الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
للمسجد الأقصى مكانة خاصة في الفكر الإسلامي، فقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة تحمل اسم معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وهي سورة الإسراء؛ قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} الإسراء/1؛ قال الإمام البقاعي في تفسير هذه الآية: "ثم وصفه بما يقتضي تعظيمه وأنه أهل للقصد، فقال تعالى: {الذي باركنا} أي بما لنا من العظمة، بالمياه والأشجار وبأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة وموطن العبادات ومعدن الفواكه والأرزاق والبركات {حوله} أي لأجله فما ظنك به نفسه! فهو أبلغ من باركنا فيه" [نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 11/ 290].
وجعل الإسلام للمسجد الأقصى مكانة عظيمة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) متفق عليه، وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ) رواه ابن ماجه، فهذه الإشارة النبوية العظيمة جعلت المسلمين يهتمون بالقدس والمسجد الأقصى من الفتح العمري إلى التحرير الصلاحي، وفي المسجد الأقصى آثار وشواهد على اهتمام الدول الإسلامية من الأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين به.
وفي العصر الحديث تعرض المسجد الأقصى للظلم والطغيان والانتهاكات من قبل الاحتلال الصهيوني، وما يزال هذا الظلم مستمراً حتى يومنا هذا، فقد تعرض للإحراق، ومحاولات الإغلاق ومنع المصلين من دخوله، والتشديدات في دخوله، واستباحة المستوطنين للمسجد الأقصى، والتضييق على أهل القدس، والحفريات التي تجري أسفل المسجد الأقصى، ومخططات بناء الهيكل المزعوم وغير ذلك.
فأول ما يجب على الأمة الإسلامية اليوم سلوكه تجاه المسجد الأقصى عودتها إلى دينها، فالله سبحانه وتعالى قد وعد عباده المؤمنين بالتمكين والاستخلاف في الأرض؛ قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} النور/55، وقال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} الحج/41، ولنا في مدرسة حجة الإسلام الغزالي خير مثال على ذلك، فمدرسة إحياء علوم الدين أنتجت جيلاً ربانياً خرج منها نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي.
وعودة الأمة إلى دينها تحتاج إلى إنعاش الحركة العلمية التربوية الدعوية، وإعادة دور مجالس العلم والتربية، وتركيز الاهتمام بمناهج التربية والتعليم في المدارس والجامعات، وتوجيه الأسر والبيوت لتقوم بواجبها الصحيح، وتطوير وسائل التواصل مع الشباب في ظل الثورة العلمية والتكنولوجية، وبناء القوة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية للدول العربية والإسلامية.
ويستطيع المسلمون اليوم القيام بدورهم تجاه المسجد الأقصى من خلال مراعاة ما يأتي:
أولاً: تعليم الأجيال فضائل المسجد الأقصى، والبطولات الإسلامية التي جرت على أرضه، والظلم والاحتلال الذي يتعرض له اليوم.
ثانياً: تذكير المسلمين في أنحاء العالم بقضايا المسجد الأقصى ومشكلاته عبر المؤتمرات والندوات والشاشات الفضائية والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي.
ثالثاً: تعريف العالم كله بمشكلات المسجد الأقصى وما يتعرض له من انتهاكات.
رابعاً: القيام بإيصال التبرعات المادية إلى المسجد الأقصى وأهلنا في القدس؛ دعماً لهم وتثبيتاً لصمودهم.
خامساً: المساهمة في بناء المشاريع العلمية والتربوية والخيرية لأهلنا في القدس.
سادساً: الدعاء بفك أسر المسجد الأقصى وتثبيت أهلنا في القدس.
سابعاً: الالتفاف حول القيادة الهاشمية في جهودها الرامية إلى الحفاظ على المسجد الأقصى المبارك والدفاع عنه.
ثامناً: أن يتحد المسلمون من الداخل، امتثالاً لقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} آل عمران/103.
وختاماً؛ نسأل الله تعالى أن يعيد أمتنا إلى دينها، وأن يستعملنا في رفع راية دينه، وأن يرينا نصره العزيز أمام ساحات المسجد الأقصى. والله تعالى أعلم.