الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
إذا مات الحاج بعد التحللين -وهو الرمي والطواف والحلق- فقد صح حجه، ولا تجوز الإنابة فيما بقي من المناسك؛ لأنَّ ما بقي من المناسك يجبر بدم.
أما إذا مات الحاج قبل التحللين أو بينهما فقد جرى الخلاف في جواز النيابة عند أئمتنا الشافعية، والمعتمد في ذلك هو القول الجديد للإمام الشافعي أنه لا يجوز البناء؛ كالصلاة والصوم فيبطل المأتىُّ به إلا في الثواب، والواجب الإحجاج عنه إن كان الحجُّ قد استقر في ذمته، فإنْ لم يستقر في ذمته أو كان تطوعاً فلا يجب الإحجاج عنه.
قال الإمام النووي رحمه الله: "(فرعٌ) إذا ماتَ الحاج عن نفسه في أثنائه هل تجوز النيابة على حجه فيه قولان مشهوران (الأصحُّ) الجديدُ لا يجوزُ كالصلاة والصوم، (والقديمُ) يجوز لدخول النيابة فيه؛ فعلى الجديد يبطل المأتيُّ به إلا في الثواب، ويجبُ الإحجاج عنه من تركته إن كان قد استقر الحج في ذمته، وإن كان تطوعاً أو لم يستطع إلا هذه السنة لم يجب... هذا كلُّه إذا مات قبل التحللين فإن مات بعدهما لم تجز النيابة بلا خلاف؛ لأنه يمكن جبر الباقي بالدم" [المجموع شرح المهذب 7/ 135].
أما إذا عُضب الحاج [والمعضوب: هو العاجز عن الحج بنفسه لنحو زمانة أو مرض لا يرجى برؤه] أثناء تأدية مناسك الحج فقد أُحصر [وهو المنع عن إتمام أركان النسك من حج أو عمرة] فإن قدر أن يكمل مناسك الحاج بنفسه عن طريق مركوب أو محمِل أو نحوه وجب عليه؛ لأنه لا يتعذر عليه ذلك.
فإن لم يقدر أن يكمل مناسك الحج بنفسه؛ فإن بقي عليه شيء من واجبات الحج كالرمي والمبيت لم يتحلل لها؛ لأنهما يجبران بدم، وإنْ بقي عليه شيء من أركان الحج، فيفرق بين حالتين:
الأولى: إن شرط عند إحرامه التحلل وقال: إذا منعني مانع أو حابس فتحللي حيث حبستني؛ فإن حُبس تحلل بالنية والحلق، وعليه القضاء(*)؛ لخبر الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ لَهَا: (لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الحَجَّ؟) قَالَتْ: وَاللَّهِ لاَ أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: (حُجِّي وَاشْتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي).
أو قال: إذا مرضت فأنا حلال، صار حلالاً بوجود المرض من غير حلق ولا نية؛ وعليه القضاء أيضاً؛ لخبر أبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ).
والثانية: إذا لم يشترط ذلك عند إحرامه فأحصر انتظر لعل عذره يزول؛ فإن فات وقت الحج فيتحلل بعمل عمرة، وعليه القضاء، قال الإمام زكريا الأنصاري رحمه الله: "ولا يتحلل المحرم لمرض وفقد نفقة وضلال لطريق، ونحوه من الأعذار كالخطأ في العدد؛ لأن التحلل لا يفيد زوال المرض ونحوه، بخلاف التحلل بالإحصار بل يصبر حتى يزول عذره، فإن كان محرماً بعمرة أتمها أو بحج وفاته تحلل بعمل عمرة" [أسنى المطالب في شرح روض الطالب 1/ 524]. والله تعالى أعلم.
(*) القضاء فيه تفصيل مبين في الفتوى رقم (3919).