الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الأساس الفقهي لمسألة الإرث الانتقالي (العثماني) كان يقوم على فكرة أن الأراضي الأميرية هي ملك للدولة التي بدورها ملكت المواطنين حق الانتفاع بتلك الأراضي دون تملك رقبتها، كما جاء في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر" (1/ 664): "الأرض الأميرية وهي الأرض التي فتحت عنوة أو صلحاً لكن لم تملك لأهلها بل أحرزت لبيت المال، ثم أوجرت بإجارة فاسدة بشرط أن يزرعوها ويؤدوا من حاصلها خراج مقاسمة، واشتهرت عند الناس بالعشرية، كما هو حكم أراضي بلدنا، وليست ملكاً لمن في أيديهم، لا يقدرون على بيعها وشرائها وهبتها".
وجاء في "حاشية ابن عابدين" (4/ 524): "بيع المسكة لا يجوز؛ لأنها عبارة عن كراب الأرض وكري أنهارها، سميت مسكة؛ لأن صاحبها صار له مسكة بها، بحيث لا تنزع من يده بسببها، وتسمى أيضاً مشد مسكة؛ لأن المشد من الشدة بمعنى القوة، أي قوة التمسك، ولها أحكام مبنية على أوامر سلطانية أفتى بها علماء الدولة العثمانية".
وفي بداية التشريعات حُرمت البنت من الانتفاع كلياً من الأراضي الأميرية، ثم جاءت الأوامر السلطانية بإعطاء البنات كالأولاد، جاء في "حاشية ابن عابدين" : مشد المسكة -الأرض الأميرية- تنتقل للابن، ولا تعطى البنت حصة... وفي سنة ثمانية وخمسين وتسعمائة، في مثل هذه الأراضي التي تحيا وتفلح بعمل وكلفة دراهم، فعلى تقدير أن تعطى للغير بالطابو، فالبنات لما كان يلزم حرمانهن من المال الذي صرفه أبوهن ورد الأمر السلطاني بالإعطاء لهن" (4/ 524).
وعليه، فقد كان الورثة يتقاسمون هذا الحق بالتساوي دون التفريق بين ذكر وأنثى.
وبعد مراجعة قانون الأراضي الأميرية –العثماني- تبين أن هذه الأراضي إلى الآن هي أراض أميرية، وأن لولي الأمر تحديد طرق تقسيمها وانتقالها من صاحب الحق إلى غيره، سواء بالبيع أو بعد الوفاة، وأنه قد تم في بداية التشريعات اعتماد إعطاء الأولاد دون البنات، ثم تم إعطاء البنات كالأولاد، وبقي هذا الأمر إلى أن صدر قرار بأن يكون تقسيم الانتفاع بتلك الأراضي حسب تقسيم التركة، وهذا لا يعني أنها خرجت عن كونها أميرية إلى كونها أراض ملك، بل هي أراض أميرية يعتمد في تقسيمها طريقة تقسيم التركة، كما يقرر ولي الأمر أو من ينوب عنه.
من هنا نرى أن ما تم تقسيمه سابقاً على قاعدة للأنثى مثل الذكر لم يكن على سبيل التركة كي يقال ببطلانه، وإنما وقع من جهة حق ولي الأمر في نقل الانتفاع بالأرض الميرية إلى من يراه مناسباً بعد المتوفى، وفي جميع الأحوال يبقى ملك الرقبة للدولة، فلا حرج على الأثنى أن تنتفع بما آل إليها بناء على القانون الانتقالي القديم الذي وضعه فقهاء الدولة العثمانية بنظر شرعي وجيه. والله تعالى أعلم.