الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
جعلت الشريعة الإسلامية نزول دم الحيض علامة تحدّد بها عدة المرأة المطلَّقة غير الحامل، وذلك لقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوء} [البقرة: 228]، فإذا توافرت شروط دورة الحيض الشهرية في الدم النازل من المرأة من حيث المدة والزمن فيحكم عليه بأنه دم حيض، وتعتدّ المرأة عندئذٍ بالأقراء.
وأما إن كانت شروط الحيض غير متحققة بسبب إزالة الرحم كلياً مثلاً أو غير ذلك من الأسباب؛ فلا يكون الدّم حيضاً لتعذّر حصوله لزوال محلّ الحيض كلياً، وتعتدّ المرأة عندئذٍ بثلاثة أشهر، لقول الله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُر} [الطلاق: 4]، وفي حال استئصال الرحم جزئياً بحيث يبقى جزء من الرحم يمكن معه حصول الدورة الشهرية؛ فإن المرأة حينئذٍ تعتدّ بالأقراء إذا وجدت الدورة بشروطها.
وذلك لأن الفقهاء حدّدوا في بيانهم لمعنى الحيض شرعاً أنه دمٌ نازل من الرّحم، وإزالته كلّياً يتعذّر معها الحيض فقهاً، جاء في [العناية شرح الهداية 1/ 160] من كتب الحنفية: "وعند الفقهاء: هو دم ينفضه رحم المرأة السليمة عن الداء والصغر"، وجاء في [أسنى المطالب 1/ 99] من كتب الشافعية: "دم جبلّة يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات مخصوصة"، وجاء في [منتهى الإرادات 1/ 117] من كتب الحنابلة: "الحيض: دم طبيعة وجبلّة ترخيه الرحم يعتاد أنثى إذا بلغت، في أيام معلومة".
وقد أشار الفقهاء إلى كون الحيض أصلاً في الدلالة على براءة الرحم، وأنّ تعذّر الحيض يوجب الاعتداد بالأشهر، جاء في [منح الجليل شرح مختصر خليل 4/ 307]: "(بخلاف الصغيرة) المعتدّة من الطلاق بالأشهر الثلاثة، ترى الدّم أثناء الأشهر فهو حيض (إن أمكن حيضها)، لا نحو بنت سبعٍ، فما تراه دم علّة وفساد، (وانتقلت) الصغيرة التي يمكن حيضها إذا رأت الدم أثناء عدتها بالأشهر (للأقراء) وألغت ما تقدم من الأشهر، ولو بقي منها يوم واحد؛ لأنّ الحيض هو الأصل في الدلالة على براءة الرحم...".
وقد نصت المادة (147) من قانون الأحوال الشخصية الأردنيّ بأن: "عدة غير الحامل لأي سبب غير الوفاة: أ. ثلاث حيضات كوامل لذوات الحيض. ب. ثلاثة أشهر لمن لم تر الحيض أصلاً أو بلغت سن اليأس، فإذا جاء أياً منهما الحيض قبل انقضائها استأنفتا العدة بثلاث حيضات كوامل. ج. ممتدة الطهر وهي من رأت الحيض مرة أو مرتين، ثم انقطع حيضها تتربص تسعة أشهر تتمة للسنة".
وعليه؛ فالمرأة التي استؤصل رحمها كلياً وتعذّر حيضها تعتدّ بثلاثة أشهر، وأما التي استؤصل رحمها جزئياً بحيث يمكن استمرار حيضها، فإنها تعتدّ بالقروء. والله تعالى أعلم.