الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الوقف طاعة من الطاعات التي يتقرب بها إلى الله تعالى، فقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا) قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ" متفق عليه.
وشرط الواقف معتبر فيما يخص الوقف، ولا يناقض مقتضاه، كأن يراعى شرط الواقف في قسمة غلة الوقف على الموقوف عليهم من حيث الأقدار والوقت والتقديم والتأخير ونحوه من الشروط.
يقول الإمام النووي رحمه الله: "يراعى شرط الواقف في الأقدار، وصفات المستحقين، وزمن الاستحقاق، فإذا وقف على أولاده وشرط التسوية بين الذكر والأنثى، أو تفضيل أحدهما يتبع شرطه...، ولو قال: على بني الفقراء، أو على بناتي الأرامل، فمن استغنى منهم، وتزوج منهن، خرج عن الاستحقاق، فإن عاد فقيراً، أو زال نكاحها، عاد الاستحقاق... ولو قال: فمن مات من أولادي فنصيبه لولده، اتبع شرطه" [روضة الطالبين 5/ 335 – 338].
أما شرط الواقف الذي يخالف مقتضى الوقف فلا يلتفت إليه ولا يراعى، قال الإمام الخطيب الشربيني رحمه الله: "والأصل فيها أن شروط الواقف مرعية ما لم يكن فيها ما ينافي الوقف" [مغني المحتاج 3/ 540].
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي رحمه الله تعالى: "يراعى شرط الواقف في ما شرط من التسوية والتفاضل والتخصيص بوصف وزمان ومكان" [أسنى المطالب في شرح روض الطالب 2/ 468].
وأما شرط الواقف الذي يكون خارجاً عن مضمون الوقف، فلا يكون ملزماً، ولا يراعى، ولكن إن التزم به فلا بأس بذلك.
وعليه؛ فالشرط المذكور في السؤال لا يكون ملزماً للخطيب؛ لأنه وإن كان لا ينافي مقتضى الوقف، ولكنه خارج عن وصفه ومضمونه، فلا يلزم تبعاً لذلك، ولو دعا الخطيب للواقف أو لأهله مختاراً من غير اشتراط، فلا حرج في ذلك. والله تعالى أعلم.