الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الجمع بين الصلاتين بسبب الريح الشديد والطين محل خلاف بين الفقهاء؛ وذلك لأن الرخصة في الجمع إنما وردت في المطر، فتوسع السادة المالكية والحنابلة في ذلك، وقاسوا غير المطر عليه بجامع المشقة، أما السادة الشافعية فقد قصروا الرخصة على ما وردت عليه، ولم يجوزوا الجمع لغير المطر؛ لأصلهم في عدم التوسع في الرخص، أما السادة الحنفية فلم يروا الجمع بالكلية.
وقول المالكية والحنابلة في الجمع لغير سبب المطر كالطين والريح الشديدة، مقتصر فقط على صلاتي المغرب والعشاء، وقد اشترط كل من المذهبين شرطاً زائداً على وجود الطين أو الريح لجواز الجمع.
فقال الحنابلة -في قول- بجواز الجمع بسبب حصول الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة، فلا بد من وجود الريح مع الظلمة والبرد، أما انفراد أحدها سواء الريح أو البرد، فلا يبيح الجمع، قال ابن قدامة رحمه الله في [المغني 2/ 203]: "أما الريح الشديدة، في الليلة المظلمة الباردة، ففيها وجهان: أحدهما، يبيح الجمع. قال الآمدي: وهو أصح، وهو قول عمر بن عبد العزيز؛ لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة، والثاني، لا يبيحه؛ لأن المشقة فيه دون المشقة في المطر، فلا يصح قياسه عليه، ولأن مشقتها من غير جنس مشقة المطر، ولا ضابط لذلك يجتمعان فيه، فلم يصح إلحاقه به".
أما السادة المالكية فقالوا لا بد من اجتماع الطين والظلمة؛ لجواز الجمع بين المغرب والعشاء، جاء في [مختصر خليل ص/44]: "وفي جمع العشاءين فقط بكل مسجد لمطر أو طين مع ظلمة، لا طين أو ظلمة".
وعلى كل حال، يبقى الجمع بين الصلوات سواء كان بسبب المطر، أم بسبب الريح والبرد الشديد رخصة في حق من وجد المشقة، وننصح بمتابعة الإمام فيما يأخذ به في هذه المسألة في حق من يجد المشقة في المجيء إلى المسجد؛ فالإمام الراتب ضامن، وهو من يتحمل تبعية الجمع.
فإذا أخذ الإمام بعدم جواز الجمع، وكان المصلي يتضرر من حضور الجماعة في المسجد، فله أن يصلي في البيت، ويجوز تحمل المشقة للحصول على أجر الجماعة، وذلك للأحاديث الصحيحة في مشروعية الصلاة في البيوت حال نزول المطر الشديد، والحرج في الوصول إلى المسجد، ومنها حديث جابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ: (لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ في رَحْلِهِ)" رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: "هذا الحديث دليل على تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وأنها مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها وتحمل المشقة؛ لقوله في الرواية الثانية: (ليصل من شاء في رحله)" [شرح النووي على مسلم 5/ 207].
أما الجمع بسبب الغبار فلم يقل به الفقهاء؛ لأنه عذر نادر. والله تعالى أعلم.