الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الطب من المهن الإنسانية السامية، المحتاج لها دائماً، وهي من فروض الكفاية، فلا بد أن يتمكن منها طائفة من الطلبة كي يقوموا بهذا الواجب الإنساني، ويحتاج الطبيب إلى أن يكون في أعلى درجات المهارة، والمهنية في التعامل مع المرضى.
والأصل أن تعالج المرأةُ المرأةَ، والرجلُ يعالج الرجلَ، وينبغي اتخاذ التدابير الكافية لتوفير الأطباء المختصين من كلا الجنسين، والعمل على ذلك من فروض الكفاية في الإسلام، ولكن إذا لم يتوفر الطبيب المختص من نفس الجنس ودعت الحاجة لعلاج الرجل للمرأة أو بالعكس، فيباح ذلك حينئذٍ.
جاء في [حاشية البجيرمي 3/ 380] من كتب السادة الشافعية: "ويشترط عدم رجل يمكنه تعاطي ذلك في رجل، أي إذا كان المداوى رجلاً والمداوي امرأة يشترط عدم رجل يداويه".
وفي بعض الأحيان يكون المريض من النساء، ويتعذر وجود المرأة، أو كان الرجل أكثر مهارةٍ وحرفيّة، أو أنَّ تكاليف التداوي مقدورة عنده وغير مقدورة عند الطبيبة؛ جاز لها أن تتداوى عند طبيب رجل، ومعالجة الرّجل للمرأة وبالعكس لها شروط شرعية وضوابط، منها:
أولاً: عدم الاطلاع على العورات إلا بقدر الحاجة، فقد حدّد الشرع عورة كل من الرجل والمرأة، وبيّن أنه لا يجوز للرجل أن يطّلع على عورة المرأة الأجنبية أو يمسّها؛ لما في ذلك من خرق لتعاليم الشرع، واعتداء على الحياء والخلق القويم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ) رواه مسلم، فالأصل أنّ النظر إلى العورات ومسّها حرام إلا إذا دعت الضّرورة لذلك، فأباح الإسلام عندئذٍ النّظر واللّمس لضرورة العلاج، على أنه لا يجوز بحالٍ تجاوز حدود الضّرورة، إذ الضرورة تقدّر بقدرها.
ثانياً: وجوب مراعاة عدم حصول الخلوة المحرمة، وضابطها هو: اجتماع الرجل والمرأة في مكان لا تؤمن معه الريبة، كاجتماع الرجل مع المرأة في مكان غير مطروق من قبل الناس، أو كون باب الغرفة مغلقاً عليهما، وتنتفي الخلوة سواء عند الكشف على المريضة أو في غرف العمليات بوجود زوجها، أو أحد محارمها، أو وجود الممرضة مع الطبيب، جاء في [بشرى الكريم 1/ 602] من كتب السادة الشافعية: "جازت خلوة رجل بامرأتين، دون عكسه، أي يحرم خلوة رجلين بامرأة".
ثالثاً: وينبغي على الطبيب -ومن حيث العموم- أن يراعى أخلاقيات الطب العامة، والتي منها: تقوى الله في مرضاه، والإخلاص في عمله، والتحلي بمكارم الأخلاق. والله تعالى أعلم.