الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
اتفق الفقهاء على حرمة الإنسان حياً وميتاً وعدم جواز الاعتداء عليه؛ قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أبو داود، ويستثنى من ذلك إجراء عمليات تشريح جثث الموتى في الحالات التي ينص عليها القانون، حتى لو كان سبب الوفاة معلوماً، فعادة ما يكون ذلك من باب الاحتياط، فقد يكون هنالك أسباب خفية للوفاة غير المعلنة، وقد أثبت الواقع اكتشاف أسباب أخرى للوفاة ترتب عليها اكتشاف بعض جرائم القتل، ومما لا ريب فيه أن مقصد القضاء إنما هو إقامة العدل بين الناس وإحقاق الحق، قال الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]، وهذا المقصد قد يحتاج في بعض القضايا لتدخل طبي لكشف ملابسات الجريمة والحد من انتشارها، فيكون للطب الشرعي دور إيجابي في الكشف عن أسباب الوفاة، ومعرفة الفاعل.
واللجوء للتشريح بحسب ما تستدعي الضرورة، للقاعدة الشرعية "الضرورات تبيح المحظورات"، لكن بشرط أن لا يزيد التشريح على قدر الحاجة؛ لأنّ الضرورة تقدر بقدرها، على أن تعاد الأعضاء كما كانت قدر الاستطاعة وتدفن كاملة، مع الحرص على تعظيم حرمة الميت وعدم امتهانه ولا التمثيل به؛ لأنّ كرامة الإنسان مصونة حياً وميتاً كما جاء في قرار مجلس الإفتاء الأردني رقم (201). والله تعالى أعلم.