الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأصل أنّ الأطعمة والأشربة مباحة ما لم يرد في الشرع نهيٌ عنها، فالواجب على المسلم أن يعرف ما يَحْرُم من الأطعمة والأشربة، حتى لا يأكلها ولا يُطعِمها لأحد من الناس، قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].
وأما الذبائح؛ فأصلها الحرمة حتى تعلم إباحتها في الشريعة الإسلامية، فكلّ ما حرمته الشريعة لا يجوز، وأما ما أجازته الشريعة فلا بدّ أن تتحقق تذكية المباح منها، وإلا كانت من الميتة المحرّمة شرعاً، وهي كل ما كان له ذكاة ولم تتحقق ذكاته الشرعية، فيحرم أكله وتناوله، وهذا أمر مجمع عليه، جاء في [الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 319]: "وبهيمة الأنعام محظور أكلها بنصّ الكتاب والسنة والإجماع إلا ما ذكي"، وجاء في [مغني المحتاج 6/ 94] من كتب الشافعية: "فلا يحلّ شيء من الحيوان المأكول بغير ذكاة شرعية، لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]".
وتكون التذكية بالذبح أو العقر، جاء في [أسنى المطالب 1/ 552] من كتب الشافعية: "إنما يحلّ الحيوان البرّي المقدور عليه بالذبح في الحلق أو اللبة، وفي غير المقدور عليه يجزئ العقر، وهو الجرح المزهق للروح".
والتّذكية الشرعية من أهل الكتاب صحيحة وتحلّ ذبيحتهم، لقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، لكن ينبغي تحقّق الذكاة المبيحة للحيوان إنْ كان في بلاد لا يعرف فيها أنهم يذبحون الأنعام ذبحاً شرعياً، وإلا فالأصل حرمة ما لم يذكَّ، فإن شكّ المسلم في ذكاة الذبيحة فتبقى على أصل الحرمة، جاء في [المنثور في القواعد الفقهية 2/ 287] للإمام الزركشي الشافعيّ: "وقال الشيخ أبو حامد وغيره: الشكّ ثلاثة أضرب: شكّ طرأ على أصل حرام، كشاة مذبوحة في بلد فيه مسلمون ومجوس لا يغلب أحدهما الآخر فلا تحلّ، لأنّ أصلها حرام".
وذهب المالكية إلى أن إخبار أهل الكتاب في بلادهم عن صحّة الذكاة مقبول شرعاً، والقول في الذكاة قولهم، جاء في [الفروق 1/ 15] للقرافي المالكي: "قال ابن القصار: قال مالك: يقبل قول القصاب في الذكاة، ذكراً كان أو أنثى، مسلماً أو كتابياً، ومَنْ مثله يَذْبَحُ، وليس هذا من باب الرواية أو الشهادة، بل القاعدة الشرعية أنّ كلّ أحد مؤتمن على ما يدّعيه".
وعليه؛ فإن ذبائح أهل الكتاب جائزة شرعاً إذا ذكيت ذكاة صحيحة، ويكفي في العلم بالذكاة أن تخبر الجهة المختصة بالذبح أنها مذكّاة؛ أخذاً بمذهب المالكية في ذلك توسعة على الناس، وأما إنْ لم يعلم كونها حلالاً ولم يخبر مَن ذبحها بحلّها، فتبقى على أصل الحرمة للشكّ في الذكاة المبيحة. والله تعالى أعلم.