الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يحرم الاقتراض بالربا، وهو من كبائر الذنوب، ومن أهم أسباب دمار الاقتصاد في الآجل، ومن وقع في شيء من القروض الربوية فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة، بأن يندم على ذلك، ويعزم على ألا يعود إليه مرة أخرى، ونسأل الله تعالى لنا وله المغفرة.
والعلاقة بين المقترض المتوفى وبين الرجل الذي أمره بالاقتراض لا تخلو من صورتين:
الصورة الأولى: الوكالة بالاقتراض: أن يكون الآمر بالاقتراض قد وكّل المقترض بأن يقترض له قرضاً بنكياً، فهذه تأخذ حكم الوكالة؛ لأن الوكيل المتوفى لم يقصد الاقتراض لنفسه، وإنما هو وكيل عن الرجل الذي أمره بذلك وهو المقترض الحقيقي، والأصل المقرر عند الفقهاء أن تصرفات الوكيل منوطة بمصلحة موكله؛ وقد نص على هذه القاعدة شيخ الإسلام الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله بقوله: "كل متصرف عن الغير فعليه أن يتصرف بالمصلحة" [الأشباه والنظائر 1/ 310].
ولا يلزم الوكيل –الذي هو الرجل المتوفى- أن يضيف العقد إلى موكله، ولا أن يخبر البنك الذي اقترض منه أنه وكيل وليس أصيلاً في هذا العقد، ولهذا صحت الوكالة هنا، كما لا يشترط إضافة العقد إلى الموكل في البيع والشراء، وتثبت الملكية لموكله، جاء في [درر الحكام شرح مجلة الأحكام 3/ 550]: "لا يشترط إضافة العقد إلى الموكل في البيع والشراء... وتثبت الملكية لموكله".
وعلى هذا فلو حط البنك من القرض، فالأصل أن يكون الحط من مصلحة الموكِّل أيضا، فالظاهر أن البنك إذا أسقط مطالبته للمقترض الوكيل فقد سقطت عن الموكل، فلا يجب عليه دفع باقي القرض لورثة المتوفى.
الصورة الثانية: أن يكون الرجل الأول قد طلب قرضاً من المتوفى، فقام المتوفى بالاقتراض من البنك، فهذه الصورة اشتملت على عقدين منفصلين، كل واحد منهما مستقل عن الآخر؛ فالرجل الأول يعتبر مقترضاً من المتوفى، والمتوفى يعتبر مقترضاً من البنك، وعند سقوط قرض البنك عن المتوفى لا يسقط القرض عن الرجل الأول؛ لأن العقدين منفصلين.
وقد صدر قرار مجلس الإفتاء رقم (251) (2/ 2018) بفتوى قريبة من هذه الصورة.
وعليه؛ فإذا كان الآمر بالاقتراض قد طلب من المتوفى أن يقترض له من البنك، وقام البنك بإسقاط القرض عن المتوفى، فيسقط القرض حينئذ عن الآمر بالاقتراض، وأما إذا قام الرجل الأول بطلب قرض من المتوفى دون أن يحدد مصدر القرض، فاقترض المتوفى من البنك وأقرضه للرجل الأول، وقام البنك بإسقاط القرض عن المتوفى، لم يسقط ذلك القرض عن الرجل الأول. والله تعالى أعلم.