الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
لا حرج في إظهار المسلم فرحته بالمناسبات الدينية، وبقدوم مواسم الخير والبركة، كشهر رمضان المبارك، بل في ذلك ما يدل على انتمائه لهذا الدين الحنيف والاعتزاز به، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يونس/ 58.
وإظهار الفرح مشروع في ديننا الحنيف أيضاً، فقد فرح النبي صلى الله عليه وسلم بيوم مولده ويوم بعثته، وخصّ هذا اليوم بعبادة خاصة، وهي الصيام، فرحاً بهذه المناسبة، فقال عليه الصلاة والسلام: (ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ-) رواه مسلم.
وقد بيّن العلماء مشروعية البشارة والتهنئة بالنعم التي تصيب المسلم، كما ثبت في قصة كعب بن مالك لما تخلّف عن غزوة تبوك وجاءه البشير بقبول توبته من الله عز وجل، ويجوز التهنئة كذلك بقدوم الأشهر ومنها قدوم شهر رمضان، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا، فَقَدْ حُرِمَ) رواه أحمد في [مسنده].
ويدلّ على مشروعية التهنئة بالنعم أن الإسلام قد شرع سجود الشكر في حال تجدّد نعمة أو اندفاع نقمة عن العبد.
جاء في [مغني المحتاج 1/ 599]: "قال القمولي: لم أر لأحدٍ من أصحابنا كلاماً في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس...، والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة، وأجاب الشهاب ابن حجر بعد اطّلاعه على ذلك بأنها مشروعة، واحتجّ له بأن البيهقيّ عقد لذلك باباً، فقال: باب ما روي في قول الناس بعضهم لبعض في العيد: تقبل الله منا ومنك، وساق ما ذكر من أخبار وآثار ضعيفة، لكن مجموعها يحتجّ به في مثل ذلك، ثم قال: ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك: أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنأه".
وجاء في [حاشية الجمل على المنهج 1/ 359]: "التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام، قال ابن حجر: مندوبة، ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند النعمة وبقصة كعب وصاحبيه وتهنئة أبي طلحة له".
ويقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في [لطائف المعارف ص/148]: "قال بعض العلماء: هذا الحديث: (قد جاءكم رمضان...) أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين، من أين يشبه هذا الزمان زمان؟".
ولا حرج في استعمال عبارة "رمضان كريم"؛ إذ لم يرد ما ينهى عن ذلك، كما يجوز إطلاق صفة الكرم على رمضان لما فيه من تفضّل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم من الخير والبركة ومضاعفة الأجر، ونسبة الشيء إلى سببه جائزة، كما قال الله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} النمل/29، وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} الدخان/ 17.
وفي اللغة يراد بالكرم: "شَرَفٌ في الشَّيء في نفسِه، أو شرفٌ في خُلُق من الأخلاق، يقال: رجلٌ كريم، وفَرَسٌ كريم، ونبات كريم، وكَرُم السّحابُ: أتَى بالغَيث. وأرضٌ مَكرُمةٌ للنَّبات: إذا كانت جيِّدة النبات" انتهى من [معجم مقاييس اللغة لابن فارس].
وجاء في [مرعاة المفاتيح 1/ 415] في تفسير الحديث السابق: "قد جاءكم رمضان شهر مبارك بدل أو بيان والتقدير هو شهر مبارك، وظاهره الإخبار، أي كثر خيره الحسيّ والمعنويّ كما هو مشاهد فيه".
وعليه؛ فلا حرج في إطلاق عبارة "رمضان كريم"، وتهنئة الآخرين بها. والله تعالى أعلم.