الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
دعا الإسلام إلى برِّ الوالدين والإحسان إليهما، ومساعدتهما بكل وسيلة ممكنة بالجهد والمال، والحديث معهما بكل أدب وتقدير، وعدم التضجر وإظهار الضيق منهما، وخاصة عند الكبر، فالأبوان يلزمهما رعاية أكثر من غيرهما رداً للجميل الذي قدموه للأبناء في الصغر، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23- 24].
أما نفقة الوالدة المعسرة؛ فيجب أن تقسم بين الأبناء ذكوراً وإناثاً لكفاية والدتهم، جاء في قانون الأحوال الشخصية الأردني -في حكم نفقة الوالدين- في المادة (197): "أ. يجب على الولد الموسر ذكراً كان أو أنثى كبيراً كان أو صغيراً نفقـة والديـه الفقيرين ولو كانا قادرين على الكسب"، فلا يجوز تحميل بعض الأبناء النفقة دون البعض الآخر إذا كانوا جميعاً قادرين عليها.
فإذا كانت الأم مكفية بالنفقة؛ فلا يجوز لها تحميل ابنتها نفقات زائدة عن حاجاتها، وعلى كل حال لا يجوز لها أن تقطع العلاقة مع ابنتها، أو تأمر أولادها بذلك؛ لأنه أمر بقطيعة رحم، وهو محرم، قال الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]، قال شيخ الإسلام ابن حجر الهيتمي رحمه الله -في ضابط قطيعة الرحم المحرمة-: "قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة والإحسان لغير عذر شرعي؛ لأن قطع ذلك يؤدي إلى إيحاش القلوب ونفرتها وتأذيها" [الزواجر 2/ 127].
كما يجب على البنت أن تبقى محسنة لوالدتها مطيعة لها، ولا تعد الصورة المذكورة من تقليل النفقة على والدتها من عقوق الوالدين إن كانت معذورة بعدم كفاية دخلها. والله تعالى أعلم.