الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
فرق الفقهاء بين دم الجبران، فلا يجيزون الأكل منه. وبين دم النسك والتطوع الذي يجيزون الأكل منه.
لكنهم اختلفوا في اعتبار دم التمتع هل هو دم جبران أم دم نسك:
فذهب الشافعية إلى اعتباره دم جبران، فلم يجيزوا لصاحبه الأكل منه.
في حين اعتبره جمهور الفقهاء دم نسك، فأجازوا لصاحبه الأكل منه.
جاء في كتاب [الحاوي] للإمام الماوردي:
"ما وجب لترك مأمور به أو فعل منهي عنه فلا يجوز عند الشافعي أن يأكل شيئاً منه بحال.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يأكل من التمتع والقران دون ما سواهما: لأنهما عنده نسك لا جبران.
وقال مالك: يجوز أن يأكل من جميع الدماء الواجبة إلا من دمين، لا يجوز أن يأكل منهما، وهما جزاء الصيد، وفدية الأذى.
دليل الشافعية قالوا: لأنه دم وجبت إراقته في حج، فلم يجز أن يأكل منه كجزاء الصيد، ولأن الدم أحد نوعي ما يقع به التكفير في الإحرام، فلم يجز أن يأكل منه كالطعام، يعني: الحنطة، فإذا ثبت أنه يجوز أن يأكل منه فأكل كان ضامناً".
وجاء في كتاب [المجموع] للنووي: "قال الأصحاب: كل هدي وجب ابتداءً من غير التزام، كدم التمتع، والقران، وجبرانات الحج، لا يجوز الأكل منه بلا خلاف".
وجاء في كتاب [المغني] لابن قدامة: "لا يأكل من كل واجب إلا من هدي التمتع، المذهب أنه يأكل من هدي التمتع والقران دون ما سواهما. نص عليه أحمد. وهذا قول أصحاب الرأي.
وقال الشافعي: لا يأكل من واجب؛ لأنه هدي وجب بالإحرام، فلم يجز الأكل منه، كدم الكفارة.
ولنا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تمتعن معه في حجة الوداع، وأدخلت عائشة الحج على العمرة، فصارت قارنة، ثم ذبح عنهن النبي صلى الله عليه وسلم البقرة، فأكلن من لحومها.
قال أحمد: قد أكل من البقرة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة خاصة. وقالت عائشة: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من لم يكن معه هدي، إذا طاف بالبيت أن يحل، فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر. فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه.
وروى [أبو داود وابن ماجه]:(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً وَاحِدَةً)، وقال ابن عمر:(تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيْفَةِ). [متفق عليه]. وقد ثبت (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر، فأكل هو وعلي من لحمها، وشربا من مرقها) [رواه مسلم] ولأنهما دما نسك، فأشبها التطوع، ولا يؤكل من غيرهما؛ لأنه يجب بفعل محظور، فأشبه جزاء الصيد".
فالمسألة محل اختلاف بين الفقهاء والعلماء، يعمل كل سائل بفتوى من يفتيه في هذا الشأن، ونحن الأحوط عندنا قول الشافعية بمنع الأكل من دم التمتع. والله أعلم