الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
إنّ الله عزّ وجلّ شرع للناس أن يدعوه في كل وقت وحال، خاصة إذا أحاق بهم بلاء عام، أو نزلت بهم نازلة عمّ ضررها واستطال شررها، وذلك مبني عند أهل الإسلام على عقيدة القضاء والقدر، وأنّ الله عزّ وجل هو مسبّب الأسباب، ودافع ما شاء من قضائه بدعاء المؤمنين، ولذلك ورد في الحديث الشريف أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ) رواه الترمذيّ.
ومما وردت به السنة أن المؤمنين إذا نزلت بهم نازلة أو مصيبة أياً كان سببها أن يقنتوا في الصلوات، فقد جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة، ويكبر ويرفع رأسه: (سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)، ثم يقول وهو قائم: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان، ورعلا، وذكوان، وعصية عصت الله ورسوله) رواه مسلم.
وقد اجتمعت على المسلمين في هذا الزمان أسباب كبرى من المصائب والابتلاءات، ومنها الوباء الذي انتشر في الناس، فيشرع لهم أن يقنتوا فرادى وجماعات في الصلوات المفروضة، ويدعوا الله تعالى بتفريج الكرب وإزالة الهم، ورفع الوباء وما نزل بالمسلمين، وهذا ما ذهب إليه كثير من أئمة المسلمين، وهو ما نص عليه الإمام الشافعي، قال رضي الله تعالى عنه في كتاب [الأم 1/ 236]: "ولا قنوت في شيء من الصلوات إلا الصبح، إلا أن تنزل نازلة، فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الإمام"، وذكر الشافعي أنه لا قنوت في صلاة العيدين والاستسقاء.
وهيئة دعاء القنوت بالنسبة للمنفرد أن يسرّ به ولا يجهر، وأما الإمام فيجهر به في كل حال، حتى لو كانت الصلاة سرية، ويؤمن المأمومون على دعائه جهراً، جاء في [أسنى المطالب 1/ 159]: "(وفي الجميع) أي جميع ذوات القنوت حتى السرية (يجهر به الإمام) للاتباع رواه البخاري وغيره، قال الماوردي: وليكن جهره به دون جهره بالقراءة، (لا المنفرد) فلا يجهر به، (ويؤمن المأموم) للدعاء، كما كانت الصحابة يؤمنون خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك، رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح، ويجهر به كما في تأمين القراءة، (وفي الثناء يشارك) الإمام (سرا، أو يستمع) له؛ لأنه ثناء وذكر لا يليق به التأمين"، والظاهر من مذهب الشافعية أنه لا يسن القنوت في النافلة، كما جاء في [أسنى المطالب] أيضاً.
ويدعو المسلم بما شاء من الدعاء في القنوت، ولا يطيل فيه كثيراً، جاء في [شرح النووي على مسلم 5/ 176 بتصرف]: "والصحيح أنه لا يتعين فيه دعاء مخصوص، بل يحصل بكل دعاء، وفيه وجه أنه لا يحصل إلا بالدعاء المشهور: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شرّ ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذلّ من واليت، تباركت وتعاليت)، والصحيح أنّ هذا مستحبّ لا شرط"، ويسنّ أنْ يصلي على النبيّ صلى الله عليه وسلم وآله أول الدعاء وآخره.
وعليه؛ فإن دعاء القنوت في النوازل مشروع ومستحب، ووردت به السنة الشريفة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وبه أفتى جمهور الفقهاء، وهو مستحب في صلاة الجماعة والفرد، سراً وجهراً، عسى الله أن يرفع ما نزل بنا من بلاء. والله تعالى أعلم.