الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حثّ الإسلام المسلمين على إتقان العمل والبراعة فيه؛ لأنّ الإنسان المتقن لعمله إنسان يحبه الله عزّ وجلّ، قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ) رواه البيهقي في [شعب الإيمان]، وكذلك يحبه الناس، فالمهندس أو المهني البارع الكفؤ في مهنته وصنعته تنهال عليه عقود العمل من مختلف الشركات؛ وله الحقّ في اختيار الشركة التي تعطيه حقه وتقدر خبرته، وهذا حقّ كفله الإسلام لرعاياه، ففي العقود جعل الرضا والقبول ركناً من أركان العقد، وأمر بالالتزام بما تمّ الاتفاق عليه من الشروط، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة:1]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه الترمذي.
خاصّة أنّ أمثال هذه المهن والحرف يجب أن لا تخلو منها بلاد المسلمين، فوجود هذه المهن يعتبر من فروض الكفاية، فإذا تصدى للقيام بها البعض سقط الحرج عن الجميع، ومتى لم يقع فالكل آثمون، ويصبح واجباً عينياً على من تعيّن له من أصحاب هذه المهن، جاء في [المجموع شرح المهذب 1/ 32]: "فرض الكفاية إذا فعله من حصل به المطلوب سقط الحرج عن الباقين وإلا أثموا كلهم".
وعليه؛ فالتكسّب من هذه الشركات التي يتمّ التعاقد معها يعتبر كسباً حلالاً ما دام العمل مباحاً؛ ولا يعتبر ذلك مخالفة لأنظمة الدولة أو مضراً بها ما دامت الدولة تسمح لهذه الشركات باستقدام أصحاب الخبرة والكفاءة، وأما إذا خلت البلاد من هذه المهن، فإنه يجوز لوليّ الأمر أن يمنعهم من التعاقد مع الشركات الأجنبية بسبب الضرر الحاصل بفقدانهم وعدم وجود غيرهم.
جاء في [المجموع شرح المهذب 1 /22]: "وقد قال إمام الحرمين رحمه الله في كتابه الغياثي: فرض الكفاية أفضل من فرض العين، من حيث إنّ فاعله يسدّ مسدّ الأمة ويسقط الحرج عن الأمة، وفرض العين قاصر عليه".
وننصح أن يتمّ تقديم الدعم لهذه العقول منعاً من هجرتها خارج البلاد، وذلك بتوفير فرص العمل المناسبة لهم وإعطائهم أجوراً وحوافز أكثر أو مساوية لما تدفعه الشركات الأجنبية لهم، وذلك من أجل المحافظة عليهم والاستفادة من خبراتهم، والتشجيع على تعلم هذه المهارات والمهن المفيدة للبلاد والعباد.
وفي نفس الوقت لا يجوز لهذه الشركات أخذ غير الأكفاء وإرسالهم للجهات التي تطلب مثل هذه الكفاءات؛ لما يترتب على ذلك من ضرر بسمعة العمالة الوطنية، وعزوف الجهات الخارجية عن استقطابها. والله تعالى أعلم.