التسويق الشبكي من منظور اقتصادي إسلامي
إعداد مديرية الدراسات والبحوث– دائرة الإفتاء العام/ حمزة عدنان مشوقة وأحمد نعيم حسين
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فقد جاء الإسلام بمنهاج تشريعي وهداية للبشرية لينقلهم من الظلمات إلى النور؛ قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} إبراهيم/ 1، وقد كان من هذا المنهاج أحكام تضبط علاقات الناس ببعضهم وتقوّم هذه العلاقة في إطار غائي مصلحي ترشدهم إلى الأقوم لهم، وتدلهم على وظيفتهم في هذه الحياة وهو عبادة الله تعالى وإعمار الأرض.
ويعتبر العصر الحديث هو عصر الثورة المعرفية والتطور التكنولوجي بشتى أنواعه، فجميع المنظمات سواء الخدمية أم الصناعية تسعى وبشكل مستمر من أجل تحقيق سعيها نحو تحقيق البقاء والنمو والاستقرار في ظل المنافسة الشديدة، حيث غدا تسويق المنتجات أمرا استراتيجيا ومهما في نمو الشركة، وفي كسب عملاء وزبائن جدد، ويعتبر التسويق في الوقت الحاضر أحد الخيارات الاستراتيجية لتحقيق هذا الهدف، سواء كانت سلعا حقيقية أو خدماتية أو تجارة الكترونية وما شابهها، وقد تنوعت في وقتنا الحاضر طرق ونمط التسويق التجاري حيث استجد نوع من أنواع التسويق الحديث، وهو ما تعارف عليه بالتسويق الشبكي(Marketing Network) أو ما يطلق عليه بالتسويق متعدد المستويات (Marketing Multi Level)، والذي يهدف إلى كسب شريحة كبيرة من الناس، وجعلهم عملاء دائمين أو مستمرين، و قد حظي هذا النوع من التسويق على الكثير من الاهتمام والانتشار في وقتنا المعاصر.
وقد ظهر في العصر الحديث كثير من المعاملات الاقتصادية المعقدة التي تحتاج إلى بيان ودراسة من الفقهاء ليضبطوا تعاملات الناس في إطار نصوص الوحي ومقاصده، ومن هذه المعاملات التسويق الشبكي.
ودراسة المعاملات المستحدثة – كالتسويق الشبكي– تتطلب ثلاثة مراحل وهي:
المرحلة الأولى: تصوير المسألة وشرحها من أهلها: وتتطلب هذه المرحلة عرض المسألة المستحدثة من الناحية الفنية التطبيقية، والتصوير الصحيح المطابق للواقع شرط أساسي لصحة الفتوى ومطابقتها للواقع الفعلي المسئول عنه، فالتصوير الخاطئ يؤدي إلى فتوى تتناسب مع ما فهم من هذا التصوير، لا ما هو في الحقيقة وفي نفس الأمر.
المرحلة الثانية: التكييف الفقهي للمسألة المستحدثة: أي إلحاق الصورة المسؤول عنها بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله، أو أنها من قسم مُسمَّى منها أو من العقود الجديدة غير المسماة، وهذه مرحلة تهيئ لبيان حكم المسألة الشرعي[1].
ويتوقف التكييف الفقهي للمسألة المستحدثة على تصورها وفهمها بشكل صحيح.
المرحلة الثالثة: الحكم الشرعي على المسألة المستحدثة: والحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، وفي هذه المرحلة يتم تنزيل الحكم الشرعي على المسألة المستحدثة، وتعتبر هذه المرحلة من أخطر المراحل، والتي يجب على من يتصدر لها أن يتثبت قبل تنزيل الحكم الشرعي، ويتطلب ذلك أن يراعي المرحلتين السابقتين، ويتأكد أن الذي سيفتي به لا يخالف نصا قطعيا ولا إجماعا ولا يعود على المقاصد الشرعية بالبطلان.
تتجلى مشكلة البحث في دراسة التسويق الشبكي وفق مراحله الثلاثة، ابتداء من الشرح الفني لمفهوم التسويق الشبكي، وبيان نشأة هذه المعاملة المستحدثة، وموقف الأنظمة والدول منها، والتعريج على آراء الخبراء الاقتصاديين، وبيان الآثار الاقتصادية الإيجابية.
وأما الموقف الفقهي في المسألة فلابد من عرض الاتجاهات والآراء الفقهية المعاصرة في المسألة، ومن ثم بناء الحكم الشرعي بناء على المناط الصحيح والتخريج الفقهي الدقيق.
وقد قام الباحثان بتقسيم البحث كما يأتي:
المبحث الأول: التسويق الشبكي من منظور اقتصادي فني:
المطلب الأول: تعريف التسويق الشبكي وتاريخ نشأته
المطلب الثاني: أنواع التسويق الشبكي
المطلب الثالث: موقف الأنظمة والدول من التسويق الشبكي
المطلب الرابع: أثر التسويق الشبكي على الاقتصاد
المبحث الثاني: التسويق الشبكي من منظور شرعي:
المطلب الأول: عرض الاتجاهات المعاصرة في التسويق الشبكي
المطلب الثاني: حكم التسويق الشبكي
المطلب الثالث: إشكاليات فتاوى التسويق الشبكي
المبحث الأول
التسويق الشبكي من منظور اقتصادي فني
المطلب الأول: مفهوم التسويق الشبكي:
يعتبر التسويق الشبكي حديث النشأة، وأول من قام بممارسة هذا النوع من التسويق الشبكي شركة تسمى كاليفورنيا فايتمينز (California vitamins) وكان ذلك عام 1954م وهي شركة نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كانت متخصصة في مواد التجميل والتنظيف والمكملات الغذائية.[2]
ومن أجل فهم حقيقة التسويق هذا لا بد لنا من أن نفهم التسويق العادي والذي يتوفر فيه كافة العملية التبادلية التسويقية التي تقدم شيئا ذا قيمة للحصول على شيء ذي قيمة، فنحن نقدم المال من أجل الحصول على منتج كالطعام والشراب وغيرهما، فالتسويق في المفهوم المعاصر حسب تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق بأنه أداء أنشطة الأعمال التي تعتني بتدفق السلع والخدمات من المنتج إلى المستهلك.[3]
فالمقصود بهذا التسويق هو قيام الشخص بالبيع الشخصي للزبون بشكل مباشر، حيث يعد هذا الأسلوب أسلوبا تسويقيا ذو فاعلية كبيرة لأن فكرته تعتمد على قيام العميل بعرض المنتج على معارفه وأصدقائه ومن يخالطهم، فيقبلوا على شراء المنتج دون أدنى إحساس بالمخاطرة أو الغبن التي تعد أهم العوامل في عدم الإقبال على الشراء.[4]
وأما التسويق الشبكي فقد عرفه كلا من (2012Barker, & Neher) بأنه: أسلوب للبيع الشبكي يسمح لمن يشترك فيه أن ينشئ شبكة خاصة به يستطيع من خلالها ضم العديد من العملاء الجدد، وبيعهم الخدمة أو المنتج، مقابل عمولة يحصل عليها عن كل مشترك جديد وهكذا.[5]
وعرفه آخرون بأنه نوع من تسويق المنتجات أو الخدمات مبني على التسويق التواصلي حيث يقوم المستهلك بدعوة مستخدمين آخرين لشراء المنتج في مقابل عمولة، ويحصل أيضاً المستخدم على نسبة في حالة قيام عملاءه ببيع المنتج لآخرين بحيث بصبح من على قمة الهرم ويصبح لديه شبكة من الزبائن المشتركين بأسفله، أو عملاء قام بالشراء عن طريقهم[6].
بينما عرفته لجنة التجارة الأمريكية الفدرالية بأنه تسويق لديه منتجات حقيقية للبيع، والأهم من ذلك، مسوّقوه يقومون ببيع منتجاتهم لعموم الناس، ولا يطلبون من هؤلاء المستهلكين دفع أي شيء إضافي أو الدخول في نظام التسويق الخاص بهم، شركات التسويق متعدد الطبقات تقوم بدفع العمولات لقائمة طويلة من الموزعين (البائعين)، لكن هذه العمولات تكون مقابل بيع منتجات، وليس مقابل تعيين أشخاص.[7]
فتباين هذه التعريفات يعكس غموض التسويق الشبكي حتى عند المنظرين له، ويختار الباحثان التعريف الأخير؛ لأنه أضبط قانونيا وصادر من جهة معتمدة في ذلك المجال.
وهذه الآلية في التسويق تتبعها معظم شركات التسويق الشبكي العالمية ومن الأمثلة عليها شركة التسويق DXN إحدى شركات التسويق الشبكي، والتي تعمل في مدينة ماليزيا وتقوم ببيع المكملات الغذائية والمنظفات وأدوات التجميل فعند شراء أحد منتجات الشركة، فإنك تصبح مشتركا فيها، وتحصل على اسم ورقم سري لك في الشركة، ثم تقوم بجلب عملاء وتجميعهم على شكل شبكة ، فإذا ازداد عدد المشتركين، ستحصل على نسبة معينة من المال تزداد كلما كبرت شركتك وكلما اجتهدت في عملك زاد دخلك .
فمن خلال هذه الآلية نرى أن من يجلب عملاء جدد سوف يحصل على نتيجة عالية من الدخل، ومن لا يستطيع جلب المزيد من العملاء سوف يقف عندها ولا يحقق شئ وسوف يخرج خارج الشبكة.[8]
وقد يختلط مفهوم التسويق الشبكي بالتسويق الهرمي ونظام بونزي، ولا بد من التفريق بين المصطلحات الثلاثة، فنظام بننزي يرجع إلى شارلز بونزي، إيطالي انتقل وعاش في أمريكا خلال الفترة من نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين، وطور نظام احتيال على هيئة استثمار، وعلى أثره تمت محاكمته وسجنه عدة مرات، وأخيراً تم ترحيله من أمريكا، فيقوم نظام بونزي الأصلي على جمع أموال الراغبين في الاستثمار، ووعدهم بنسبة أرباح عالية، خلال فترة قصيرة، فالاحتيال في هذا النظام يكمن في أن الأرباح التي تُدفع، هي في الواقع أموال المستثمرين أنفسهم، أو المشتركين الذي أشتركوا بعدهم[9].
بينما يعرف التسويق الهرمي بأنه نموذج يقوم على ما يجمع من المشتركين فيها بدفعة على هيئة نقد أو خدمة أو معلومة، مقابل جلب مشتركين آخرين للإنضمام في المنظمة، أو تدريبهم لجلب أعضاء آخرين. ولا يعني ذلك بالضرورة عدم وجود سلعة يتم تداولها أو بيعها للعامة، ولكن التركيز الرئيسي والهدف الأكبر هو جلب مشتركين جدد، ولذلك سمي هذا النظام بالهرم، لأن المشتركين الجدد يضافون تحت من سبقهم من المشتركين، مما يكون هرم، أعلاه مؤسس المنظمة أو مندوبه، وأدناه آخر المشتركين إنضماما[10].
والتمييز بين التسويق الشبكي والهرمي هو محل الاستشكال، وسيتم بحث ذلك في المطلب الثالث.
المطلب الثاني: أنواع التسويق الشبكي:
للتسويق الشبكي عدة أنواع نذكر منها :
أولا: النظام الثنائي (Binary System) بحيث يشترط فيها تحقيق التوازن من الجانبين لكل عميل مشترك على اليمين ومشترك على اليسار، فمثلا إذا كان المطلوب أن تسوق إلى ستة أشخاص، فيجب أن يكون هنالك ثلاثة إلى جهة اليمين، وثلاثة إلى جهة اليسار، كما في الشكل الآتي:
وفي هذه الحالة إذا أحضر الموزع شخصا من جهة اليمين وستة أشخاص من جهة اليسار فإن المسوق لا يربح شيئا؛ لأنه لم يحقق التوازن المطلوب.[11]
ثانيا: نظام المصفوفة (Matrex System): ويعتمد هذا النظام على تسويق منتجات أو خدمات الشركة لستة أشخاص أو يعبر عنه بـ 2*2 (2 مستوى أفقي في 2 مستوى عمودي) فيصبح ساعتها المجموع الخاص بالماتريكس "المصفوفة" ستة أشخاص، ويوضح ذلك الشكل الآتي[12]:
وفي هذا النوع من الممكن أن يسوق الموزع لستة أشخاص مباشرة، ومن الممكن أن يسوق لاثنين، ويسوق كل منهم لشخصين آخرين، وفي كل الأحوال سيكتمل الماتريكس ويربح المسوق، ومن ثم يعيد الدورة مرة أخرى ليربح مرة ثانية.
ونظام الماتركس له عدة صور منها (2*2) ومنها (1*2) ومنها (3*2)، وغير ذلك.
ثالثا: نظام الانفصال (Stair-step break-away system): هذه الطريقة يقوم الموزع بالسير على نفس نهج التسويق الشبكى فيبيع المنتج لأكبر عدد من الأشخاص، ويقوم بإقناعهم ببيع المنتج، و سيُدفع له عمولة على كل منتج يباع وكل شخص يدخل فى الشبكة، مثله مثل باقي الطرق الأخرى فى التسويق الشبكى، ولكن عندما تصل شبكة الموزع لحجم مبيعات معين، وعدد أفراد معين، ينفصل كل فرد عن مجموعته، ولا تدفع له عمولة عن بيع أي وحدات جديدة للمنتج، أو أشخاص جدد فى الشبكة، ويعوض عن ذلك بحوافز أو عمولة نهائية كبيرة نتيجة للانفصال فيما يشبه مكافأة نهاية الخدمة.[13]
المطلب الثالث: موقف الأنظمة والدول من التسويق الشبكي:
ظهرت صور احتيالية للتسويق الشبكي في الغرب اصطلح على تسميتها بالتسويق الهرمي، ثم جاءت القوانين بحظرها، وتصنيفها ضمن معاملات الغش التجاري، وهو ممنوع ومحارب في أمريكا و معظم دول أوروبا وأسيا وجنوب افريقيا وغيرها وقد تم التحذير من مثل هذا النوع من التعامل، وقد حذر الكثير من الاقتصاديين الغربيين من خطورة هذا النوع على الاقتصاد الوطني والإضرار بمصالح المتعاملين، كما حذرت أمريكا من هذا النوع من التسويق الهرمي على الموقع الرسمي على الانترنت[14]، وحيث أن مفاهيم التسويق الشبكي قد اختلطت بالتسويق الهرمي، فلابد من التفريق بين القسمين، فقد أوضحت هيئة التجارة الأمريكية الفدرالية في بحث قدمه الأمين العام السابق لها "Debra A. Valentine" معيارا واضحا للتفريق بين النوعين[15]، فبرامج التسويق الهرمي سواء قامت على اشتراكات مالية مجردة أو دخلت السلع كوسيط، تشترك فيما بينها على وعود للمستهلكين والمستثمرين على جني أرباح كبيرة تستند على تجنيد آخرين للانضمام لبرنامجهم، وليس على أساس استثمار حقيقي أو بيع حقيقي لمنتجاتهم، فلا يوجد مبيعات تجزئة في الأسواق أو للناس المستهلكين، بل تقتصر المبيعات على المجندين داخل الهرم.
ويرتبط بالنظام الهرمي مخطط بونزي ارتباطا وثيقا، والذي يقوم على جمع أموال الاشتراك من المجندين الجدد لتوزيعها على الأعضاء القدامى، دون وجود لمنتجات أصلا.
وأما نظام التسويق الشبكي أو التسويق متعدد المستويات فيقوم على بيع منتجات حقيقية للجمهور دون الحاجة إلى دفع شيء خارج أو للانضمام إلى نظام التسويق متعدد المستويات.
وبالجملة فإن التسويق الشبكي والذي يعتمد على وجود منتج ذو جودة عالية وذو خصائص فريدة مثل تسويق منتجات تتعلق بالمكملات الغذائية أو المنظفات وغيرها، قد لاقى هذا النوع رواجا كبيرا في أمريكا وأوروبا وانتشر في مختلف أنحاء العالم حيث طالب العديد من خبراء الاقتصاد بتشجيع هذا النوع من التسويق الشبكي ولكن ضمن ضوابط وأسس واضحة خشية تحوله إلى تسويق هرمي وهمي، حيث تم السماح لهذه الشركات بممارسة هذا النوع من التسويق حيث أنشئ هناك الاتحاد العالمي لجمعيات التسويق الشبكي (WFDSA) ، ويضم تحته 59 من جمعيات التسويق المباشر في مختلف أرجاء العالم.[16]
وفي الجانب الآخر ذكر "روبرت ل. فيتزباتريك" الاستشاري الاقتصادي البارز في مجال الأبحاث المتعلقة بالتسويق الشبكي أنه على المستوى القانوني في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى شركات التسويق الشبكي التي تبيع منتجات متعددة ومنافسة ومفيدة تم محاكمتها قضائيا تحت قوانين فدرالية أو قوانين خاصة بولايات بعينها ضد الأنظمة الهرمية، والعديد من شركات التسويق الشبكي هي الآن تمارس انتهاكات للقواعد والإرشادات التي تحمي من الأنظمة الهرمية ولكن بشكل مقنع ومستتر، فهذه الشركات مستمرة في العمل حتى الآن ليس لسبب أكثر من عدم القدرة على إثبات هذه الإنتهاكات قانونيا.[17]
وفي كندا ضبطت الحكومة الكندية بنودا خاصة بالتسويق الشبكي والهرمي في قانون المنافسة، ووضعت شروطا قانونية لمشروعية التسويق الشبكي وهي:
1- ألا يشترط على المشاركين دفع مبلغ مالي مقابل عمولات على إقناعهم أشخاصا بالانضمام
2- ألا يشترط على المشاركين شراء كمية معينة من المنتجات، لغاية الإشهار، بثمن غير التكلفة الحقيقية
3 - أن يكون للمشترك إمكانية إرجاع المنتجات للشركة بالشروط التجارية العادية في السوق.[18]
وفي فرنسا صدر قانون المستهلك (قانون رقم 96 95) وفي الفصل الخاص بالتسويق الشبكي، يمنع أخذ مبلغ - مالي من منخرط معين كضريبة انضمام أو كمقابل لتزويده بالدعامات التسويقية، إذا كان هذا المبلغ يعود بالنفع (عمولات) على منخرطين آخرين في النظام التسويقي[19].
وأما في الصين فقد صدر قرار لمنع شركات التسويق الشبكي عام 1998م.[20]
وفي العالم العربي فقد وجدت بعض الدول التي منعت التسويق الشبكي مطلقا دون مراعاة المعايير التي تفرق بين المخطط الشبكي والهرمي، ففي مملكة البحرين أصدرت وزارة الصناعة والتجارة قراراً وزارياً رقم "2" لسنة 2015 بموجبه تم حظر الإعلان عن بيع المنتجات من خلال التسويق الشبكي أو الهرمي؛ وذلك بسبب كثرة الشكاوى التي وردت اتجاه أنظمة التسويق الشبكي[21]
وفي المملكة العربية السعودية حذرت وزارة الصناعة والتجارة من التسويق الشبكي واعتبرته نشاطا مضللا.[22]
وفي سورية تم إلغاء ترخيص شركة (كويست نت) التي تعمل في مجال التسويق الشبكي بسبب الغش والتدليس في أعمالها، وحذرت مديرية الشركات في وزارة الاقتصاد والتجارة المواطنين من عمليات التلاعب والاحتيال التي تقوم بها الشركات العاملة في مجال التسويق الشبكي بهدف حمايتهم من الآثار السلبية الناجمة عن التعامل مع هذه الشركات، وأكدت المديرية إن هذا النوع من النشاط يقوم على التغرير بالمواطنين ودفعهم لشراء منتجات بأسعار أعلى من أسعارها الحقيقية إضافة إلى إن هذه المنتجات غير حاصلة على ترخيص لدخول الأسواق كما أنها قد تكون غير نظامية وغير مطابقة للمواصفات [23].
المطلب الرابع: أثر التسويق الشبكي على الاقتصاد:
يرى أنصار التسويق الشبكي أن الحصول على الربح السريع يعتبر من أهم الأسباب الدافعة إلى هذا النوع من التسويق، فهذا النوع من التسويق يحقق أرباحا طائلة كون نموه على شكل شبكة متعددة العملاء وبرىBach, D. 2005)) بأن الأسلوب العادي في البيع هو أسلوب معلوم للجميع، فالسلعة تمر بعدد من الخطوات بدء من المصنع وصولا إلى المستهلك عبر مجموعة من الوسطاء، وأما التسويق الشبكي فإنك تشعر بالفرح عندما تمارسه كونه سهل الاستخدام وأموره ميسرة، ولا يحتاج إلى تكاليف مرتفعة لتسويقه، إذ هذا النوع من التسويق لا يوجد فيه في الغالب شئ اسمه منتج، ولا تحتاج إلى موقع أو إلى خطط ماليه ، كل ما عليك فعله هو أن تجد شركة لديها خدمة معينة بحيث تثق بها وتتعامل معها ، ومن ثم تشكل سلسلة من العملاء بداية منك وهكذا دواليك ومن ثم تحصل على الأرباح وكلما كبرت شبكتك كبر ربحك[24].
ويرى آخرون أن من مميزات التسويق الشبكي أنها طريقة رائعة للتعرف على الناس وكسب العلاقات والصداقات، وتوفر الحرية في اختيار أوقات العمل، ووسيلة جيدة لكسب مصدر دخل ثاني، وطريقة للحصول على تجارة خاصة بك من دون متطلبات تعجيزية.[25]
بينما يرى المعارضون للتسويق الشبكي أن التسويق الشبكي له آثار سلبية على الاقتصاد يمكن تلخيصها كالتالي:
أولا: عدم تحقيق الكفاءة الاقتصادية لمفهوم التسويق: ومن المعلوم أن مفهوم التسويق الكفء يجب أن يختصر التكاليف والوقت ويستجيب مع التطور التكنولوجي.
فقد ظهر التسويق الشبكي وانتشر في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة التي سبقت عصر الإنترنت والاتصالات السريعة، وكانت الحاجة له مدفوعة من التكلفة العالية للتوزيع والشحن والتخزين، التي تتكبدها الشركات المصنعة لمنتجات عدد مستهلكيها قليل، وتوزيعهم على مستوى جغرافي كبير، وقد قام التسويق الشبكي بحل هذه الإشكالية، عن طريق خفض التكاليف والمصاريف المتعلقة باستئجار معارض ومستودعات وتوظيف مندوبين مبيعات وفنيي صيانة، والانتشار الجغرافي عن طريق نظام شبكة الموزعين.
فمما يثير التساؤلات حول الشركات التي تستخدم هذا النظام في الوقت الحالي، أن هذا النظام أساساً، نشأ وازدهر في بيئة كانت تحتاج لهذا النوع من التسويق، ففي الفترة قبل الإنترنت وقبل الإتصالات السريعة، كان من الصعب إن لم يكن مستحيلاً إيصال رسالة أو إقناع مزارع أو فلاح في قرية نائية بأهمية منتج قد يسهل حياته، أو يزيد من انتاجيته، وأما الآن، فمع وجود التقنية، أصبح بإمكان المشتري في قرية صغيرة من أقاصي البلاد، طلب منتج من الطرف الآخر من العالم “أمريكا” بضغطة زر خلال عشر دقائق، ويصله إلى أقرب مدينة كبيرة إن لم يكن إلى باب بيته خلال أسابيع قليلة، فبالتالي اختفى الداعي لوجود نظام تسويق شبكي بالكثافة الموجودة حالياً.[26]
ثانيا: خروج التسويق الشبكي عن موضوع الترويج والتسويق للسلع والخدمات: فيرى "روبرت ل. فيتزباتريك" أن أضخم شركات التسويق الشبكي تعترف بأن حجم مبيعاتها لغير ممثلي الشركة أو الراغبين في إنشاء شبكة تسويقية لا يتجاوز 18 % فقط[27].
ثالثا: تحقق الاحتيال والنصب في التسويق الشبكي: فيرى "روبرت ل. فيتزباتريك" أن الخداع هو من السمات المميزة والمتأصلة في جميع أنظمة التسويق الشبكي وهو ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه لتسويق تلك الأنظمة، فغالبية من يستثمر في التسويق الشبكي يكتشف في النهاية أنه صفقة خاسرة، وهذه حقيقة تاريخية مؤكدة.
ويضيف بأننا إذا ما قمت بإزالة بريق المشروع التجاري وفرصة تحقيق الأرباح الكبيرة من عملية بيع السلعة بالتسويق الشبكي تجد إنك أمام نموذج غير عملي أو إنتاجي من أساليب البيع، فالتسويق من فرد لفرد هو نموذج من الماضي السحيق وليس المستقبل، والتسويق مباشرة من الفرد لأقربائه أو أصدقائه يتطلب منهم تغيير عاداتهم الشرائية، ففي هذا النموذج تكون اختياراتهم للسلع محدودة ولا تماثل التنوع الكبير الموجود في المولات مثلا، وفي غالبية الأحيان تكون المنتجات –وإن كانت عالية جودة– منتجات غالية الثمن عن وضعها الطبيعي.
وهذه الأسباب التي توضح عدم جدوى أو كفاءة التسويق من فرد لفرد والتي هي المسؤولة عن الوضع الحقيقي لشركات التسويق الشبكي:وهو بيع الفرصة الوهمية لتحقيق أرباح كبيرة للعديد من الراغبين في الاستثمار وليس بيع فعلي للمنتجات[28].
وقد قام ستيفن بارت رئيس اللجنة التنفيذية بالمجلس الوطنى لمكافحة الغش الصحي ، بتحليل معلومات دعائية لأكثر من 40 شركة تسويق منتجات ذات صلة بالصحة وفق هذا النظام في أمريكا، وخلص إلى أن جميع هذه المعلومات الدعائية مبالغ فيه بشكل كبير[29].
كما قام مجموعة من الباحثين بدراسة أحد منتجات شركات التسويق الشبكي، وهو عصير الآساي، فاستنتجوا بأن الآساي ظاهرة تسويقة عبر الإنترنت أكثر من كونها مادة علمية.[30]
وفي دراسة أجراها موقع حقيقة التسويق متعدد المستويات بإشراف الدكتور جون تايلور على مجموعة من شركات التسويق الهرمي والشبكي وجد أن معدل الخسارة في النظام الهرمي بدون منتج ما يقرب من 90٪، في حين أن معدل الخسارة في النظام الشبكي القائم على أساس المنتج هو حوالي 99٪[31].
رابعا: استنزاف موارد المجتمع وثرواته: وذلك من الأموال التي تدفع للتجنيد في النظام الشبكي، والأوقات التي تبذل من الشباب المجندين، مما يفوت فرص بديلة للطقات البشرية، ويهدر أموالا كان الأصل أن تستثمر بما يسهم في التنمية الحقيقية للمجتمع، فيرى الدكتور رضا عبد السلام الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة المنصورة أن التسويق الشبكي يعتبر استنزافا لأموال المنتج لصالح شركات التسويق الشبكي؛ عن طريق بيع منتجات بأضعاف ما تستحقه، وإشغال كثير من الشباب عن التركيز في الأعمال التي تعود عليهم وعلى مجتمعهم بالتنمية والتطوير إلى أعمال تستنزف أموال المجتمع وتضيع أوقات الشباب الطامحين[32].
خامسا: غياب الرقابة المالية عن كثير من شركات التسويق الشبكي: فقد ذكر موقع دائرة الإفتاء المصرية[33] بعد استشارة مجموعة من الخبراء الاقتصاديين أن مؤشرات التحليل الاقتصادي لهذه المعاملة تكشف عن أمور ذات واقع سلبي، أهمها: غياب الرقابة المالية، وهذا أحد العوامل الأساسية في تنامي ظاهرة الخداع في هذا النوع من التسويق.
ويجيب الفريق المعارض للتسويق الشبكي عن شبهة انتشار التسويق الشبكي في العالم، وكونه هو مستقبل الأنظمة التقليدية للتسويق بأن التسويق الشبكي ليس حديثا على الإطلاق، ففي الولايات المتحدة يرجع تاريخ التسويق الشبكي إلي الخمسينيات ومع ذلك فهو يمثل حجم مبيعات اليوم- وبعد خمسين عاما كاملة- ضئيل للغاية بالمقارنة بالطرق التسويقية الأخرى.
ففي عام 2000 كان إجمالي المبيعات في الولايات المتحدة 3.232 تريليون دولار طبقا لإدارة التجارة الأمريكية استحوذ التسويق الشبكي على إجمالي مبيعات 10 مليار فقط أي %0.003 من إجمالي المبيعات.[34]
المبحث الثاني
التسويق الشبكي من منظور شرعي
المطلب الأول: عرض الاتجاهات المعاصرة في حكم التسويق الشبكي:
بعد العرض السابق لمفهوم التسويق الشبكي وآثاره الاقتصادية تقتضي الأمانة العلمية أن يعرض الباحثان الأقوال المعاصرة في حكم التسويق الشبكي، وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التسويق الشبكي إلى فريقين كما يأتي:
الفريق الأول: ذهب بعض الفقهاء المعاصرين[35] إلى جواز التسويق الشبكي، منهم دار الإفتاء الليبية والتونسية ولجنة الفتوى بالأزهر[36] ولجنة الفتوى بالجامعة الأردنية والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ سلمان العودة، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة[37]:
- قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة / 275، وأل التعريف تقتضي العموم، فيكون الأصل في البيوع الإباحة ما لم يرد نص بتحريمه، والتسويق الشبكي معاملة مستحدثة لم يرد فيه نص.
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بأنه خارج محل النزاع؛ لأن كلا الفريقين متفق على أن الأصل في المعاملات الإباحة، والاختلاف قد وقع بسبب وجود محظورات في المعاملة.
- التسويق الشبكي نوع من السمسرة، والعمولات التي يأخذها المسوق مقابل الدلالة والترويج لمنتجات الشركة.
وقد أجاب المانعون بأن عقد السمسرة يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء ترويج السلعة وأن مقصود العقد الترويج للسلعة، وأما التسويق الشبكي فيدفع المسوق الأجر ليقوم بالتسويق، ومقصود العقد الترويج للعمولات والأرباح وليس للسلع.
- أن التسويق الشبكي نوع من الوكالة بأجر، فتقوم الشركة بإبرام عقد وكالة مع المسوق لترويج المنتجات مقابل عمولات على ذلك الجهد.
- أن عمولة التسويق الشبكي تدخل في باب الجعالة؛ وقد عرفها الفقهاء: "التزام عوض معلوم على عمل معين معلوم أو مجهول" [الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2/ 353]، فإذا أتى المسوق بعملاء جدد استحق العمولة وإلا فلا.
وقد أجيب بأن الجعالة لا يقدم المجعول له مالا ابتداء فهو لا يخسر سوى جهده، وأما في التسويق الشبكي فالمسوق يقدم مالا في أي صورة كان.
ويرى الباحثان أن هذه التكييفات السابقة متقاربة، ويبقى الاختلاف في إلحاق التسويق الشبكي بعقد الجعالة أو عقد الإجارة، والأوجه إلحاقها بعقد الجعالة؛ لأن العمل في عقد الإجارة يجب أن يكون معلوما، وأما العمل في عقد الجعالة فلا يشترط فيه أن يكون معلوما، وهذا يتفق مع التسويق الشبكي الذي يعتبر عقدا تسويقيا.
وقد قيد بعض أصحاب هذا القول جواز التسويق الشبكي بثلاثة شروط:
- أن تكون سلعة التسويق الشبكي مباحة معلومة.
- ألا يكون عمل الشركة ممنوعا بقانون الدولة.
- انتفاء الغش والخداع والتغرير.
وقد تميز الشيخ سلمان العودة في اتجاه المجيزين فاشترط جدية منتجات الشركة وعدم صوريتها؛ حيث جاء في فتوى له: "والذي أميل إليه أن الحكم في هذه المسألة وما شاكلها يعتمد على حقيقة الحال، فإن كانت الخدمات المتوفرة قوية وملائمة ولها تميز عن غيرها ، إما بجودة وإما برخص، وعلى هذا تم الاشتراك فيها للاستفادة من خدماتها وتسويقها للآخرين، فهذا جائز، وهذا ما أكده لي عدد من المشتركين في الشركة، ولو كانت الخدمات أو البرامج أو السلع في هذه الشركة أو في أي شركة أخرى تعتمد النظام ذاته صورية أو ضعيفة ولا قيمة حقيقة لها وإنما الناس يشتركون ويسوقون من أجل الحصول على المقابل المادي الذي ينتظرهم إذا أقنعوا أشخاصاً آخرين.. ففي هذه الحالة يكون الأمر محرماً والله أعلم"[38].
وقد نوقش هذا القول بأن السلعة هي مجرد ستار، والمقصود الأكبر من التسويق الشبكي هي العمولات الكبيرة، ولا علاقة لجودة المنتج أو رخصه بالموضوع[39].
ولذلك فإن لجنة الفتوى بالجامعة الأردنية قد اشترطت شرطا آخر وهو أن تكون السلعة محل العقد ذات قيمة مالية معتبرة شرعا وينتفع بها، ولا تكون ساترة للربا[40].
الفريق الثاني: ذهب جمهور الفقهاء المعاصرين إلى تحريم التسويق الشبكي، ومنهم مجمع الفقه الإسلامي بالسودان، ودائرة الإفتاء الأردنية، ودار الإفتاء المصرية، واللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، ودار الإفتاء الفلسطينية، والدكتور سامي السويلم وهو أول من حرر الكلام في المسألة، والدكتور يوسف الشبيلي والدكتور أحمد الحجي الكردي والدكتور حسين شحاته والدكتور حسام الدين عفانة وغيرهم، وقد استدلوا على ذلك بعدة أدلة وهي[41]:
- وجود القمار والميسر الذي ورد الشرع بتحريمه لما فيه من المخاطرة والغرر؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة / 90.
فالمنتج غير مقصود في المعاملة، فيكون المشترك قد دفع أموالا مقابل احتمالية الحصول على أرباح أعلى أو الخسارة ذلك.
جاء في فتوى لدائرة الإفتاء الأردنية: "أسلوب التسويق الشبكي أو الهرمي وأخذ العمولات عليه ليس من السمسرة الشرعية في كثير من صوره المنتشرة اليوم، بل هو من باب الميسر والمقامرة المحرمة؛ لأن المشتركين عادة لا يشتركون إلا بغرض تحصيل المكافآت على إحضار زبائن آخرين، فإذا جلب المشترك عدداً من الزبائن، وحقق شروط الشركة أخذ عمولته التي قد تزيد أو قد تنقص عن المبلغ الذي دفعه ابتداء، وإذا فشل خسر المبلغ كله، وهذا الاحتمال يُدخِلُ المعاملة في شبهة الغرر والميسر.
فمناط التحريم هو اضطرار المشترك إلى دفع مال مسبقاً، سواء على سبيل الاشتراك أو على سبيل شراء بضاعة غير مقصودة: انتهى[42].
وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء: "لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟ والتسويق الشبكي أو الهرمي مهما استمر فإنه لا بد أن يصل إلى نهاية يتوقف عندها، ولا يدري المشترك حين انضمامه إلى الهرم هل سيكون في الطبقات العليا منه فيكون رابحاً، أو في الطبقات الدنيا فيكون خاسراً؟ والواقع أن معظم أعضاء الهرم خاسرون إلا القلة القليلة في أعلاه، فالغالب إذن هو الخسارة، وهذه هي حقيقة الغرر، وهي التردد بين أمرين أغلبهما أخوفهما، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، رواه مسلم" انتهى[43].
وقد أجيب بأن وجود السلعة ذات الفائدة ينفي شبهة القمار والغرر؛ يقول الأستاذ ابراهيم الكلثم: "أين المقامرة والغش والخداع والغرر مع أن السلعة موجودة والفائدة متحققة، وأين الغرر والجهالة بل هو منفي في هذه المسأله ولك أن تسأل من شارك في بزناس هل غررت به الشركه أو وعدته بأمر وتملصت منه. هذا غير وارد في عمل الشركة بل إن كل من اشترى المنتج يعرفه جيدا ويعرف فائدته وفوق ذلك فإن الشركة تعطي الخيار لمن اشترى المنتج أن يجرب المنتج لمدة ثلاثة أيام وإن وجد فيه خلاف ما قيل له فله أن يعيده ويستلم ما دفع مقابله، وأما كون البعض منهم لم يحصل على عمولات فلم تعد الشركة الناس بأرباح بل فتحت المجال لمن آراد أن يسوّق وبينت طريقة التسويق وأوضحت شروط التسويق والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أوحرم حلالا" انتهى.[44]
- وجود الربا بنوعيه (ربا الفضل وربا النسيئة) في المعاملة؛ جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء: "فالمشترك يدفع مبلغاً قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه، فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنص والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة على العميل ما هو إلا ستار للمبادلة، فهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم" انتهى.[45]
ويقول الدكتور سامي السويلم: "اتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة وغيرهم على أن المبادلة إذا تضمنت نقداً في أحد البدلين، وسلعة معها نقد في البدل الآخر، وكان النقد المفرد أقل من النقد المضموم للسلعة أو يساويه، فهي محرمة بلا خلاف بينهم؛ لأن المبادلة حينئذ يغلب عليها النقد بالنقد، والحكم للغالب، وإذا كانت المبادلة محرمة ولو كان النقد في البدلين حاضراً، فهي أولى بالتحريم إذا كان في أحدهما مؤخراً، وهذا هو ما يحصل بالضبط في هذه الشركات، حيث تعد المشترك بعمولات نقدية أضعاف ثمن السلعة الذي دفعه، وهذه العمولات قد تحصل وقد لا تحصل، فيجتمع في المبادلة الغرر والربا"[46].
- يتضمن التسويق الشبكي أكل أموال الناس بالباطل، ووجه ذلك أن أصحاب الشركة والمتربعين على رأس الهرم هم من يجنون الأرباح الطائلة على حساب الطبقة الدنيا التي لا تتمكن من الحصول على الأرباح المرغوبة لتشبع السوق أو استنفاد قوائم المشترين من معارفه أو غير ذلك.
وقد أجيب بأن المال الذي يدفعه المسوق يكون مقابل سلعة ينتفع بها، فلا يوجد خسارة ولا أكل لأموال الناس بالباطل.
وقد يظهر ذلك من خلال عجز المسوق عن الإتيان بالشرط اللازم مع إتيانه بعملاء جدد، فهو يخسر جهده والتكاليف التي تكبدها، وتحصل الشركة على الأرباح.
- دخول الغش والتدليس في المعاملة، من خلال المبالغة والتهويل بفوائد السلعة المروجة، أو إغراء المشتركين الجدد بالعمولات الضخمة التي سيجنونها من اشتراكهم.
المطلب الثاني: الحكم الشرعي للتسويق الشبكي:
يظهر للباحثين أن التسويق الشبكي عبارة عن صورة مطورة من التسويق، يتكون فيه نظام توزيع العمولات أكثر تعقيدا وتنظيما، حيث تتطلب الشبكة الواحدة عملا جماعيا وتواصلا بين أفراد الشبكة، ولذلك فإن التكييف الفقهي الدقيق لهذه المعاملة هو ابتناؤها على عقد الجعالة؛ لأن المقصد الأساسي الذي أنشأت المعاملة لأجله هو التسويق والترويج للسلع والخدمات.
فهذا التكييف له أثر في الحكم الشرعي على التسويق الشبكي؛ من حيث الفهم والمقارنة بين مبرر نشأة التسويق الشبكي والواقع الذي امتلأ بشركات التسويق الشبكي.
فنظام التسويق الشبكي لا إشكال فيه من حيث ذاته، ولكن هذا النظام قد انحرف عن مساره في الواقع العملي وأصبح غطاء لشركات الاحتيال الهرمية، فالتسويق الشبكي في الواقع الذي وصل إليه قد خرج عن مقصوده من ترويج السلع والخدمات، وأصبح وسيلة للكسب السريع والأرباح الخيالية، مما أغرى كثيرا من أصحاب الشركات بفتح شركات متخصصة فيه، ولم تعد السلع والخدمات بجودتها ونوعيتها ذات أهمية بقدر ما أصبحت هذه السلع تحليلا للنظام الهرمي الاحتيالي.
ففي النظام الهرمي في صورته القديمة كان يبذل فيه المجندين مالا للدخول في استثمار مالي يقوم على عدد المجندين الذين يسجلون في الهرم وأموال اشتراكاتهم، فيربح أصحاب الشركة النصيب الأكبر وأصحاب الطبقة العليا نصيبا على حساب أصحاب الطبقة السفلى، وهذه الصورة يتحقق فيها الربا والقمار بشكل جلي.
وبعد أن منعت القوانين هذا النظام وحورب من قبل الدول، تطور هذا النظام وأدخل سلعا مختلفة للتغطية على النظام الاحتيالي، فهذه السلع والخدمات غير مقصودة من قبل المستهلكين، ففي الولايات المتحدة مثلا يبلغ كم المنتجات التي تباع لغير المستهلكين العاديين 70 % من حجم مبيعات شركات التسويق الشبكي[47].
فهذه السلع التي تروجها شركات التسويق الشبكي لا تدخل إلى السوق في العادة ولا يقصد منها ترويجها للمستهلكين.
وبالنظر إلى طبيعة المنتجات التي تباع، فيظهر من الدراسة الاقتصادية المتقدمة أنها لا تعتبر ذات جدوى أو كفاءة، وقد سبق عرض قيام ستيفن بارت رئيس اللجنة التنفيذية بالمجلس الوطنى لمكافحة الغش الصحي، بتحليل معلومات دعائية لأكثر من 40 شركة تسويق منتجات ذات صلة بالصحة وفق هذا النظام في أمريكا، وخلص إلى أن جميع هذه المعلومات الدعائية مبالغ فيه بشكل كبير[48]، وهذا ينطبق على كثير من منتجات شركات التسويق الشبكي الأخرى، فواقع الأمر أن المنتج الحقيقي الذي يباع هو فرصة العمل للغالبية العظمى من مستهلكي منتجات الشركة.
وبالنظر إلى فرص العمل التي يوفرها التسويق الشبكي، فبطبيعة الحال يعتبر التسويق الشبكي مجالا خدميا، وانتشاره بصورة كبيرة يعتبر أمرا غير مرغوب فيه اقتصاديا، فلا يحقق التنمية وينحرف بالاقتصاد الوطني من المجال الإنتاجي إلى المجال الخدمي، مع دخول عنصر الاحتيال والنصب بشكل مبالغ فيه، حتى في الأرباح الموعود بها، فأصبحت الخسارة هي السمة الأبرز كما سبق بيانه في الدراسة الاقتصادية، مما يضيع فرص العمل، أو كما يعبر بعضهم بأن امتلاك شبكة تسويقية ليس امتلاك مشروع خاص بل هو وهم، وأن هذه الثقافة قد أخرجت الكثير من الناس عن الطريق الحقيقي الذي يؤدي بهم للنجاح وتحقيق الذات.
فيبقى أن التسويق الشبكي أصبح فرصة للاستثمار المالي – غير الحقيقي – يتطلب التزام ضخم واستهلاك كبير للوقت ورغبة داخلية قوية في الاستمرار والمثابرة والتحمل بالإضافة إلى القدرة على الخداع[49].
ولذلك ضبطت هيئة التجارة الفدرالية الأمريكية برامج التسويق الهرمي الممنوعة سواء قامت على اشتراكات مالية مجردة أو دخلت فيها السلع كوسيط، فإنها تشترك فيما بينها على وعود للمستهلكين والمستثمرين على جني أرباح كبيرة تستند على تجنيد آخرين للانضمام لبرنامجهم، وليس على أساس استثمار حقيقي أو بيع حقيقي لمنتجاتهم، فلا يوجد مبيعات تجزئة في الأسواق أو للناس المستهلكين، بل تقتصر المبيعات على المجندين داخل الهرم، بينما يقوم نظام التسويق الشبكي على بيع منتجات حقيقية للجمهور دون الحاجة إلى دفع شيء خارج أو للانضمام إلى نظام التسويق متعدد المستويات.
وبالرغم من ذلك ما زالت بعض شركات التسويق الشبكي تمارس النظام الهرمي بشكل مقنع ومتستر عن الرقابة القانونية في أمريكا، وقد سبق بيان ذلك سابقا.
وقد يثير المدافعون عن التسويق الشبكي أن هذا الأمر دخيل على التسويق الشبكي، ولكن الواقع أثبت أن عنصر الاحتيال أصبح السمة الظاهرة، ابتداء من صاحب الشركة الذي لم يقصد التخصص في التجارة بل مجرد الاستثمار المالي، وانتهاء بالمجندين الذين يروجون للأرباح الخيالية أكثر من الترويج للمنتجات نفسها.
فمناط التحريم مركب من محذورين وهما: الخداع والتغرير، والغرر الكثير[50]، أما الخداع والتغرير فقد سبق تناوله في السطور السابقة، وهو ما يعبر عنه الاقتصاديون بالاحتيال والنصب.
وأما الغرر الكثير فيظهر من خلال التركيب الغريب بين شراء سلعة والاشتراك بخطة أرباح الشبكة، وهذا التركيب هو عنصر هام في التغرير بكثير من المجندين الجدد، فلولا خطة الأرباح لما أقبلوا على التسويق الشبكي، بل لولاه لم يقبلوا على المنتجات في الغالب.
فيعتبر هذا الشرط من الغرر الكثير، والذي يؤدي إلى انتفاع أحد الطرفين وهي الشركة انتفاعا مؤكدا بثمن السلعة ، عن طريق تحميل المجندين أثمان السلع التي سيبيعوها، وقد ينجح المسوق ببيع السلع التي اشتراها وقد لا ينجح فيخسر أمواله –وجود احتمالية كبيرة لخسارة المجند– ، فالمنتج لم يكن مقصودا من البداية للمجند الجديد، وقد تكلف بشرائه لوجود خطة أرباح.
كما يتعارض التسويق الشبكي –بصوره المعمول بها– مع المقاصد الشرعية ؛ فالإسلام أراد أن تكون الأموال وسيلة للاستخلاف وحتى يحقق هذا الغرض شرع مقصد الوضوح في الأموال ، ويدخل تحت هذا المقصد تنظيم التعامل بها على أساس الرضا والاختيار وقطع النزاعات، ولهذا منعت الشريعة القمار والغرر لأنها تؤدي إلى النزاعات، وقد أصبحت ظاهرة النزاع والخصومة بين المجندين الجدد وشركات التسويق الشبكي ظاهرة مشاهدة من قبل صناع القرار، وقد سبق عرض بعضها عند الحديث عن موقف الدول والأنظمة من التسويق الشبكي.
كما شرع الإسلام مقصد حفظ المال من جهة الوجود والعدم، فهو من جهة الوجود صيانتها وتنميتها وحسن التدبير والادخار، ومن جهة العدم المنع من الاعتداء عليها وعدم التبذير والإضاعة وتحريم الاعتداء عليه غصباً وسرقة وغشاً وخديعة فلا يحل ، ولا يقتصر هذا المفهوم على النهب والسرقة فقط ، بل يشمل التحايل على أموال الآخرين[51]، وبالنظر إلى حال التسويق الشبكي اليوم فقد أصبح االاحتيال والنصب السمة الظاهرة له.
وتتضمن بعض التطبيقات للتسويق الشبكي محذور القمار حيث ينتفع أصحاب الشركة على حساب خسارة المجندين، وخاصة الذين يقعون في أسفل الشبكة، وهذا يظهر في الشركات الوهمية التي لا يكون لها سجل تجاري.
وقد تعرض بعض الفقهاء المانعين من التسويق الشبكي إلى مسألة وجود التحايل الربا في هذا الشرط، من حيث أن المجند قد دفع مالا، ليحصل على عمولات أكبر، فتحصل بيع نقد بنقد أكثر منه، والسلعة كانت ستارا للحقيقة، والذي يظهر أن هذا التعليل قد يوجد في صور التسويق الهرمي القديمة والحديثة.
فيتحصل للباحثين من هذه الدراسة الشرعية أنه يحرم العمل في شركات التسويق الشبكي الاحتيالية، والتي تلزم المجند الجديد بشراء سلع من الشركة، وهو الغالب في شركات التسويق الشبكي اليوم؛ لوجود محذورات شرعية فيه من أكل أموال الناس بالباطل والتغرير والخداع والغرر المحرم، ولأن مفاسده أكبر بكثير من مصالحه، ولأنه يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي أمرت بالحفاظ على أموال المكلفين وأوقاتهم.
ولا يتعارض ذلك مع إمكانية قيام نظام تسويق شبكي حقيقي والذي ينتفي معه العناصر المحرمة ويصبح قائما على بيع منتجات وخدمات حقيقية للجمهور دون الحاجة إلى دفع مبلغ مالي أو الانضمام إلى نظام التسويق متعدد المستويات، وقد ضبطت دائرة الإفتاء الأردنية[52] مجموعة من الشروط الشرعية لصحة التسويق الشبكي وهي:
الأول: ألا يشترط على الوسيط المسوق مبلغا مقدما من المال ولا ثمنا لشراء منتج؛ خروجا من شبهة الربا والقمار.[53]
الثاني: أن يكون المنتج حقيقيا يباع بسعر السوق أو أقل؛ خروجا من الغرر والتدليس، وحتى لا تكون العمولات والأرباح هي المقصود للشركة والمسوق.
الثالث: أن يكون عمل الوسيط مقابلا لجهد أو عمل؛ حتى لا تكون أجرة الوسيط سحتا، فيشترط أن يكون الجهد المبذول حقيقيا بسمسرة مباشرة أو متابعة وإشراف مستمر وعمل جماعي، فلا يجوز للطبقة الأولى أن تستربح على جهود الطبقة الثالثة والرابعة مثلا دون بذل جهد عمل حقيقي في التسويق معهم، فينبغي تقييد الطبقات بعدد معين كخمسة أو ستة مثلا ليتمكن صاحب الطبقة الأولى من بذل جهد عمل حقيقي معهم.
الرابع: ألا تحرم الشركة المسوق من أجرته بالكامل عند عدم قيامه بجزء من عمله؛ منعا من أكل أموال الناس بالباطل، فالمسوق يستحق عمولته على قدر الجزء الذي قام به، ولا يصح شرعا للشركة حرمان المسوق من العمولة إن حقق مبيعات من جهة اليمين فقط مثلا؛ لأن الشركة استفادت من عمل المسوق دون مقابل.
الخامس: مراعاة ضوابط التجارة الإلكترونية، ومنها وجوب تقابض البدلين في تجارة الذهب والفضة، ومراعاة ضوابط الصرف، وعدم المتاجرة بالمحرمات.
السادس: الالتزام بأخلاقيات الإسلام في العمل من تجنب للغش والخداع والتزوير والإضرار بالآخرين وغير ذلك.
السابع: الالتزام بالقوانين والأنظمة في الدولة التي تعمل فيها شركة التسويق الشبكي؛ منعا من الإضرار بالاقتصاد الوطني.
وهذه الضوابط كما يرى الباحثان تتفق مع المعايير الاقتصادية لكفاءة التسويق الشبكي وجعله نشاطا خادما للاقتصاد الحقيقي.
وهذا ما ترجح عند الباحثين في الموضوع بعد البحث، فإن أصبنا فمن الله تعالى، وإن أخطأنا فمن أنفسنا والشيطان، والله تعالى أعلم.
المطلب الثالث: إشكاليات فتاوى التسويق الشبكي:
يجب على المفتي قبل أن يصدر فتواه أن يفهم صورة المسألة المعروضة، خاصة إذا كانت من المسائل الاقتصادية، فلابد أن يستعين بآراء الخبراء الاقتصاديين والقانونيين، ليتمكن من إصدار الفتوى بما يتوافق مع نصوص الشريعة ومقاصدها، ولا يبني الفتوى على كلام سطحي لا علاقة له بحقيقة المعاملة.
وقد أشار علماؤنا قديما إلى أنه يجب على المفتي أن يفهم الواقع، والواجب في الواقع؛ يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: "ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر"[54].
فالتسويق الشبكي قد يبدو بصورته السطحية معاملة مستحدثة تقوم على الجعالة وتوفير فرص العمل لكثير من الشباب، فيغتر المفتي بظاهر ذلك، ويحكم بجوازه، دون أن يبحث في تفصيل المسألة المعروضة، خاصة إذا كانت المسألة قد عمت وانتشرت، وكثر الجدال فيها، وتباينت مواقف الأنظمة والدول منها، فلابد للمفتي حينئذ من الاستعانة بآراء القانونيين والاقتصاديين.
ولهذا نجد موقف دار الإفتاء المصرية من التسويق الشبكي منضبطا موافقا للواقع، لأنها قد استشارت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين، وبينت الفتوى الآثار الاقتصادية للتسويق الشبكي، كما نجد موقف الدكتور سامي السويلم جاء محررا في الموضوع، بصفته فقيها اقتصاديا.
يقول الدكتور رفيق المصري: "يحسن أن أشير ختاماً إلى أن هذه المسألة قد عرضت على بعض الفقهاء، فأفتى بجوازها، بشرط أن تكون منتجات المنشأة حلالاً، وبشرط ألا يكون في هذه المعاملة جهالة، أو غرر ،أو ربا، أو رشوة، أو قمار، أو خداع. وكنت أتمنى أن لا تكون الفتوى على هذه الشاكلة، إذ كان على هذا المفتي أن يقول: (لا أدري)، بسبب عدم تمكنه من فهم المعاملة، والفتوى بهذه الطريقة غير مفيدة للمستفتي من الناحية العلمية؛ لأن المستفتي لا يعرف ما إذا كان في هذه المعاملة جهالة، أو غرر، أو ربا، أو قمار، كما أنه لا يعرف معنى كل من هذه المحرمات، فكأن المفتي يقول للمستفتي: هذه المعاملة جائزة بشرط ألاتكون حراماً، أوجائزة بشرط أن تكون جائزة! وإذا كان المستفتي يبحث عن استحلال المعاملة، ولا يبحث عن الحقيقة، فإنه سيستغل هذه الفتوى، وسينظر إلى أن هذه المعاملة حلال،وسيروّج ذلك بين الناس"[55].
ونختم بحثا بكلام نفيس للدكتور سامي السويلم في الموضوع حيث يقول: "ليس غريباً أن تختلف وجهات نظر الباحثين في هذا الموضوع الجديد على الساحة، فالجديد بطبيعته لا تتضح معالمه وخصائصه من أول وهلة، بل يحتاج الأمر إلى شئ من الوقت لتتبين الصورة كاملة، ومن أقرب الأمثلة على ذلك اختلاف الفقهاء في حكم الدخّان أول ما ورد للبلاد الإسلامية، بين مجيز ومانع، فلما تبيّن لهم ما فيه من المفاسد والأضرار الراجحة على منافعه، لم تختلف كلمتهم في تحريمه"[56].
النتائج:
بعد العرض البحثي للتسويق الشبكي من منظور اقتصادي وشرعي، تبين للباحثين النتائج الآتية:
1. بسبب اختلاط مفهوم التسويق الشبكي بشكله الأخلاقي بأساليب النصب والاحتيال التي تسمى بالتسويق الهرمي، أوجدت بعض القوانين معايير فاصلة بين التسويق الشبكي المسموح به وغير المسموح به.
2. من المعايير القانونية التي تفصل التسويق الشبكي القانوني عن غيره معيار لجنة التجارة الأمريكية الفدرالية، حيث نصت على أن برامج التسويق الهرمي سواء قامت على اشتراكات مالية مجردة أو دخلت السلع كوسيط، تشترك فيما بينها على وعود للمستهلكين والمستثمرين على جني أرباح كبيرة تستند على تجنيد آخرين للانضمام لبرنامجهم، وليس على أساس استثمار حقيقي أو بيع حقيقي لمنتجاتهم، فلا يوجد مبيعات تجزئة في الأسواق أو للناس المستهلكين، بل تقتصر المبيعات على المجندين داخل الهرم، بينما يقوم التسويق الشبكي على ببيع منتجات لعموم الناس، ولا يطلبون من هؤلاء المستهلكين دفع أي شيء إضافي أو الدخول في نظام التسويق الخاص بهم.
3. يرى الخبراء الاقتصاديون أن القوانين الغربية لم تفلح في ضبط شركات الاحتيال والنصب في مجال التسويق الشبكي، ولذلك كانت أضرارها الاقتصادية أكبر من منافعها.
4. يرى الباحثان أن الحكم الشرعي للتسويق الشبكي ينبغي أن يبنى على فهم حقيقة التسويق الشبكي وتداعيات نشأته، وتطوره ومآلاته، حيث أصبح مجالا للاستثمار المالي أكبر من كونه وسيلة لترويج المنتجات والخدمات، فخرج عن مقصوده، وأصبح مجالا خصبا للنصب والاحتيال.
5. يرجح الباحثان أن الحكم الشرعي لشركات التسويق الشبكي، والتي تشترط على المجند دفع مبلغ مالي أو شراء سلعة، هو التحريم بسبب وجود محذور الغرر الكثير، وبسبب انتشار حالات النصب والاحتيال، وأصبحت مفاسده أكبر بكثير من مصالحه، والقاعدة الفقهية تقرر درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
6. يوصي الباحثان وزارات التجارة والاقتصاد في العالم الإسلامي بضرورة التحرك لمنع هذا النوع من المعاملات؛ لما أدى إليه من أكل أموال الناس بالباطل.
7. يوصي الباحثان جمعيات حماية المستهلك في العالم الإسلامي بضرورة توعية الناس بخطورة هذا النوع من المعاملات.
الهوامش
[1] انظر: موقع دائرة الإفتاء المصرية، http://www.ifta-learning.net/mofti223، بتاريخ 28/ 11/ 2016م.