الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
وقوع الابتلاءات في حياة الإنسان من سنن الله تعالى في الحياة، قال الله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} [البقرة: 155، 156].
وقد أرشدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ما ينبغي أن يفعله المؤمن في زمن الفتنة والابتلاء، قال عليه الصلاة والسلام: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا) رواه مسلم، فيبنغي المداومة على الطاعات الواجبة كالمحافظة على الصلاة والصيام والزكاة، وحفظ حقوق الناس وكف الأذى عنهم، والالتزام بالتعليمات الاحترازية الصادرة لتنظيم الأمور وترتيب حياة الناس، كما ينبغي التقرب إلى الله تعالى بالنوافل كالصدقات والتبرعات وقيام الليل والدعاء والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك.
وأما العقيدة الإسلامية الصحيحة فهي أهمّ ما في الدين الإسلامي، وهي مبنية على الأدلة العقلية والنقلية القويمة، وهي ترشد المؤمن إلى التصرفات الفضلى عند وقوع الابتلاء في حياته، فتجعل الإدراك الصحيح والتوكل على الله تعالى والزهد في الدنيا ومتاعها وشهواتها أساساً لتصرفاته، فترى المؤمن الحق بإدراكه الصحيح عاملاً بعلمه لا يشارك في مواطن الجهل والطيش، وتراه بتوكّله على الله لا يتهافت على شيء من الدنيا مهما كانت حاجته ماسّة، وتراه بزهده وإيثاره لا ينافس على شيء بل يتمنى الخير للآخرين، ولا يمنعه من هذه الأخلاق أي ظرف قد يمرّ به، قال الله تعالى في وصف الأنصار من الصحابة رضي الله عنهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون} [الحشر: 9].
وحاصل العقيدة الإسلامية الراسخة في قلب المؤمن أن الله تعالى هو الفاعل المختار الخالق لكل شيء من نفع أو ضرّ، وأنه لا تأثير لأحد سوى الله في هذه الدنيا الفانية، فبهذه العقيدة ينعدم من قلب المؤمن الشحّ والبخل والحسد والأنانية وحبّ الذات، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون} [الروم: 40]، فتجد الأمة المتحلّية بهذه العقيدة متضامنةً متآزرةً متماسكةً لا تزعزعها الفتن والأزمات والاضطرابات، بل يحرص كل مؤمن كل الحرص على مصلحة الأمة ويقدمها على مصلحته الشخصية، لأنه يعلم أن الله تعالى قادر على خرق العادات لأوليائه المؤمنين وإكرامهم بالكرامات العظيمة.
وأما وقوع الأوبئة والأمراض المعدية؛ فهو أمر يقع بإرادة الله تعالى ومشيئته وحكمته العالية، وقد أرشدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بعض هذه الحكم، فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فأخبرها (أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ) رواه البخاري.
فمن حكم الله تعالى من وقوع الأمراض والأوبئة أنْ ينفذ الله تعالى مشيئته في عقاب أقوام ورحمة أقوام، ومن الحكم أيضاً أن يرفع الله درجات أقوام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ، لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ، أَوْ فِي مَالِهِ، أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أبو داود والطبراني.
ومن حكم الله سبحانه أن يمحص إيمان المؤمنين، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين} [العنكبوت: 2، 3].
ومن حكم الله تعالى أن يزيد المؤمنين علماً وخُلُقاً وتبصّراً بحقيقة الدنيا الفانية، ويدلّ على ذلك قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُون} [البقرة: 243].
وعليه؛ فإنّ من أهمّ ما يقوم به المؤمن في مثل هذه الظروف بعد أخذ الاحتياطات اللازمة، والالتزام بالتعليمات، وأن يدعو الله تعالى موقناً به متوكّلاً عليه، عالماً بأنّ ما قدره الله كائن لا محالة، فلا يعتريه في ذلك شك أو ريب، وقد أرشدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أهمية الدعاء والضراعة وطلب المدد من الله تعالى، فقال: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ) رواه أبو داود.
فينبغي للمؤمن اليقظ صاحب العقيدة القوية أن يفقه عن الله تعالى مراداته في كل حال من الأحوال، ويكون قلبه كالجبل الراسخ والطود الشامخ، لا تهزّه صعوبة الموقف، بل يعلم يقيناً أن الله تعالى لا يخلق شيئاً إلا وله فيه حكمة بالغة، ليكون ذلك إيقاظاً للناس من غفلتهم وشهواتهم، ثمّ هو سبحانه يتداركهم برحمته وفضله فيعفو عنهم ويرزقهم ويجعل عاقبة أمرهم خيراً لهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم. والله تعالى أعلم