الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
كل شيء واقع فإنه بقدر الله تعالى، سواء كان خيراً أو شراً، فالخير والشر مخلوقان لله، وهذا من كمال علمه وقدرته جل جلاله، إلا أنه ليس من الأدب نسبة الشر والضُر إلى الله، وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده، قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) الشعراء/80، فنبي الله إبراهيم لم يقل وإذا أمرضني، وقال جل جلاله حكاية عن أيوب: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) الأنبياء/83.
ومن وقع منه الشر فليس معنى ذلك أن الله حمله عليه ورضيه له، وإنما وقع ذلك باختيار العبد وكسبه.
قال النووي رحمه الله في [شرحه على مسلم" 6/ 59]: "مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها" انتهى.
وجاء في [حاشية الصاوي على جوهرة التوحيد ص/230]: "(فخالق لعبده وما عمل): أي: فحيث كان الخير والشر من الله، فهو الخالق لعبده، والمراد منه كل مخلوق، والمعنى أن الله خالق لعبيده وما عملوه من خير أو شر اختياراً أو اضطراراً، وليس للعبد إلا مجرد الميل حالة الاختيار، ولذا طُلب بالتوبة والإقلاع والندم، واستحق التعزير والحدود، والثواب والعقاب، وهذا هو الكسب" انتهى.
وفي "حاشية البيجوري على جوهرة التوحيد" (ص/168): "مع أن الفعل خيره وشره لله، فالأدب أن لا ينسب له إلا الحسن، فيُنسب الخير لله والشر للنفس كسباً، وإن كان منسوباً لله إيجاداً، قال تعالى: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء/79، أي: كسباً كما يفسره قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الشورى/30، وأما قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) النساء/ 78، فرجوع للحقيقة". والله تعالى أعلم.