السؤال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءتهم سواء فليؤمهم أقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سنا، ولا يؤم الرجل في أهله ولا في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك - أو بإذنه) سؤالي هو إذا اجتمعت هذه الخصائص في إمامين فكيف يتم المفاضلة بينهم لتقديمه للإمامة؟ بعض الناس يقولون أنه ينظر إلى أهل بيت كل منهم فأكملهم أخلاقا وتربية (أقصد أهل بيت الأمام) يتم تقديمه على الآخر؛ فما مدى صحة هذه الأقوال؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل في هذا الباب حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) رواه مسلم (رقم/673)
وقد اجتهد فقهاؤنا في فهم الحديث والقياس عليه، فخلصوا إلى ترتيب الأَولى بالإمامة على الوجه الآتي:
"أولى الناس بالإمامة الأفقه، ثم الأقرأ، ثم الأورع، ثم الأقدم هجرة وولده، ثم الأسن في الإسلام، ثم النسيب، ثم الأحسن سيرة، ثم الأحسنُ ذِكْرًا، ثم الأنظف بدنا وثوبا، ثم الأحسن صوتا، ثم الأحسن صورة، فمتى وجد واحد من هؤلاء قدم، وإن اجتمعوا أو بعضهم رتبوا هكذا، فإن استويا وتشاحا أقرع.
وإمام المسجد وساكن البيت ولو بإجارة مقدمان على الأفقه وما بعده، ولهما تقديم من أرادا، والسلطان الأعظم والأعلى فالأعلى من القضاة والولاة يقدمون على الساكن وإمام المسجد وغيرهما، ويقدم حاضر وحر وعدل وبالغ على مسافر وعبد وفاسق وصبي وإن كانوا أفقه. والبصير والأعمى سواء" انتهى. "عمدة السالك" (ص/144/145)
أما تقديم الأفقه في باب الصلاة على الأحفظ للقرآن فلأن الحاجة إلى فقه أبواب الصلاة أهم من الحاجة إلى حفظ الكثير من القرآن، ولتقديمه صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على غيره مع وجود من هو أحفظ منه للقرآن; وأجاب الإمام الشافعي - عن الحديث السابق - بأن الصدر الأول كانوا يتفقهون مع القراءة, فلا يوجد قارئ إلا وهو فقيه.
والمراد بالنسيب من ينتسب إلى قريش أو غيرهم ممن يعتبر في الكفاءة كالعلماء والصلحاء,
وأما تقديم الأنظف بدنا وثوبا والأحسن صوتا ونحوها من الفضائل فلأنها تفضي إلى استمالة قلوب المصلين وكثرة جمعهم، وقبولهم لإمامهم وتعظيمهم له، فضلا عن خشوعهم وتأثرهم بقراءته. انظر: "مغني المحتاج" (1/486-488). والله أعلم.