الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حثَّ الشرع الحنيف على ذكر الله تعالى في جميع الأوقات والأحوال وبيّن عظيم فضله، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: (أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ) رواه مسلم.
فيجوز للمسلم أنْ يسبّحَ الله تعالى بأيِّ كيفية شاء، سواء كان بكلتا اليدين أو باليمنى فقط أو باليسرى فقط أو غيرها من الكيفيات، حيث لم يرد أي نهي صريح عن التسبيح باليسرى، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساءً أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل العقدَ بالأنامل، فقال صلى الله عليه وسلم عن العقد بالأنامل: (فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ، مُسْتَنْطَقَاتٌ) رواه أبو داود، فالأنامل ضمن ما يشهد للإنسان من أعضاء يوم القيامة ما له وما عليه، ولم يقيد الحديث الأنامل باليمين فقط.
وغاية ما يمكن أن يقال إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ، يَأْخُذُ بِيَمِينِهِ، وَيُعْطِي بِيَمِينِهِ، وَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ) رواه النسائي.
ولما كان التسبيح من الأمور المهمة فالأصل أن يكون باليمين، ويشهد لذلك الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنه قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ)، وزاد محمد بن قدامة شيخ أبي داود: "بِيَمِينِهِ" رواه أبو داود في [سننه].
وقد بيّن علماء الحديث أن زيادة لفظة: "بيمينه" في الحديث السابق، هي شاذة، فقد روى الحديث جماعة من الحفاظ ولم يثبتوها في رواياتهم.
وجاء في [مغني المحتاج 1/ 378]: "وتكره الإشارة بمسبحته اليسرى ولو من مقطوع اليمنى، قال الولي العراقي: بل في تسميتها مسبحة نظر، فإنها ليست آلة التنزيه".
وعليه؛ فلا حرج من التسبيح بأيِّ كيفية شاء، فالتسبيح باليدين وسيلةٌ لضبط العدِّ، سواء كان بكلتا اليدين أو باليمنى فقط أو باليسرى فقط، لكن التسبيح باليمنى أفضل، ولا ينبغي الإنكار على أحد، فالأمر فيه واسع، واستحباب التسبيح باليمين هو إرشاد إلى ما هو أفضل، ولكن لا ينافي الجواز باليسرى. والله تعالى أعلم.