الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأموال التي تُجمع لبناء وقف كمسجد –مثلاً- تأخذ حكم الوقف، من حيث إن هذا المال قد خرج عن ملك صاحبه ولا مالك له، ولا يملك أحد حرية التصرف به، فيبقى وقفاً إلى أن يتم البناء، فعلى القائمين على هذا المشروع بذل غاية جهدهم في إنجازه.
مع التنبيه على أن الأموال التي تجمع لبناء المساجد لا يجوز أن تكون من أموال الزكاة، بل تكون فقط من أموال الصدقات والتبرعات؛ لأنه لا يجوز استخدام أموال الزكاة في بناء المساجد وغيرها، فمصارف الزكاة محددة في الشرع ومحصورة في الأصناف الثمانية لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].
وما جُمع للمسجد من صدقات لا يُصرف لغيره، من نفقات سفر ومأكل ونحو ذلك، إلا إذا أذن المتبرع بقدر معين من ذلك، ورضي به بعد اطلاعه على حقيقة الأمر؛ فحينئذ لكم أن تسافروا لجمع التبرعات بشرط أن يكون الإنفاق بالمعروف وبما يحقق المصلحة.
أما استثمار الصدقة؛ فلا بدّ لجوازه من إخبار المتبرعين بذلك عند جمع الأموال؛ لأن قصد المتبرع إيصال الأموال لمصرفها المحدد، وربما لا يرضى بتأخير ذلك، أو لا يرضى بتعريض الأموال لاحتمال الخسارة، وشرط المتبرع معتبر في ذلك شرعاً، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: "ولو شرط الواقف شيئاً يقصد كشرط أن لا يؤجر، أو أن يفضل أحد أو يسوي، أو اختصاص نحو مسجد كمدرسة ورباط بطائفة كشافعية، اتبع شرطه رعاية لغرضه وعملاً بشرطه" [فتح الوهاب 1/ 308].
والأصل أن يكون صرف التبرعات حسب قصد المتبرع وشرطه؛ لأنّ المتبرع هنا هو الواقف، والأصل التزام شرط الواقف؛ فلا يُصرف المال إلا حيث أراد، جاء في [حاشية إعانة الطالبين 3/ 200]: "فلذلك يقولون شرط الواقف كنص الشارع".
والوكيل مؤتمن وما يدفع إليه من أموال الصدقات أمانة عنده يجب عليه أن يحفظها ويؤديها، وإلا كتب عليه وزر الخيانة، وإن تصرف فيها بغير الوجه المحدد له أو قصر في حفظها فقد تعدى وأثم، ويكون ضامناً لذلك المال، ولا تبرأ ذمته منه إلا بدفعه، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. والله تعالى أعلم.