الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
تُعرَّف الخلوة الصحيحة بأنها اجتماع بين رجل وامرأة في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما، ولم يوجد مانع من الدخول الحقيقي بينهما، وللخلوة الصحيحة بين العاقدين أهمية بالغة؛ نظراً للأحكام الفقهية الكثيرة التي تترتب على صحة وقوعها.
فهي تقوم مقام الدخول الحقيقي في العقد الصحيح وإن لم يحصل معها الدخول، قال العلامة السُّغدي الحنفي رحمه الله: "وأما الدخول فحكمه إذا أغلق باب، أو أرخى ستر، أو خلا بها بقدر ما يمكنه وطؤها ولم يكن بينهما سبب مانع من الوطء، فإن ذلك يوجب المهر كاملاً والعدة، وطئها أو لم يطأها إذا كان النكاح صحيحاً" [النتف في الفتاوى 1/ 298].
ونص قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (15) لعام (2019): على أن الخلوة الشرعية الصحيحة تقوم مقام الدخول الحقيقي في إثبات كامل المهر للزوجة، حيث جاء في المادة (43) منه: "إذا سمي مهر في العقد الصحيح لزم أداؤه كاملاً بوفـاة أحد الزوجين ولـو قبـل الدخول أو الخلوة، وبالطلاق بعد الخلوة الصحيحة".
كما نص القانون على أن ما لا ذكر له من الأحكام في القانون، يرجع فيها إلى الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة، أو إلى غيره من المذاهب المتوافقة مع نصوص القانون، جاء في المادة (325): "ما لا ذكر له في هذا القانون يرجع فيه إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة، فإذا لم يوجد حكمت المحكمة بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر موافقة لنصوص هذا القانون".
وعليه؛ فتكون ضوابط الخلوة الصحيحة ما يلي:
1- أن يكون العقد بين الزوجين صحيحاً، لا فاسداً ولا باطلاً.
2- أن يكون مكان اجتماعهما آمناً عليهما، بحيث لو أراد الزوج الدخول بها لفعل، فلا تصح الخلوة في المسجد أو الطريق أو السوق أو الصحراء، وسطح منزل، وغرفة بابها مفتوح.
3- انتفاء الموانع، وهي على ثلاثة أنواع:
الموانع الحسية، مثل: وجود شخص ثالث عاقل.
الموانع الطبيعية، مثل: المرض، صغر السن، الرتق أو القرن في المرأة، المجبوب في الزوج، أما العنين والخصي فخلوتهما صحيحة.
الموانع الشرعية، مثل: الحيض، النفاس، صيام رمضان، الإحرام بالحج أو العمرة، الاعتكاف، أما صوم القضاء والنذر والكفارات والتطوع فلا يمنع صحة الخلوة.
وهذه الشروط مرجعها مذهب السادة الحنفية، انظر: [ابن عابدين، الدر المختار 3/ 114. الموصلي، الاختيار لتعليل المختار 3/ 103].
والخلوة الصحيحة إنما تُثبت بعض الأحكام دون بعضها، فهي تثبت كامل المهر، والنسب، والعدة، والنفقة، والسكنى، والمنع من الزواج من أختها، وتزوج رابعة حتى تنقضي عدتها، ومراعاة طلاقها في طهر لا في حيض، ولا تقوم الخلوة الصحيحة مقام الدخول الحقيقي في إثبات الإحصان، وحرمة الربيبة، وجعل الطلاق رجعياً، وثبوت التوارث بينهما، وأن الطلاق يلحقها، قال الإمام الزيلعي الحنفي رحمه الله: "واعلم أن أصحابنا رحمهم الله أقاموا الخلوة الصحيحة مقام الوطء في حق بعض الأحكام دون البعض، فأقاموها في حق تأكد المهر، وثبوت النسب، والعدة، والنفقة، والسكنى في هذه العدة، ونكاح أختها، وأربع سواها، وحرمة نكاح الأمة على قياس قول أبي حنيفة، ومراعاة وقت الطلاق في حقها، ولم يقيموها مقام الوطء في حق الإحصان، وحرمة البنات، وحلها للأول، والرجعة، والميراث، وأما في حق وقوع طلاق آخر ففيه روايتان والأقرب أن يقع" [تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي 2/ 144].
هذا؛ وقد نص قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم (15) لعام (2019) على أن العدة تثبت بالخلوة الصحيحة، وسكت عن الخلوة الفاسدة، حيث جاء في المادة (145/ج) منه: "إذا وقع الطلاق أو الفسخ بعد العقد الصحيح فلا تلزم العدة إلا بالدخول أو الخلوة الصحيحة، وأما إذا وقع الفسخ بعد العقد الفاسد فلا تلزم العدة إلا بالدخول"، وعملاً بالمادة (325) التي تنص على أن ما لا حكم له في القانون فإنه يرجع فيه إلى الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة، والذي ينص على ثبوت العدة في كلٍّ من الخلوة الصحيحة والفاسدة، ففي كتاب [حاشية ابن عابدين 3/ 114]: "وتجب العدة بخلوته وإن كانت فاسدة".
واستقرار كامل المهر بالخلوة الصحيحة هو القول القديم في مذهب السادة الشافعية كذلك، انظر: [الخطيب الشربيني، مغني المحتاج 4/ 374].
وعليه؛ فتكون ضوابط الخلوة الصحيحة المثبتة لكامل المهر، أن يكون العقد صحيحاً، وأن يجتمع الزوجان في مكان يأمنان فيه من اطلاع الغير عليهما، مع انتفاء الموانع الحسية والطبيعية والشرعية، بحيث لو أراد الزوج الدخول بها لفعل. والله تعالى أعلم.