الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
يتشوّف الناس لسماع العلم والاستفادة من أهله؛ ليزدادوا علمًا بأمور دينهم؛ عملاً بقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43. والعلماء مسؤولون أمام الله عن بيان الرأي الشرعي الصحيح فيما يواجهه الناس في أمور دينهم ودنياهم مما يتعلق بالفتاوى الدينية.
قال الله تعالى مبيناً واجب العلماء، ومحذراً من التهاون في كتمان الحق بشأنه: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) آل عمران/187.
ومع تطوّر وسائل الإعلام؛ ظهرت البرامج الدينية على القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، وأصبح سماع العلم والفتاوى ميسوراً للناس، ولكن هذا التطور ذو حدّين، فقد يسمع الناس من أهل التخصص فيحفظون دينهم ويقومون بواجباتهم الشرعية على الوجه الصحيح، وقد يسمعون من غير المتخصصين فيقعون في التخبط واللبس، مما يؤدي إلى شيوع فتاوى غير دقيقة.
لكن يجب على المسلم أن يعرف أمور دينه من المتخصصين العلماء فقط، لقوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/7. يقول الإمام القرطبي في تفسيره: "لم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها، وأنهم المراد بقول الله عز وجل: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/7".
ومن الواجب على كل من السائل والمستفتي أن يحرص على انتقاء من يأخذ منهم ويحتاط في ذلك، ولا يأخذ دينه من أي شخص، يقول الإمام القرافي: "ومدرك العامي في أن الذي يستفتيه من أهل العلم والدين والورع: الأخبارُ، وقرائنُ الأحوال، فذلك عند العامة متيسر، وأما إذا لم يتضح له ذلك فلا يَحِلُّ له الاستفتاء؛ لأن دين الله لا يؤخذ من غير أهله، قال الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) الزمر/9. قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/7. فتعيين أهل الذكر بالنطق يقتضي بالمفهوم تحريم سؤال غيرهم". [شرح تنقيح الفصول 2/ 483].
ويقول الإمام محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم". وأهل العلم الثقات موجودون في كل بلد، ويثق الناس بفتاواهم ومنهجهم، وننصح الناس في كل بلد أن يسألوا المتخصصين من أهل البلد، لأن كل بلد له ظروف وأعراف قد لا يطلع عليها علماء البلدان الأخرى.
ويجدر التنبيه إلى أن بعض الاختلاف في الفتاوى قد يكون محموداً ناتجاً عن الاختلاف في فهم الدليل الشرعي، أو الاختلاف في فهم حادثة السؤال، أو الاختلاف في الأعراف، وهو ما قيل فيه: اختلاف أمتي رحمة، أي اختلافهم فيما يكون الاختلاف فيه مقبولاً. والله تعالى أعلم