الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تجب زكاة الزيتون في قول عند الشافعية وهو مذهب الحنفية، فإن كان بعلًا أخرج منه العشر، وإن كان يسقى بكلفة مالية أخرج منه نصف العشر، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، ونصاب الزيتون خمسة أوسق، وتساوي (611) كيلوغرام تقريباً، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) رواه البخاري، والأصل أن يخرج المزكي زكاة محصوله من نفس الخارج، فمن أخرج زكاته منه فقد برئت ذمته باتفاق؛ لأن الفقير تملّك ما أوجب الله له في عين مال الغني، إذ أنَّ الزكاة تتعلق بالمال تعلق الشركة، فيكون الفقير شريكاً مع المزكي في عين المال، قال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي رحمه الله: "وهي -أي الزكاة- تتعلق بالمال الذي تجب فيه تعلق شركة بقدرها لظاهر الأدلة؛ ولأنها تجب بصفة المال من الجودة والرداءة" [مغني المحتاج 2/ 137].
وذهب السادة الشافعية إلى جواز إخراج الزكاة من غير عين المال، رفقاً بالمزكي، قال الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله: "وإنما جاز الإخراج من غيره -أي: عين المُزكى- على خلاف قاعدة المشتركات رفقاً بالمالك وتوسيعاً عليه؛ لكونها وجبت مجاناً على سبيل المواساة" [مغني المحتاج 2/ 137]، لكن يجب على المزكي مراعاة التماثل بين الزيتين القديم والجديد من حيث الجودة والرداءة، إذ إنَّ وصف الجودة والرداءة هو المعتبر، كما جاء في كلام [مغني المحتاج]: "ولأنها تجب بصفة المال من الجودة والرداءة"، وضابط الجودة والرداءة إنَّما يحدده أهل الاختصاص، وهو نسبة الحموضة في الزيت، والقدم لا يُعدُّ عيباً عند الشافعية، جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله في بيان الواجب في زكاة الفطر: "فإن أخرج من طعام قديم لم يتغير طعمه، إلا أن قيمته أقل من قيمة الحديث.. أجزأه؛ لأن القدم ليس بعيب" [البيان في مذهب الإمام الشافعي 3/ 377].
وذهب السادة الحنفية إلى جواز إخراج القيمة في الزكاة، فلو أراد إخراج زكاة الزيت الحالي من جنس مال مختلف كالنقود أو غيرها، فإنه ينظر لما يساوي قيمة الزيت الحاصل في يده الآن -وهو زيت هذا المحصول- من غيره من الأموال، جاء في [درر الحكام شرح غرر الأحكام 1/ 178]: "جاز دفع القيم في الزكاة".
أما إذا أراد أن يزكي من نفس الجنس والنوع وهو هنا زيت الزيتون، فلا اعتبار بالجودة، فيجزئ زيت قديم عن جديد وإن اختلفت قيمتهما، إذ المعتبر تساوي القدر، وقد تساويا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله، لكنَّ الإمام محمد بن الحسن رحمه الله ذهب إلى وجوب دفع الفضل، وهو فرق القيمة بين المؤدى وقيمة الواجب، قال ابن مازة الحنفي رحمه الله: "وعلى هذا إذا كان مال الزكاة مكيلاً أو موزوناً، فأعطى من جنسها ما هو أجود منه، وهو أقل من الواجب كيلاً...لا يجوز إلا عن قدره من الكيل أو الوزن، فإن كان المؤدى مثل الواجب في القدر، ولكنه أردأ من الواجب سقط منه الفضل- وهو فرق القيمة بين الرديء والجيد- عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يؤدي الفضل" [المحيط البرهاني في الفقه النعماني 2/ 245].
وعليه؛ فالأصل أن يخرج المزكي زكاته من عين المحصول، فهذا أكمل الحالات وأبرأها للذمة؛ إذ الإخراج من محصول السنة السابقة فيه شبهة احتيال على الفقير، بإعطائه زيتاً أقل قيمة مما استحقه في مال الغني، وجلب منفعة شخصية للمزكي، بأن يتخلص من المحصول الأقل قيمة، ويحافظ على المحصول الأعلى قيمة، مظنة زيادة الربح، وهذه مظنة البخل والشح، لكن لو أخرج المزكي من الزيت القديم عن الزيت الجديد، فإن ذلك مُجزئ، وقد برئت ذمته، بشرط أن يكون الزيت المخرج مساوياً للزيت الحالي في الجودة والرداءة، وهذا يقدره أهل الاختصاص، وإن لم يكن مساوياً له في الجودة أو أجود منه فيصح على قول الحنفية أن يخرج من الزيت القديم بنفس المقدار، وإن كان أردأ منه، مع دفع فرق القيمة بين الزيتين للفقراء أخذاً بقول محمد بن الحسن وهو الأحوط عندهم. والله تعالى أعلم.