنوك الإسلامية ([95])
- الخطأ في تحديد الهدف من الهندسة المالية الإسلامية، حيث تركز الهدف الأساسي من الهندسة المالية الإسلامية في إشباع احتياجات المسلمين أهمل بطريقة أو بأخرى الهدف الجوهري للمنتج المالي و المتمثل في خلق القيمة المضافة، لذا يجب العمل على تصحيح ذلك من خلال الجمع بين الوجهة الدينية و الاقتصادية و إشباع احتياجات المسلمين و غير المسلمين. ([96])
- يعتبر تسويق المنتجات المالية الإسلامية تحديا آخر خاصة بالنسبة لنمو قاعدة عملاء البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، و من غير المستغرب أن نجد إقبال المسلمين على المنتجات المالية الإسلامية ضئيلا بسبب عدم فهم الصناعة والافتقار لمعرفة المنتجات، و من دون تثقيف و تعليم العملاء بمبادئ و آلية عمل التمويل الإسلامي، سيبقى العملاء بعيدا عن تناول المنتجات الإسلامية. ([97])
النتائج
- الهندسة المالية الإسلامية: هي عمليات مبتكرة ذات طبيعة فعالة للتعامل بالمال من حيث الإدارة والتنمية وفق ما تقضيه الشريعة الإسلامية.
- الهندسة المالية من حيث المفهوم تعتبر قديمة ووُجدت مبكرا منذ مجيء الشريعة الإسلامية، ولكن المصطلح حديث.
- هناك دور بارز وأثر واضح للهندسة المالية الإسلامية في العمل المصرفي، إلا أنه لا يزال العمل المصرفي الإسلامي في البدايات، والمطلوب منه التقدم والتطور لمواكبة التطورات الاقتصادية الجديدة.
- إن مقدرة المصارف الإسلامية على تحقيق الاستفادة من الهندسة المالية في مجال أعمالها يرتبط بالبيئة التي تعمل فيها هذه المصارف، وغالبا ما تكون عملية المرابحة هي النشاط الرئيس للمصارف الإسلامية.
(*) بحث علمي مقدم لكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية/ جامعة الزرقاء الأهلية، مؤتمر: الصيرفة الإسلامية بعد أربعة عقود على نشأتها، 3-4 مايو 2017م.
الهوامش
([1]) * مفتي في دائرة الإفتاء العام.
* المستشار الشرعي للشركة الأردنية للصكوك الإسلامية لتمويل المشاريع الحكومية ذات الغرض الخاص/ وزارة المالية.
* حاصل على شهادة الدكتوراه في الفقه وأصوله بتخصص الصكوك الإسلامية، وعنوان الأطروحة هو:"صكوك عقود التوريد، دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والتشريعات الأردنية الناظمة للصكوك ".
* له العديد من الأبحاث الشرعية المحكمة، وقد أجازه شيوخه العلماء بأكثر من سبعين إجازة علمية، برواية القرآن الكريم وكتب السنة والفقه وأصول الفقه والتوحيد والنحو وغيرها من العلوم.