الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
عقد المضاربة في الفقه الإسلامي: هو عقد يقوم ربّ المال بموجبه بدفع مبلغ من المال لرجل، أو لشركة؛ ليتجر به، ويكون الربح بينهما -حسب الاتفاق- على نسبة مشاع معينة، ويشترط لصحة العقد توافر الضوابط الشرعية الآتية:
أولاً: لا يجوز أن يكون رأس المال مضموناً من قِبَل المضارب (الشركة)، بل يخضع رأس المال للربح والخسارة حسب نتائج نشاط المضارب (الشركة).
ثانياً: يجب أن يكون رأس المال حاضراً مسلماً للمضارب، فلا يجوز أن يكون رأس المال ديناً.
ثالثاً: يجب أن تكون أرباح ربّ المال والمضارب حصصاً شائعة من الربح المحقق، وليس مبلغاً مقطوعاً، ولا حصة شائعة من رأس المال؛ لأن اشتراط النسبة على المال يكون في حكم المبلغ المقطوع، وهو من الربا المحرم.
رابعاً: يجب أن تكون الأرباح متحققة على أرض الواقع من استثمار الأموال؛ لأن الربح إذا وُزّع دون تحققه فتكون الصورة الحاصلة قرضاً بفائدة، أو وسيلة للاحتيال على أموال الناس.
خامساً: يجب أن يكون الاستثمار في عمل مباح شرعاً، فلا يجوز الاستثمار في المحرمات ومنها منصات الفوركس والتسويق الشبكي والهرمي ونظام بونزي.
فالأصل في عقد المضاربة –في حال الخسارة- أن صاحب المال يخسر ماله، والعامل يخسر جهده ووقته، ولا يتحمل خسارة رأس المال إلا إذا تعدّى أو قصَّر، والتعدي والتقصير يرجعان غالباً إلى التصرف بالإضرار بالمضاربة، أو بربّ المال، أو بمخالفة مقتضى العقد، أو الشروط المقترنة بالعقد، أو عدم التقيّد بمصلحة ربّ المال، والذي يُقدِّر ذلك هم أهل الخبرة، قال الإمام النووي رحمه الله: "تقيد تصرف العامل بالمصلحة كتصرف الوكيل" [روضة الطالبين 5/ 127].
وقد ورد في القانون المدني الأردني (المادة: 628): "1- يتحمل ربّ المال الخسارة وحده، ولا يعتبر أي شرط مخالف. 2- وإذا تلف شيء من مال المضاربة حسب من الربح؛ فإن جاوزه حسب الباقي من رأس المال، ولا يضمنه المضارب".
وعليه؛ فاشتراط ضمان رأس المال على العامل يفسد العقد، وحيث فسد استحق العامل أجرة المثل، وخسر صاحب المال ماله؛ فإن ثبت بوجهٍ شرعيٍّ كون عامل المضاربة متعدياً أو مقصراً؛ وجب عليه ضمان الخسارة بقدر تعديه وتقصيره. والله تعالى أعلم.