الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله اختلف الفقهاء في حكم المبيت في منى ليالي التشريق على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى وجوبه، وأنه يلزم الحاج بتركه دم، يذبح ويوزع على فقراء الحرم، ولا يجزئ هدي التمتع أو القران عنه، بل يجب فيه دم آخر. "ودليل ذلك فِعلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره من حديث جابر الطويل عن كيفية حجه عليه الصلاة والسلام".
واستدلوا أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية. كما رواه البخاري (1745)
قال ابن حجر رحمه الله: "في الحديث دليل على وجوب المبيت بمنى، وأنه من مناسك الحج؛ لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة، وأن الإذن وقع للعلة المذكورة، وإذا لم توجد أو ما في معناها لم يحصل الإذن". ينظر "فتح الباري".
ولكن يستثنى من هذا الحكم المرضى الذين لا يستطيعون المبيت في منى، فلا يجب عليهم المبيت، ولا دم عليهم.
ويحصل المبيت بأن يمكث في منى كل ليلة معظم ساعات الليل، ولو خرج منها بعد ذلك، وهذا ما يفعله كثير من الحجاج هذه الأيام نظراً لشدة الازدحام.
قال الخطيب الشربيني رحمه الله: "يجب بترك مبيت ليالي منى دم؛ لتركه المبيت الواجب، كما يجب في ترك مبيت مزدلفة دم، وفي ترك مبيت الليلة الواحدة مد، والليلتين مدان من طعام". "مغني المحتاج".
وعليه فمن ترك المبيت كلّه في منى وجب عليه دم، أما إن ترك مبيت يوم واحد فقط، فيجب عليه التصدق بمد من الطعام، أو ترك مبيت ليلتين، فيجب عليه التصدق بمدين من الطعام، والمد مقدار (600) غرام من القمح أو الرز، أو إخراج قيمتها نقداً، أما إذا ترك مبيت ثلاث ليال فعليه دم.
القول الثاني: المبيت سنة، لا يلزم بتركه شيء، وهو قول الحنفية.
جاء في "بدائع الصنائع" للكاساني رحمه الله: "يرجع إلى منى، ولا يبيت بمكة، ولا في الطريق، هو السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا فعل، ويكره أن يبيت في غير منى في أيام منى، فإن فعل لا شيء عليه، ويكون مسيئا؛ لأن البيتوتة بها ليست بواجبة بل هي سنة". والله تعالى أعلم.