الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل وجوب إيصال الماء إلى جميع أعضاء الوضوء (الوجه، واليدين، والرأس، والرجلين)؛ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
وهذه الأعضاء يجب أن تُغسل مرتبةً، والترتيب هو الركن السادس من أركان الوضوء عند السادة الشافعية، جاء في [حاشية الباجوري 1/ 258] من كتب السادة الشافعية: "والسادس: الترتيب أي: من فروض الوضوء، وهو جعل كلِّ شيءٍ في مرتبته".
هذا؛ وإذا غمس الشخص المحدث نفسه في الماء الكثير، فإنَّهُ لا يخرج عن حالتين:
أحدهما: الانغماس لرفع الحدث الأصغر، فهذا واجب في حقه الترتيب التقديري، ويجب في حقه النية لرفع الحدث الأصغر، ويجب أن تكون مقارنة لأول إصابة الماء للوجه، ويصح وضوؤهُ بالغمس؛ لأنَّهُ استوعب جميع أركان الوضوء بالماء، وقد حصل الترتيب في لحظة قصيرة، كما نصّ عليه الإمام الباجوري رحمه الله في [حاشيته 1/ 258]: "ولو انغمس المحدث حدثاً أصغر ناوياً الوضوء؛ أجزأهُ وإن لم يمكث؛ لحصول الترتيب في لحظةٍ لطيفةٍ، لكن لا بدَّ أن تكون النيَّةُ مقارنةً لإصابة الماء لوجهه؛ لأنه يجب أن تكون النية عند غسل أول الوجه".
الثاني: الانغماس لرفع الحدث الأكبر، وهنا لا يجب الترتيب؛ لدخول رفع الحدث الأصغر في رفع الحدث الأكبر تلقائيًا، إذ أنَّ الجسم يعامل كالعضو الواحد في غسل الجنابة.
قال الإمام الباجوري رحمه الله: "ومحل وجوب الترتيب إن لم يكن هناك حدثٌ أكبر، وإلا سقط الترتيب؛ لاندراج الأصغر في الأكبر؛ حتى لو اغتسل الجنب إلا أعضاء وضوئهِ، لم يجب عليه ترتيبٌ فيها" [حاشية الباجوري 1/ 258].
وعليه؛ فإذا انغمس المحدث حدثًا أصغر في ماء كثير -أكثر من قلتين- بنية رفع الحدث صح وضوؤه وإن لم يمكث زمناً يسع الترتيب. والله تعالى أعلم.